في الأسبوع الماضي، تحركت مصر ضد إيران وحلفائها في العالم العربي. فقد قامت القاهرة بإلقاء القبض على خلية لحزب الله كانت تخطط للقيام بعمليات إرهابية على الأراضي المصرية، كما نظمت حملة في شبه جزيرة سيناء ضد مهربي الأسلحة والأموال إلى «حماس» [في قطاع غزة]، إلى جانب تكثيف الجهود المبذولة لإزاحة قطر- المتعاطفة مع إيران – كوسيط في المواضيع المتعلقة بالسودان، ولبنان، وغيرها من القضايا ذات الصلة بالعلاقات البين-عربية. يبقى أن نرى إذا كان هذا التحول في سياسة القاهرة سيصبح جزءاً متواصلاً من استراتيجية كبرى لاستعادة دور مصر القيادي في العالم العربي، أو على العكس من ذلك، سيكون نهجاً أكثر دفاعياً يهدف فقط إلى التصدي للإهانات السابقة التي تعرضت لها مصر من قبل حلفاء إيران. ومع ذلك، فمن الواضح أن القاهرة ترسل إشارة إلى واشنطن مفادها أن “الملف النووي” هو ليس المظهر الوحيد – أو حتى الأكثر إلحاحاً – للتهديد الإيراني.
خلية حزب الله المصرية
في 8 نيسان/ابريل الحالي، أعلن النائب العام المصري القبض على تسعة وأربعين شخصاً من أعضاء ومؤيدي حزب الله، معظمهم لبنانيين وفلسطينيين ومصريين وسودانيين. واتهم النائب العام هؤلاء المعتقلين بـ “التخطيط لارتكاب جرائم ضد مصر”، بما في ذلك “مراقبة حركة السفن في قناة السويس، والمنشآت والقرى السياحية بمحافظتي شمال وجنوب سيناء، استعداداً لمهاجمتها”. كما تضمنت الاتهامات “ترويج الأفكار الشيعية في مصر، وتحريض المصريين ضد حكومتهم”، وكذلك “تزويد «حماس» في قطاع غزة بالسلاح والمال”. ووفقاً لوسائل الإعلام المصرية، فقد كلف الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، شخصياً رئيس وحدة الاستخبارات في الحزب، محمد قبلان، بتنفيذ هذه المهمة. كما طلب نصر الله من نائبه، نعيم قاسم، متابعة هذه العملية.
ووفقاً لإعلان النائب العام المصري، يوجد لدى بعض المشتبه بهم صلات مع حركة «حماس»، كما أن اثنين منهما مرتبطان بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، في حين لا تزال قوات الأمن المصرية تبحث عن عشرة لبنانيين آخرين من المشتبه بهم في سيناء. وفي خطاب متلفز في 10 نيسان/أبريل، نفى نصر الله الاتهامات بالتخطيط للقيام بهجمات إرهابية ضد مصر، لكنه اعترف بأن سامي شهاب (واسمه الحقيقى محمد يوسف أحمد منصور) الذي يُزعم بأنه قائد الخلية، هو في الواقع احد أعضاء حزب الله، وانه تلقى الأوامر “بتزويد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بالخدمات اللوجستية، بما في ذلك نقل المعدات العسكرية والأفراد إلى غزة”. ولكن مصداقية هذا الاعتراف القدير مشكوك فيها للغاية، خاصة وأن [عضو المكتب السياسي] لحركة «حماس» والناطق باسمها محمد نزال، كان قد نفى وجود أي علاقة [لحركته] بهذه العملية.
المشهد الدولي الأوسع
تفيد التقارير بأن قوات الأمن المصرية كانت قد اعتقلت قبل ستة أشهر، هاني سامي شهاب، رئيس ما بات يعرف الآن بـ “خلية حزب الله في مصر”، لكنها امتنعت عن الإعلان عن ذلك، كما يبدو في الظاهر، لجمع المزيد من المعلومات، والقبض على باقي أعضاء الخلية. لكن توقيت الخطوات المصرية الأخيرة، والعلنية جداً، ضد حزب الله هي ذات أهمية كبيرة للغاية لأسباب أخرى. فهي تعبر بوضوح بأن القاهرة بدأت تأخذ جانباً في الاستقطاب المتزايد [الذي بدأ ينشأ] بين الدول العربية في نقاشها حول النفوذ الإيراني في المنطقة.
وفي أواخر آذار/مارس المنصرم، قامت المغرب بخطوة مثيرة وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، متهمة إياها بصراحة بدعم الشيعة، وحزب الله، وغيرها من العناصر التخريبية في المملكة (بما في ذلك، وفقاً لبيانات أقل علنية، دعم جبهة البوليساريو المناهضة للمغرب والتي تشن حرب عصابات من أجل استقلال الصحراء الغربية). ومن جانبها احتجت البحرين بشدة على تصريح أدلى به أحد المسؤولين الإيرانيين والذي قال فيه بأن البحرين هي المحافظة الإيرانية الرابعة عشر. وبعد ذلك، وفي أعقاب القمة العربية التي انعقدت في الدوحة قبل اسبوعين، أعربت وسائل إعلام مصرية شبه رسمية عن عميق استيائها لرفض تلك القمة إدانة التدخل الإيراني في الشؤون العربية. كما قامت الأردن بشن حملة قمع إضافية ضد «حماس»، وحزب الله، وغيرهم من الوكلاء الذين يزعم بأنهم واقعين تحت النفوذ الإيراني. ومن وجهة نظر هذه الحكومات، فإن حزب الله، الذي هو أبعد من أن يكون مجرد حركة لبنانية، يمثل خطراً واضحاً وقائماً يخدم طموحات إيران “من المحيط الأطلسي الى الخليج”. وفي لبنان نفسها، [في الوقت] الذي يثق فيه حزب الله بأنه سيحقق مكاسب في الانتخابات البرلمانية في السابع من حزيران/يونيو المقبل، تنتهز الصحافة المناهضة لحزب الله هذه “القصة المصرية” بصورة سريعة، وتحاول تشويه صورة الحزب وتصفه كحركة مدمرة [تقوم بأعمالها] بالوكالة عن إيران.
إن الموضوع البارز في هذه الحالة هو التحدي الصريح الذي أظهرته القاهرة ليس فقط تجاه حزب الله، بل تجاه رعاته الإيرانيين أيضاً. وقد قام وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط مراراً بتوجيه اصابع الاتهام الى إيران مستخدماً لهجة حادة، تحمّل الدولة غير العربية بالرغبة غير المشروعة، ضمن أمور أخرى، بمحاولة استغلال حزب الله ليصبح “ملكة المنطقة العربية بأسرها”. ولكن وزير الخارجية الإيرانية منوشهر متكي رد على ذلك بقوله أن الاتهامات المصرية “ملفقة”.
تعكس هذه التبادلات الحادة [بين الجانبين] قلقاً حقيقياً داخل النخبة المصرية، كما لاحظه أحد كتاب هذا المقال خلال زيارة قام بها إلى القاهرة في الاسبوع الماضي، ليس فقط إزاء الأنشطة الإيرانية الخاصة بها، ولكن أيضاً فيما يتعلق برغبة الإدارة الأمريكية الجديدة في التعاطي مع طهران. ففي جلسة إحاطة أقامتها وزارة الخارجية الأمريكية في الآونة الأخيرة لمجموعة مختارة من [الدبلوماسيين من] الدول العربية الصديقة، بما فيها مصر، قيل بأن الولايات المتحدة أكدت في رسالتها بأن جهودها الرامية للحوار مع إيران حالياً، من شأنها أن تحسن احتمالات المواجهة مع طهران في وقت لاحق، إذا لزم الأمر. ويبدو أن الدبلوماسيين العرب لم يجدوا في تلك الرسالة ما يثير الطمأنينة بصورة تامة، وتساءل بعضهم بصورة مباشرة عن المزيد من التهديدات الإيرانية الفورية. ويشكل الكشف الجديد الذي أعلنته مصر عن مؤامرة حزب الله على أراضيها أبرز مثال في هذا السياق.
وضع جماعة الاخوان المسلمين تحت الملاحظة
تمثل الاعتبارات الأمنية الداخلية بعداً رئيسياً آخر وراء توقيت الخطوة المصرية الجديدة، حيث تعتبر هذه الاعتبارات استكمالاً للخطوات الناجحة الى حد كبير التي اتخذتها حكومة مبارك لمنع القيام بإضراب عام دعت إليه المعارضة في 6 نيسان/ابريل. فمصر تراقب بحرص التنسيق القائم بين حزب الله و«حماس» و [حركة] الإخوان المسلمين، وهي جماعة بنت جزءاً من شعبيتها عن طريق وقوفها الى جانب «حماس» وحزب الله في صراعهما مع إسرائيل، ومعارضتها للقادة المفضلين من قبل الحكومة المصرية مثل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورة. وتقوم جماعة الإخوان المسلمين أيضاً بتنظيم أكثر المظاهرات والاحتجاجات في مصر الداعمة لحركة «حماس» وحزب الله.
وباتهامها اثنين من اعضاء جماعة الإخوان المسلمين بأنهما جزء من مخطط حزب الله، تريد الحكومة المصرية إحراج “جماعة الإخوان”، محذرة إياها بأن مصر لن تتسامح مع دعمهما السياسي لحزب الله أو «حماس». وفي الوقت نفسه، ومن أجل استباق الشائعات عن وجود مساعدات إسرائيلية أو غيرها من المساعدات الخارجية، كما لو كان لها يد في إحباط هذه المؤامرة، أصدر أبو الغيط بياناً في 15 نيسان/أبريل أصر فيه بأن مصر اعتمدت اعتماداً تاماً على مصادرها الاستخباراتية الخاصة للكشف عن المتآمرين. ومن جانبها، سرعان ما استوعبت “جماعة الإخوان” جزء من هذه الرسالة على أقل تقدير، بإعلانها أن “أي أنشطة عسكرية [تنطلق] من مصر يجب أن تتم بالتنسيق مع الحكومة، وأنها لا تربطها علاقة بالرجلين المتهمين”. وذهب عضو في البرلمان المصري من جماعة الإخوان المسلمين إلى حد بعيد بقوله أن الأمن القومي المصري هو “خط أحمر لا يمكن تجاوزه”. وعلاوة على ذلك، امتنعت “جماعة الإخوان” عن إرسال محاميها لتمثيل الرجلين المتهمين، بعد أن كانت قد اتخذت موقفاً مبدئياً عاماً بالدفاع عنهم.
استشراف المستقبل: استخدام حزب الله للضغط على «حماس»؟
لم توجه مصر، حتى الآن، اتهاماً واضحاً لحركة «حماس» بالعمل بشكل وثيق مع خلية حزب الله، ولم تسرب [النيابة المصرية العامة] أي تفاصيل عن الفلسطينيين المشاركين فيها. ولكن قد لا يكون هذا [الموقف] الكلمة الأخيرة حول هذا الموضوع. فمن المحتمل أن تكون مصر قد تعمدت تأجيل مناقشة هذه القضية إلى ما بعد 26 نيسان/ابريل، وهو التاريخ المقرر لاستئناف محادثات الوحدة بين «فتح» و«حماس». وإذا حافظت «حماس» على موقفها المتعنت تجاه حلول الوسط المقترحة من قبل القاهرة، قد تلعب مصر بـ “ورقة حزب الله”، وتكشف معلومات عن صلات «حماس» [بخلية الحزب التي تم القبض عليها في مصر]، للضغط على الحركة. ومن الممكن أن تقوم مصر أيضاً بإغلاق حدودها مع غزة بصورة أكثر إحكاماً، وتتخذ المزيد من الخطوات الملموسة لتدمير أنفاق التهريب، إلى حين قيام «حماس» بإظهار قدر أكبر من المرونة. وإذا فشل هذا أيضاً فى زحزحة «حماس» [عن موقفها]، هناك احتمال حقيقي بحدوث شقاق كامل في علاقات الحركة مع مصر.
تداعيات على السياسة الأمريكية
إن هذه الاختلافات الأخيرة، والأكثر حدة بوجه خاص، بين مصر من جهة وإيران وحلفائها في “المقاومة” العربية من جهة أخرى، إلى جانب علامات اخرى عن القلق العربي الشديد [من توسع النفوذ الإيراني]، تقدم فرصة للولايات المتحدة لدعم أصدقائها واحتواء خصومها في المنطقة. [لذلك]، يتحتم على الولايات المتحدة التحرك بسرعة لتقديم دعم علني قوي ومساعدة ملموسة إلى مصر وغيرها من الحكومات العربية في جهودها الرامية للتصدي للتخريب الإيراني المتزايد بصورة وقحة. ولا يتعارض مثل هذا الموقف مع بحث واشنطن عن وسيلة للتعاطي مع إيران. بل على العكس من ذلك، إن جوهر القدرة السياسية على إدارة الدولة بصورة ذكية، يكمن تحديداً في القدرة على الحوار، وفي الوقت نفسه حماية مصالح طرف ما والحفاظ على مبادئه على حد سواء.
ديفيد بولوك هو زميل أقدم في ، يركز على الديناميات السياسية لبلدان الشرق الأوسط. محمد ياغي هو زميل لافر الدولي في معهد واشنطن، يركز على السياسة الفلسطينية.
يمكن قراءة هذا المقال على موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى