الشفاف خاص – وجدي ضاهر
قبل ايام من موعد الانتخابات النيابية اللبنانية يُجمع المراقبون على ان دائرة جبيل تمثل حساسية خاصة ومأزقا اوقع نفسه فيه رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان من خلال عدد من المستشارين الذين اوقعوه في حسابات انتخابية ضيقة صورت له الانتخابات الحالية على انها شبيهة بانتخابات العام 1964 من دون الاخذ في الحساب المتغيرات التي طرأت على الظروف السياسية العامة التي تعيشها البلاد.
ويشدد المراقبون على انه وان كان قائد الجيش العماد سليمان على رأس السلطة على غرار ما كان عليه الجنرال فؤاد شهاب، إلا أن كازينو لبنان ليس الممول الوحيد للحملات الانتخابية وان قدرة ضباط المكتب الثاني على التأثير في الحملات الانتخابية وتوجيه الرأي العام وترجيح كفة هذا المرشح او ذاك خصوصا في الدوائر المسيحية ليست هي نفسها كما كانت عليه في انتخابات العام 1964. واستمر هؤلاء المستشارون في تضليلهم للرئيس سليمان الى ان اوقعوه في المأزق وقررت اللائحة التي حسبت نفسها عليه، ويرأسها مستشاره المرشح ناظم الخوري، ان تستبعد التحالف مع مرشح قوى الرابع عشر من آذار منسق الامانة العامة لهذه القوى النائب السابق فارس سعيد وان تخوض لائحة المستقلين منفردة المواجهة مع لائحة العماد عون.
إلا ان حسابات الحقل الاستشارية لم تتطابق مع حسابات البيدر الانتخابية في دائرة جبيل. والشعار الانتخابي الذي اطلقه المرشح ناظم الخوري تحت عنوان “حلـّك” انتج مفعولا سلبيا على هذه اللائحة بحيث لم يستطع الخوري ان يمثل الحل الذي يقترح نفسه لتمثيله وانقلب الشعار “حلـّك” الى انه آن الآوان للمرشح الخوري ان يعود الى الندوة البرلمانية تحت جبة رئيس الجمهورية. وهذا ليس شعارا كافيا لخوض معركة انتخابية طابعها سياسي بامتياز في مواجهة انتخابية سياسية بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار وتعبيرها المسيحي الفج العماد عون وتياره.
وفي هذا السياق يشير المراقبون االى ان الانتخابات بـ” المكارمة” لا تنتج نوابا. ويستشهدون بما جرى في انتخابات قضاء المتن البديلة بعد اغتيال الوزير والنائب بيار الجميل، فترشح والده الرئيس الاسبق بيار الجميل لملء مقعد نجله، ويقولون إن المتنيين “كارموا” الرئيس الجميل بالاقتراع إلا انهم لم يستطيعوا ايصاله الى المجلس النيابي. في حين ان العماد عون خاض هذه المعركة تحت شعارات ايديولوجية وغوغائية وبراغماتية سياسية اثمرت عن الحاق الهزيمة بالرئيس الجميل. ومن هنا ” المكارمة” في انتخابات سياسية لا تستطيع ان توصل نوابا الى المجلس النيابي.
من جهة ثانية، يشير المراقبون الى ان المستقلين في جبيل اخطأوا ايضا في تقدير حجم التأييد الشعبي لقوى 8 آذار في جبيل معطوفا على الحضور السياسي للنائب السابق فارس سعيد والذي تجاوز به حضور نواب المنطقة واعتبروا ان على سعيد وقوى 14 آذار ان ينسحبوا من هذه الانتخابات مفسحين مجانا المجال للمستقلين للوصول الى الندوة البرلمانية على حساب قوى 14 آذار واستبعاد هذه القوى من اللوائح في دائرة جبيل.
وفي الوقائع الميدانية، اثبت النائب سعيد وقوى 14 آذار بتجلياتها وتنوع جمهورها حضورا انتخابيا، وانهم القوة الرئيسية في جبيل بعد ان تراجعت شعبية تيار عون الى حدودها الدنيا وعدم استطاعة القوى المستقلة استقطاب المتراجعين في مقابل الحضور السياسي اليومي للنائب سعيد وقوى 14 آذار في الساحة السياسية اللبنانية عامة وجبيل خصوصا. الامر الذي اشكل على المستقلين ودفع بهم الى تجاهل حضور النائب سعيد والاحزاب المسيحية في 14 آذار، إضافة الى انكشاف عمق العلاقة بين عون وحزب الله، خصوصا في جبيل حيث الدائرة مختلطة بين الشيعة والمسيحيين عموما بغالبية مارونية، وفي ضوء ما افصح عنه الامين العام لحزب الله حسن نصرالله من ان حزبه كان يصوت في الدوائر المسيحية لتيار ومرشحي العماد عون في الانتخابات السابقة، الامر الذي افقد العماد عون الحجج الواهية التي خاض على اساسها الانتخابات في مواجهة الحلف الرباعي الذي ضم حركة امل والحزب الاشتراكي وحزب الله وتيار المستقبل، حيث مثل عون دور “الضحية” لهذا التحالف مستشيرا خطابا شعبويا وطائفيا انكشف زيفه بخطاب نصرالله.
ويضيف المراقبون ان تورط ماكينة حزب الله في قضاء جبيل وسائر الاقضية المسيحية في البترون وكسروان والكورة بقيادة غالب ابو زينب انعكس سلبا على المستقلين. حيث أثبت المرشح ناظم الخوري انه لا يستطيع التحالف مع سعيد كي لا يتسبب هذا التحالف في مواجهة مع حزب الله كما انعكس سلبا على تيار عون خصوصا ما اشيع عن ان الحزب وضع فيتو امام الرئيس سليمان للحؤول دون تحالفه مع قوى 14 آذا في جبيل لقطع الطريق على وصول لائحة المستقلين و14 آاذار الى المجلس النيابي والتسبب بهزيمة موصوفة للائحة عون.
ويتحدث الجبيليون باسى عن المواكب المموهة المؤلفة من سيارات الدفع الرباعي التابعة لحزب الله والتي تواكب مرشحي تيار عون في جولاتهم الانتخابية في قضاء جبيل، مثيرين اشمئزاز الاهالي الذين لم يتعودوا على هكذا مواكب.
وفي موازاة ذلك يخوض النائب السابق فارس سعيد الانتخابات عن قوى 14 آذار تحت شعار سياسي “للدولة لا للدويلة” يعكس ترجمة ميدانية لشعار قوى 14 آذار “العبور الى الدولة”. كما ان سعيد لا يألو جهدا ولا يوفر مناسبة الا ويؤكد خلالها على سياسية المعركة الانتخابية مشيرا بوضوح الى المخاطر التي تنتج عن سيطرة حزب الله على القرار الجبيلي بشكل خاص والقرار اللبناني بشكل عام وما تشكله هذه السيطرة من مخاطر على الجمهورية وعلى رمزها الاول الرئيس ميشال سليمان. فاستطاع ان يكسب سياسيا ما فشلت القوى المستقلة في تحقيقه، وهذا ما انعكس في الحضور الجبيلي الكثيف في مهرجان يوم الاحد الماضي الذي نظمه انصار النائب سعيد وشارك فيه الألآف من ابناء جبيل جردا ووسطا وساحلا، ما اثار حفيظة العماد عون وقلق المستقلين معا الامر الذي وضع المستقلين خصوصا امام مسؤولياتهم الوطنية وضرورة مراجعة حساباتهم قبل الاستحقاق الانتخابي والعمل على إصلاح الوضع قبل فوات الاوان.
ومع ذلك، وإزاء كل ما سبق يبدي النائب السابق سعيد وقوى 14 آذار ارتياحهم لسير المعركة الانتخابية في جبيل. ومع اقتراب موعد الاستحقاق يزداد سعيد ثقة بفوزه. فهل يدرك مستشارو الرئيس ان الانتخابات السياسية لا يمكن خوضها بـ”المكارمة” ويتداركوا الموقف قبل فوات الأوان؟