خاص بـ”الشفّاف”
كانت قوى 8 آذار ومن معها من مؤسسات إستطلاعات الرأي تبدي ثقة مطلقة بنتائج دائرة زحلة في الإنتخابات النيابية يوم السابع من حزيران. نتائج محققة ستؤول الى فوز اللائحة التي يترأسها الياس سكاف ممثلا فريق 8 آذار بستة مقاعد، على الأقل من اصل سبعة مقاعد. ولكن مع إقتراب موعد الإستحقاق، تشوشت صورة الحسم الإنتخابي لدى هذه القوى، واهتزت أرقام الاحصاءات الإنتخابية، وجاء في أحد إحصاءات مؤسسة محسوبة على المعارضة أن دفة الإنتخابات تميل بالكامل الى لائحة قوى 14 آذار، حتى أن إحتمالات فوز المرشح إلياس سكاف ليس مضمونة.
قد يتغيّر المزاج الشعبي خلال الساعات الفاصلة بعض الشيء لكنه من غير المتوقع أن ينقلب مئة في المئة، إلاّ إذا طرأ ما ليس في الحسبان أو حصلت مفاجأة ما في اللحظة الأخيرة.
مدينة زحلة تزينها صور المرشحين المسيحيين على اللائحتين والأعلام الحزبية على المراكز والشعارات في الساحات وعلى اسطح المنازل تحضيراً للمنازلة الكبرى الأحد. فما بعد السابع من حزيران لن يكون كما قبله ليس فقط على مستوى هذه الدائرة بل على مستوى لبنان أجمع. فدائرة زحلة ستشكل في هذه الآنتخابات حجر الإرتكاز في تحديد وجهة الفائز. وإذا كان رهان بعض أقطاب 14 آذار يعتمد على دائرة المتن الشمالي وما قد تحصده لائحة المستقلين- 14 آذار بركنها المتني المرشح الارثوذكسي النائب ميشال المر وركنها الكتائبي سامي أمين الجميل، فإن الرهان الأكبر هو على دائرة زحلة.
في هذه الدائرة سبعة مقاعد: إثنان كاثوليك، واحد ماروني، واحد أرثوذكس، واحد أرمن أرثوذكس، واحد سني وواحد شيعي. ويبلغ عدد الناخبين نحو 158 الف ناخب، غالبيتهم من المسيحيين إذ يصل عددهم الى 91 الفا، فيما يصل عدد السنة الى نحو 41 الفا و700 صوت، وعدد الشيعة الناخبين الى نحو 23 الفا و500 صوت.
الكتلة الشيعية التي ستصب لمصلحة لائحة سكاف عون تصل الى حدود 13 الف صوت فيما الكتلة السنية التي ستصب لمصلحة لائحة 14 آذار تقدر بـ 25 الف صوت، في وقت ينقسم الصوت المسيحي بين الكتلين، مع نسبة تصويت أعلى لمصلحة لائحة سكاف.
فنون شراء الأصوات تتنوع… والخوف من إشكالات تحدثها ولاءات المجسنين
يعول كل من الفريقين على رفع نسبة التصويت كي يمكنه حسم المعركة بكليتها أو على الأقل بأكثريتها لمصلحته. حسابات الساعات الأخيرة لماكينة قوى 14 آذار تتحدث عن وجود فارق مريح في الأصوات لمصلحتها، فيما تعوّل قوى 8 آذار على مجيء آلاف المجنسين من سوريا وعدد من الأرمن المقيمين في حلب من أجل تضييق الهامش الحالي في الحسابات غير المشجعة لديهم حتى الساعة.
ويروي بعض المتابعين أن المجنسين الذين سيعبرون الحدود السورية الى لبنان، والذين تعوّل قوى 8 آذار على أصواتهم، ليسوا مضمونين سياسيا لها ،الأمر الذي قد يؤدي الى توتير الأجواء أمام بعض مراكز الإقتراع.
وفي قراءة مصادر مطلعة أن إنسحاب المرشح محسن دلول من شانه أن يخدم لائحة 14 أذار مع قرار الأخير عدم التدخل ومغادرته لبنان منذ أيام، في وقت تقول مصادر مقربة منه أن نسبة من مؤيديه الشيعة لن تذهب الى صناديق الإقتراع، مما سيحرم لائحة سكاف- عون مئات الأصوات.
أما فنون شراء الأصوات فهي تتنوع، فمثلا يتولى مرشح سابق من عرب الفاعور شراء الأصوات لمصلحة سكاف. والشراء هنا لا يهدف الى توجّه الناخب لصندوق الإقتراع والتصويت لمصلحة اللأئحة، بل يهدف الى إمتناعه عن الذهاب والتصويت للأئحة المنافسة. ولضمان ذلك يتم حجز بطاقة الهوية على أن تعاد اليه بعد الإنتخابات.
وفي القرى السنية سعدنايل ومجدل عنجر التي ترفع فيها بكثافة صوررفيق الحريري ونجله سعد وأعلام تيار” المستقبل” ذات اللون الأزرق تاكيداً على الولاء المطلق لزعيمهم، عمل بعض السماسرة الى إغراء المواطنين المحتاجين لشراء بطاقات الهوية لنحو 150 ناخب عبر إيهامهم بأنه سيعيدها إليهم قبل يوم الإنتخاب اليهم لكنه لم يكن قد فعل. وتراوح السعر الصوت بين 100 و200 دولار، فيما تردد أن السماسرة يبعونها بأسعار مرتفعة وصلت الى 600 دولار. ولا توفر الإتهامات لائحة 14 آذار ولاسيما ماكينة المرشح نقولا فتوش من محاولات شراء الأصوات لمصلحته وحيدا دون اللائحة.
سترتفع حدة المواجهة في اليوم الإنتخابي المنشود… ومطاعم البردوني التي ستفتح نهاراً بعدما كان الإتجاه الى إغلاقها خوفا من إشكالات أمنية، يأمل أصحابها أن تشهد “زحمة”، فيطالهم جزء من مآثر الإنتخابات ولاسيما مع الكلام عن مال يوزع هنا وهناك… و مجيء مئات المغتربين على حساب المرشحين للمشاركة في المنازلة الكبرى التي تتجه اليها أنظار الداخل والخارج على السواء.
يا بحرية … هيلا هيلا
أما في صيدا، فالصورة مختلفة. المعركة على مقعد نيابي واحد لكنه ذات رمزية كبيرة. فالأجواء في صيدا تشير الى أن مقعد المرشحة بهية الحريري هو خارج المنافسة الحامية التي تنحصر بالمقعد السني الثاني في المدينة التي ترشح له رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، رفيق درب الحريري الأب والأخ، الذي تحمل خلال السنوات الأربع أعباء سياسية جمة وواجه تحديات داخلية صعبة يرى كثرون أن رئيسا أخر لم يكن ليتحمّل كل تلك الضغوط من محاصرته في السرايا الى إتهامه المستمر بالعمالة لأميركا والغرب وتحميله داخليا أعباء الديون والضرائب وما الى هناك من ملفات تبدأ ولا تنتهي. ولم تتوان قوى 8 آذار عن الترويج أن ترشّح السنيورة هو لحصوله على حصانة نيابية تحميه من الملاحقات القضائية في الملفات التي تنوي هذه القوى أن تفتحه ضده إذا إستلمت الحكم. والمنافس لرئيس الحكومة هو المرشح أسامة سعد، المستند الى الإرث الناصري لوالده الشهيد معروف سعد وشقيقه مصطفى.
في السنوات التي تلت “إتفاق الطائف”، كان قضاء صيدا إنتخابياً ملحقاً بأقضية أخرى، وكان الصوت السني في المدينة غارقا في”البحر الشيعي” الجنوبي.
يشعر الصيداويون اليوم أنهم ينتخبون للمرة الأولى منذ العام 1972 ممثليهما بأصواتهم من دون تأثير أصوات الأقضية المجاورة التي كانت عاصمة الجنوب تُلحق بها فيذوب معها الصوت الصيداوي. يدفعهم الى ذلك الشعور الحال المذهبية التي غزت العقول وحركت الغرائز حتى في تلك القلعة البحرية التي إحتضنت العروبة والناصرية والصيادين والفقراء…
زائر الميناء يشعر بتغيّر المزاج الشعبي هناك… وأحياء صيدا القديمة المرممة تختلط فيها المشاعر. لكن حسابات اللاعبين الكبارتختلف. فمعركة صيدا هي معركة تحديد الهوية السياسية للمدينة،
معركة الرد على الإنتخابات البلدية في العام 2004 التي أُخذ بها الحريري على حين غرة، فخسر الإنتخابات في قلب مدينته. يومها كانت الرسالة سورية لرفيق الحريري في عقر داره. لم تنس بهية الحريري ما جرى، لكن إستشهاد الأخ كان يمكن أن يدفعها الى التعالي عن الجراح من أجل وحدة صيدا، في رأي متابعين للوضع الصيداوي والعلاقة بين الجانبين. غير أن أسامة سعد إستمر في المواجهة السياسية بدعم من قوى الثامن من آذار، وذهب بعيدا في السابع من أيار حين غطى الإعتداء على مركز تيار”المستقبل” في المدينة وتواطأ مع ميليشيا “حزب الله” وحركة” أمل” من أجل إقفال المراكز الصحية والإجتماعية العائدة للتيار.
يرى العض أن السنيورة يجازف برصيده السياسي في هذه الإنتخابات. وهو كان متردداً في البداية، لكنه ترشح إقتناعا بالحاجة الى إستكمال الدور الذي لعبه خلال السنوات الماضية ولاسيما منذ إغتيال الحريري، وفي ضوء دراسته للأرقام التي تؤشر الى “فوز مضمون” له. فالمزاج الصيداوي يميل الى لائحة بهية الحريري- فؤاد السنيورة لأسباب عدة تبدأ من الرغبة بالرد سياسيا على السابع من أيار في صندوق الإقتراع وتنتهي بحماية العلاقات الإقتصادية لعائلات المدينة وتلك الخدماتية لشريحة واسعة من الصيداويين.
ولكن المعركة في المنظار الأوسع تتخطى حدود المدينة. إنها إستكمال للمعركة الدائرة إقليمياً بين محور الإعتدال العربي ومحورالممانعة الذي تجسده سوريا وإيرن. معركة تختصر رمزيتها صيدا من خلال تحديد الهوية السياسية للفائز فيها.
rmowaffak@yahoo.com