مقدمة:
يتميز جبل العرب بوجود منشآت أثرية قديمة ما تزال شاهدة على تقدم العمارة والعمران فيها عبر العصور الماضية ، وسنقوم بجولة سريعة عبر هذه المنشآت.
لقد عثر المنقبون الأثريون على مئات النقوش الكتابية الصفائية، أي من منطقة الصفا. والصفائيون عرب استقروا في هذه المنطقة وامتدوا في البادية، وكانت لغتهم مزيجاً من العربية والكنعانية والفينيقية.
لا يفوت السائح المتجه من دمشق جنوباً، وقبل أن يصل مدينة السويداء بحوالي 18 كيلومتراً، زيارة شهبا مدينة الإمبراطور فيليب العربي، ليتجول في أرجائها ويشاهد أوابدها التاريخية والمعمارية من أبوابها الأربعة ومسرحها وحماماتها ومعابدها وصولاً إلى القصر والمدفن وما بقي من قناة المياه التي كانت تروي المدينة.
ولا يمكن لهذا السائح نسيان زيارة متحف شهبا ليتمتع بمشاهدة لوحات الفسيفساء النادرة التي ما زالت في المكان الذي صممت وصنعت فيه والتي أغرت الباحثين التاريخيين والمستشرقين، إضافة إلى مشاهدة رأس تمثال الإمبراطور فيليب العربي مؤسس المدينة الذي جعل منها نسخة مصغرة عن روما عاصمة الإمبراطورية. وقد أطلق المؤرخون عليها إسم “روما الصغرى” أو “فيليبوبوليس”، وهي ما زالت محافظة على شكلها العام الذي بنيت عليه قبل 1800 عام.
يحتار زائر شهبا من أين ينطلق ليتعرف على معالمها الأثرية والتاريخية. فالداخل إلى المدينة من مدخلها الشمالي يطالعه باب المدينة الذي أقيم على شكل أقواس النصر وبطرز معمارية مماثلة للأبواب الثلاثة الأخرى في الجنوب والغرب والشرق التي تتوسط الأسوار الدفاعية من الجهات الأربع للمدينة التي أنشأها الرومان بطول 1500 متر لكل ضلع.
يبلغ عرض الباب الرئيسي الأوسط حوالي 4.5 متر بارتفاع 8.75 متر, ويبلغ عرض فتحة الأبواب الجانبية ثلاثة أمتار بارتفاع حوالي ستة أمتار. وتظهر على الأبواب آثار عملية الترميم.
ويقول نشأت كيوان لـ”الحياة” (1): “تم خلال العام الماضي إعادة ترميم البوابات باستخدام المواد التي كانت مستخدمة سابقاً، إضافة إلى ترميم السورين الشرقي والغربي لإعادتهما إلى الشكل الروماني القديم”.
وما أن تدخل المدينة إلى ساحتها العامة حتى يغريك السير غرباً في شارع مبلط بحجارة بازلتية, وعلى بعد خمسين متراً على بداية هذا الشارع باتجاه الغرب ومن الجهة الشمالية، ترتفع ثلاثة أعمدة مع تيجانها الكورنثية الجميلة هي الجزء الظاهر من المعبد الذي تختفي بقاياه تحت بيت مجاور.
وإلى الشمال الغربي من الشارع المبلط يقع المعبد الإمبراطوري الذي يشكل مجموعة معمارية منتظمة تقع حول ساحة كبيرة وأطلق عليه اسم”كاليبه”. وقد كشفت الحفريات عن واجهته بطول ثلاثين متراً المطلة على الساحة الغربية، وفيه ثلاث غرف تشكل الوسطى محراباً تعلوه قبة مبنية بالحجر الكلسي الهش تتقدمها منصة كبيرة تشبه منصة المسرح يبلغ ارتفاعها متراً وربع المتر وواجهتها الغربية مزخرفة بمحاريب نصف دائرية وبكوى مستطيلة.
وفي الجهة الجنوبية الشرقية من الساحة الكبيرة يقع مبنى “الفيليبيون”، وهو المدفن الذي أقيم لأسرة الإمبراطور فيليب، وأنشئ على شكل مربع يضم توابيت حجرية. وتشير المصادر التاريخية إلى أن الإمبراطور فيليب لم يدفن في هذا المدفن. ويقع قصر الحاكم في واجهة الساحة من الغرب، لكن لا يشاهد منه إلا بعض الجدران والأقواس بسبب إقامة أبنية حديثة عليه وفي محيطه.
مسرح شهبا الأثري:
يقع هذا المسرح في الجزء الجنوبي الغربي من المدينة ويعد مثالاً للتقنية المعمارية الرومانية ولمهارة بنائي المنطقة، فهو يتجه نحو الغرب ويرتكز على منحدر طبيعي يبلغ قطره 42.5 متر ويرتفع على طابقين. ولا تزال تسع درجات قائمة في الطابق السفلي، في حين انتهكت الاعتداءات والإهمال درجات الطابق الثاني حيث يشاهد بعض الترميمات، بينما ما زالت منصة التمثيل محافظة على شكلها الأصلي. ويشهد المسرح حالياً وبشكل سنوي تظاهرات ثقافية وفنية.
في الجهة الشرقية من المدينة تقع الحمامات العامة التي لا يزال قسم منها قائماً. ويقول الدليل السياحي حمد الحلبي: “إنها من أكبر الحمامات المعروفة في القرن الثالث الميلادي، وما زالت غرف المشالح وآثار الأفنية الفخارية ظاهرة حتى الآن، إضافة إلى طريقة بنائها الفريدة نظراً إلى الصالات الملحقة بها”. ويضيف: “استنادا إلى المخططات التي وضعت لهذه الحمامات، فإنها كانت تضم، إضافة إلى الصالات الكبيرة الثلاث الباردة والفاترة والحارة، عدداً من صالات الألعاب والتسلية ومكتبة وصالات للتمارين الرياضية”.
وأُزيلت في السنوات الأخيرة الأبنية الحديثة التي أقيمت على بعض أجزاء هذه الحمامات ورُممت الأقسام التي طالها التهديم لتتوضح كل أقسام الحمامات التي تعد درة في البناء وشاهداً على عظمة الحضارة التي كانت قائمة في هذه المنطقة والعناية التي أولاها الإمبراطور لمدينته الأصل.
وفي مكان لا يبعد كثيراً عن كتلة الحمامات الأثرية ترتفع قاعدة قناة المياه إلى 13 متراً. ويذكر رئيس شعبة آثار شهبا: “أن هذه القاعدة واحدة من القواعد التي كانت قائمة لقناة المياه التي كانت تغذي الحمامات والمدينة وتمتد حوالي كيلومتر واحد، أي إلى أسوار المدينة. وكانت المياه تصل إلى السور عبر أنابيب فخارية من أحد الجبال”.
متحف الفسيفساء:
إذا كان بإمكاننا مشاهدة لوحات الفسيفساء الموجودة في سورية من خلال المتاحف التي نقلت إليها، فإن ما يميز لوحات شهبا أنها ما زالت موجودة في المكان الذي أقيمت فيه، وهي عبارة عن أرضيات لدار أو فيلا مؤلفة من 28 غرفة يبدو أنها كانت ملكاً لأحد وجهاء المدينة. وبقيت أربع لوحات منها في مكانها الأصلي وهي : لوحة تيبيس ولوحة أعراس ديونيزوس وأربان والفصول الأربعة ولوحة الشاعر والموسيقار أورفيوس إضافة إلى لوحة افروديت وآريس. في حين نقلت لوحتان هما لوحة النعم الثلاث والفصول الأربعة ولوحة باخوس من مبنى مجاور.
ويمكن لزائر المتحف أن يشاهد رأس تمثال الإمبراطور فيليب العربي المنحوت من الرخام الأبيض والذي عثر عليه في آخر العام 1970 أثناء التنقيب في حمامات شهبا مع قاعدة له وقاعدة تمثال آخر يمثل زوجة الإمبراطور.
وتقول وثائق دائرة السويداء انه تم العثور في إحدى الخرائب الواقعة إلى الجنوب الشرقي من حمامات شهبا، وبمحاذاة قواعد قناة المياه من الجهة الشمالية، على بعض مكعبات من الفسيفساء الملونة قبل أكثر من أربعين عاماً. وكانت تلك الخربة عبارة عن بستان مزروع بأشجار الرمان والتين. واقترحت المديرية العامة للآثار والمتاحف التي علمت بالأمر القيام بأسبار في الموقع فتم العثور على أساسات جدران يتراوح ارتفاعها بين المترين والسبعين سنتيمتراً مبنية بالحـجر البازلتي، كما عثر على أربع لوحات فسيفساء ملونة في أحد القصور تعود إلى عهد الإمبراطور فيليب العربي أتجه الرأي في البداية إلى نزعها ونقلها إلى المتحف الوطني كما جرت العادة، لكن تم إقناع المسؤولين بفكرة إبقائها في مكانها وتأمين الحماية لها بإقامة ما يشبه الملجأ فوقها أو بتحويلها إلى متحف صغير. وكان الحل الأمثل هو إقامة بناء بسيط مشابه في أسلوب عمارته ومواد بنائه لما هو مألوف في الأبنية المعاصرة. ووجد الفنيون حلاً لمشكلة مشاهدة لوح الفسيفساء بوضوح بإقامة بناء يبعد عن اللوحات مترين تقريباً.
لقد كانت هذه العملية بتحويل خرائب دارة رومانية إلى متحف من نوع خاص من أولى العمليات التي جرت في سورية في ذلك الوقت، فكان لها فوائد وميزات عديدة من النواحي العلمية والواقعية حيث أن مشاهدة القطع الأثرية في مكانها الصلي ولوحتين منقولتين.
وتمثل من الغرب باتجاه الشرق فالشمال فالغرب:
1. لوحة تيثيس (آلهة البحر). (في مكانها الأصلي).
2. لوحة أعراس ديونيزوس وأربان والفصول الأربعة. (في مكانها الأصلي).
3. لوحة الشاعر والموسيقار أورفيوس. (في مكانها الأصلي).
4. لوحة غرام آريس وأفروديت، (في مكانها الأصلي).
4. لوحة النعم الثلاث والفصول الأربعة (منقولة من مبنى مجاور).
5. لوحة باخوس- اله الخمرة. (منقولة من مبنى مجاور)- معروضة في مدخل المتحف-
– وحسب ما جاء في إحصائية عن زوار الآثار(3) انه:
وصل عدد زوار آثار شهبا إلى /6057/ زائراً منهم أجانب ومنهم عرب وسوريون، ووصلت الإيرادات إلى /188890/ ليرة سورية.
يتبع