مروان طاهر – بيروت “الشفاف” – خاص
ما زالت ملابسات إبعاد عشرات اللبنانيين من الامارات العربية المتحدة يكتنفها الغموض في ضوء استمرار السلطات الاماراتية في اتخاذ المزيد من القرارات المشابهة في حق لبنانيين من الطائفة الشيعية وفلسطينيين من أنصار حركة حماس. وتأتي عمليات الإبعاد بعد إفلاس شبكة صلاح عز الدين المالية، وبعد معلومات غامضة مفادها أن الباخرة الروسية “المخطوفة” أنهت رحلتها، وحمولتها الصاروخية في دولة الإمارات. ومعلومات أخرى عن تحويلات مالية كبيرة لـ”حزب الله” أوقفتها دولة الإمارات. وهذه كله، وسط إنطباع عام في أوساط حزب الله بأن الحزب يتعرّض لحملة “مكافحة” تمتدّ من إفريقيا إلى أميركا اللاتينية.
الزعم بأن دولة الإمارات سعت لتجنيد شيعة لبنانيين للتجسّس على حزب الله، ثم طردتهم حينما رفضوا، لا يبدو مقنعاً جداً. فلماذا انتظرت دولة الإمارات ليصبح لديها 100 ألف لبناني قبل أن تقرّر تجنيد عدد من “المخبرين”؟ فكل دول العالم، بما فيها لبنان وإيران..، تملك “مخبرين” داخل الجاليات الأجنبية المقيمة على أراضيها، لأسباب أمنية بديهية! ثم أن دولة، مثل “الإمارات”، تهتم بالإقتصاد و”البيزنس” أكثر من إهتمامها بالسياسة، لا يُحتَمَل أن تفجّر أزمة على هذا المستوى إذا كان الموضوع مجرّد “رفض” عدد من اللبنانيين “عروض تجنيد” من جانب أجهزتها الإستخبارية!
السلطات الاماراتية تمارس انتقائية دقيقة في عمليات الإبعاد. فهي لم تألُ جهدا ولم تدخر لا مالا ولا مساعدات عينية يوم غزت اسرائيل جنوب لبنان. وهي لم تأخذ قراراتها عشوائيا بإبعاد جميع اللبنانيين الشيعة، مما يعطي القرار بعدا امنيا سياديا إماراتيا يندرج في اطار الحفاظ على الأمن الوطني.
وفي ضوء ما تعرّض له البعض في الامارات وعدم نجاح الدبلوماسية اللبنانية في حل الازمة، فان ارتدادات الإبعاد بدات تظهر في بيروت. وتردّد ان مواطنين اماراتيين تعرضوا للإهانة في بعض شوارع العاصمة. كما افاد العضو المؤسس في “جمعية الصداقة الاماراتية اللبنانية” الياس ابو صعب الذي ناشد “التعاطي مع هذه القضية بمسؤولية اكبر”، مذكرا بأن “هناك اكثر من مئة الف لبناني يقيمون ويعملون في دولة الامارات وهم يعامَلون كأهل ومواطني البلد”، ومنوها بالدعم الاماراتي للبنان وباقامة جسر جوي خلال حرب تموز (يوليو) لايصال المساعدات الى الشعب اللبناني والمساهمة في اعادة بناء المدارس وتأهيل المستشفيات في الجنوب اضافة الى المساعدات العسكرية للجيش اللبناني وبينها طائرات هليكوبتر”.
ابو صعب، وفي حديث تلفزيوني، نقل عن مسؤولين اماراتيين قولهم ان “ما جرى هو نتيجة ورود معلومات عن اسماء الى السلطات الرسمية الاماراتية تقوم بأنشطة تتعارض مع مصلحة الدولة”. وأمل في “معالجة القضية على المستوى الرسميّ بين البلدين ودون اثارة ايّ حساسيّات تدمّر وتخلق خللا في العلاقة المتينة بينهما”.
ابو صعب وضع الاصبع على الجرح الامر الذي لم تكشفه السلطات الرسمية اللبنانية التي تتابع الموضوع وتسعى الى فهم ما جرى. ولكن يبدو ان الاجوبة الاماراتية كانت مقنعة، وأحرجت لبنان الرسمي. فأحجم المسؤولون اللبنانيين عن اعطاء اي شروحات لما جرى وبقيت وسائل اعلام حزب الله، صحيفة “الاخبار” وتلفزيون “المنار” واذاعة “النور”، وتلك التي تدور في فلكها كصحيفة “السفير” وتلفزيون البرتقالة، تنفخ في بوق الازمة الى حد ان نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم استعمل لغة تهديد مبطن مع دولة الامارات مطالبا السلطات في ابو ظبي بإعادة المبعدين! وهذا ما يضع علامة استفهام على الهوية السياسية للمبعدين، وليس الدينية، في ضوء اصرار وسائل الاعلام المشار اليها في التصعيد.
قادمون من الامارات العربية ابلغوا “الشفاف” ان السلطات الاماراتية ماضية في قراراتها السيادية. وهي تعمل على توقيف المشتبه بهم في المطار، وتحقّق معهم قبل ان تقرر السماح لهم بدخول الدولة او إبعادهم. واضافوا ان الشائعات في الشارع الاماراتي تشير الى امور عدة تقف وراء قرارا الابعاد، منها ان السلطات الاماراتية تخشى اقتراب موعد ضربة لايران. لذلك هي تتخذ خطوات استباقية بإبعاد من تشتبه في انهم سيعملون على زعزعة الاستقرار او ما يطلّق عليه بـ”الخلايا النائمة” لحزب الله وايران، والتي هددت ايران مرارا باستخدامها لزعزعة امن الخليج في حال تعرضها لضربة اميركية او دولية على خلفية برنامجها النووي. ومن الشائعات ايضا ان المبعدين يمارسون نشاطا سياسيا وماليا في دولة الامارات، وهم جزء من المنظومة التمويلية لانشطة حزب الله الجاري العمل على تجفيفها دوليا، كما حصل مع “صلاح عزالدين” وشبكات التمويل الحزب الالهية الاخرى في اميركا اللاتينية واوروبا. وهذا ما يتعارض مع سياسة دولة الامارات العريبة المتحدة التي تلتزم الحياد ولها نزاع حدودي مع ايران التي تتهمها ابو ظبي باحتلال جزرها الثلاث ابو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى.
مراقبون لتطور الاوضاع في دول الخليج العربي اعربوا عن اعتقادهم ان ما يجري في دولة الامارات هو مقدمة لما سيحصل لاحقا في سائر دول المنطقة. حيث سيتم إبعاد المتعاطفين والناشطين مع حزب الله وحركة حماس وسائر “الخلايا النائمة” للحزب والحركة. وان الامارات كانت المبادرة الى القيام بهذا الامر وستلحق بها دول خليجية اخرى تخشى تعاظم النفوذ الايراني وتخشى الاختراقات الامنية كما حصل مع خلية حزب الله في مصر.