حسن فحص – خاص “الشفاف”
قد لا یقتصر الامر على الإعلاميين او المحللين السياسيين، بل قد يتعداه ليشمل ايضا بعضا من السياسيين. فالكثیر من هولاء توقفوا – مليا – عند الخطوة المفاجئة التي قامت بها قوة تابعة للحرس الثوري الإيراني بالتوغل داخل الاراضي العراقية في حقل “فكه” النفطي ولماذا أتت بهذا التوقيت وما هي الاهداف السياسية التي تكمن وراء هذه الخطوة غير المتوقعة، خصوصا وانها جاءت في وقت تواجه إيران تحديا داخليا في الصراع الدائر بين السلطة والقوى الاصلاحية بكل اطيافها على خلفية نتائج الانتخابات التي اعادت محمود احمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية لدورة ثانية.
وحقل “فكه” – النفطي – يقع في المنطقة الحدودية التي أضيفت، بعد قبول إيران بقرار مجلس الامن الدولي رقم 598 القاضي بوقف الحرب بين إيران والعراق عام 1988، إلى المناطق الحدودية الاخرى المتنازع عليها بين البلدين بعد ان كانت قبل وخلال الحرب ارضا ايرانية. ويُعتبر الحقل من الجهة العراقية امتدادا لمدينة “العمارة” ومن الجهة الايرانية امتدادا للمنطقة الواقعة غرب بلدة “فكه” في شمال غرب مدينة “الاهواز”.
اذاً، لماذا الاستعجال الإيراني في حين ان أُسُس الحوار لحل ازمة المناطق المتنازع عليها قد وُضعت، وشُكِّلَت لجنة مشتركة لدراسة الحلول؟ سؤال يُضاف إلى سؤال آخر اكثر تعقيدا يتعلق بالإحراج الذي تسبب فيه هذا التصرف لحلفاء طهران في الحكومة والسلطة العراقية وتخبطهم في تفسير هذا الحدث والتأثير السلبي الذي اضعف موقفهم بتوجيه الاتهامات لبقايا حزب البعث المستفيد من التسهيلات السورية بالوقوف وراء مسلسل التفجيرات الدموية التي شهدتها بغداد وبعض المناطق الاخرى، وارتفاع اصوات بعض المكوّنات العراقية في المقابل مطالبةً بالتصدي للنفوذ والتدخل الإيراني بالشؤون الداخلية للعراق.
لم تستفق الساحة العراقية من ارتدادات التفجير الاخير وما أحدثه من تأزم داخل الحكومة والسلطة العراقية، وما رافقه من استجوابات برلمانية وانقسام داخل الحكومة على خلفية انتخابية لا علاقة لها بالوضع الامني، واستهداف المواطن العراقي الذي تحول إلى رقم في حسابات السياسيين الذين يعملون على استغلال هذه التفجيرات لتجييرها أصوتاً في صناديق الاقتراع بالانتخابات المرتقبة، لم تستفق هذه الساحة من صدمة الانفجارات، حتى صَدَمها الاعلان عن دخول قوة ايرانية إلى حقل “فكه” وسيطرتها على البئر الرابع وانزال العلم العراقي ورفع العلم الايرانية.
الضجة الاعلامية العراقية والاقليمية التي رافقت التصرف الإيراني كانت مضخمة إلى درجة لا تتناسب مع حجم القوة التي دخلت إلى البئر والتي لا تتجاوز الاحد عشر جنديا ايرانيا وبعض نقالات الجند رباعية الدفع.
الاوساط السياسية العراقية والعربية استنفرت محذرة من الاطماع الايرانية بالارض العربية، خاصة بأرض ونفط العراق، هذا البلد الذي توافق الجميع على تعميق جراحه واستلابه ومصادرته لتوظيفه في حساباتهم الخاصة وصراعهم اما على تثبيت مواقعهم او تحسين شروط تراجعهم.
الثابت الوحيد في التصرف الإيراني انه أثّر باتجاهين.
الاول ايجابي، بحيث خفف الضغط العراقي الذي يقوده رئيس الوزراء نوري المالكي ضد سوريا واتهامها اما مباشرة او بشكل غير مباشر بالوقوف وراء التفجيرات التي تضرب في العراق في محاولة لضرب الانجاز الذي حققته حكومته في نقل العراق من بلد ينعدم فيه الامن إلى بلد تحدث فيه اختراقات أمنية.
والاتجاه الثاني سلبي بحيث اضعف جبهة الأحزاب والقوى العراقية من شيعية وكردية وحتى سنية التي تعتبر حليفةً لايران، والتي باتت مطالَبة باتخاذ موقف واضح من هذا التدخل واثبات عدم ايرانيتها كمقدمة لاثبات عراقيتها.
يبدو ان غرفة التخطيط الاستراتيجية في طهران لمست بوضوح، ان جهات عربية لن تسمح لها بالتفرد بالعراق على حساب حصتها في هذا البلد. اضافة إلى ان الانقسام داخل الاحزاب الشيعية في العراق التي تعتبر حليفا لها، رضيت ذلك ام لم ترض، وكذلك تجربة هذه الاحزاب في الحكم، وصل إلى نقطة بدأ تشكل خطرا على النفوذ الإيراني. من هنا كان لا بد من التفتيش عن خيرات اخرى لضمان هذا النفوذ وتقديم جوائز ترضية للاطراف الاخرى، خصوصا الدول العربية، وتنال في الوقت نفسه موافقة المجتمع الدولي خاصة واشنطن.
وقد لا تنزعج طهران كثيرا من عودة نوري المالكي إلى رئاسة الوزراء مرة جديدة، وهذه العودة نقطة التقاء مع الادارة الامريكية، خاصة وانها على خلاف ما تُظهِر، لا تبدي الكثير من الارتياح لوصول أي من حلفائها الآخرين إلى هذا المنصب لاعتبارات متعددة. الا ان عودة المالكي إلى السلطة ورئاسة الحكومة قد تعني امكانية استمرار الوضع العراقي على ما هو عليه من عدم استقرار امني وسياسي، وبالتالي لا بد من التفتيش عن خيار آخر يكون نقطة وسط بين طهران وواشنطن ويحقق الحد الادنى من الرضى العربي خاصة دول الجوار.
وهذا، مع استبعاد طهران لإمكانية التفكير بوزير الداخلية الحالي “جواد البولاني” كبديل للمالكي بسبب ما تعتبره طهران وضوحاً في ميوله الحزبية البعثية وارتباطاته الاقليمية التي لا تصب في مصلحة الرؤية الايرانية للعراق.
بناء على هذه الاعتبارات كان لا بد لطهران من التفتيش عن إسم بديل ليكون اما منافسا للمالكي واما بدلاً له، على ان يكون شخصية علمانية وقادرا على استقطاب الجزء الاكبر من القاعدة الشعبية التي اظهرت ابتعادا واضحا عن الاحزاب الدينية.
من هنا يمكن تفسير الدخول الإيراني إلى حقل “فكه” والسيطرة على البئر الرابع في هذه المرحلة، بحيث يمكن اعتباره تدخلا في مسارات الانتخابات العراقية القادمة ومحاولة رسم صورة الشخص الذي سيكون صاحب الحظ في تولي رئاسة الوزراء,
وحبذا هنا لو وجهنا سؤالا للسيد اياد جمال الدين ليحدثنا عن زيارة سرية قام بها ممثلون عن احدى الشخصيات العلمانية إلى طهران والتي كانت السبب في ان يعلن السيد اياد انفصاله وابتعاده عن هذه الشخصية.
اما فيما يتعلق بموضوع اطلاق سراح الرهينة البريطانية بيتر مور في هذه اللحظة وبعد ثلاث سنوات من اعتقاله في جنوب العراق، فلا شك انه يطرح الكثير من علامات الاستفهام والتساؤل عن التوقيت وما يمكن ان يعود به من نفع على الجهة التي اطلقت سراحه، خاصة وان الجهة الخاطفة كانت ولا تزال على علاقة بإيران من خلال ارتباطها بـ”فيلق القدس”، المسؤول عن متابعة الساحة العراقية.
اطلاق سراح مور جاء عشية انتهاء المهلة التي منحها المجتمع الدولي للرد على الاقتراحات التي قدمت لايران من اجل حل ازمة ملفها النووي، وفي ظل التأزم الذي يسيطر على الوضع الداخلي بسبب المواجهات والتظاهرات التي تشهدها المدن الايرانية على خلفية نتائج الانتخابات الرئاسية، وتحرك المجتمع الدولي لادانة عمليات القمع الدموي التي تقوم بها السلطة الايرانية ضد المعترضين. كان لا بد لطهران من تقديم رشوة او رشى للمجتمع الدولي، بدأت من الاتصال الهاتفي للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ووزير خارجيته برنار كوشنير مع “كلوتيلد ريس” الفرنسية المعتقلة في إيران منذ ما بعد الانتخابات الرئاسية ومحاولة عقد صفقة مع باريس بمبادلتها بايراني معتقل في فرنسا في محاولة لتحسين وجه احمدي نجاد وحكومته، والان اطلاق البريطاني مور الذي يهدف ايضا للتخفيف من الضغوط الداخلية والدولية. ومن غير المستبعد ان يتبعه اطلاق سراح الدبلوماسي الإيراني الموقوف في بريطانيا “تاجيك”. ومن غير المستبعد ايضا ان تقوم طهران باطلاق سراح السواح الامريكيين الثلاثة الذين اعتقلتهم بعد دخولهم الاراضي الايرانية من الحدود العراقية في كردستان.
لكن، وطالما ان السلطة الايرانية غير قادرة على ضبط الساحة الداخلية ووقف موجة الاعتراضات الشعبية التي تزداد يوما بعد يوم وتدفع بهذه السلطة لاتخاذ اجراءات اكثر تشددا قمعا ومن غير المستبعد ان تنتهي باعلان حالة طوارئ واحكام عرفية، فانها لن تكون قادرة على توظيف هذه الاوراق في مخاطبة المجتمع الدولي. وبالتالي عندما يبدأ مسار الإنحدار فلن يكون باستطاعة أي تنازل او اجراء الوقوف بوجهه او الحد من تسارعه.
hassanfahs@hotmail.com
من بئر “فکه” إلى اطلاق سراح البريطاني بيتر مور: تنــــازلات… ام استثمــــارات مجهــولـة الافـــــق ما هذا التدهور في مستوى التحليل غير المترابط والذي يرسل (خاص للشفاف).. وما هذا الحديث الغامض الذي يغمز لأياد ويتحدث عن شخصية علمانية؟ من هي الشخصية العلمانية؟ أذكرها.. أو سكّر لسانك.. هل كتبت مقالك لكي توجهه لأياد جمال الدين الشخص غير المتزن والمتأرجح بين علمانية وليبرالية من جانب .. وتبعية للدين وعمامة وتنظيرات ما أنزل الله بها من سلطان..؟ أذن أرسل مقالك له.. أعجب على نشر المقال الذي يخلو من أي ترابط في التحليل .ويبدو أن المقال تمّ أختصاره بعجالة وسرعة ففقط ترابط التسلسل في الأفكار… قراءة المزيد ..