عقد مجلس القضاء الأعلى، بدعوة من رئيسه الرئيس الاول لمحكمة التمييز القاضي غالب غانم اجتماعا، في الثالثة والنصف من بعد ظهر اليوم الثلاثاء 5 أيار 2009، حضره الأعضاء الممارسين القضاة: نعمة لحود، ميشال طرزي، عبد اللطيف الحسيني، فريال دلول ومروان كركبي، باستثناء النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا لوجوده خارج لبنان. وبعد التداول في الشأن القضائي، ولا سيما بعد مواكبة ما تعلق بالقضاء من مواقف تلت صدور قرار إطلاق سراح الضباط الأربعة من قبل قاضي الاجراءات التمهيدية لدى المحكمة الخاصة بلبنان.
استمر الاجتماع حتى السابعة مساء، وعلى الأثر، صدر عن المجتمعين بيان جاء فيه:
“أولا: يشدد المجلس على أنه يمثل سلطة مستقلة من سلطات الدولة الثلاث، ويؤكد عزمه على الدفاع بلا كلل عن هذا الاستقلال وما يتلازم معه من دور فاعل للقضاء، ومن حياد وكرامة ومناعة. وهو، لأجل ذلك، مصمم التصميم كله على تحصين القضاء في وجه كل هوى خاص لن يكون له إلا ارتداد سلبي على كيان الدولة وعمل القضاء وثقة المجتمع بمسار العدالة. وهو لن يقبل بأن يشكل القضاء مطية يتم التوسل بها لتحقيق أي غرض خارج عن مهامه الأصلية. ويأسف لكل تعرض ينال الجسم القضائي اللبناني، ويرفضه، خصوصا أن القضاة يبذلون كل مبذل لاطلاق ورشة عمل متجددة فاعلة ومسؤولة تجلت بصورة واضحة إثر صدور التشكيلات القضائية الأخيرة. ويذكر أن العواصف التي هبت على الوطن في العقود المنصرمة وزعزعت بعض مؤسساته لم تنل من صلابة القضاء ووحدته واستمراره في ممارسة مسؤولياته من دون تردد او وجل. وهو، في السياق ذاته، يدعو أهل السياسة الى ترك القضاء يدير شؤونه بنفسه حرا من أي قيد او ضغط، ويدعو أهل القضاء الى تعطيل كل تدخل في شؤونهم من أي جهة أتى، والى التصرف على أساس ان القضاء سلطة قضائية لا قضاء سلطة.
ثانيا: يبدي المجلس ارتياحه لقرار إطلاق سراح السادة الضباط الأربعة، الصادر عن قاضي الاجراءات التمهيدية لدى المحكمة الخاصة بلبنان، ويتمنى ان تتابع العدالة الدولية مسارها السوي، وصولا الى الحلقة الأخيرة من حلقات إحقاق الحق.
ثالثا: يلفت المجلس النظر الى واقعة مآلها أن ثمة اختلافا بين القواعد القانونية المطبقة في لبنان وتلك المحددة في الأصول الإجرائية العائدة الى المحكمة الخاصة بلبنان، مما قد يكون من شأنه التأثير على المعايير المعتمدة وعلى القرارات المتخذة في هذا المضمار.
رابعا: في موازاة ذلك، وعلى كل حال، وبعيدا عن تأييد وجهة نظر من دون أخرى، يؤكد المجلس استعداده لتحمل المسؤولية في مواجهة أي خلل في الممارسات القضائية، ولاعمال قواعد المحاسبة التي يمكن أن تطال أي قاض مخل بمناسبة النظر في أي قضية من القضايا، ولمتابعة الامور المطروحة حتى نهايتها بوجه أي قاض معني، وذلك في إطار احكام الدستور ومبادىء حقوق الانسان والقوانين المرعية والمؤسسات القضائية القائمة.
خامسا: يرى المجلس أنه آن الآوان لاستكمال تكوين هيئة التفتيش القضائي بدءا بتعيين رئيس لها، ويطلب بإلحاح الى السلطات المعنية المبادرة الى سد هذه الثغرة من دون أي تأخير نظرا للمهام الجسام الملقاة على عاتق هيئة التفتيش ، ولما في ذلك من تفعيل لقواعد المراقبة والمحاسبة، ولتعزيز مبدأ حسن سير العدالة.
سادسا: يرحب المجلس بأي طرح جدي وإيجابي وعلمي يهدف الى إعادة النظر في بعض أسس النظام القضائي، وذلك في سبيل تحصين السلطة القضائية وبهدف مواكبة التوجهات الإصلاحية التي اثبتت جدواها ونجاحها في بعض الدول الديموقراطية المتقدمة. وهو ينوي، لأجل ذلك، تحريك المشاريع المعدة والتقدم بالاقتراحات المناسبة الى السلطات المختصة تلبية لهذا المطلب.
سابعا: يتوجه المجلس الى السادة الزملاء القضاة طالبا اليهم تلقي ما يثار حول القضاء ودوره بحكمة القاضي وبما تنشأ عليه من قيم وبما لديه من مناقبية ووعي وحس بالتوازن وحرص على شيوع العدالة والسلام الاجتماعي، وبروح المسؤولية العليا التي تدعوه الى الاستمرار في ممارسة النقد الذاتي، من دون أن ينال ذلك، في أي حال، من مسلمات الكرامة والمهابة والحصانة.
ثامنا: يتوجه المجلس الى الاعلام بوسائله كافة مشددا على ان النظرة الى القضاء ينبغي ان تكون بعيدة عن أي تصور يعتبر القضاء منغمسا في السياسة وشعابها، لأنه بالفعل تصور في غير محله. وهو يؤكد أنه لا لون للقضاء إلا اللون القضائي الذي يأبى كل اصطفاف او سجال يعزز موقعا على موقع آخر. وهو، لأجل ذلك، يناشد الإعلام اللبناني الراقي دعم جهوده في سبيل استقلال القضاء المطلق وبلورة صورته الحقيقية العاكسة آمال الشعب الذي يحكم باسمه. كما يناشده الامتناع عن إطلاق او تبني أي خبر متعلق بالقضاء من دون أن يكون مسندا الإسناد الصحيح، وعن نسبة أي تصريح او موقف الى الادارة القضائية من دون التحقق من صدقهما ومصدرهما.
تاسعا: ينوه المجلس بأنه سيعقد اجتماعات استثنائية لاحقة لمتابعة البحث في الشؤون المطروحة”.