المقال التالي، المنشور في “النهار” يستكمل معلومات “الشفّاف” حول قضية ما يسمّى “الديبلوماسيين الإيرانيين الإربعة“. مع ملاحظة أن سمير القنطار كان في جبهة تحرير فلسطين(ابو العباس)وليس جبهة التحرير العربية. .وجبهة ابو العباس هي انشقاق عرفاتي عن جبهة احمد جبريل في عز الصراع السوري-الفتحاوي..
والمرجع الإيراني المهم عن قضية الديبلوماسيين هو:
حسين بهزاد، “در انتهاي افق:زندكينامه سرلشكر باسدار حاج احمد متوسليان”.بي جا:بنياد شهيد،1376.
( سنة 1376 هي هجرية شمسية على عادة الايرانيين)
والترجمة العربية لعنوان الكتاب هي:
في نهاية الافق:سيرة حياة اللواء الحاج احمد متوسليان..
ودار النشر هي بنياد شهيد اي مؤسسة الشهيد التي كانت تابعة للحرس الثوري ورئيسها الحاج رفيق محسن دوست الذي كان قريباً جداً من فتح ومن ابو جهاد ومن عماد مغنية.
وقد نشرت صحف لبنان اليوم بياناً عن الحزب القومي عن الاسير يحيى سكاف باعتبار انه عضو في الحزب..
والحقيقة ان يحيى سكاف كان فتى صغيراً في السابعة عشرة من عمره ضمن مجموعة دلال المغربي التي قامت بعملية كمال عدوان على الشاطئ ما بين حيفا وتل ابيب في آذار 1978 وقد استشهد هو ودلال في العملية، بدليل بيانات حركة فتح-قوات العاصفة يومها وشهادات الصحف المحلية والعربية والاسرائيلية عن العملية تلك الايام
فلماذا المتاجرة اليوم به كاسير وباسم القومي السوري؟
هل فتح نصرالله بازاراً جديداً ليجعل سلاح الاسرى سيفاً مسلطاً على رقاب اللبنانيين بحجة تحريرهم يوم يشاء خوض حرب جديدة مع اسرائيل عبر الحدود.
“الشفّاف”
*
كتب إيلي الحاج:
قبل 27 عاماً، في يوم صيفي، دخل زاهي البستاني المساعد الأبرز آنذاك لبشير الجميّل الذي كان انتُخب رئيساً للجمهورية، غرفة الاجتماعات في ما كان يعرف بـ”المجلس الحربي” وكان فيها رئيس جهاز الأمن لميليشيا “القوات اللبنانية” سابقاً ايلي حبيقة، وأخبره أن بشيراً كلفه الاستفسار منه عن أربعة ديبلوماسيين ايرانيين اختفوا على طريق طرابلس – بيروت، بينما كانوا آتين من سوريا الى العاصمة اللبنانية التي كانت تطوقها القوات الاسرائيلية. قال البستاني لحبيقة ان الأميركيين سألوا بشيراً عنهم بالحاح.
طلب مني زاهي، عندما روى لي ما جرى للديبلوماسيين الايرانيين، ألا أكتب عن هذه المسألة أبداً. “مش وقتها”، قال. وشرح لماذا يجب ألا تُكتب. اليوم أعتقد أن الوقت قد حان للكتابة، وخصوصاً ان بشير وزاهي أيضاً، وحبيقة قد أصبحوا في دنيا الحق.
زاهي الذي أصبح لاحقاً مديراً عاماً للأمن العام في السنتين الأوليين من عهد الرئيس أمين الجميّل، قال ان حبيقة أجابه عن سؤاله حول الديبلوماسيين: “ليتك قلت لي هذا الكلام أمس، عندما كنا جالسين هنا أنت وأنا. هل تذكر اني كنت أفرز ملفات أمامي؟ وضعت ملفاتهم الى اليسار”.
قال البستاني: “ماذا يعني أنك وضعت ملفاتهم الى اليسار؟”
حبيقة: “أعني أن من وضعت ملفاتهم الى اليمين ما زالوا أحياء”.
أخبرني زاهي أنه كاد أن يفقد أعصابه، فصرخ في حبيقة: “يا (…) معقول انك تتحدث معي، وفي الوقت نفسه تفصل بنظرة الى الملف في حياة الناس وموتهم؟ هل أنت الله؟”.
كان ذلك عام 1982.
بعد أربعة أعوام، عام 1986، كان بشير الجميّل قد اغتيل وانتُخب شقيقه أمين رئيساً للجمهورية ولم يتفق معه رفاق أخيه فقاموا بحركة انقلابية ضده وسيطروا بالقوة على المنطقة التي كانت تعرف بـ”الشرقية”، لكنهم ما لبثوا أن اختلفوا على الخيارات السياسية والنفوذ اثر توقيع “الاتفاق الثلاثي ” في دمشق. وانتهى صراعهم بسيطرة سمير جعجع على قيادة “القوات” و”الشرقية تالياً. وانتقل حبيقة الى سوريا. وبما أنه كان رجل أمن بامتياز، واضطلع بأدوار كبيرة في لبنان ومع قوى ودول خارجه، سُئل بالتفصيل هناك عن قضايا كثيرة، وكان التركيز، بدفع ايراني طبعاً، على موضوع الديبلوماسيين الأربعة. فأفاد حبيقة انه عندما غادر مقر قيادته في محلة الكرنتينا كانوا لا يزالون أحياء في سجن هناك.
قال زاهي البستاني انه لا يعرف لماذا رمى حبيقة هذه القنبلة الدخانية في دمشق. والأرجح أنه أراد أن يوقع مزيداً من الخصومة والكراهية والمشاكل على خصمه آنذاك سمير جعجع الذي سيُصبح مطالباً بالديبلوماسيين ما داموا أحياء.
وفي العام نفسه 1986، يكمل الراوي، قفز ملّاح اسرائيلي اسمه رون أراد من طائرته الحربية بمظلة بين صيدا وصور واعتقله مقاتلو حركة “أمل”. في السنة التالية 1987 بعث برسالتين وصورة الى أهله تؤكد أنه على قيد الحياة. في السنة التالية 1988 انقطعت أخباره ولا تزال. وكلما سألت اسرائيل عنه في المفاوضات غير المباشرة مع ايران و”حزب الله” كانت تتلقى رداً سؤالاً عن الديبلوماسيين الأربعة.
استنفرت اسرائيل كل أجهزتها الاستخباراتية وكل الوسطاء للتوصل الى معرفة أي شيء عن رون أراد، ولكن بلا نتيجة. وكل ما حصلت عليه معلومات مختصرها أنه اثر مواجهات وقتال شديد بين حركة “أمل” و”حزب الله ” أوقع مئات الجرحى في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، انتقل أراد من عهدة الحركة الى عهدة الحزب على يد قائد مجموعة من الحركة انفصل عنها وأسس “أمل المؤمنة” ثم انضم الى “حزب الله”واسمه مصطفى الديراني.
في 1992 خطفت قوة كومندوس اسرائيلية الديراني من منزله في بلدة قصرنبا في بعلبك وبقي في معتقلات اسرائيل مع زميله في الحزب الشيخ عبد الكريم عبيد حتى عام 2004. وكانت تل أبيب تصر على عدم اطلاقهما الا في مقابل رون أراد أو معلومات مثبتة عنه. لكنها عادت وأطلقتهما في اطار صفقة تبادل لاستعادة ضابط اسرائيلي سابق اسمه الحنان تننباوم استُدرج الى بيروت وخطف فيها، ووصفت اسرائيل دوافعه بأنها “مشبوهة”.
لكن جلّ ما حصلت عليه اسرائيل من الديراني وعبيد هو الرواية نفسها التي كان يقدمها “حزب الله” عن أراد: بعد حوادث الضاحية نقل الى سهل قرية تدعى ميدون في البقاع. وفي أحد الأيام من العام نفسه (1988) نفذت قوة من المظليين الاسرائيليين هجوماً على المكان، فقتل اراد مع حرسه، أو تمكن من الهرب ولم يعد الحزب يعرف عنه شيئاً.
وبين 1986 و1988 تلقت قيادة ميليشيا “القوات اللبنانية”، على ما روى لي نائب قائدها في تلك الحقبة كريم بقرادوني، اتصالات من دول غربية، ولا سيما منها بريطانيا، تعرض على “القوات” ما تشاء من أشكال الدعم لقاء الديبلوماسيين الايرانيين الأربعة. تلك كانت أيام خطف الرعايا الغربيين في بيروت الغربية، وبما أن الخاطفين كانوا على ارتباط بايران تحت مسميات تنظيمات وهمية، فقد أرادت بريطانيا عرض مقايضة بينهم وبين الايرانيين الأربعة.
وأبلغت “القوات” الى البريطانيين، بعد استقصاءات وتحقيقات واسعة، أن مبنى أنشئ في المكان الذي يعتقد أن الديبلوماسيين الأربعة دُفنوا فيه على الأرجح، وبالتالي لا يمكن العثور حتى على رفاتهم.
وفي أواخر عام 1990 زار وفد ديبلوماسي ايراني، كان يرافق عائلات الديبلوماسيين المفقودين، سمير جعجع في مقره آنذاك في الكرنتينا، فأبلغهم ما جرى، وأن الأربعة قتلوا بعد وقت قصير من خطفهم وتعذر العثور على رفاتهم.
لكن السلطات الايرانية ظلت على اقتناع بأن الأربعة أحياء، وأنهم أصبحوا في اسرائيل بعد حل ميليشيا “القوات”. ودفع المسؤول الكتائبي بطرس خوند الذي خطف مطلع التسعينات واختفت آثاره، ثمن الاعتقاد الايراني هذا، على ما يقول مطلعون على هذا الملف. ولا تزال عائلته حتى اليوم تنتظر عودته.
والمفارقة في لعبة مرايا الكذب المتبادل، أن اسرائيل لم تنف يوماً وجود الديبلوماسيين الأربعة لديها. وكانت كلما راجعها أحد في شأنهم تبدي استعداداً للتعاون في مقابل معلومات عن أراد الذي ظلت مقيمة لسنوات طويلة على اقتناع بأنه موجود في سجن في مدينة طهران، وأنه عليل. هذا على الأقل ما أبلغه جهاز “أمان” الاسرائيلي الى أرييل شارون عام 2005.
لكن القائد السابق لـ”الحرس الثوري الايراني” الجنرال علي راضي أصغري الذي فرّ من سلطات بلاده خلال زيارة كان يقوم بها لتركيا والتحق باحدى دول الغرب كان يحمل معه مفاجأة للمحققين: لا علاقة لايران بقضية رون أراد، لا من قريب ولا من بعيد، وبالطبع ليس هو في طهران.
على رغم ذلك أصرت اسرائيل، في كل عمليات التبادل التي أجرتها مع “حزب الله”، على الاحتفاظ باللبناني سمير القنطار معتقلاً لديها مدى 30 عاماً بحكم قضائي “مفتوح”، أي أبعد من المؤبد في قضايا شن عمليات ضد اسرائيليين وقتلهم في اطار المقاومة الفلسطينية، وتحديداً مع “جبهة التحرير العربية”، ورفضت اطلاقه الا في مقابل رون أراد أو ما يثبت وفاته.
ولم يكن في اسرائيل من معتقلين لبنانيين بعد عملية التبادل الكبيرة عام 2004 سوى سمير القنطار، باعتبار أن نسيم نصر سلمته الى “حزب الله”، وهو يحمل الجنسية الاسرائيلية الى جانب الجنسية اللبنانية، وقد أبعدته عن أراضيها بعدما أمضى حكمه ستة أعوام سجناً بتهمة التجسس لـ”حزب الله”.
وبعد اتمام صفقة التبادل الكبيرة في تموز العام الماضي واطلاق القنطار، بات المجال متاحاً للتأمل في نتائج الأكاذيب أو عمليات اخفاء المعلومات التي مارسها أطراف كثيرون على مدى عقود، والتي دفع ثمنها العشرات عشرات الأعوام من حياتهم، والعذابات التي كان يمكن تفاديها، والمآسي الانسانية التي تفوق التصوّر.