(أصدرت محكمة آل الأسد حكماً على المعارض الكردي الديمقراطين مشعل التمو بالسجن ثلاث سنوات ونصف السنة. “الشفاف” كان استضاف مشعل التمّو كاتباً وأديباً، اليوم نستضيفه “منشقاً” و”سجينا”، على غرار ما كان يسمّى معارضو “المنظومة العظيمة” التي انتهت في سلة مهملات التاريخ).
*
مقام المحكمة الموقرة :
بما أن مجمل الاتهامات الأمنية, تأتي في سياق الرؤية الواحدية للمجتمع السوري وهي بنفس الوقت لا تمتلك أرضية قانونية, وإنما يتم قولبة القوانين لتوائمها, نظرا لكونها اتهامات سياسية باطلة أنتجها عقل يرفض الأخر ويخشى التعدد بالاختلاف وبناء عليه فأنني سأتوقف عندها ولكن من وجهة نظر سياسية مختلفة :
أن تيار المستقبل الكوردي, تيار سياسي, ثقافي, اجتماعي, ينتمي إلى الكتلة الديمقراطية السورية المعارضة لعقلية احتكار الدولة والمجتمع, وهو يستند إلى قاعدتين أساسيتين :
القاعدة الأولى : العمل من اجل نقل سوريا بشكل سلمي وديمقراطي من دولة أمنية إلى دولة مدنية, تعددية وتشاركيه وتعاقدية, لا استبداد فيها, ينظم العلاقة بين مكوناتها العربية والكوردية والأشورية, وبقية طوائفها وأقلياتها, دستور عصري يعترف بالواقع وبتاريخ سوريا كحاضنة لكل السوريين, فإذا كانت سوريا مهد الحضارات, فهذا يعني أنها متعددة
القوميات والأديان والأعراق وبالتالي فان سوريا هي كوردية بمقدار ما هي عربية أو أشورية, هي مسيحية بمقدار ما هي مسلمة أو درزية أو ايزيدية, هذا واقع وحقيقة التاريخ الفعلي, وليس الافتراضي الذي يحاول العقل العروبي أن يقنع نفسه به, وفي هذا السياق فنحن نسعى سلميا وديمقراطيا إن تكون سوريا دولة الحق والقانون, تسود فيها مؤسسة الحق بكل تجلياتها وتطبيقاتها, وما تعنيه من حقوق وواجبات, تمارس في ظل قانون مدني ينظم حياة السوريين خال من العسف والطوارئ والاستثناء, يؤمن العدالة والمساواة وتكافئ الفرص, وكما ونعمل على إعادة بناء ثقافة التسامح والتآخي والعيش المشترك الذي دمرته سياسة التهميش وتعريب القوميات والأقليات الغير عربية.
القاعدة الثانية : العمل والنضال من أجل إنهاء الاضطهاد القومي وسياسة التمييز العنصري المطبقة على الشعب الكوردي والتي تتجلى بإنكار وجوده القومي, والإصرار على تعريب البشر والحجر, عبر سلسلة مستمرة من القوانين العنصرية في محاولة إلغاء هويته القومية وصهره قسريا, ومنع ثقافته ولغته, وتشويه تاريخه وواقعه الراهن, ناهيك عن سياسة الأحزمة العربية وزرعها في المناطق الكوردية, وتجريد البشر والأماكن من أسمائها, بكل ما يعنيه التجريد من معان ودلالات سياسية.
إن الشعب الكوردي في سوريا, شعب أصيل, وقومية رئيسية, تقيم على أرضها التاريخية, وهي جزء من كردستان, أصبح في نطاق حدود سوريا المعاصرة, بموجب اتفاقية المسيو بيكو والمستر سايكس, وفق مؤسسة الحق ومحدداتها وتعريفاتها الحقوقية والمعرفية والقانونية, فمن حق إي شعب أن يقرر مصيره بنفسه, ونحن ارتبط مصيرنا واقعيا وموضوعيا مع بقية المكونات السورية, وبات التاريخ يجمعنا والواقع يؤلمنا والمستقبل يوحدنا, إذ لا خيار سوى بالعمل من أجل سوريا الكل الاجتماعي , سوريا لكل السوريين, وطبيعي أننا نسعى إلى التشارك في وطن واحد, بكل ما يعنيه التشارك من معنى, فلسنا رعايا درجة ثانية, لان لامواطنة مدنية في سوريا, وبالتالي لا مواطن بدون حرية, بمعنى الانتماء وبمعنى الولاء, ومن حق الشعب الكوردي أن يكون شريكا كامل الشراكة في وطن سوري حر وديمقراطي ودولة مدنية معاصرة وحديثة .
نحن نجزم بان القضية الكوردية هي قضية ديمقراطية, وحلها يرتبط بمسار التحول والتغيير الديمقراطي في سوريا, وهي أيضا قضية وطنية تهم العرب قبل الكورد وحلها سيساهم في إعادة اللحمة الوطنية بما فيه خير سورية المستقبل.
أما القول بأننا تيار محظور, فهو منافي للواقع من حيث الشفافية والعلنية التي نعمل وفقها, وتاليا” لا قانون ينظم الحياة السياسية والثقافية في سوريا, بل هناك سياسة أمنية تغض النظر إن أرادت, وتمنع إن أرادت, بمعنى لا قانون يجيز أو يحرم, فكل الأحزاب السياسية في سوريا هي أحزاب غير مرخصة قانونيا, بما فيها حزب البعث الحاكم, الذي يستند إلى مشروعيته الثورية, المشروعية التي انتهى زمانها في بلد المنشأ, الاتحاد السوفيتي السابق.
وعندما ندعو إلى دولة مدنية تشاركيه وتعددية, عمادها الحق والقانون, فنحن نسعى إلى الخروج من المآزق المجتمعية التي وصلت سوريا إليها من تفتيت للمجتمع وإنهاء لطاقاته وتغيب لعقله وتدمير لقيمه, ناهيك عن تشتت الانتماء وإعادتنا إلى السنوات ما قبل المدنية, حيث الولاء الآن للقبيلة والعشيرة والطائفة والعائلة, وما ندعو إليه وما نعمل من اجله في التيار المستقبل الكوردي فهو تغيير ديمقراطي سلمي يعيد الأمور إلى نصابها, والانتماء إلى مساره الوطني والولاء إلى الدولة المدنية.
ومن يدعو إلى الحرية والديمقراطية والتعددية والتشاركية لكل المكونات السورية, لا يثير الفتن والنعرات المذهبية, بل هو يناهضها ويعمل على إرساء أسس مجتمع سوري يسوده المساواة وثقافة التسامح وقبول الاختلاف.
أن من يعمل لأجل مصلحة الشعب السوري بكل قومياته وطوائفه بالاستناد إلى الإرث الإنساني المشترك, ويحافظ عليه في إطار الاعتراف بالتنوع والاختلاف الإنساني, وعلى أساس احترام الخصوصيات والهويات القومية والثقافية والدينية للشعوب السورية المختلفة لا يسعى إلى الفتنة, بل إن من يتجاهل التعدد ويسعى إلى طمسه ومنع التداول فيه, ويحاول إلى تشويه وإزالة معالم وجوده الثقافية والتاريخية, هو الذي يمارس العنصرية ويزرع الفتنة.
ونحن نجزم بأننا في الطرف النقيض لأننا دعاة حق وحرية وديمقراطية ونزرع في المجتمع ثقافة الاختلاف وضرورة قبوله وثقافة الحوار السلمي وضرورة قبوله المتمايز والمختلف قوميا ودينيا, ونناهض التشكيك بالأخر وتشويه تاريخه ودوره الراهن في إطار وحدة سوريا أرضا وشعبا.
أن عملنا من أجل تكريس ثقافة قبول اختلاف الأخر, هو فعل مناقض لفكر الإلغاء والصهر والإزالة الذي يقوم به العقل الأمني, ومن يكرس ثقافة قبول الاختلاف, كقيمة حضارية وإنسانية, يمتلك إرادة وثقافة مدنية مناقضة لسياسة فرض الرأي الواحد والحزب الواحد واللون الواحد والثقافة الواحدة, ونحن نجسد ونعمل على تعزيز قيم الارتقاء بالإنسان السوري وتكريس قيم التآخي والعيش المشترك والتنمية البشرية المتساوية لجميع المناطق السورية.
أن من يدعو إلى غرز قيم التسامح واحترام الأخر والاعتراف بوجوده القومي والسياسي, ينبذ ثقافة الكراهية والتعصب والعداء والاتجاه الواحد الإجباري لا يثير الفتنة والتعصب, بل بالاختصار هو يسعى إلى وأد ما يزرعه العقل الأمني من إمراض في المجتمع السوري.
أن من يسعى إلى إرساء علاقات صحيحة بين مكونات المجتمع السوري العربية والكوردية وباقي القوميات والطوائف والأقليات, هو يبني الجسور مع الأخر السوري ويوطد أسس التعايش والتواصل والتجاور والتشارك في وطن واحد, وبالتالي فنحن نعمل على تصحيح وتغيير الصورة النمطية للأخر المختلف والمتمايز قوميا, والتي هي نتاج للفكر والعقل العصبوي الذي لا يرى سوى ذاته, وهذا الفكر زرع في المجتمع السوري بؤر وإشكاليات عديدة, وبالتالي نحن نعمل من أجل إزالتها وتغيير قواعد التعامل والتعاطي, بما يؤسس لعلاقات صحيحة مدنية تكون مرتكزا لسوريا الحديثة, وننطلق في ذلك من إيماننا بأن التغيير هو حقيقة مستمرة, لها قانونها ولا يمكن اتهامنا بإثارة الفتن والنعرات العنصرية, بل نحن أصحاب مشروع وطني, ديمقراطي, مبني على التعدد والمساواة وثقافة قبول الاختلاف الذي هو قانون وحقيقة مستمرة أيضا .
إننا نعتبر من يسعى إلى إخضاع الناس لفكر واحد وثقافة واحدة ويختزل التاريخ بحضارة واحدة, يعمل ضد إرادة الله والبشر, من حيث استمرارية التعدد والتنوع والاختلاف, لعل الكتب السماوية جميعها دعت واحترمت التعدد والتنوع, وتطور الحضارة البشرية أثبتت بان التعدد والتنوع هو حقيقة ولا يمكن حجبها بغربال العصبوية العقل الأمني .
نحن نجزم بأن محاولات إلغاء الأخر كانت فاشلة عبر التاريخ لأنها منافية للواقع ومخالفة للطبيعة, ولا خيار سوى الإقرار بالتعددية والاختلاف واحترام الأخر والإقرار بوجوده وشرعيته في إطار شرعة حقوق الإنسان التي صارت منظومة معترف بها.
ونجزم أيضا إن فعلنا الممارس وسياستنا تقوم على هذا الأساس لأنه وحده الكفيل ببناء مجتمع متماسك يمتلك ديناميكية التطور الايجابي, ولعل في تجربة الاتحاد السوفيتي السابق ويوغسلافيا وغيرها, دروس بليغة لمن يريد التعلم فكل قوة وجبروت إل(KCB ) والعصبوية الصربية لم تستطع إلغاء ثقافة الشعوب وهويتها القومية, ولا خيار لمن يتابع التاريخ سوى بحواضن وطنية تعددية.
إن مصادرة حقنا في الاختلاف وإيراد تهم أمنية باطلة, لا اثر جرمي لها ولمجرد اختلافنا عن الفكر العصبوي الو احدي نعتبره مصادرة للعقل الإنساني وإلغاء دوره في الحياة, إذ لا معنى موجود للذات بدون وجود الاختلاف, فالإنسان يأخذ هويته واسمه وثقافته وقوميته بدلالة وجود الأخر لان الاختلاف هو من يولد المعنى, ومصادرة الاختلاف قمع للإنسان وخنق لحريته, ونحن نعتبر الحرية واجب, وهي أساس ومرتكز الأمن الاجتماعي وعنوان الاستقرار السياسي ناهيك عن إن الاعتراف بالأخر هو اعتراف بالذات, ومن ينكر الأخر ويسعى إلى تغييب وجوده إنما هو يهرب من وجوده ذاته, وإنكار الشيء وتجاهله لا يعني عدم وجوده.
أما تهمة وهن نفسية الأمة, وإضعاف الشعور القومي, فهي تهمة تستحق أن تكون عنوانا لدراسة شاملة, لكن تحت عنوان ” الكوردي عندما يوهن ويضعف شعور الأمة العربية ونفسيتها “, إلا يدرك العقل الأمني بأنني لست عربيا ولا انتمي إلى الأمة العربية, بل إلى الأمة الكوردية, وولائي ينحصر في سوريا وطني فقط, وبالتالي فأنا لا اعتقد بان نفسية الأمة العربية وشعورها القومي بهذه الهشاشة ليضعفه كوردي ………….
إما إذا كان المقصود من الاتهام هو الأمة السورية فهي لازالت قيد التكون, وليس لديها شعور قومي, بل هو شعور وطني يتجسد في دولة مدنية ندعو ونعمل من اجلها.
وبغض النظر عن هذا الاتهام الباهت فأنا كسوري وكوردي احترم الشعور القومي لأي شعب من الشعوب, واعتبره حق وجزأ من هوية الإنسان الثقافية, ومن منطلق سوريتي المس الشعور القومي العربي يتجسد يوميا في الصدح الإعلامي الرسمي العربي, ولكن ما يجري على الأرض يختلف جذريا عن دلالات وفحوى الشعور القومي, فالدولة القطرية باتت هي العنوان والهدف وتحصينات الحدود العربية ـ العربية تحاسب وتمنع حتى الطيور الطائرة, ناهيك عن حجم الماسي التي تحصل, ولم نجد إي شعور قومي يتحرك أو يستجيب, والمتتبع للأمور يدرك الفارق بين الشعارات الرسمية ومتطلبات تجسيد الشعور القومي, ولعل مقارنة بسيطة بين الشعور القومي العربي وماذا فعل, وبين الشعور المدني الأوروبي الذي استطاع إن يوحد أكثر من 160 قومية وثقافة مختلفة, لتلغي الحدود في ما بينها لما فيه مصلحة شعوبها ..
وبالتالي يتمنى المرء أن يكون الشعور القومي العربي يسير في ذات الاتجاه.
أما موضوع نشر أنباء كاذبة, فهي تعني إن قول الحقيقة وهي المنافية لسلوك وسياسة هدر الإنسان السوري, حيث انه في العقل الأمني قول الحقيقة كما تراها العين والعقل والمنطق, مخالفة صريحة لأنها تفضح السياسة الأمنية ونتائجها الكارثية على المجتمع .
فهل المطالبة بمعالجة الماسي والانكسارات والاحتقانات الموجودة في المجتمع وإعادة بنائه بما يخدم طموحات شعوبه في وطن حر وديمقراطي نبأ كاذب………… .
أم الحديث عن عقلية احتكار المجتمع والوصاية عليه, ومصادرة حق الاختلاف, والوصاية مهما كانت هي وصاية استبدادية لاسند قانوني لها, أكان إلهيا أو وضعيا, وضرورة إنهاء استبداد لتحصين مجتمع وبناء وحدة وطنية تقوم على أساس احترام الأخر ورأيه وحقه في التعبير والاختلاف, وبالتالي تجميع الطاقات السورية وتفعيل دورها وفق قاعدة التعايش والتعاضد القانونية والدستورية لتعبر عن مكونات المجتمع ومصلحته, يعتبر نبأ كاذب ………….
أم أن الحديث عن أن أكثر من نصف الشعب السوري تحت خط الفقر يعتبر نبأ كاذب……
أم أن الحديث عن الفساد والإفساد المنظم في المجتمع هو نبأ كاذب …………
أم أن الحديث عن مصادرة إنسانية الإنسان السوري وقمعه وانتهاك حريته, والاعتقال التعسفي بدون حسيب أو رقيب, وفق قانون الطوارئ هو نبأ كاذب…………..
أننا نجزم بأن من يدعو إلى محاربة الفساد والإفساد وإنهاء حالات عسف المواطن وإفقاره وهدر كرامته, عبر البدء بالتغيير السياسي لقواعد اللعبة السياسية وإرساء أسس وطنية صحيحة لها تلغي الاستثناء والعسف وتؤسس نقاط ارتكاز مدنية دستورية قانونية بكل ما تحمله هذه المفردات من معان ودلالات, إنما هو يقول الحقيقة ويسعى إلى تجسيدها, وصيانة المجتمع السوري ودفعا لتطوره ومستقبله .
أننا نعتبر هذه المحاكمات إنما هي محاكمة لنهج التسامح لثقافة قبول الاختلاف, ونجد في التهم وسائل وأدوات أمنية باطلة, منافية للواقع والوقائع ولحقيقة الدور الذي نقوم به في بناء دولة الكل الاجتماعي, دولة سوريا لكل السوريين.
واختم مداخلتي هذه بمقولتين :
الأولى : لتشرشل, رئيس وزراء بريطانيا الراحل, عندما ابلغوه بان الفساد قد عم في أرجاء المملكة المتحدة, فسأل إن كان قد وصل إلى القضاء, فأجابوه كلا فقال: ما معناه إن بريطانيا بألف خير .
الثانية: واعتقد بأنها لعلي بن أبي طالب حين قال:
ما عز ذو باطل ولو طلع القمر من بين عينيه ولا ذل ذو حق ولو اجتمع العالم عليه
ونحن أصحاب حق وقضية .
شكرا سيادة القاضي