نشر “الشفّاف” قبل يومين ترجمة لمقال في جريدة “الفيغارو” حول تركيبة حركة “حماس” الداخلية كتبه مراسل الجريدة في القدس. الدراسة القصيرة التالية كتبها من “معهد واشنطن”، مما يعني أن مصادرها قد تكون أميركية وإسرائيلية مقارنةً مع مقال “الفيغارو” الذي يحتمل أن يتضمن معلومات فرنسية. وفي الحالتين، فإن المعلومات المتوفّرة عن “حماس” تظل محدودة بالمقارنة مع أهميتها السياسية الراهنة.
*
رغم إجماعها على الصراع المسلّح مع إسرائيل بدلاً من المفاوضات السلمية، فإن “حماس” ليست حركة متراصّة الصفوف وموحّدة سياسياً. فالخلافات ضمن قيادة “حماس” كانت بارزة للعيان، مثلاً، حينما انتهت هدنة الستة أشهر: فقد صدرت عن مختلف القادة بيانات متضاربة وضعت حدّاً للهدنة، وأعلنت إستمرارها في الوقت نفسه. ومع دخول القوات الإسرائيلية إلى غزة، فإن فهم التصدعات داخل حركة “حماس” يصبح أكثر أهمية لفهم كيفية اتخاذ القرارات داخل هذه الحركة.
تركيبة “حماس”
تتألّف “حماس” من ثلاثة أجنحة مترابطة. الجناحان الإجتماعي والسياسي هما الوجهان العلنيان للنشاطات الإجتماعية، والإدارية، والسياسية، والدعائية. أما الجناج السياسي فينخرط في النشاطات السرية، مثل إعدام المشتبه بتعاونهم مع إسرائيل، ومراقبة الأهداف المحتملة، وتأمين الأسلحة، والقيام بعمليات حرب العصابات والهجمات الإرهابية. ويشرف على كل النشاطات “مجلس شورى” يملك سلطة اتخاذ القرارات السياسية العليا ومركزه في دمشق. ويضمّ “مجلس الشورى” ممثّلين لـ”حماس” في غزة، والضفة الغربية، والسجون الإسرائيلية، والقيادة الخارجية التي تتواجد في دمشق. وتنبثق عن “مجلس الشورى” لجان مسؤولة عن مراقبة مختلف النشاطات، من العلاقات مع وسائل الإعلام إلى العمليات العسكرية. وعلى المستويات المحلية في الضفة الغربية وغزة، فإن “مجالس شورى” محلية تتبع لـ”مجلس الشورى” المركزي، وتنفّذ قراراته ميدانياً.
خطوط التصدّع التقليدية
تتخلّل حركة “حماس” عدة خطوط تصدّع. فالقيادة الخارجية تنقسم إلى مجموعتين: “الغزاويين” الذين يتزعّمهم الرقم 2 في القيادة، “موسى أبو مرزوق“، وما يسمّى “مجموعة الكويتيين” التي تتألّف بمعظمها من أبناء الضفة الغربية الذين درسوا أو اشتغلوا في الكويت، وعلى رأسهم “خالد مشعل“. وتقوم علاقة تعاون وثيق بين الجماعتين، ولكن جماعة “أبو مرزوق” تتذمّر من “مجموعة الكويتيين” لأنها تسعى دائماً للسيطرة على المراكز الرئيسية في المكتب السياسي لـ”حماس”. وتشمل التصدّعات الأخرى توتّرات بين القيادة الداخلية والقيادة الدمشقية، وبين قادة الضفة الغربية وقادة غزة، وبين الوطنين الفلسطينيين الإٍسلاميين من جهة والإٍسلاميين المتشدّدين من جهة أخرى.
وفد ازدادت حدة هذه التشقّقات مع إغتيال الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي في العام 2004، الذي نجم عنه فراغ قيادي كبير في قطاع غزة. ففي حين تولّى “محمود الزهّار” و”اسماعيل هنيّة” قيادة الجناح السياسي للحركة، فإن العديد من المناضلين الذين كانوا يحيطون بـ”الرنتيسي” تحالفوا مع “محمد ضيف”، مسؤول كتائب عزّ الدين القسّام في غزة. وحينما تعهّد “هنية” وغير بوقف عمليات قصف إسرائيل بالهاون بعد أن تذمّر رجال الأعمال الفلسطينيين من الأضرار التي يتعرّضون لها بسبب العمليات الثأرية الإسرائيلية، فإن أحد القياديين من جماعة “الرنتيسي”، وهو الشيخ “نزار ريان“- الذي قتل في غارة جوية إسرائيلية في الأسبوع الماضي- تحدّى تصريحات “هنية” علناً. ونظم “ريان” عرضاً عسكرياً في مخيّم “جباليا”ن وعقد مؤتمراً صحفياً في مسجده تحدث فيه أربعة من أعضاء “كتائب عز الدين القسام”، مستخفّين بتصريحات “هنيّة”، كما أعلنوا أن الحركة تقوم بتطوير صواريخ “قسّام” قادرة على ضرب “عسقلان”.
إن أهم خط فاصل ضمن “حماس” هو الخط الفاصل بين الذين يعطون الأولوية للقضية الوطنية الفلسطينية والذين يعطون الأولوية للإيولوجية الإسلامية. ففي حين أن العديد من “المعتدلين” يؤيّدون الهجمات الإرهابية وفقاً لشروط معينة، فإن تيّاراً معيناً ضمن “حماس” يدعو أحياناً إلى وقف النشاط العسكري والتركيز على النشاطات السياسية والإجتماعية على نحو مشابه لما تقوم به حركة “الإخوان المسلمين” الأردنية. ويقول خبير إسرائيلي أن مسؤولاً كبيراً في “حماس” وزّع في العام 2004 مذكرة داخلية تقترح تخلّي “حماس” عن “جهازها السرّي” في قطاع غزة. وتفيد المعلومات أن العديد من قادة “حماس” في الضفة الغربية أيّدوا الفكرة، ولكن قادة “حماس” في غزة رفضوا الفكرة، كما رفضتها أيضاً القيادة السياسية العليا الموجودة خارج فلسطين.
صعود المتشدّدين في غزة
وتفيد المعلومات المتوفّرة أن العناصر الأكثر تطرّفاً في غزة كانت لا تتّبع سوى التعليمات الواردة من قيادات الخارج، مثل “خالد مشعل”، إلى أن برز “الزهّار” وغيره من المتشددين وتبوأوا مراكز قيادية. ومع انتصار “حماس” في إنتخابات يناير 2006، وخصوصاً بعد هزيمتها لـ”فتح” واستيلائها على غزة بالقوة، فإن قيادة دمشق خسرت قسماً من نفوذها لصالح قيادات غزة. وفي حين ظلت قيادة دمشق هي المسيطرة، وذلك بالدرجة الأولى لأنها تضع يدها على أموال الحركة وتشرف على علاقاتها مع “حزب الله” وإيران وغيرها من الجهات الخارجية، فإن قيادات “حماس” في غزة هي التي تتّخذ القرارات اليومية. ومع أن بعض المتشدّدين مثل “الزهّار” و”سعيد صيام” خسروا مناصبهم الوزارية حينما تشكّلت حكومة الوحدة الوطنية القصيرة العمر في مارس 2007، فإن نفوذ “الزهّار” و”صيام” تزايد بفضل سيطرتهما على “القوة التنفيذية” التابعة لـ”حماس” وعلى “كتائب القسّام“.
في أغسطس 2008، أحرز متشدّدو “حماس” الغلبة في الإنتخابات السرية التي جرت لاختيار أعضاء “مجلس الشورى“. وتفيد معلومات أن الأقل تطرّفاً بين زعماء “حماس”، مثل “غازي حمد” و”أحمد يوسف”، امتنعا حتى عن ترشيح أنفسهما حينما أدركا أن قائمة المنتخبين تتألف بمعظمها من عناصر حماسية شابة على صلة بـ”كتائب القسّام”. وحسب المعلومات، فقد أسفرت الإنتخابات عن سيطرة المتشددين العسكريين على المكتب السياسي الغزاوي. وأبرز هؤلاء “أحمد جباري”، الذي يُعتَبَر “رئيس أركان” الحركة، والذي يشرف على جناحها العسكري. وهذه الفئة من “حماس” ترفض “الحوار الوطني” مع “فتح”، وتعتبره مجرّد تكتيك لإبعاد “حماس” عن السلطة أو لإرغامها على التخلّي عن إلتزامها الإيديولوحي بمواجهة إسرائيل بالسلاح وبرفض حل الدولتين عن طريق التفاوض. وضمن هذه الدينامية السياسية، التي باتت راسخة بفضل التصويت لانتخاب مجلس شورى جديد في أغسطس، فإنه يعتقد أن رئيس حكومة غزة “إسماعيل هنية” لا يملك نفوذاً كبيراً.
ومن سخرية الأمور أن الخلافات داخل “حماس” تخترق صفوف المتشدّدين أنفسهم. وتفيد معلومات أن مسؤولين في “السلطة الوطنية الفلسطينية” في الضفة الغربية وضعوا أيديهم على مراسلات داخلية لـ”حماس” في نوفمبر 2008 تضمّنت إنتقادات حادّة وجّهها “خالد مشعل” (الذي تقول الحكومة الأميركية أنه أشرف شخصياً على تفجيرات وهجمات أخرى) لقيادات الداخل لأنها تسبّبت بفشل الحوار الذي كان جارياً مع “فتح” بوساطة مصرية. وتشير المراسلات إلى أن قيادات “حماس” في الخارج وفي الضفة الغربية كانت تسعى لكبح جماح زعماء “حماس” في غزة، الذين كانوا يفرضون مواقفهم المتشددة على الحركة كلها.
…………….
إن صعود القيادة الغزاوية المتشدّدة في “حماس”، وارتباط هذه القيادة بالجناح العسكري للحركة، يعطي خلفية مهمة لفهم الأحداث الأخيرة. وهو يشرح الإطار الذي دفع “حماس” لاتخاذ قرار إنهاء الهدنة السابقة واستئناف هجمات الصواريخ ضد المستوطنات الإسرائيلية. كما أنه يوفّر خلفية القرار الإسرائيلي بشن هجوم جوي ثم برّي، والتركيز على ضرب المرافق العسكرية والسياسية للحركة.
Political Hardball Within Hamas: Hardline Militants Calling Shots in Gaza
By Matthew Levitt
حماس وقياداتها: مشعل وهنية الأكثر ظهوراً والزهّار وجباري الأكثر نفوذاً على أرض غزّة