(الصورة: جنوبي يصلّي في مسجد مدمّر.. بعد حرب 2006)
*
بقلم ريتا ضو
(قانا) لبنان( 6-1-2009 )ا ف ب – في استراحة “ديالا” في بلدة قانا في جنوب لبنان، يجلس عقيل الصايغ مع اصدقائه يتابعون عبر التلفزيون تطورات غزة: بعد بدء الهجوم الاسرائيلي، فكك خيمة صيفية كانت على سطح منزله ووضبها احتياطا، “فقد نحتاجها اذا
اندلعت الحرب واضطررنا للهرب”.
تعب من الموت سكان البلدة التي شهدت مجزرتين مروعتين نتيجة الغارات الاسرائيلية، احداهما في 1996 (105 قتلى معظمهم نساء واطفال) والثانية في 2006 (29 قتيلا بينهم 16 طفلا) وتاريخا طويلا من الحرب والاحتلال.
“هذه المرة”، يقول عقيل الصايغ الذي يعمل سائق اجرة، “لن يكون لنا مكان نهرب اليه، الا ربما مرفأ صور (85 كلم جنوب بيروت). اذا ارسلت الينا بواخر، نضع فيها اولادنا ونرحل”، في اشارة الى تهديد الاسرائيليين اخيرا “بتدمير لبنان” في حال حصول نزاع جديد مع حزب الله.
ويضيف عقيل وهو اب لاربعة اولاد، اصغرهم في شهره الثالث، ان زوجته طلبت منه ان يشتري “كمية من الحفاضات تحسبا لانقطاعها في حال حصول حرب”.
ويؤكد عماد شبلي (32 عاما) ان الجو الآن في قانا “وكأنه جو حرب”، مضيفا “عادة، الحياة حلوة في هذه البلدة، الناس يخرجون، يزورون بعضهم، يتسلون … اليوم، الجميع في منازلهم مشدودون الى شاشات التلفزة وخائفون”.
قناة “الجزيرة” تبث تقارير عن مزيد من الضحايا. ويقول علي ابي خليل (44 عاما) “ان كل هذه الصور متطابقة مع صور مجزرتي قانا”.
ويروي عقيل الصايغ ان مقاتلتين اسرائيليتين حلقتا الاحد فوق البلدة، “وفجأة، رأينا كل الناس في الطريق يهرعون للاختباء”.
ورغم خوفهم على عائلاتهم، يؤكد الجميع انهم مطمئنون الى جهوزية حزب الله “وكل المقاومين للمواجهة عند الضرورة”. ويقول الصايغ ان “الجهوزية اكبر مليون مرة من اي وقت مضى”.
انما لا يريد احد الدخول في تفاصيل الاستعدادات على الارض.
في بلدة مارون الراس الحدودية، يشرح احد السكان رافضا الكشف عن اسمه، ان “نشاط الحزب سري، لا يمكن لاحد ان يعرف ما هي التدابير التي يتخذها، انما بالتاكيد هناك استنفار في صفوفه”.
البلدة التي جرت فيها اشتباكات عنيفة في 2006 لا تزال تحمل بصمات الجيش الاسرائيلي الذي دخلها خلال الحرب الاخيرة وبقي فيها بضعة اسابيع. على جدران احد المنازل كتابات بالعبرية. ويشرح الجيران ان الاسرائيليين استخدموا هذا المنزل مركز عمليات.
ويؤكد جمال سرور (65 عاما) في قرية عيتا الشعب الحدودية انه لا يخشى حربا جديدة، مضيفا “لن يجرؤ اليهود على العودة الى هنا”.
ويقول ان الاسرائيليين “كان لديهم ثأر شخصي مع عيتا الشعب”، مذكرا بان حزب الله خطف الجنديين الاسرائيليين في 12 تموز/يوليو 2006 في الوادي المتاخم للبلدة.
وكانت هذه العملية السبب المباشر لاندلاع الحرب التي استمرت 33 يوما.
ويتابع جمال العائد من الحج، ان الجرافات الاسرائيلية جرفت كل منزله الذي كان من الحجر القديم، وقد اعاد بناءه “بواسطة المساعدة القطرية، ولو انه لم يعد جميلا كما كان”.
اما زوجته فتقول وهي تقدم التمر وماء زمزم، “البيت يبنى من جديد والشجر يزرع من جديد. هذه المرة سنقضي عليهم نهائيا ان شاء الله”.
قرب المنزل، عمال يمدون كابلات في الارض ويرفضون الكلام، بينما يقول احد المارة “انها شبكة اتصالات لحزب الله”، اما جمال سرور فيؤكد انها “بنى تحتية… ايران هي التي تدفع لتجهيز الحارة بشبكة الماء والكهرباء”.
احمد سرور (40 عاما) اليساري المقيم في الحارة لم يعد يريد الحرب من جهته “لا علاقة لي لا بسوريا ولا بايران ولا باميركا ولا باسرائيل … لا نريد ايا منها ولا نريد الحرب”.
وفي ماروس الراس، كما بنت جبيل وعيتا الشعب، ورشة كبيرة. بعض البناء ناجز، وبعضه لا يزال على الاسمنت، فيما تلال الرمل والحصى على جانبي الطريق وعمال في كل مكان.
ولا تقتصر آثار حرب تموز/يوليو على الورش. عند مدخل عيتا الشعب، نصب لـ”شهداء المقاومة الاسلامية”، وفي الشارع الرئيسي للبلدة، صالون حلاقة يحمل اسم “الوعد الصادق”، وهو الاسم الذي اطلقه حزب الله على عملية خطف الجنديين.
والطرق في المنطقة الحدودية مزروعة باعلام حزب الله وبصور “الشهداء” الذين سقطوا في الحرب الاخيرة، الى جانب صور القيادي في الحزب عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق في شباط/فبراير 2007.
وآثار الحرب التي تسببت بمقتل 1200 لبناني وبنزوح مئات الالوف من منازلهم وقراهم، مطبوعة ايضا في النفوس.
وتقول زينب جواد (15 عاما) في بلدة حاريص ان والدها “بعد ان سمع كلام السيد حسن نصرالله، الامين العام لحزب الله حول الاستعداد لمواجهة اي عدوان، تزود باحتياطي من البنزين في حال اضطررنا للمغادرة”.
ويرى حسن حجازي (32 عاما) من منطقة صور “ان احدا لا يريد تكرار التجربة… لقد صمدت المقاومة في تموز/يوليو، ولكن اي حرب جديدة لن تكون متكافئة ولا يجب ان يعطى اي مبرر لحصولها”.