تشير تقارير واسعة النطاق بأن صادق لاريجاني، وهو رجل دين شاب عديم الخبرة له علاقات وثيقة مع الأجهزة العسكرية والاستخبارات، سوف يحل رسمياً محل [آية الله] محمود هاشمي شاهرودي كرئيس للسلطة القضائية الإيرانية، ابتداءاً من يوم الأحد 16 آب/اغسطس. ولهذا التعيين أهمية خاصة، حيث تمتلك السلطة القضائية في إيران نفوذاً كبيراً — وإن يكن ذلك من خلال موافقة الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي — وقدراً كبيراً من حرية التصرف في اتخاذ القرارات دون الرجوع إلى القانون أو المفاهيم الإسلامية، وبصورة خاصة عندما تقتضي الظروف “حماية مصالح النظام”.
من هو صادق لاريجاني؟
ولد صادق لاريجاني في مدينة النجف الأشرف في العراق عام 1960، وهو نجل آية الله العظمى [ميرزا] هاشم أملي وصهر آية الله العظمى حسين وحيد خراساني، أحد أكثر مرجعيات الشيعة تأثيراً في الوقت الحاضر. [وتجدر الإشارة هنا] بأن إثنين من اشقاء لاريجاني الأكبر سناً والأكثر شهرة — رئيس “المجلس” (البرلمان الإيراني) والمفاوض النووي السابق، علي لاريجاني، ونائب رئيس السلطة القضائية ونائب وزير الخارجية السابق الذي يحمل درجة الدكتوراه في الرياضيات من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، محمد جواد لاريجاني، – هما أيضاً متزوجان [من بنات] أسر محترمة من رجال الدين: فعلي هو صهر [آية الله الشيخ] الراحل مرتضى مطهري، مفكر [الثورة] والحكومة الإسلامية، ومحمد جواد هو صهر حسن حسن زاده، آية الله في قم. وقد أصبح خامنئي، الذي كان في وقت من الأوقات المشرف على “الحرس الثوري الإسلامي”، صديقاً حميماً لعائلة لاريجاني عندما شغل علي ولعدة سنوات منصب نائب قائد “الحرس الثوري الإسلامي”.
ويبرر صادق لاريجاني افتقاره إلى الخبرة السياسية من خلال سيرته الذاتية القصيرة المنشورة على موقعه على الانترنت. فبسبب “شعوره بأن الغزو الثقافي الغربي لا يقل أهمية عن الغزو العسكري”، فقد قرر أن يعد نفسه لـ “مواجهة الغزو الثقافي”، بعدة طرق من بينها تعلم الانجليزية. وقد استخدم مهاراته اللغوية الجديدة لترجمة العديد من الأعمال الفلسفية، مثل مقال “كارل پوپر” عن فلسفة العلوم وكتاب جي. جاي. وارنوك “الفلسفة الأخلاقية المعاصرة”، حيث علق على هذا الأخير في مقالة نقدية من وجهة النظر الإسلامية. ولأول مرة عمل صادق اسماً لنفسه بانتقاده المثقفين الدينيين مثل عبد الكريم سوروش، بحيث أصبح في النهاية واحداً من أهم أصوات الجمهورية الاسلامية. وقد قام لاريجاني أيضاً بتدريس دورات عن الفكر الإسلامي، سواء في المعاهد الدينية في قم أو في قواعد “الحرس الثوري الإسلامي” المختلفة في جميع أنحاء البلاد.
وفي عام 2001، كان صادق لاريجاني أصغر الفقهاء سناً – من أي وقت مضى – يتم تعيينه في “مجلس صيانة الدستور”، الهيئة المكونة من اثني عشر شخصاً، المسؤولة عن الموافقة على جميع القوانين التي يصدرها “المجلس” والإشراف على الانتخابات. وفي سياق أنشطته في “مجلس صيانة الدستور”، حاول أن يظل بعيداً عن الأضواء عن طريق تجنب الظهور العلني والمقابلات الإعلامية. كما أنه بذل كل جهد ممكن من أجل الإبقاء على سرية علاقاته مع [كل من] خامنئي، وجهاز المخابرات و”الحرس الثوري”.
عسكرة المؤسسات الإيرانية
في العشرين عاماً التي شغل فيها منصبه، لا سيما في السنوات الأخيرة، قام خامنئي باستبدال المسؤولين العسكريين والسياسيين والاقتصاديين والثقافيين ورجال الدين بجيل جديد من السياسيين ورجال الدين الذين يدينون له بتقدمهم السياسي أو الديني. وقد أصبحت أجهزة المخابرات و”الحرس الثوري” السبل الرئيسية التي يستطيع من خلالها شبان طموحون من الموالين لخامنئي دخول الساحة السياسية.
ورغم أن معظم هؤلاء السياسيين ورجال الدين الجدد هم من المقربين إلى خامنئي، إلا أنهم ليسوا رجال دين تقليديين ذوي مؤهلات سياسية ودينية مستقلة، مثل أولئك الذين شاركوا في ثورة 1979. وبدلاً من ذلك، بدأ معظم أبناء الجيل الجديد حياتهم الوظيفية في القوات المسلحة، و”الحرس الثوري” وأجهزة المخابرات. ومن الأمثلة البارزة على ذلك أحمد خاتمي (لا علاقة له بالرئيس السابق محمد خاتمي)، وكيل مخابرات مؤثر [في البلاد]، الذي هو الآن عضو في “مجلس الخبراء” وإمام صلاة الجمعة في طهران؛ وأحمد سالك، ممثل خامنئي في كل من “قوة القدس” واستخبارات “الحرس الثوري الإسلامي” وعضو في “جمعية رجال الدين المناضلين في طهران”؛ وحسين طائب، قائد ميليشيا “الباسيج” ورئيس سابق لاستخبارات “الحرس الثوري الإسلامي؛ وصادق لاريجاني.
السلطة القضائية تحت رقابة خامنئي
يفرض خامنئي رقابة دقيقة على السلطة القضائية الإيرانية: فهو لا يعين رئيسها فحسب، بل يقدم أيضاً توصيات غير رسمية لمسؤولين كبار آخرين في السلطة القضائية. وإذ عُرِف عنه أنه يتدخّل مباشرة حتى في الشؤون الصغيرةه، فإنه يتجاوز أحيانا رئيس السلطة القضائية، كما حدث مؤخراً حينما أمر بإغلاق مركز اعتقال “كاهريزاك” في طهران (وهذه الخطوة تتطلب عادة الحصول على أمر من محكمة). ويقول المنتقدون بأن [قرار] الإغلاق كان يهدف منع “المجلس” من إجراء تحقيق حول سوء معاملة السجناء في هذه المنشأة – السجناء الذين اعتُقل أغلبهم في أعقاب المظاهرات التي حدثت في مرحلة ما بعد الانتخابات.
ورغم أن الدستور الإيراني يوضح بصراحة بأن السلطة القضائية تشرف على جميع الإجراءات القانونية والقضائية، تعمل بعض الهيئات، مثل «المحكمة الخاصة لرجال الدين»، تحت إشراف مباشر من خامنئي، وخارج إطار السلطة القضائية. وعلاوة على ذلك، وبالرغم من قيام “الحرس الثوري الإسلامي” و”الباسيج” والشرطة ووزارة الاستخبارات و«المحكمة الخاصة لرجال الدين» بإدارة العديد من مراكز الإعتقال الإيرانية، فليس للسلطة القضائية صلاحيات قضائية على أي منها. ومما يزيد من تعقيد الأمور، أن خامنئي هو الحَكَم النهائي من الناحية الدستورية في أي خلاف يقع بين المسؤولين الحكوميين، حيث يتمتع بالحق في نقض الشريعة الإسلامية – عند الضرورة – لحماية مصالح النظام. وعلى هذا النحو، تستخدم السلطة القضائية القانون الإسلامي كأساس لقراراتها، فقط عندما يرى خامنئي بأن هذا الاستخدام لا يتعارض مع مصالح النظام — كما يعرِّفه هو.
ولا تتمتع السلطة القضائية بالنفوذ الذي يمكّنها من تجاهل الشريعة الإسلامية فحسب، بل أنها تقوم أيضاً بتجاوز القانون الجنائي للبلاد، وخاصة في حالات ذات طابع سياسي. وقد أدى ذلك إلى [توجيه] انتقادات حادة خلال العقدين الأخيرين من قبل محامين علمانيين ورجال دين على حد سواء. فعلى سبيل المثال، في رسالة مفتوحة إلى [آية الله محمود] هاشمي شاهرودي نُشرت في صحيفة “إطلاعات” يوم 2 آب/أغسطس، انتقد آية الله مصطفى محقق داماد، وهو باحث بارز في الشريعة الإسلامية، مفهوم “مصالح النظام”، حيث شكى بأن “المذاق المر عما حدث في السلطة القضائية تحت [مسؤوليتك]، وخاصة في الأيام الأخيرة، سوف لن تُنسى من قبل الشعب الإيراني…، فالسلطة القضائية تحت [مسؤوليتك]، والتي هي محور أمن المجتمع، لم تهتز فقط بل دُمرت أيضاً”.
الخاتمة
تتمتع السلطة القضائية الإيرانية — تحت العين الساهرة للزعيم الإيراني — بقدر كبير من النفوذ لتشكيل النظام القانوني والبيئة القانونية في البلاد. وتوفر علاقات صادق لاريجاني مع “الحرس الثوري” وأجهزة الاستخبارات سبباً كافياً للإعتقاد بأنه سوف يستخدم صلاحياته الجديدة لقمع حقوق الإنسان والحريات المدنية حتى أكثر مما فعل أسلافه. وعلاوة على ذلك، يشير تعيين لاريجاني بأن السلطة القضائية، و”الحرس الثوري” وأجهزة الاستخبارات ستكون متوافقة على نحو أوثق من أي وقت مضى. ويُفترض، بأن هذا الوضع يشير بأن [الملالي من] آيات الله التقليديين، المدربين بصورة كبيرة في الشريعة الإسلامية — ولكنهم ليسوا أعضاء في الدوائر الإستخباراتية والعسكرية والسياسية — سوف يكون لهم دور أقل في الحكومة في السنوات المقبلة. وبالنظر إلى الحالة غير المستقرة في إيران ما بعد الانتخابات، فإن مثل هذا السيناريو يمكن أن يكون وصفة لحالة الفوضى المستمرة والجارية.