في 18 يناير 2006، بشّرنا قرّاء “الشفّاف” بخبر الإفراج عن الأستاذ حبيب عيسى، المحامي والناطق بلسان منتدى الأتاسي في دمشق. وكان قد نقل لنا “البشارة” صديق عزيز، ومحامي هو الآخر، عنينا به الأستاذ أنور البنّي.
إذ يرحّب “الشفّاف” بمساهمات حبيب عيسى، فلا ننسى أن أنور البنّي بات هو الآن نزيل “الزنزانة”!
متى يخرج أنور من الزنزانة، وهل قدر هذه النخبة الرائعة من السوريين الشجعان أن “تتناوب” على الزنزانات واحداً بعد الآخر؟
أهلاً بحبيب عيسى، ونحن بانتظار أنور البنّي.
الشفاف
**
بطاقة تعارف…(1)
(1)
…… أيام تتالت، والقلم ممدد أمامي على أوراق بيضاء، بانتظار انقضاء تردد طال أكثر مما ينبغي،إلى أن حلت الذكرى ال 50 للجمهورية العربية المتحدة،فحركت تلك الذكرى في داخلي كل ما تبقى من خلايا حية، فهل آن أوان البوح…؟ أم هل تأخر اللقاء..؟ هل فات الأوان..؟! أم أن الكلمة يجب أن تقال.. وبالتالي قل كلمتك وأمضي..!
أسئلة لا حدود لها تتردد على خاطري، منذ أن غادرت الزنزانة المنفردة التي اختاروها لي، إلى الزنزانة التي اخترتها لنفسي..، ربما كان مصدر الإرباك في هذا كله، أن المغادرة، أو الطرد، من تلك الزنزانة كانت فجائية، وكنت قد بدأت أفكر، دون أن أحسم أمري، عن ما أنا فاعل، إذا وجدت نفسي على عتبتها مغادراً..؟ كان ذلك الليل الطويل، الذي استمر ما يقارب السنوات الخمس، قد فتح الأبواب كلها لاحتمالات متناقضة، ذلك انك،هناك، مجبر أن تفتح عينيك في العتمة عندما يهرب النوم، وتكتب عليها، وتمحو، ثم تعيد الكتابة وتمحو، وهكذا دواليك، إلى أن كتبت على ذلك اللوح الأسود،ذات ليل، من العتمة، بالخط العريض، أنني،إذا غادرت، سأعتزل في مكان بعيد، سأحمل كتبي وأوراقي، قد اكتب، لكن لزمن أكون قد أصبحت فيه خارج نطاق الرؤية، إلا أن الإنسان، ذلك الكائن الجدلي، سرعان ما يمل الثبات على شيء…، فعادت الأسئلة الصعبة تطرح نفسها في أحضان تلك الزنزانة المنفردة.
– لماذا لا أكتب كل ما اختزنته الذاكرة من أحلام، وطموحات، واعترافات، وهموم، وألقيها عن كاهلي، وارى أثرها في الواقع، قبل الرحيل..؟
– لماذا لا أقتحم الصراعات، والسجالات، الدائرة حول الواقع والمستقبل..؟
– لكن،في الوقت ذاته،لماذا أحمل نفسي ما لا تطيق، وهي بالفعل لم تعد تطيق المناكفات؟ أليس من حقي، أن أبحث عن مكان قصي، أعتزل فيه بحثاً عن السكينة والهدوء..؟
(2)
وقبل أن أحسم خياراتي، بل كان حسمها داخل الزنزانة مستحيلاً، من الناحية الموضوعية، وجدت نفسي خارجها، في سياق من العواطف الأنسانية المتفجرة،التي غمرتني، فور مغادرة الزنزانة المنفردة، استسلمت بتلقائية لأحضانها، لكن شيئاً، فشيئاً بدأت مرارة الواقع تضغط على صدري، وتتسلل ببطء، لتقبض على أعصابي. كنت قد كونت فكرة نظرية متكاملة عن اغتصاب الاستبداد للمجتمع العربي، وكنت قد راقبت لسنوات طويلة، أثر هذا الاستبداد على وجوه الناس، لكنني، الآن أرى الصورة، من زوايا جديدة، لم تخطر على بالي يوماً! إنها أكثر قتامة، ووحشية، من كل ما سطره المنظرون والفلاسفة، أو ما جادت فيه قرائح علماء النفس، والاجتماع… لقد دفعت الإنسانية دماء غزيرة للانتقال من التوحش إلى الأنسنة، الآن تعيدنا نظم الاستبداد، بأشكالها المختلفة، إلى توحش أمر، وأقسى. كنا في الماضي، أمام توحش ساذج فطري. الآن، نحن، أمام توحش معولم، منظم، مدروس، يستخدم كل ما أنتجه العقل البشري، عبر العصور، ليقضي على أنسنة الإنسان.. فيغدو المشهد: وحوش ضارية منفلتة، تفتك بكائنات مذعورة خائفة، لا تلوي على شيء، ولا تقرر شيء، تفقد إرادتها، وتعتاد أن تتحول إلى كائنات تتصرف، بردود الأفعال فقط، ككل الكائنات، برد الفعل المنعكس الشرطي، لا أكثر، ولا أقل. تعتاد أن تكون بلا إرادة، بلا حقوق، بلا قرار، وبالتالي تتصالح مع المستبد، وتصفق له، وتسير له المسيرات، وتقتنع أن من حقه، أن يتحكم بها، وأن يفعل بها ما يشاء، وبالتالي فهي تواجهك باستغراب، عندما تحدثها، عن حقوقها في المشاركة، حقها في القرار، حقوقها الأساسية. كل هذا لم يعد يعني لها شيئاً، وبالتالي فإنها تتصالح مع ذاتها، لأنها لا تشعر أن هناك شيئاً ما مسلوباً منها. فهي لم تفقد إحساسها بالعدوان على حقوقها وحسب، وإنما فقدت إحساسها بأن لها حقوقاً من الأساس… هذا على المستوى العام، أما على مستوى الجماعات السياسية، فإن أوضاعها ليست أحسن حالاً. فهي قد تعرضت لتعسف شديد، وعقود من الاضطهاد، دفعت بها إلى الأقبية السرية، والظلام فتصالحت مع الركود، وعدم الفعالية، واكتفت ببطولاتها، التي تمثلت بأنها رفضت أن تكون أداة من أدوات الاستبداد، وهذا بحد ذاته شرف لا يستهان به، لكنها انساقت مع الوضع العام، فباتت بلا فاعلية، بلا برامج للتغيير، وبالتالي فإنها تنتظر أن تتفسخ نظم الاستبداد من تلقاء نفسها، أو أن تتلقى ضربة من غامض علم الله. لكنها وبتكويناتها لم تعد قادرة، بأي حال من الأحوال، أن تكون أدوات للتغيير. هي تنتظر أن يأتي التغيير، وهي تدرك أن الاستبداد جردها من مقدرتها على الفعل، وباتت هياكل عظمية غير قادرة على الحياة الفعالة، لكنها ترفض الموت، وتصر أن تبقى بانتظار حدث ما.. لعله يأت..!
(3)
هكذا وجدت نفسي، بعد خروجي من الزنزانة الأولى، في خضم حراك اجتماعي، وسياسي، يحتضنني، لكنه لا يعرف بالضبط ماذا يريد مني. وأنا أعرف أنه لا يطيق ما أريد منه، أو على الأصح، لا أنا قادر على أن أضع نفسي في سياق إراداته المتناقضة، لأن مدرسة الزنزانة علمتني أن أدرس الجدوى، قبل الانخراط في أي عمل..، ولا هو قادر على تصنيفي في الاصطفافات، والزواريب، التي بدت لي بدون جدوى… وإذا كان هذا المنطق يستقيم من الناحية النظرية البحتة، فإنه على أرض الواقع لم يستطع الصمود طويلاً، لأنني ببساطة غير قادر على الانفراد في قرارات لا تمسني، وحسب، وإنما تمس أطرافاً أخرى لها كل الحق، أن تشاركني في القرار، وأن استمع إليها، بعد أن شاركتني في الزنازين المجاورة لزنزانتي. وبالتالي، فإن الخيارات ليست مفتوحة على أرض الواقع، كما هي من الناحية النظرية. وهكذا وجدت نفسي، مرة أخرى، غير قادر على النأي، عن جهد عام، حلمت دائماً أن يكون مؤثراً، وفاعلاً، وإيجابياً، وبالتالي فأن الاحتجاج بالظروف التي تحيط بالعمل العام، وتحاصره، وتجعل الانخراط فيه بغير جدوى…، كل ذلك لم يصمد أمام الإلحاح على ضرورة العمل المتاح، والممكن، وبالتالي، فإن الهروب، والاعتزال، ليس هو الحل الأفضل.
(4)
هكذا، ومرة أخرى، تركت نفسي للرياح تتقاذفها، في الاتجاهات كافة، ولعل وعسى…، ولم يكن أمامي خيار آخر… كنت قبل دخولي الزنزانة، مع مطلع القرن الواحد والعشرين، أعتقد أن المجتمع، وبعد فترة الاستنقاع الطويلة التي فرضها الاستبداد عليه، يحتاج إلى شيء، ما ينعش الحياة في أوصاله من جديد، وأنه لا بد من حراك اجتماعي بالحدود التي يطيقها…، وأنه، من العبث أن نطالب بأن يكون ذلك كله في الاتجاه الصحيح..، وأنه لابد من الصواب والخطأ…، وأن، المطلوب، هو الانعتاق من السكونية القاتلة، لنتحرك.. لنتقلب على اليمين.. على اليسار، للأعلى، للأسفل.. المهم، أن يعود هذا الحراك، وبالتالي، فإنني، وفي ذلك الوقت، لم أكن أسأل عن نوعية الحراك، أو عن كنهه. فقط، كان يعنيني أن يحدث.. لهذا كنت، وعلى السجية، انخرط، وعلى الفور، في أي نوع من الحراك يحدث.. منتديات نعم.. بيانات، نعم، دون أن أقرأ مضمونها..، جمعيات نعم..، حوار حول مستقبل بنية الأحزاب، حول نقد ما جرى، لكل هذا نعم، وألف نعم.. وبقيت على هذه الحال إلى أن حشرت في تلك الزنزانة المنفردة.
الآن.. هل أعيد التجربة..؟ وهل مازالت صالحة…؟!.
(5)
كنت على يقين، من صدق الفكرة القائلة، أن التاريخ لا يعيد نفسه، وإذا أعادها فسيكون على شكل مهزلة.. لكن هذه القناعة النظرية لم تعصمني من الانخراط مجدداً في ذات التجربة. وكان عذري أن الخيارات أمامي محدودة، وأن البديل هو الوحدة والانعزال.. هكذا عدت إلى ذات الواقع..، إلى ذات الحوارات، إلى البيانات ذاتها..، إلى التجمعات بعينها..، وشيئاً، فشيئاً، بدأت أكتشف أن الواقع بات أكثر تعقيداً، لم يعد من الممكن قبول الأمور بتلك البراءة، والعفوية التي كانت في عام 2000. لقد تغيرت أمور كثيرة، فقد “ربيع دمشق” ألقه، فقدت البراعم نضارتها، بهتت الألوان.. ممنوع عليك أن ترى الأزهار كلها تتفتح رغم تعدد ألوانها، عليك أن تقف أمام إحداها، وأن لا ترى سواها، مرة أخرى، كان على الشجرة أن تحجب الغابة.. في المقلب الآخر كانت القوى التي تواجه النهوض، في الداخل، والخارج تستعيد أنفاسها، بينما كانت قوى النهوض تفقد بصرها، وبصيرتها، فتراهن على الصراع داخل قوى الظلام، تراهن تارة على أن رياح الظلام القادمة من الخارج ستقتلع قوى الظلام الجاثمة على صدورنا، وتراهن تارة أخرى على قوى الظلام الجاثمة على صدورنا بأنها ستشتت قوى الظلام القادمة من الخارج.. وكان هذا كله هراء، ووهم، فالظلام سواء في الداخل، أو من الخارج متجانس، تتدافع فيه الأشباح، وتتصارع، لكنها متحدة متراصة حتى لا يفلت شعاع نور واحد.. من أي مصدر كان..! في وطننا العربي..!
(6)
رغم ذلك كله، كان لابد من الانخراط في وسط يعلو فيه الصراخ، وتجف فيه ينابيع المعاني، وكأننا في برج بابل. بدأت أفقد حماستي حتى للاستماع للكلام، ثم في مرحلة لاحقة، فقدت المقدرة عليه. وفي مرحلة ثالثة، فقدت المقدرة، حتى عن الرد، على الأفكار، والرؤى، التي توجه إلى شخصي تحدياً، واستفزازاً… فاعتصمت بالصمت… كم صعب عليك أن تعتصم بالصمت وسط الضجيج..؟ ورغم ذلك لم أسلم من السؤال…، يلحون عليك : فأنت مع، من..؟ وفي أي خندق..؟ انتظرت أن يسألني أحد، من أنا..؟.. لكن هذا السائل لم يأت.. وهنا بدأ بعض الأعزاء، الذين يعرفونني، ربما أكثر مما أعرف نفسي.. يهمسون في أذني.. ما هذا الذي تفعله بنفسك..؟ وإلى أي مدى يمكن أن تحتملك..؟ أين أنت..؟ ما علاقتك بهذا كله..؟ أين مواقفك الحادة المعهودة..؟ لماذا كل هذه المجاملات..؟ ومع الجهد الذي بذلته، للتبرير والتبسيط، وضرورة التعامل مع الظروف، والتسامح، ومع القدرة على المماحكة التي اكتسبتها مع الأيام.. كنت أدرك عندما اختلي إلى نفسي… أنهم على حق، وعلي أن أعود إلى زنزانة ما.. لكن هذه المرة من صنعي، وبملء إرادتي…!.
(7)
عام، ثم عام آخر، ثم عام ثالث، يكاد ينقضي، على هذه التجربة المريرة، كنت خلال تلك الأعوام، على ما يبدو، أبحث عن الخلاص من رضوض نفسية، تؤرقني، تولدت عن سنوات العزلة داخل الزنزانة، يطلق عليها علماء النفس، السلوك التعويضي، بأن أستعيد اختبار حبالي الصوتية، أو أنني ما زلت قادراً على الكلام، أو على الأقل، ما زلت كائناً اجتماعياً، مازلت إنساناً، وبالتالي، يجب أن أتواجد، في أي حراك اجتماعي، أو سياسي، أو ثقافي، أو حتى إنساني، على الصعيد الشخصي، وكأنني في اختبار جديد، لصلاحيتي للحياة. ففي لحظات يأس كثيرة، انتابني الإحساس، بأن صلاحيتي، قد انتهت، وفات أوانها..! وللخروج من ذلك يجب أن أخضع نفسي لامتحانات متتالية في المجالات كافة…!!
لكن، وبعد حين، أدركت أن هذا كله ضرب من الوهم، وان علي أن أعود إلى خط البداية، ليس هروباً من أي موقف، ولا خوفاً من أي جهة، ولكن إدراكاً مني، بأنني، وفي كل الأماكن التي وجدت نفسي منخرطاً فيها، لست مهماً إلى هذه الدرجة التي توهمت، فغيابي لن يضير أحد في شيء، وأنه ببساطة، يمكن الاستغناء عني، وبالتالي فقدت الإحساس بأهمية هذا التواجد، وهذا أخطر ما يمكن أن يحس به إنسان.. فانسحبت.. لأجد نفسي مرة أخرى بين من يمسك بي معاتباً لإنني أنسحب..، وبين من يقرع، ويرفع الصوت، ألم نقل لك..؟! فأتسلل، من ذلك كله، باحثاً عن زنزانة من نوع آخر، تختلف قليلاً عن زنزانتي السابقة، فمفتاحها هذه المرة في يدي، والنور يدخلها من بعض الجهات..، والأهم، أنني أتمكن من الكتابة، والقراءة كما أشاء، ودون خوف، من أن تذهب كتاباتي إلى يد السجان مباشرة، وقبل أن يقرأها أحد. كما أن نوافذها لا تحجب الأفق الذي أهوى دائماً أن يكون مداه بعيداً.. لكنني، ورغم كل هذه الميزات البالغة الأهمية، إضافة إلى أن بعض الأحبة يتمكنون من اقتحامها في أي وقت يشاءون ذلك…، فإنني وبإرادة حرة قررت أن أقتصد قدر الإمكان في الإفادة من هذه الميزات احتراماً لنواميس الزنزانة..، ومن هنا، من هذه النقطة بالذات جاء العنوان الثابت لهذه الأحاديث / على بساط الثلاثاء / فما علاقة الثلاثاء بذلك..؟!.
(8)
في الزنزانة، إياها، كان للسجان مكرمة، وهي أنه يسمح لأسرتي، أي وبالتحديد، زوجتي، وأولادي، وأحياناً حفيداتي الصغيرات، أن يلتقوا بي تحت إشرافه ونظره، وبرعايته، لمدة نصف ساعة، يوم الثلاثاء، كل خمسة عشر يوماً… وبالتالي فإن الثلاثاء، في الزنزانة، لم يكن يأت، مرة في الأسبوع، وإنما كان يأتي، مرة واحدة كل أسبوعين. وهكذا كنت مضطراً أن ألغي اسم يوم الثلاثاء، من الأسبوع، الذي لا تكون الزيارة فيه، فأشطبه من مفكرتي، وأكتب عليه، الأثنين مكرر. الآن، ومن الميزات الجديدة، للزنزانة الجديدة، فإن الثلاثاء، سيشرفني كل أسبوع، وأن اللقاء لم يعد يقتصر على أسرتي، وإنما سيمتد، ويتسع، لكل من يقرر أن يفتح هذه الصفحة، ويتوقف عند كلماتها، ولكم، أن تتوقفوا، أو تمروا عليها صفحاً، هذا شأنكم، والأهم أيضاً أن اللقاء سيكون بيني، وبينكم، بغياب السجان، وإن كان له أن يفتح هذه الصفحة، ويسجل اللقاء، لكن بعد أن يكون قد تم بيننا، وهذا ليس بالأمر الهين، على أية حال، فهذه مكرمة إضافية… ثم، وبالرغم من الأحزان الهائلة، والغضب الصارخ، فإنني، سأحاول أن أكون ظريفاً خفيف الظل، تعويضاً عن غلاظة الأفكار الجافة، وتخفيفاً من ثقل دم كاتبها المقهور.. والمحاصر…
(9)
على أية حال، لا بد من الاعتراف، أن الأيام التي انقضت منذ مغادرة الزنزانة المنفردة، وحتى الآن، قد تركت ندبات، ورضوض، على أعصابي، من الصعب اندمالها.. الأيام الأولى، كانت حافلة بالأمل، ثم، وفجأة بدأ الأمل يخبو.. والخطوط تتشابك، وقصف إعلامي متطور، يبث ليل نهار، لا لتوضيح الصورة، ولكن لجعلها أكثر غموضاً، لا للفرز، ولكن لخلط ما تبقى من الأوراق، ثم أحداث تتالى، ومعارك تنشب فجأة، وتتوقف بدون مقدمات، ثم اصطفافات مفروضة، وما عليك إلا أن تغمض عينيك، وتختار، و يا نصيب..
هكذا بدا حال الأمة يتكشف بالنسبة إلي، حيث بدت وكأنها في عين إعصار هائل يلفها في دوائر مفرغة إلى حد الدوخان، العالم كله قادم إلينا، شاخص الأبصار، يسلط أضواء هائلة على مناطق، ومواقف، ومواقع، إلى حد يصيبنا بانعدام الرؤية، ويفرض عتمة، وظلاماً دامساً على مناطق، ومواقف أخرى، إلى حد انعدام الرؤية أيضاً.. وفي الحالتين لم يعد أحد في هذه الأمة قادر على معرفة حقيقة ما يجري بسهولة، وبالتالي من الصعب أن يكون صاحب قرار، الجميع هنا ينتظر القرار من المجهول، والجميع هنا يمارس مهنة التبصير، والتنجيم، ترى ماذا يكون القرار…؟! وما هي وجهة الأحداث،ومن يوجهها حقيقة….؟؟؟
*