يصح القول بأن المظهر العام للحكومة الجديدة من حيث الافراد والكفاءات ومن حيث القدرات السياسية والتجارب يقدم وعدا جديدا للكويت بعد طول انتظار. اذ تبدو هذه الحكومة قادرة بنسبة اكبر من حكومات السابق على صنع بعض القرارات الهامة، والتجانس مع مجلس امة اكثر عقلانية وانفتاحا. بمعنى اخر: هذه مرحلة هامة بالنسبة للتجربة السياسية الكويتيه، كما انها تجربة قد تنجح في تحقيق قفزة جديدة للبلاد. ان التحدي الاساسي امام الحكومة الان هو في طرح وتنفيذ برنامج يسمح لها بنقل الكويت في المجال التعليمي والصحي وفي المجال الاداري والاقتصادي. في الكويت الان فرصة مؤاتية وهي فرصة تاريخية لاحداث نقلة نحو واقع جديد. فهناك دور لشخصيات اقتصادية وعلمية وطبية وسياسية وتقنية بامكانها ان تحدث فرقا.
لكن مسألة الاصلاح الاداري بحاجة لوقفة. فهذا عنوان كبير لمرحلة كبيرة. فأدارات الدولة اصابها الترهل، واصابها الضمور، والضعف. لهذا فالسؤال الاساسي: كيف يمكن احداث نقلة في المجال الاداري تسمح بتفعيل الاصلاح. فمثلا لو اخذنا قطاع الصحة لوجدنا ان التنمية في الصحة ستعني اعادة اصلاح شامل للادارات الطبية، وهذا يعني تغير في ادارة المستشفيات، و اعتماد معايير الكفاءه في العمل الاداري، وزيارة نسب العمل التخصصي. انها تتطلب بنفس الوقت مستشفيات جديدة كما تتطلب مزيد من الاسرة لتلبية الحاجة المتزايدة في البلاد. وبنفس الوقت سوف يعني هذا تقوية التخصصات واستقدام كفاءات عالمية تخفف من سعي كل من اصابه مرض للسفر للعلاج. علينا ان نبحث في المجال الصحي عن تحويل الكويت لمركز صحي لسكانها اولا من مواطنين ووافدين قبل ان نفكر في الاطار الاقليمي الاوسع. وهذا يتطلب استثمارا كبيرا في المجال الصحي واعادة نظر في الممارسات التقليدية المسيطرة على العمل الصحي حتى الان.
ولو تفحصنا التعليم لوجدنا امرا شبيها، فمناهجنا الحكومية تقوم على الحفظ والترديد، وهذا ما يتناقض كل التناقض مع مبادئ الابداع ، كما ان مناهجنا تحد من التنافسية والقدرة على الاكتشاف والبحث والتساؤل. مناهجنا لا تعلم الشاب او الشابة كيف يختلط بالشعوب الاخرى والديانات الاخرى والثقافات الاخرى، وكيف يفكر لنفسه، وكيف يتخذ القرار الصائب وسط قرارات صعبة، وكيف يبلور طموحا ورغبة في النجاح، وكيف يمتلك الحافز للانجاز والعمل وتعلم اللغات. ان اعادة النظر بالتعليم ادارة وتنظيما وهيأة تدريسية، ونسبة طلاب لعدد الاساتذة يتطلب الكثير، انه مشروع عشرة سنوات وخطة طويلة الامد.
وينطبق نفس الامر على التعليم العالي. فقد اصابه التراجع عاما بعد عام وذلك بسبب كثرة اعداد الطلبة نسبة لاعداد الاساتذة وبسبب ايضا تسيس التعليم العالي. لقد اصابت افة الصراعات الداخلية وحب المناصب من اجل المناصب وحب الامتيازات المرافقة لها جميع ابعاد التعليم العالي. لم يعد التطوير امرا مرغوبا، ولم يعد التجديد امرا محببا، وذلك لان كل هذا يساهم بزيادة نسبة العمل ونسبة المحتجين على التغير. ان التعليم العالي بحاجة لتغير كبير في وسائل التعليم على كل المستويات، وفي علاقة المدرس بالطالب وفي علاقة المنهج بحرية الفكر وحرية النقد، وعلاقة التعليم بالبحث والكتابة والتفكير النقدي والتقيمي. هذا يتطلب نقلة كبيرة تأخذ جامعاتنا المحلية الخاصة والحكومية وعلى الاخص جامعة الكويت والجامعات الوطنية الاخرى نحو العالمية.
ان وجود منصب نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير الدولة لشؤون التنمية الذي يتبوأه الشيخ احمد الفهد يمثل هو الاخر نقلة جديدة. أن التنمية الاقتصادية والادارية المشروع الاساسي للبرنامج الحكومي، اذ لا غنى عنه لجميع المؤسسات الحكومية وكافة الادارات والبرامج والتوجهات. كل هذا سيتطلب كفاءة ادارية وقدرات تنظيمية واستعدادات سياسية. ولكن التنمية ممكنة من خلال نظرة عميقة لمبدأ المساواة بين الناس وبين العاملين من نساء ورجال، واعتماد مبدأ الكفاءة اولا. وهي ممكنه في ظل قانون للتعليم جديد يقر مبدأ التعليم المشترك، وهي ممكنة ان نجحنا في تجاوز الصراعات التي تركز على الطائفة والطائفية والصراع بين القبائل والحضر وصراعات اخرى تركز تحويل فروع الدين الاسلامي الى جوهر ، وجوهر الدين الانساني والاخلاقي الى فروع. ان مشروع التنمية بكل ابعاده هو الوحيد الكفيل بتخفيف هذه الصراعات، لاننا في ظل التنمية سوف ننشأ مجتمعا نشطا لا توقفه ولا تهمه القضايا الهامشية المرتبطة بحالة الفراغ والاحباط.
لكن كيف يمكن للبرنامج الحكومي ان يخرج الى النور؟ ثم ان خرج للنور كيف يمكن له ان يتحقق على ارض الواقع و يتحول لقوانين وممارسات؟ هذه تحديات كبيرة ستواجه الحكومة وتواجه قراراتها. سيكون حمل الحكومة في التعامل مع التصعيد المتسرع كبيرا، ولكن الحمل الاكبر الاساسي هو الخروج ببرنامج حكومي يتحول لواقع ولحزمة قرارات وتطبيقات و قوانين. ان تحويل البلاد نحو تنمية يشعر بها كل مواطن ويعيشها كل من يعمل في الكويت ويتفاعل معها كل مجتهد هو المخرج.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
shafgha@hotmail.com