والآن، ماذا سيحدث في إيران.. ففي غضون شهرين فحسب، تغيّرت التوازنات السياسية على نحو يفوق التغييرات التي شهدتها البلاد خلال الثلاثين عاماً الماضية.
وداخل السلطة نفسها، فإن أبناء الثورة يتصارعون. والبرلمان (“المجلس”) منقسم على نفسه مع أن “المحافظين” يسيطرون عليه. ويطالب قادة كبار في “حرس الثورة”، وهو الجيش الإيديولوجي للنظام، بمحاكمة الرئيس السابق محمد خاتمي ومرشّحه مير حسين موسوي الذي خسر الإنتخابات الرئاسية سوى أنه نجح في خلق “الموجة الخضراء” التي بدأت تتحوّل إلى عصيان مدني. ولا تمانع حاشية المرشد الأعلى، علي خامنئي، في سقوط هاشمي رفسنجاني، وهو أحد أركان الثورة الإسلامية، لأنها تعتبره “براغماتياً” أكثر من اللازم إزاء الخارج، أو “فاسداً” جداً، أو، ببساطة أكثر، لأنه قوي جداً بفضل ترؤسه هيئتين أساسيتين في النظام: “جمعية الخبراء” و”مجلس تمحيص مصلحة النظام”. وتأتي عمليات إقالة موظفين كبار في أعقاب إستقالات طوعية تقدّم بها سواهم. ومن جهتهم، فإن “مراجع التقليد” في “قم” يصدرون تحذيرات متوالية مفادها أن النظام في خطر.
إزاء الفوضى العارمة، ما مصادر قوة أحمدي نجاد؟ في الشارع، يهتف الناس “الموت للديكتاتور”. وقد فقد نجاد كل مصداقية “ديمقراطية”، وانخفضت مصداقيته لدى رجال الدين في “قم” إلى الحد الأدنى. كما أنه لا يملك مصداقية “ثورية” لدى “العائلات” التي ترمز إلى الثورة الإسلامية، وخصوصا عائلة الإمام الخميني التي تقف إلى جانب الإصلاحيين. أما بالنسبة لمصدقيته السياسية، فإن الرئيس الذي أقسم بأن “يضع اموال النفط على موائد الإيرانيين”، قد أفرغ خزائن الدولة نتيجة توزيع المال على الناس مباشرة خلال جولاته في المحافظات، ووصلت التضخم في عهده إلى 24 بالمئة. كما أن عناده في الملف النووي كبّد إيران 3 مجموعات من العقوبات الدولية. ثم إن يد باراك أوباما لن تظل ممدودة لإيران إلى ما لانهاية.
لكن قوة أحمدي نجاد ليست في كل ما سبق. إن قوّته تتمثّل في الشبكات السرّية المتداخلة التي تنخر المجتمع الإيراني. ولِفَهم أهمية هذه الشبكات ينبغي العودة إلى موجة إغتيال المثقفين في سنوات التسعينات. فالقَتَلة كانوا من العاملين في أجهزة الإستخبارات. وحينما قام الرئيس محمد خاتمي بتطهير تلك الأجهزة، فإن تلك العناصر غير المنضبطة التجأت إلى المقرّ العام لتنسيق ميليشيات “الباسيج” (مركز “سارالله”، أي “دم الله”). وهكذا نشأت شبكة من الأجهزة السرّية الموازية التي تمتّعت بحماية المسؤول عن العلاقة مع “الباسيج” في مكتب المرشد الأعلى، “محمد حجازي”.
في تلك الفترة، كان أحدي نجاد نفسه ناشطاً في أوساط “الباسيج”. وكان يعاشر الأصوليين الذين دخلوا “الباسيج” بعد “تطهيرهم”، والذين كانوا يحلمون بثورة دائمة. وبعد تكليفه بمسؤولية الأمن ومطاردة المعارضين في أذربيجان الغربية، فقد تقّرب من “فيلق القدس” التابع لـ”حرس الثورة”، والذي ألقيت عليه مهمة تصدير الثورة إلى لبنان، والسودان، وبلدان أخرى.
تقوم هذه الشبكات السرية “الموازية” باعتقالات وتملك سجوناً سرّية خاص بها وغير شرعية (30 سجناً في طهران، بينها سجن في قبو وزارة الداخلية). وقد تعزّز نفوذها بعد انتخاب أحمدي نجاد رئيساً في العام 2005. وقد تقرّب القائد الجديد للشرطة الإيرانية، أحمد مقدّم (وهو صهر أحمدي نجاد)، من شبكات “الباسيج” ومن قاعدتها في “سارالله”، تحت إشراف أقرب مساعدي أحمدي نجاد، “هاشمي ساماره” وبحماية مكتب المرشد الأعلى وإبنه “مجتبى”.
وقد اندلعت “حرب الأجهزة” الآن، علناً، في إيران. من جهة، هنالك وزارة الإستخبارات الرسمية التي يرأسها “غلام حسين محسني إجئي”، الذي حاول أن يضبط الوضع والذي لم يكن موافقاً على “المحاكمات” وعلى “الإعترافات” المزعومة، التي اعتبر أنها بدون أساس وغير مجدية. ومن الجهة الأخرى، الشبكات الموازية، التي تتحمّل المسؤولية الأساسية عن عمليات القمع. وتخضع هذه الشبكات السرّية الموازية لشخصيتين دينيّتين كانتا قد بدأتا حياتهما المهنية في الإستخبارات العسكرية: “حسين طائب” (أو “طيب”)، و”حجة الإٍسلام أحمد سالك”، وهو أحد مؤسّسي “فيلق القدس” ويعمل الآن في مكتب المرشد (حسب موقع “روز”، فإن حجة الإسلام أحمد سالك هو ممثل القيادة في وحدة إستخبارات “الباسداران” ورئيس لجنة الإختيار في إدارة أحمدي نجاد).
هذا الإطار يفسّر أسباب إقالة وزير الإستخبارات وأربعة من إختصاصييه في الأيام القليلة الماضية. وهذه التطهيرات غير مسبوقة في إيران. والسؤال هو: بصفته الممثّل غير المعلن لهذه الشبكات السرّية التي ترغب في تجذير النظام وتطهيره، هل يعمل أحمدي نجاد للسيطرة على كل أجهزة السلطة الرسمية؟
مع ذلك، هنالك قوى مضادة. وأولها المرشد خامنئي. هل أدرك خامنئي، بعد تمنّع نجاد، في البداية، عن عزل صهره من منصب نائب الرئيس، أنه هو نفسه يمكن أن يصبح أسير الشبكات الموازية؟ وهنالك “المجلس”، الذي وجه تحذيراً واضحاً للرئيس: فيوم أمس، في 11 أغسطس، وقّع 202 من أصل 290 نائباً في المجلس على عريضة تطالب الرئيس باختيار “وزراء ذوي خبرة” لكي يحصلوا على ثقة المجلس.
إن تشكيل الحكومة الجديدة سيوفّر أوّل عناصر الإجابة عن مستقبل الصراعات داخل النظام الإيراني.
جريدة “لوموند”- تحليل Marie-Claude Decamps”
إقرأ أيضاً:
إقالة مديرين جديدين في وزارة الإستخبارات وعمليات التطهير بإشراف قائد “الباسيج”