سيطرت حركة طالبان، فرع باكستان، على مقاطعة «سوات» المتاخمة لافغانستان. وسمحت لها الحكومة بالتمتع بحكم شبه ذاتي في تلك المنطقة الوعرة والنائية والتي يصعب الوصول اليها. وبسبب رغبة الحكومة الضعيفة في اسلام اباد في ارضاء جميع الاطراف، وعند حكومتهم وعندنا خير، تنازلت السلطة المركزية عن غالبية صلاحياتها لتلك الحركة، وهنا قامت هذه بهدم كامل مباني 225 مدرسة بنات وساوتها بالارض، لكي تجعل من الصعب جدا عودة نظام تدريس الفتيات الى المقاطعة في حال انتزاع السلطة منها. كما قام «رجالها» باغلاق وحرق جميع محال الحلاقة الرجالية والغاء المهنة من القاموس التجاري، وباشروا بتوقيع عقوبة الجلد علنا على اصحاب تلك المحال والعاملين فيها، او بمن يحترف تلك المهنة مستقبلا. كما حرقوا جميع مباني ومحتويات المحال المتخصصة ببيع الاشرطة والآلات الموسيقية وحتى الاجهزة الكهربائية المتعلقة بالصوت والصورة. وفرضوا على الاناث، ومن اي عمر كن، ارتداء البرقع الكثيف والسميك الذي لا يظهر من المرأة شيئا، ومنعهن من الخروج من منازلهن من دون «محرم»، الا لاسباب قهرية. كما فرضت الحركة اسلوب معيشة على سكان المقاطعة الذين يتجاوز عددهم خمسة ملايين، يتسم بالشدة والغلظة، ومنحت شرطة الاخلاق صلاحيات ضرب كل من يشك في تصرفاته، وهذا خولهم حق توقيع عقوبة الاعدام بعشرات المطربين والراقصين من الجنسين وبمن يشك في اخلاقهم او سلوكهم الانثوي او الذكوري المغاير لجنسهم، او جنسهن، المدون في بطاقات هوياتهم، او هوياتهن، وكل ذلك من دون محاكمة او حتى سؤال بسيط. كما اغلقت دور بيع الكتب والمجلات، بالرغم من قلتها، وصودرت الكتب من مكتبات مدارس الذكور واحرقت.
ومنع الاطباء من الرجال، وبأوامر مشددة، من فحص او تقديم العلاج للمرضى من الاناث. وهذا يعني ان الغالبية الكاسحة من النساء لن يكون بمقدورهن تلقي اي نوع من العلاج الذي يتطلب الفحص الجسدي بسبب ندرة الطبيبات الاناث، يحدث ذلك بالرغم من الوضع الصحي السيىء الذي تشكو منه المرأة الباكستانية في تلك المناطق اصلا، وهذا يعني ببساطة زيادة معدل الوفيات بينهن مستقبلا، خاصة انهن حرمن من تلقي التعليم، ولو البدائي منه!!
كما فرض على جميع البالغين من الرجال اطلاق لحاهم واستخدام المسواك ونبذ الملابس الغربية، او الغريبة. واصبح حضور الصلاة امرا بالغ الاهمية بحيث تخلو في اوقات ادائها شوارع المدينة من البشر تماما، وللشرطة، التي لا تصلي، حق توقيع العقوبة على كل من يشاهد متسكعا في الشارع وقت الصلوات!!
ولو افترضنا ان الحال في تلك المقاطعة الفقيرة والنائية استمر لعقدين او ثلاثة قادمة بمثل هذا الشكل، فما الوضع المثالي الذي يتوخى حكام المنطقة بلوغه في ظل مثل هذه الاحكام التي تعود الى القرون الوسطى؟ هل ستتحول «سوات» الى قبلة المؤمنين، وليس فيها فندق واحد من نجمتين؟ ام ستصبح جنة السائحين وليس فيها ما يكفي اهلها من طعام؟ ام ان كل هذا لا يهم طالما اعتقد الفرد منهم انه ليس بحاجة الى العالم اجمع متى ما اقتنع انه ادى ما عليه من واجبات؟ فإن كانت هناك اي فائدة ترجى من اسلوب وطريقة المعيشة هذين فليعلمونا بها وسنكون لهم من التابعين!!
habibi.enta1@gmail.com
* رجل أعمال وكاتب كويتي