(الصورة: من إحتفال “حماس” بالذكرى الـ21 لتأسيسها في 14 ديسمبر 2008.)
*
خصّصت جريدة “الفيغارو” الفرنسية الصادرة صباح الأربعاء في 7 يناير الحالي صحفة كاملة لعرض المعلومات المتوفّرة عن “قيادة حماس”، العلنية والسرّية. والمقال يحمل توقيع “Adrien Jaulmes”، مراسل “الفيغارو” في القدس. في ما يلي أبرز ما جاء في المقال حول هذه الحركة التي تظلّ سرّية في جوانب كثيرة من عملها.
*
منذ بدء القصف الإسرائيلي، تحدّث عدد قليل من الناطقين بلسان “حماس” من تلفزيون “الأقصى” التابع للحركة متحدّين إسرائيل وداعين إلى الجهاد. وباستثناء هؤلاء، فإن المسؤولين الرئيسيين في “حماس” مقطوعون عن العالم. وقد أصبحت إتصالاتهم مع الجناح السياسي للحركة في دمشق صعبة. ولا يعرف أحد الفحوى الحقيقية لنقاشاتهم التي ربما تجري سرّاً في الطوابق السفلية لأحد مستشفيات غزة.
والواقع أنه لم يعد هنالك زعيم لـ”حماس” منذ مقتل مؤسسها التاريخي الشيخ أحمد ياسين، الذي كان شيخاً مشلولاً وشبه أعمى قُتِل بقنبلة إسرائيلية في مارس 2004. فقد تشظّت قيادة الحركة ولم يعد هنالك زعيم واحد يمارس سيطرته بمفرده على الجناحين السياسي والعسكري للحركة.
إن خليفة الشيخ ياسين هو، رسمياً، خالد مشعل، الذي يدير “حماس” من منفاه الدمشقي. ويبلغ عمره 52 سنة وهو من مواليد قرية مجاورة لـ”رام الله”. وقد اشتهر خالد مشعل في 1997 حينما حاول عميلان لـ”الموساد” إغتياله بحقنة سامة في عمّان. وهو مدين ببقائه على قيد الحياة لغضب الملك حسين الذي طلب من الإسرائيليين توفير حقنة مضادة للسم.
أما إسم زعيم “حماس” في غزة فيبقى سرّاً منذ اغتيال الناطق بلسان الحركة وخليفة الشيخ ياسين، “عبد العزيز الرنتيسي“، بعد 6 أسابيع من اغتيال ياسين. وتبقى الشخصيات الرئيسية في الحركة. الأكثر ظهوراً، حتى لو لم يكن الأكثر نفوذاً، هو “إسماعيل هنية“. ولد هذا الجامعي قبل 45 سنة في مخيم للاجئين في غزة. أبوه وأمّه من “المجدل”، التي فرّا منها في 1948، وقامت مكانها مدينة “عسقلان” الإسرائيلية.
وكان إسماعيل هنيّة مغموراً حتى تعيينه رئيساً لقائمة “حماس” في الإنتخابات التشريعية التي جرت في 2006، والفضل في اختياره لرئاسة القائمة يعود إلى قربه من الشيخ ياسين، الذي كان يشغل منصب سكرتيره الخاص. وقد أصيب بجراح حينما غادر مع الشيخ ياسين أحد المنازل في سبتمبر 2003 قبل ثوانٍ من إصابة المنزل بقنبلة إسرائيلية. إن اسماعيل هنيّة يقرأ كل يوم النسخة الإنكليزية من جريدة “هآرتز” الإسرائيلية، وهو رجل متزن وهادئ. ومع أن نفوذه ليس معدوماً- فقربه من الشيخ ياسين يضفي عليه هالة معينة- فإنه لا يملك نفوذاً على الجناحين السياسي والعسكري للحركة.
بالنسبة للجناح العسكري، فأحد أقوى قادته في غزة هو “أحمد جباري“، زعيم “كتائب عز الدين القسّام”. وهو مقرّب من خالد مشعل، وعائلته من “الخليل” قبل أن تستقر في غزّة، وهو واحد من أبرز الناشطين الذين تسعى إسرائيل لوضع يدها عليهم. وقد نجا من محاولة إغتيال في 2004.
إن “أحمد جباري” هو المنظّم الرئيسي لعمليات تسليح “حماس”، وهو الذي يشرف على تهريب الصواريخ سرّاً إلى غزّة، وعلى تدريب طواقم الإطلاق وتدريب العسكريين على حرب المدن، مستوحياً تجربة “حزب الله” اللبناني. كما يعتبر صاحب فكرة خطف العريف في الجيش الإسرائيلي “غيلاد شاليط”، ويُعتقد أنه شخصياً وضع قائمة سجناء “حماس” المطلوب إطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح شاليط.
ليس هنالك صقور ولا حمائم
في الجناح السياسي، الشخصية الأهم هي “محمود الزهار“. وهو طبيب جرّاح من مواليد 1945. ومنصبه الرسمي هو وزير خارجية الحركة، ولكن يحتمل أن يكون أيضاً زعيم الجناح السياسي لـ”حماس” في قطاع غزة. وقد دُمِّر منزله في العام 2003 بانفجار قنبلة أسفرت عن مقتل أحد أبنائه وجرح إبن آخر. وقُتِلَ إبن ثانٍ في يناير 2008.
يُعتقد أن “الزهار” و”جباري” من الجناح الأكثر تشدّداً في “حماس”. ولكن ينبغي النظر إلى مثل هذا التمييز بتحفّظ. فليس هنالك صقور ولا حمائم في حركة لا تعترف لإسرائيل بأية شرعية وتسعى لاستبدالها بدولة إسلامية تقوم فوق أراض فلسطين كلها، من المتوسط إلى نهر الأردن، تكون القدس عاصمتها. وليس مهمّاً إذا كان تحقيق هذا الهدف متعذراً في مستقبل قريب. وعلى غرار فكرة الثورة العالمية بالنسبة للبلاشفة السوفيات، فإن الجهاد الدائم بدون هوادة ضد دولة إسرائيل هو مبرّر وجود “حماس”، وكل الوسائل مشروعة ضد “المحتلّ”، من العمليات الإنتحارية إلى إطلاق الصواريخ ضد المدنيين.
لكن، رغم أن الولايات المتحدة ودولاً أوروبية تعتبر “حماس” منظمة إرهابية، فإن “حماس” تختلف كثيراً عن تنظيم “غَيبي- عَدَمي” مثل “القاعدة”. فهي، بالدرجة الأولى، تظل تنظيماً سياسياً انبثق من إلتقاء إيديولوجية “الإخوان المسلمين” الثورية المصرية بمطالب الشعب الفلسطيني.
ومع أن هنالك إجماعاً حول أهداف الحركة في المدى البعيد، فهنالك فوارق بين مسؤوليها حول وسائل تحقيق الأهداف العملية، مثل تحرير سجناء “حماس”، أو رفع الحصار عن غزة. وقد عبّر جناح براغماتي يُعتقد أن إسماعيل هنية قريب منه عن تأييده لفكرة “هدنة” طويلة الأمد مع إسرائيل، تتضافر مع تنازلات جغرافية، على غرار “تسوية مؤقتة” تسمح بقيام دولة فلسطينية في الأراضي التي احتلت في 1967، ولكن بدون الإعتراف بحق إٍسرائيل في الوجود.
وهنالك جناح أكثر تصلّباً، يمثّله “الزهّار” أو “جباري” يعتبر أن اللجوء إلى العنف وحرب الإستنزاف المتواصل ضد إسرائيل هو وحده الذي يسمح بالحصول على تنازلات. وهذا هو الموقف الذي اعتمدته “حماس” حينما قرّرت عدم تمديد الهدنة في يوم 19 ديسمبر الماضي.
إن تصفية جميع قادة “حماس” ليس بين الأهداف الرسمية للعملية الإسرائيلية، حيث أن خلق فراغٍ في غزة يخلق مشاكل أكثر تعقيداً. إن “حماس” تظل قوة لا يمكن تجاهلها في الساحة السياسية الفلسطينية منذ انتصارها في إنتخابات 2006 التشريعية. كما أن سيطرتها على غزة، وهي منطقة لا يرغب لا المصريون ولا الإسرائيليون في تولّي إدارتها مجدداً، يظل أمراً واقعاً بالمقارنة مع السلطة الفلسطينية التي خسرت مصداقيتها بسبب عدم كفاءتها وفسادتها. ومع إن إسرائيل ترفض التفاوض مع “حماس” مباشرة، فستظل هنالك حاجة لمحاورٍ ما حينما يأذن وقت وقف إطلاق النار.