(الصورة: الامام الخميني وآية الله حسين علي منتظري والشيخ هاشمي رفسنجاني بداية الثورة ويبدو منتظري يحمل في يده النسخة الاولى من الدستور الايراني اذ انه كان يرأس مجلس صياغة الدستور)
*
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الايرانية في شهر يونيو، بدأت تتشكل في الافق السياسي الإيراني الملامح شبه النهائية لمعركة سياسية قاسية، طرفاها هذه المرة ينتميان إلى ما يمكن ان يسمى البيت المحافظ الواحد، ما يشي وبشكل قد يقترب من اليقين ان هذا البيت بات يأوي تحت سقفه، وباستعارة من المؤرخ العربي كمال صليبي، “منازل كثيرة”.
ابرز ملامح هذه المعركة، اضافة للمعركة الشرسة التي تخاض ضد المرشح الاصلاحي الرئيس السابق محمد خاتمي، ستطال هذه المرة النيل مما تبقى من مواقع يشغلها شخصيا الرئيس الاسبق ورئيس مجلسي خبراء القيادة وتشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني في هرمية السلطة بعد ان تم ابعاد المقربين منه في وقت سابق.
وفي الوقت الذي يسعى التيار الاصلاحي إلى تقليل التمايزات داخل الاجنحة التي تتبنى المشروع الاصلاحي وخطابه، وان يجمع بيوتها تحت سقف منزل واحد، يبدو ان التيار المنافس المحافظ، بدأت جدران بيته تتصدع، وبدأت الخلافات بين أجنحته او منازله تبرز الى العلن اكثر من أي وقت مضى، خصوصا على خلفية وميزان القرب والبعد عن تقاسم كعكة السلطة، بعضها يشترط حاليا ان يكون شريكا كامل العضوية في السلطة بعد ان همشته طموحات الرئيس الحالي محمود احمدي نجاد الذي رفض اشراكه في هذه السلطة تحت ضغط من دائرته الاقرب التي أرادت الاستفراد بمآثر ومكاسب السلطة على حساب الاخرين.
وقد انتهج احمدي نجاد في تركيب ادارته مساراً اثار ضده كل اعمدة النظام والثورة السياسيين. وتحت شعار انه منتخب من قبل الشعب ولا فضل لاي من الاحزاب السياسية في وصوله الى السلطة، مارس حرب تطهير لكل من لا يمحضه الولاء الاعمى في الدولة والادارة من المحافظين. فمارس سياسة التنكيل السياسي والاتهام بالفساد الاقتصادي، تمهيدا للتخلص من الكوادر الادارية المقربين من الرئيسين السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي.
الا ان التطورات الاخيرة والمتشعبة داخل النظام الايراني والتحدي الذي اوجده ترشيح خاتمي للانتخابات الرئاسية والموقف الايجابي لرفسنجاني القريب من خاتمي، اجبرت التيار المحافظ الى رفع مستوى الانذار بالخطر داخل صفوفه على اعلى المستويات، خصوصا بعد سلسلة من الخطوات السياسية التي بدأها رفسنجاني مؤخرا على المسرحين الداخلي والخارجي.
رفسنجاني، وفي موقف يحمل الكثير من المؤشرات على ما وصلت اليه الاوضاع الداخلية، خصوصا الاقتصادية والاجتماعية في الداخل وعلاقات ايران الاقليمية والدولية في ظل حكومة احمدي نجاد، اتخذ خيارا واضحا في الوقوف ضد اعادة ترشيحه وتوليه مرة ثانية رئاسة الجمهورية، وهو لم يخفِ هذا الموقف عن المرشد الاعلى للنظام الايراني آية الله علي خامنئي. وذهب الى ابعد من ذلك بان طلب من خاتمي الدخول في المعركة الرئاسية ضامنا له دعم القوى المقربة منه.
وفي خطوة اراد منها اسقاط كل الاعذار في لجوئه الى هذا الخيار، بدأ بالترويج لفكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية من خلال المشروع الذي تبناه القائد السابق للحرس الثورة وسكرتير مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي المقرب جدا من رفسنجاني ورفيقه في قيادة الحرب ضد العراق وزيارته الاخيرة له ايضا.
المشروع الذي تبنته شخصيات بارزة وذات تاريخ في الثورة، مثل الشيخ علي اكبر ناطق نوري رئيس دائرة التفتيش الخاصة في مكتب مرشد النظام (البيت)، والشيخ مهدي كروبي الملتزم منهجا وروحا بمبدأ ولاية الفقيه ورئيس البرلمان الاسبق، ورئيس البرلمان الحالي والشخصية الاكثر براغماتية بين المحافظين علي لاريجاني، هذا المشروع يقوم على تشكيل حكومة ائتلافية في الرئاسة القادمة هدفها بناء نمط من التفكير الجديد من بين قوى التيار المحافظ. اما المحرك لهذا المشروع فهو خلق مجالات سياسية جديدة في ايران بعد ان بات على طرف او تيار واحد ادارة الاوضاع بمعزل عن الاخرين، خاصة وان الفشل سيتحول الى ازمة متفاقمة في ظل ادارة فردية، بعد ان اثبت دعاة التفرد عجزهم عن ادراك التراجع الذي شهدته ايران.
ردة الفعل الاولى جاءت من احمدي نجاد والمقربين منه ومراكز القوى المتضررة من هذا المشروع، ما اجبر ناطق نوري على نفي علاقته او تبنيه لهذا الامر، ودفع بلاريجاني الى اعلان تراجعه عن تبني هذا المشروع، فيما اختار رفسنجاني الصمت مع رضائي بعد ان تعرض لاقسى هجوم مباشر من على منبر صلاة الجمعة في طهران.
وفي محاولة لتخفيف حدة الانقسام داخل التيار المحافظ الذي يعتبر نفسه الناطق الرسمي باسم الدين والذي يملك مفاتيح المفاهيم الدينية، دخل رفسنجاني على خط تخفيف التوتر بين احمدي نجاد والمراجع الدينية (آيات الله) في الحوزة الدينية في “قم” الذين كانوا يرفضون استقبال احمدي نجاد بعد تبنيه نظرية “المهدوية” التي سببت لهم احراجا كبيرا في الوسط الديني، اضافة الى الكثير من القرارات التي لا تنسجم وتوجهاتهم. ونجاح رفسنجاني في هذه المهمة صعّد من حدة المخاوف لدى الجناح الداعم لاحمدي نجاد من امكانية انفلات الامور وخروجها عن سيطرتهم، لذلك كان لا بد لهم من التحرك للتخفيف من حضور ظل رفسنجاني الواضح في المفاصل الاساسية للنظام والثورة والحوزة العلمية.
ولعل زيارة رفسنجاني الاخيرة الى دولة العراق، والاستقبال التاريخي والزيارات التي قام بها برفقة الرئيس العراقي جلال الطالباني، خصوصا الى النجف الاشرف واللقاء المطول مع زعيم الحوزة والمرجع الاعلى للشيعة آية الله علي السيستاني الذي امتنع لاسباب لم يكشف عنها عن استقبال احمدي نجاد خلال زيارته للعراق اوائل العام الماضي 2008، رفعت من مستوى هذه المخاوف الى درجة الانذار بالخطر الذي يشكله استمرار سيطرة رفسنجاني على رئاسة اهم مجلسين في النظام (مصلحة النظام وخبراء القيادة).
وقد لا تبدو عبثية تصريحات احمد خاتمي، رجل الدين المحافظ وعضو مجلس خبراء القيادة واحد ابرز الداعمين لاحمدي نجاد، حول ضرورة انتخاب رئيس جديد لمجلس خبراء القيادة في الاجتماع الدوري لهذا المجلس خلال الايام القادمة وبعد مرور سنتين على انتخابه. اذ يبدو ان المطلوب هو استبعاد رفسنجاني عن هذه الرئاسة التي قطفها قبل عامين، وانتخاب شخص اكثر انسجاما مع ولي الفقيه ورئيس الجمهورية. وليس مستبعدا ان يتم اختيار احمد خاتمي نفسه او الشيخ احمد جنتي الذي يتولى رئاسة مجلس صيانة الدستور مصفاة ومقص المرشحين لاي انتخابات ايرانية، خصوصا وان الاخير فشل في الحصول على رئاسة مجلس الخبراء امام رفسنجاني، على الرغم من الدعم الواضح والعلني الذي حظي به من قبل المرشد الاعلى وترشح في اللحظة الاخيرة لمنع رفسنجاني من الوصول الى هذا المنصب.
هذه الخطوات والتطورات المتلاحقة تظهر ان الفجوة بين رفسنجاني بما يمثله من موقع وثقل في النظام والثورة والدولة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وبين الحكومة النجادية والقوى الداعمة لها، قد وصلت الى طريق اللاعودة، وان كلا الطرفين سيستفيد من الاوراق التي يمتلكها لإلحاق الخسائر بمنافسه بكل ما اوتي من قوة وادوات. الا ان هذه المعركة ستكون مضبوطة بإيقاع يفرضه المرشد الاعلى وليست بعيدة عن عينه حتى لا تخرج عن السيطرة والتوظيف المطلوب لها الذي يجعلها تصب في مصلحة دعم بقاء النظام وقيادته مسيطرة ممثلة بولي الفقيه.
توضيح حول الحكومة الائتلافية
يرى مشروع الحكومة الائتلافية ان على الوسط السياسي الايراني بكل قواه وتياراته واحزابه امتلاك القدرة على تقديم وانتاج مرشحين كثر بعد ان فشل احمدي نجاد في قيادة سياسات التيار المحافظ خلال رئاسته وساهم في فتح جناح خاص به ووظف كل مقدرات الدولة لخدمة مشروع عودته الى الرئاسة على حساب الاقتصاد والاجتماع الاقتصادي والثقافي والاخلاقي والسياسي. على ان ينحصر العدد الى خمسة شخصيات تحمل افضل برنامج ومشروع اداري لرئاسة الجمهورية بعد اخضاعه للنقاش والتعديل. وبعد اعلان الفائز، فان الاشخاص الآخرين يكونون من بين اعضاء الحكومة الاساسيين. وذلك لقطع الطريق على تفرد الرئيس بتشكيل حكومة من محازبيه واتباعه والموالين له على حساب الخبرة والمعرفة او الشركاء في التوجه.