لم تثر افتتاحية «القبس» دهشتي ولم أستغربها، فلقد عودت صحيفتنا أن تكون صوت من لا صوت له، وقبسا لحرية الرأي من أجل انتصار الاعتدال على التعصب، وغلبة الحرية الفكرية على التشدد والتزمت الفكري والعقائدي. وكذلك لم استغرب ردود الفعل السلبية تجاه الافتتاحية والهجوم المنظم الذي شنته جموع معروفة ضد «القبس» وكتابها وتوجهاتها، فكل ذلك كان متوقعا. لكن المثير للدهشة والاستغراب والأسف فعلا؛ هو ردود الفعل ذات النبرة الخافتة، التي أيدت ما جاء في الافتتاحية لكن بخجل وأحيانا بتردد، والأدهى بأسماء وهمية.
«القبس» لم تأت بجديد، وكل ما فعلته هو إطلاق صرخة تحذير من المد التشكيكي والترهيبي للإسلام السياسي، وحذرت الحكومة من مساوئ احتضان التطرف الديني، ومن الواضح أن غرضها الأساسي من الافتتاحية هو «الحلم» باستعادة الكويت الدولة التي تم اختطافها زورا من قبل أحزاب التدين السياسي، وتحرير المجتمع الكويتي من الدروشة التي فُرضَت عليه غصبا.
«القبس» تكلمت بصوت الأغلبية الصامتة في الكويت، التي من المفروض انها سئمت وملت من جو السجن الخانق، وتتطلع الى العيش بسلام وحرية.. لكن الغريب أن الأغلبية الصامتة.. ظلت صامتة، وتركت لـ «القبس» مهمة التحدث بلسانها، وبقيت في الصفوف الخلفية متوارية خوفا من التشكيك في سلامة تدينها، وخوفاً من عدم الحصول على «صك صحة عقيدتها»، من قبل تيار التشدد الذي لا صوت يعلو فوق صوته، والذي يملك القدرة على تشويه سيرة وسمعة كل من يمس مصالحه.
في المدونات الكويتية، في المجالس الخاصة، عبر الايميلات.. والرسائل النصية كانت الأكثرية تشيد بافتتاحية «القبس» ومعانيها، لكن القلة القليلة من تجرأ وكتب رأيه ونشره على الملأ خوفا من اتهامه بالليبرالية وكأنها نقيصة، أو بالعلمانية وكأنها كفر، كما يحب أن يترجمها البعض. من الجهة الأخرى، تداعى كتاب «الإسلام السياسي» ولم يبق منهم احد إلا كتب وندد بالافتتاحية، وكأنه أصبح فرض عين على كل كاتب يتبع حزبا دينيا معينا أن يهاجم «القبس» وافتتاحياتها وكتابها. جميعنا يعلم أن أحزاب التدين السياسي لها برامجها ولها عساكرها الذين يجندون لمهاجمة أي كلمة تمسهم، ومحاربة أي صوت عقل يحاول أن يمنطق المعادلة. ونعرف أن بعض مجنديهم هم من يعلقون على المواقع الالكترونية وأن أكثر التعليقات على المقالات تأتي بقلم شخص أو شخصين تحت عدة أسماء؛ لكن بالمنطق وبالحربة نفسها (وهذا معروف لدى تقنيي المواقع). ويحسب لـ «القبس» أنها نشرت أكثر المقالات هجوما عليها وأكثر الآراء تشددا ضدها، وهذا ما لا تفعله أي صحيفة غيرها. لكن كل لومنا وعتبنا على الكتاب الليبراليين الذين اكتفوا باستحسانهم السري، وتركوا (الشقا على من بقى).
يبدو أن الحرية ما زالت تحلق في أجواء الوطن.. لكنها لا تجد عشا تحط فيه.
dalaa@fasttelco.com
* كاتبة كويتية