الشفاف بيروت – خاص
كثرت التحليلات والآراء بشأن موقف زعيم الاغلبية النيابية اللبنانية سعد الحريري بالاعتذار عن تشكيل الحكومة اللبنانية، بين مؤيد ومعارض ومتحفظ ومن اتهم الحريري بالتسرع.
ولكن الحقيقة حسب ما تشير المعلومات، وحسب ما اعلن زعيم الاغلبية سعد الحريري، انه تعرض لعملية غش وخداع كبيرة من اكثر من طرف. فسمع كلاما جميلا وتعهدات والتزامات، وعند التنفيذ تراجع الجميع عن التزاماتهم وتـُرك الحريري ليواجه منفردا تعنّت العماد عون ومواقفه الاستكبارية التي لا تعبأ لا بقوانين ولا دساتير ولا مواثيق متعارف عليها.
وفي المعلومات ان القشة التي قصمت ظهر الحريري كانت الاجتماع الذي عقده مع الخليلين (علي حسن خليل وحسين خليل) موفدين من قبل قوى المعارضة لمفاوضته على التشكيلة التي قدمها للرئيس سليمان. الاجتماع الذي استمر لما بعد الساعة الواحدة فجرا تناول البحث فيه كل شيء ما خلا التشكيلة الحكومية التي اخذت من البحث دقائق معدودة اكد خلالها “الخليلان” موقف المعارضة، وانهما مفوضان التحدث باسم جبران باسيل و”عمّه”، وانه “مقابل التخلي عن وزارة الداخلية” فان قوى 8 آذار تريد وزارة العدل مع الاصرار على توزير باسيل في الاتصالات وخمس حقائب. عندها تيقن الحريري ان لا نية للمعارضة لتسهيل تشكيل حكومة، الامر الذي اثار في نفس الحريري اشد الاستياء خصوصا وانه يعتبر انه قدم الكثير للمعارضة سواء على صعيد التعهدات الشخصية او من خلال التشكيلة الوزارية. فأعطى قوى 8 آذار على حساب الحلفاء تسع حقائب “خدماتية” وحقيبة “سيادية” من اصل عشر حقائب على حساب الحلفاء في الاغلبية ورئيس الجمهورية. ومع ذلك تراجع “الخليلان” عن التعهدات التي كانوا اطلقوها باسم المعارضة لتسهيل التشكيلة الحكومية.
وما زاد في استياء الحريري ودفعه الى رفع سقف خطابه السياسي للمرة الاولى منذ اعلان تكليفه واعتذاره، مجموعة الشروط التي اطلقت في وجهه من قبل الرئيس نبيه بري الذي اعلن انه سوف يسمي الحريري ليشكل الحكومة في الاستشارات الثانية ثم عاد ليقول بعد اجتماع كتلته النيابية ان التسمية مشروطة بالتزام الحريري صيغة 15 – 10 – 5. وكذلك فعل رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي ربط في حديثه لمحطة تلفزيونية ايرانية اعادة موافقته على تكليف الرئيس الحريري بالتزام صيغة 15 – 10 -5. فما كان من الحريري إلا ان اعتمد سياسة قلب الطاولة في وجه الجميع واعلان انه التزم مبدأ المعاملة بالمثل، ومن يسميه سوف يتعامل معه، ومن لم يسمّه سوف لن يتعامل معه. كما أعلن الحريري ان مشاورات التشكيل الثاني ومفاوضاتها سوف لن تبدأ عند النقطة التي وصلت اليها المفاوضات السابقة. وهو ابلغ المعنيين ان وزارة الاتصالات خارج البحث، وانه سوف يعيد النظر في من سيتولى حقيبة الاشغال، وتاليا ارساء قواعد تفاوضية جديدة. وفي حال لم تلاقِ رغبة الحريري وأسسه التفاوضية آذانا صاغية من الحلفاء والمعارضة، فهو غير متحمس لتولي رئاسة الحكومة. وينطلق الحريري في موقفه هذا من اصرار الجميع على المناداة به رئيسا، سواء من المعارضة او الموالاة، من غير ان يبدي الافرقاء الاساسيون اي استعداد للمساعدة او لتسهيل مهمته. ومن هنا فهو مصر على موقفه ولا يبدي اي استعجال لحرق المراحل. فاما ان تتألف حكومة وحدة وطنية متجانسة تعمل على ما فيه خير البلاد ومصلحتها واما لتبق الاوضاع على ما هي عليه من دون حكومة.
وتشير المعلومات الى ان الحريري غير مستعجل هذه المرة وليس هناك من سقف حدده بري ولا جنبلاط لاعلان التشكيلة الحكومية. ولذلك فهو لن يبدأ استشاراته النيابية قبل انقضاء عطلة عيد الفطر اواسط الاسبوع المقبل. وهو سيأخذ وقته في درس التشيكلة المحتملة ولو استغرقه الامر الوقت اللازم غير المحدد بسقف زمني وليتحمل جميع الفرقاء مسؤولياتهم امام اللبنانيين.
وتؤكد المعطيات التي وصلت الى الزعيم الحريري ان لا نية قريبة لدى قوى المعارضة لتسهيل تشكيل الحكومة بعد ان اتضحت النوايا الايرانية لمفاوضة المجتمع الدولي على حل مشاكل العالم وازماته السياسية منها والامنية والاقتصادية والنووية، من دون الاتيان على ذكر الملف النووي الايراني طبعا. وبالتالي، فان الوضع اللبناني الذي دخل في العرض النووي الايراني سوف يبقى مرتهنا لمسار هذا الملف، اضافة الى الموقف السوري الذي لا تنفك تعبر عنه صحيفة “الوطن” السورية وهو تعبير عن تعثر، او في احسن الاحوال جمود، على مستوى التقارب السوري السعودي.
وفي هذا السياق لا تختلف رؤية الحريري عن ما هو سائد في الاوساط السياسية اللبنانية من ان الوضع رهينة للمتغيرات الدولية وانطلاقا من هذا الواقع فان الحكومة غير مرشحة لتبصر النور في الوقت الحالي.
وفي سياق متصل اشارت معلومات الى ان العماد عون يسعى الى تغيير النظام اللبناني وانه بالاتفاق مع حزب الله يسعى الى الدفع بالامور الداخلية نحو ازمة نظام انطلاقا من الحقد التاريخي الدفين في نفس الجنرال عون على اتفاق الطائف الذي حال دون وصوله الى رئاسة الجمهورية.
وفي هذا السياق يندرج الخلاف بين جبران باسيل والنائب العوني ابراهيم كنعان إثر الاعلان عن التشكيلة الحكومية. فقد طالب كنعان قيادات التيار بالتروي قبل رفض التشكيلة الحكومية معتبرا انها منصفة وانها حققت معظم مطالب التيار خصوصا لجهة توزير خمسة بأربع حقائب ووزيرة دولة لتيار المردة، اضافة الى وزارة التربية التي تشكل مطلبا مزمنا للمسيحيين. إلا ان المعلومت اشارت الى ان جبران استشاط غيظا واعلنت مصادر مقربة منه انه ابلغ كنعان ان التشكيلة الحكومية مرفوضة في الاساس وفي الشكل لان المطلوب ابعد من وزارة الاتصالات وتوزير باسيل. بل هو يصل الى تأكيد التحالف مع حزب الله والنظام السوري لإعادة لانتاج تحالف الاقليات مستفيدا من الوقت الضائع دوليا ثم للانقلاب على النظام اللبناني والرئيس سليمان لكي يتربع عون على كرسي الرئاسة في بعبدا- الحلم التاريخي الذي اعتبر ان الآوان قد حان لتنفيذه فضلا عن رفع ما يسميه العماد عون الهيمنة السنية عن البلاد باقصاء الحريري وكتلته النيابية وتحجيم دوره تدريجيا وصولا الى احكام السيطرة على النظام في ظل حراب السلاح الحزب الالهي والدعم السوري.