أدهم محمد – خاص بـ”الشفاف”
(الصورة: مدير مكتب “المرشد” محمد (غلام حسين) محمدي جولبايجاني والرئيس أحمدي نجاد: أيّهما الرئيس؟)
*
يدور حديث واسع هذه الايام داخل الاوساط السياسية والاجتماعية الايرانية وغير الايرانية عن نتائج ومفاعيل المناظرة التلفزيونية التي جرت قبل ايام بين مرشحي الانتخابات الرئاسية الايرانية، عن الاصلاحي مير حسين موسوي والرئيس الحالي محمود احمدي نجاد مرشح “مرشد النظام”، وما اصطلحوا على تسميته “السقوط الأخلاقي والسياسي” لاحمدي نجاد في مواجهة موسوي.
قراءة متأنية لمسار السنوات الأربعة الماضية، والسلوك الذي انتهجه احمدي نجاد منذ توليه منصب رئاسة الجمهورية، والاحداث التي رافقت هذه الرئاسة على صعيد السياسات الداخلية والتعاطي مع مراكز القوى والشخصيات السياسية التاريخية في الثورة والحياة العامة الايرانية، تكشف لاي متابع ومراقب “عدم” وجود اية نوع من “العبثية” او “غياب رؤية وهدف” وراء التصرفات والمواقف التي اتخذها وانتهجها احمدي نجاد في مواجهة هذه القوى ودورها في النظام والثورة، بدأ من المؤسس الامام الخميني، وصولا إلى القوى الاصلاحية، مرورا بهاشمي رفسنجاني وغيره من الشخصيات ذات الثقل السياسي والثوري والاجتماعي في إيران ما بعد الثورة. واثبتت هذه السلوكيات ان احمدي نجاد ليس سوى “حلقة” او “جندي” مطيع وعلى استعداد لتحمل كل عواقب أي موقف او تطور خدمةً لسيده ومشروعه السلطوي والقيادي.
يمكن القول ان كل الاوساط السياسية الدولية والداخلية اصيب بمفاجأة عندما اعلن عن فوز محمود احمدي نجاد بمنصب رئاسة الجمهورية قبل اربع سنوات وهزيمة عميد الثورة والنظام الشيخ هاشمي رفسنجاني، خصوصا وان احمدي نجاد كان شخصية مجهولة لدي كل هذه الاوساط باستثناء من تابع ورصد صعوده السريع في السنتين السابقتين من رئاسة الجمهورية وقراءة الاهداف الكامنة وراء وصوله إلى موقع رئيس بلدية طهران من خارج سياق الاسماء التي كانت مطروحة لتولي هذا الموقع من داخل التيار المحافظ الذي حقق انتصارا اشكاليا فيها .
وانطلاقا من المعطى السياسي الذي اوصل احمدي نجاد إلى رئاسة وعمادة بلدية العاصمة – وهو موقع يمنح صاحبه مقعد عضو مستمع في الحكومة – والذي يمكن تلخيصه بخضوعه لدورة تدريبية على ادارة شؤون مؤسسة ضخمة تشبه إلى حد كبير ادارة شؤون الدولة، فقد كان من الطبيعي ان يتحول هذا الشخص إلى المرشح الاوفر حظا لتولي رئاسة الجمهورية لخدمة المشروع الذي سيوصله والذي سيشكل درعا باستطاعته امتصاص كل الحملات والانتقادات التي ستثار، اعتراضا او خوفا، من مآلات المواقف والسياسات التي ستصدر عنه وعن ادارته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ويعود وصول شخصية مجهولة سياسيا واجتماعيا مثل احمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية إلى اشكالية اكثر تعقيدا تقع خارج هذا الموقع وضرورة استعادته من التيار الاصلاحي، وتتعلق بموقع وسلطة ونفوذ المرشد الاعلى للنظام داخل هرمية السلطة، وتهدف بالمباشر إلى تفريغ هذا المنصب من دوره وبالتالي تهميش مشاركته في السياسات الكلية والاستراتيجية للنظام والدولة.
يُعتبر احمدي نجاد الرئيس السادس لايران بعد انتصار الثورة الاسلامية، والرئيس الرابع الذي يكمل على الاقل دورة رئاسية واحدة حتى الان، بعد الرؤساء علي خامنئي والشيخ هاشمي رفسنجاني والسيد محمد خاتمي الذين توالوا على المنصب لمدة دورتين من ثماني سنوات لكل منهم، على اعتبار ان الرئيس الاول ابو الحسن بني صدر اقيل من منصبه قبل مرور سنة على رئاسته. اما الرئيس الثاني محمد علي رجائي فقد اغتيل بعد اشهر من انتخابه، لتبدأ حقبة رئاسة خامنئي (“المرشد” حاليا) وانتهت مع توليه موقع القيادة بعد وفاة المؤسس الامام الخميني. لتبدأ، بعد ذلك، مرحلة التفكير والتخطيط لتفريغ موقع الرئاسة من مضمونه ودوره في الحياة العامة، خصوصا بعد التعديل الدستور الذي جرى في الفترة الانتقالية ما بين وفاة الخميني ووصول خامنئي إلى موقع القيادة والذي أعطى رئيس الجمهورية الصلاحيات التي تمتع بها رئيس الوزراء الذي الغي موقعه.
شكل وجود الامام الخميني في اعلى هرم الثورة والنظام حالة من الناظم وموازناً بين مراكز القرار والسلطات في تركيبة النظام والسلطات مستفيدا من شخصيته النافذة والكاريزما القيادية، مكتفيا بالتدخل في المفاصل المصيرية التي كان يرى فيها خطرا على الثورة والنظام والجمهورية، تاركا في المقابل للمؤسسات حرية العمل والتصرف تحت سقف الدستور والقانون.
اتساع صلاحيات رئيس الوزراء على حساب تلك التي كانت لرئيس الجمهورية خلق حالة من عدم التوازن بين الموقعين اضطرت بالخميني للتدخل في كثير من الاحيان منتصرا للاول على حساب الثاني، الامر الذي دفع القوى النافذة في السلطة للتفكير جديا بادخال تعديلات دستورية لتعزيز صلاحيات الرئيس وكذلك بمواصفات المرشد والقائد، والتي لم يكن اجراؤها ممكنا من دون موافقة الخميني. وهو ما حدث اواخر حياته والتي مهدت الطريق لنوع من تقاسم السلطة بين المرشد الجديد خامنئي ورئيس الجمهورية هاشمي رفسنجاني في مؤشر على اطلاق شرارة الصراع على السيطرة ومحاولة تعزيز قبضة المرشد على مفاصل النظام للخروج من اشكالية تهميش الموقع.
خامنئي : اشكالية “الرئيس” و”المرشد” .
في هذه الايام يكون خامنئي قد امضى ثمانية وعشرين سنة في اعلى مواقع السلطة والقرار من عمر الثورة التي انهت عقدها الثالث، توزعت بين رئاسة الجمهورية لثماني سنوات وعشرين سنة في موقع القيادة، الامر الذي يطرح سؤالا جوهريا: هل حكم خامنئي ومتى حكم؟
قد يكون من سوء طالع أي شخصية سياسية تتولى موقعا متقدما في أي سلطة، خصوصا ثورية ، ان تكون الشخص الثاني بعد قائد الثورة. فكيف اذا كانت الثالثة من حيث الصلاحيات في ظل دستور يعطي رئيس الوزراء قدرة للمناورة على حسابها. من هنا يمكن اعتبار أن هذه الاشكالية هي التي حكمت رئاسة خامنئي في ظل قيادة الخميني ورئاسة مير حسين موسوي لرئاسة الوزراء . فقد أمضى ثمانية سنوات رئيسا من دون أن يحكم.
وعندما حانت الفرصة ليكون صاحب القرار في هرمية النظام، بعد توليه منصب “القائد” و”المرشد” اثر وفاة المؤسس، برز إلى جانبه الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي انتخب رئيسا معزز الصلاحيات للجمهورية بصيغتها الجديدة. ما اضطر المرشد للدخول في شراكة على مراكز القرار مع احد ابرز واقوى اعمدة الثورة والنظام واكثرها نفوذا داخل المؤسسات المدنية والعسكرية والامنية وفرض على خامنئي التعايش مع هذه المعادلة لمدة ثماني سنوات اخرى بانتظار الفرصة المناسبة.
تدخل مرشد النظام في الانتخابات الرئاسية بعد رفسنجاني لم تكن خافية على أي مراقب داخلي او خارجي ، اذ تبنى بشكل واضح وصريح ترشيح رئيس البرلمان حينها الشيخ علي اكبر ناطق نوري للرئاسة في مواجهة مرشح بات يعرف بمرشح التوجه الاصلاحي والتجديدي في إيران ويحمل مشروعا مغايرا ومختلفا عن مشروع وخطاب التيار المحافظ هو محمد خاتمي الذي كانت فرض فوزه مقابل مرشح النظام ضئيلة. الا ان نتيجة صناديق الاقتراع كشفت عن نتيجة غير متوقعة واذهلت النظام وقطعت الطريق على أي تدخل من قبله لفرض النتيجة التي يريدها، وفاز الخطاب الاصلاحي المناقض للخطاب المحافظ بنتيجة تفوق التصور تجاوزت العشرين مليون صوت، لتبدأ معها مرحلة عرفت في الادبيات السياسية الايرانية والدولية بـ”الحقبة الاصلاحية في إيران” محورها ورمزها خاتمي الرئيس المثقف وصاحب المشروع الديموقراطي وتعزيز الحريات العامة والخاصة وحرية الرأي والتعبير واللامركزية الادارية وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في السياسة والاجتماع والاقتصاد والانفتاح على الخارج.
المشروع والخطاب الذي حمله خاتمي كان متناقضا مع المشروع والخطاب الذي يحمله النظام، الامر الذي فرض على المرشد ان يتعايش مع هذا الخطاب لمدة ثماني سنوات اخرى، تاركا للمؤسسات التابعة له مهمة افراغ وافشال الخطاب الاصلاحي من محتواه ووضع العراقيل ومنعه من تحقيق أي انجاز على الصعيدين الداخلي والخارجي، في سياسة مدروسة آتت أكلها مع انتهاء ولايتي خاتمي في رئاسة الجمهورية وأصبحت الطريق مفتوحة وممهدة لاستعادة موقع رئاسة الجمهورية والمجيء بمرشح يمثل المرشد وليس التيار المحافظ.
شكل وصول محمود احمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية الفرصة المناسبة لاعادة تصويب الامور في سياق تجميع ومركزة كل سلطات القرار في يد المرشد بعيدا عن مخاوف بوجود خطاب مختلف او طموح للرئيس بلعب دور خارج الدور المرسوم له. وبالتالي الخطوة الاولى على طريق تطبيق عملي لسلطات ولي الفقيه “مطلق الصلاحية” والتأسيس لمرحلة جديدة من تاريخ إيران مطبوعة بطابع القائد الجديد ما بعد الخميني المؤسس.
وقد شكل تغييب دور الخميني عن خطاب رئيس الجمهورية احمدي نجاد في ذكرى انتصار الثورة (شباط 2008) والتركيز على دور وموقع المرشد خامنئي في الدفاع عن “عزة وموقع إيران” محور هذا الخطاب، الذي ترافق لاحقا مع بداية هجوم عنيف وهادف على مفهومي “الجمهورية والديموقراطية” التي رسمها الخميني للثورة والنظام ووصلت تاليا للنيل من حفيد الخميني لنجله احمد وما يمثله من ارث خميني متبقي من قبل جهات محافظة خصوصا من قبل الشيخ محمد تقي مصباح يزدي الذي يعتبر المرشد الروحي لاحمدي نجاد والذي سعى إلى اسقاط مفهوم الجمهورية لحساب الاسلامية ومفهوم “الحكومة الاسلامية التي لا ترى ضرورة للعملية الديموقراطية ورأي الشعب”. وقد دفع هذا الهجوم المركز على تراث الخميني بمدير مكتب الخميني “آية الله توسلي” للاعتراض على ذلك والبكاء خلال جلسة لمجلس تشخيص مصلحة النظام انتهت باصابته بنوبة قلبية اودت بحياته امام اعضاء هذا المجلس.
في الخلاصة ، هذا المسار الذي رسم منذ وفاة الامام الخميني وتولي السيد علي خامنئي موقع ولي الفقيه المطلق يستدعي عودة احمدي نجاد إلى موقع الرئاسة مدعوما من المرشد وواجهةً لاستمرار سيطرة الاخير وتكريس قيادته الناجزة بعد عشرين سنة من استمرارها الإشكالي، وهو ما يبدو واضحا من تراجع حدة الاعتراضات التي كانت تصدر عن نواب وقيادات محافظة على احمدي نجاد قبل ان تتلقى كلمة السر بضرورة عودته على الرغم من كل المآخذ التي قدموها ويقدمها الاصلاحيون والحريصون على الثورة والنظام الإيراني .