*
طائفية وعائلية تحت مظلة دمقراطية ليبرالية
*
” تعالوا نكشف مصادر الطاقة الوطنية في شعبنا ونوظفها لصالحنا، حاضرا ومستقبلا، كما وظفناها في أصعب أيامنا وأشدها هولا!!”
*
ازدانت شوارع مدننا وقرانا بلافتات الدعاية الانتخابية. يبدو للوهلة الأولى ان ما يجري هو عرس دمقراطي للعرب في اسرائيل. تعالوا نتجاهل المعركة الانتخابية في الشارع اليهودي، التي شكليا لا تختلف عما يجري في البلدات العربية، الا بشيء واحد فقط لاغير… ان المرشحين اليهود يمثلون جمهورا، أو أحزاب وتجمعات سياسية.
أما المرشحون العرب، بأكثريتهم، فلا يمثلون الا ظاهرة الفساد المستشري في الوسط العربي بكل مل يخص الحكم المحلي.
لم يعد سرا ان ظاهرة الفساد في الحكم المحلي، هي نتيجة مباشرة لفساد الأحزاب العربية. هذه الظاهرة تتمثل بغياب سياسة اجتماعية ثقافية وتثقيفية من أجندة الأحزاب العربية كلها. من الأحزاب التي تدعي تمثيل الفكر اليساري الثوري ( الشيوعي) الى الأحزاب التي تدعي العروبة والقومية والدمقراطية (حزب التجمع لعزمي بشارة والدمقراطي العربي وفلق حزبية تحمل تسميات قومية وهي لا في العير ولا النفير)، الى الحركات السياسية الاسلامية التي تتصاعد قوتها وسيطرتها تحت غطاء الدين، وتحقق نجاحات ملموسة سياسيا، وبنفس الوقت، تشكل ظاهرة الدين السياسي، تراجعا في الوضع الاجتماعي، وتنامي الطائفية بشكل مقلق، ويتعمق التفسخ الاجتماعي والتقوقع الطائفي، وهي مظاهر لم يعرفها العرب الفلسطينيون في اسرائيل بمثل هذه القوة، وليس سرا أن أقول ان ظاهرة الطائفية المتنامية في المجتمع العربي داخل اسرائيل، وبغض النظر عن مصداقية هذا الجانب أو الجانب الآخر، دفعت مجتمعنا لصدامات دامية ولعدم الثقة بين أفراده.. لدرجة، لا أكشف جديدا اذا قلت، ان الشعور العام السائد هو اننا ننفصل الى مجتمعين، ليس شرطا مجتمعين منشطرين على أساس طائفي، بل مجتمعين منشطرين على أساس فكري اجتماعي وثقافي.
بالطبع لا يمكن تجاهل ان أزمة الأحزاب العربية في اسرائيل، وأزمة قياداتها واشتداد المنافسة بينها على اساس مصالح شخصانية ذاتية، وغياب الحوار الفكري والسياسي البسيط بين الأحزاب، وتشابه شعاراتها، والمنافسة في “ابداع” شعارات أكثر ” ثورية ” وأكثر رنينا في الأذن، وصياغات ضخمة بلا معنى.. أشبه بالمارشات العسكرية، بهدف أساسي جلب جمهور الناخبين للتصويت، وكأن نضالنا السياسي والوطني يتوقف على وصول ممثلي الأحزاب للكنيست الاسرائيلي (البرلمان). وكنا أمام ظواهر كوميدية، بانتقال أعضاء كنيست من قائمة قومجية، الى قائمة شيوعية،ثم الى قائمة اسلامية.. وبقاء خطهم السياسي نفس الخط .. أي ان المهم ليس الفكر والنهج والأيديولوجيا والتنظيم، انما مقعد الكنيست!!
ولا بد ان أوضح زاوية أخرى أيضا. فقدان الأحزاب لدورها الاجتماعي والسياسي التثقيفي، وكونها منظمات للمجتمع المدني، جعلها تفقد بوصلتها السياسية والاجتماعية والمدنية، وتتحول الى مجرد قائمة تنشد الأصوات، ولا يهما ان تعيث فسادا في المجتمع العربي داخل اسرائيل، التي تدعي تمثيل مصالحة والدفاع عن حقوقه، بل ليذهب كل شيء الى الجحيم، المهم الأصوات في انتخابات الكنيست .. فنجدها تعقد في الانتخابات للحكم المحلي تحالفات مع عائلات، يرى الحزب (أي حزب كان) بها قوة انتخابية (أصوات)، ولا تخجل الأحزاب من تسمية مرشح عائلة بأنه مرشح الحزب، وانتصاره انتصار للحزب.. بينما الحقيقة انه “انتصار” للعائلة على بقية العائلات، ومن هنا تبدأ المشاكل، وظواهر العنف، ورفض الاعتراف من أبناء العائلات الأخرى بشرعية السلطة المحلية، والذهاب الى لمحاكم لابطال الانتخابات بحجة التزوير وشراء الصوات. وتصاعد العنف، طوشات وحرق سيارات، وحرق مبنى المجلس وغيرها من الظواهر المرضية… والامتناع عن تسديد الضرائب وأثمان المياه، لارباك السلطة المحلية التي يقف برأسها ابن العائلة الفائزة، وعلى الأغلب ابن العائلة الكبيرة في البلد، وكأن المنصب فصل خصيصا لأبناء العائلات الكبيرة أو الطائفة الكبيرة، وهو بنفس الوقت ينفذ سياسية عائلية على الأغلب تتمثل بتغليب مصالح عائلته بالأساس على سائر مصالح ابناء العائلات الأخرى.
من هنا يبدأ الفساد، قصدا أو بلا قصد.. حتى لو وقف برئاسة السلطة المحلية أكاديمي تكنوقراطي يتمتع حقا بقدرات ادارية كرئيس سلطة محلية، ولكن خلفية انتخابه مرفوضة وغير نظيفة.. ويغرق سعادة رئيس البلدية أو المجلس المحلي بحل معاضل رفضه، والعنف الناتج عن انتخابه، وديون المجلس وأثمان المياه ومعاشات الموظفين، وينشغل بقضايا غير ذات بال لمستقبل البلدة والأهالي، تؤجل كل المشاريع، حتى التي صادقت عليها وزارات الحكومة .. وتنتهي فترة الرئاسة والبلد أكثر تخلفا في جميع مرافقها.. وتصبح الحال مكانك عد، ان لم يكن الى الخلف در!! وربما تحل وزارة الداخلية السلطة المحلية وتعين مدير يهودي لادارتها، وهو ما جرى ويجري على الأغلب في العديد من سلطاتنا المحلية.. ويقوم عندها الصراخ القومي الأجوف.. أما نقد قصور السلطة المحلية ورئيسها وعجزهم عن العمل التطويري نتيجة اسلوب وصول الادارات البلدية، فهذا لا يخص احدا.
ان انسحاب الأحزاب الواسع تقريبا، كتنظيمات للمجتمع المدني من دورها في انتخابات الحكم المحلي، هو ليس دليل قوة، وازدياد مكانة هذه الأحزاب، بل دليل فقدان المكانة السياسية والتراجع في الوعي السياسي العام، للجمهور أولا، وثانيا، وبالأساس… لقيادات الأحزاب في فهم دورهم الاجتماعي والتثقيفي وليس السياسي الوطني فقط، اذ ما قيمة ان نخسر مجتمعنا ليكسب ممثلي الأحزاب مقاعد في الكنيست؟؟
الواقع الاجتماعي مسؤولية عظمى كانت تقلق في زمان غابر الحزب الشيوعي مثلا، الذي أعطى للتثقيف والوعي مكانة متقدمة في أولوياته النضالية، واليوم نفتقد هذه الميزة. وما أقوله : تعالوا نكشف مصادر الطاقة الوطنية في شعبنا ونوظفها لصالحنا، حاضرا ومستقبلا، كما وظفناها في أصعب أيامنا وأشدها هولا!!
بالطبع ليست كل البلدات متشابهة، واخص بالذكر مدينة الناصرة، ولكني لا اتجاهل تنامي الظاهرة الطائفية المقلقة في مدينة الناصرة على الأخص.
تخوض معركة الانتخابات في الناصرة قائمة لا أستطيع الا ان أسميها طائفية، انتخبت تركيبتها القيادية بواسطة شيوخ وأئمة المساجد؟؟!! كيف يمكن ان نعتبرها قائمة غير طائفية، حتى لو رفعت شعارا يقول الناصرة موحدة كما هو أسمها؟ موحدة حول أي شيء؟ وكيف تكون موحدة وقد دمجتم الدين بالسياسة؟ كيف تكون موحدة وقد أدخلتم الشعارات الدينية في الدعاية؟
ليس هذا دفاعا عن جبهة الناصرة الدمقراطية، بل كنت من منتقديها خلال الفترة السابقة وما زلت أرى انها ترتكب أخطاء جسيمة في دعايتها وفي شكل تركيب القائمة. كانت الناصرة كلها جبهة، واليوم يطرحون شعار الناصرة مع الجبهة. كيف نخترق قيودات التنظيم الغبية، كما حدث في أوائل السبعينات من القرن الماضي مع الانتصار الأول للناصرة الجبهوية، لتصبح الناصرة كلها جبهة؟!
بالطبع هناك مشاكل أخرى ناتجة عن قيادة العمل البلدي خلال الأربعة عقود الماضية، يمكن حلها عبر اقامة منهجية عمل معينة، للأسف لم تقم رغم الوعود، وأظن أن ضغط العمل هو المبرر، ولكنه مبرر غير مقبول.. أو عذر أقبح من ذنب!!
الوضع في الساحة النصراوية لا يبقي خيارات أمام الناخبين القلقين على مستقبل الناصرة.. وكلامي واضح. من الخطأ اختيار مرشح رئاسي وقائمة طائفية، ورائهما تصرفات لن تنسى، أوقعت المجتمع النصراوي بأكثر أيامه سوادا.
المضحك في هذه المعركة الانتخابية، تكاثر الشعارات التي تدعو الى التغيير. “انا مع فلان من أجل التغيير”… ” قائمة التغيير والاصلاح”… “كلنا من أجل التغيير”.
والله العظيم انا أيضا من أجل التغيير ولكن اشرحوا لي ماذا ستغيرون؟ المغيرون وصلوا في السابق أيضا لرئاسة السلطات المحلية، وما تغير هو الشخص وليس النهج.
قرات قصة أعجبتني لشدة ملاءمتها لحال الانتخابات للسلطات المحلية… اقراوا :
السيدة “ص” (نفترض انها جمهور المصوتين) أرملة وجميلة اكتشفت رجلا جميلا (مثلا مرشح يدعو للتغيير) يتسفح على شاطئ البحر حيث تقضي معظم أيام فراغها تراقب المتسفحين وتقيمهم بما يتلائم ومواهبها. ذلك الرجل بصدره البرونزي من تلويح الشمس.. ببساطة شد أنظارها فوق المعدل الطبيعي. أعجبها. اقتربت وسألته (تحشرت به): “لا أظن أني رايتك على هذا الشاطيء سابقا؟ (طبعا مرشح جديد تماما) أجاب: “نعم نعم.. هذا صحيح.. لأول مرة انا هنا (أول مرة أترشح).. كنت في السجن لمدة ثلاثين سنة!! (لم افكر سابقا بخوض الانتخابات ولكن الآن اريد انقاذ البلد)
سألته منبهرة : “حقا، ولماذا سجنت؟ (لماذا لم تخض الانتخابات سابقا؟) أجاب : “قتلت زوجتي!!” ( لم تكن العتمة على قدر يد الحرامي؟) تأوهت الأرملة “ص” بفرح : “أوه… اذا أنت غير مرتبط بأمرأة الآن؟ “. (وقعت في حبه فورا… انتخبته!!)
هذه صورة كوميدية وتكاد تكون صورة طبق الأصل لأسلوب تصويتنا..
أجل.. لدينا مساحة واسعة جدا من الدمقراطية… ولكننا حولناها الى منهج عشائري طائفي … ولدينا ليبرالية نقصقصها بتراجعنا الفكري والاجتماعي ونحولها الى مدفن للتنور والتقدم.
لا أرى ما يستحق التفاؤل في المستقبل.. ما أراه بائس، وما أتوقعه المزيد من الفساد والمزيد من التفسخ السياسي والاجتماعي.
الأمل الوحيد الباقي ربما بالأجيال الجديدة. السؤال كيف ننقذها من المناهج المريضة التي ابتلي بها مجتمعنا العربي؟!
nabiloudeh@gmail.com
• كاتب ن ناقد واعلامي – الناصرة
عجائب الانتخابات المحلية للعرب في اسرائيل
أتماثل في رأيي معك ، ولكن السؤال هل جمهورنا على وعي بما يطبخ له ؟
نعم ما يجري يا استاذ نبيل مهزلة تصل لدرجة الخيانة .
انا دائما أنتظر ما يخطه قلمك .. وما تكتبه عن سياسات الأحزاب عندنا صحيح .. أضاعوا البوصلة … سقا الله على أيام اميل حبيبي واميل توما …