منذ أن سربت “أفريكا كونفدينشيال”، ومقرها لندن، أنباء، قبل أكثر من عامين، عن نية المحكمة الجنائية الدولية، في لاهاي، اتهامات بجرائم حرب في مواجهة قائمة تضمّ بعضا من كبار المسؤولين السودانيين، من بينهم نائب الرئيس السوداني، علي عثمان طه، ومسؤولين في الجيش والمخابرات، وطائفة من الوزراء، بدا أن الأزمة برمتها تأخذ منحى مختلفا، و”خطيرا”.
غير أن الحكومة السودانية لم تأخذ الأمر على محمل الجد.وعوض أن تتجه إلى وضع حلول عملية للأزمة، من ضمنها السعي “الجاد” لمعالجة التجاوزات التي حدثت في المنطقة، عبر وسائل قانونية محكمة ونزيهة، لجأت إلى المراوغة.
ولم تكن الخلاصات التي خرجت بها اللجنة المحلية المكلفة النظر في تجاوزات دارفور، برئاسة السيد دفع الله الحاج اليوسف، في نظر الحكومة، إلا هراءا نظريا على الأرجح، لأنه لم يجر بعدها مجهود “قانوني” عملي هناك. كما أن الخرطوم لم تشكّل إلا محاكم “صورية غالبا، لمحاسبة الذين ارتكبوا جرائم مروعة في دارفور، والوصف ليس من عندي بطبيعة الحال، وإنما هو نتاج رصد المنظمات العالمية العاملة في هذا الحقل.
فإحراق القرى، والقتل، والاغتصاب، لا يمكن أن يوصف إلا بالجرائم المروعة. ويبدو أن الخطأ الفادح الذي ارتكبته الحكومة السودانية، هو أنها سمحت باستمرار المجموعة المكلفة حلحلة الأزمة، دون تقييم موضوعي لأدائها، الذي اتكأ، على الأرجح، على قراءات خاطئة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
فمن جهة، بدا للمسؤولين السودانيين، أن الإدارة الأمريكية الحالية ستكتفي بالضغوط والمساومات، خاصة أنها حصلت على تنازلات جوهرية من قبل الخرطوم في خصوص قضيتين مهمتين: مكافحة الإرهاب، والسلام في الجنوب.
ويبدو أن الدبلوماسيين السودانيين في واشنطن، إضافة إلى المخابرات، زودوها بتحليلات خاطئة عن اتجاهات الإدارة الأمريكية، فهذه الأخيرة، على أحسن الفروض، لن تلجأ إلى التلويح بالقوة، في ظل معاناتها الواضحة في العراق وأفغانستان.
وبما أن الولايات المتحدة، هي “سيدة العالم”، فمن الصعب التوقع أن تلتف أنشوطة دارفور حول عنق الخرطوم، خاصة في ضوء مواقف بكين وموسكو المؤيدة للسودان في مجلس الأمن.غير أن الاختبار الحقيقي، كان في تمرير القرار القاضي بدخول القوات الدولية إلى دارفور، تحت البند “السابع”.
وغالبا ما جرى الاقتداء بسلوك طهران في مواجهة الضغوط بشأن ملفها النووي.فالعقوبات الاقتصادية، والمناورات، كفلت لإيران وضعا قويا.لكن، لم تكن هذه الحقيقة. فإيران تمسك فعليا بخيوط إقليمية مؤثرة لأبعد درجة مثل العراق، وسوريا وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية. وهذه هي “لعبتها” الإقليمية الواسعة، التي ستعمد إلى “شدّ” خيوطها بشكل مؤثر على المصالح الأمريكية، وعلى إسرائيل، في حال أقدمت الدولتان على أيّ تصعيد خطير. ولوّحت أخيرا بإمكان إغلاق مضيق “هرمز” في وجه الملاحة، وهو المضيق التي تمر عبره نحو عشرين ناقلة نفط يوميا !
ورقعة الشطرنج التي تحرك إيران بعض بيادقها، تتوفر على أربعين بالمئة تقريبا من احتياطيات النفط في العالم !
لا مقارنة أبدا بين وضعي السودان وإيران. بل أن الوضع السوداني أسوأ بكثير. فالملفات الإقليمية المهمة ليست بيده، إذ تنشط القاهرة وطرابلس وأديس أبابا ونيروبي في هذه الناحية. وعوض أن تكون الأنظمة المجاورة حليفة للخرطوم، وصل العداء بينها وبين أنجمينا إلى حدّ قطع العلاقات الدبلوماسية، ولم تفلح الوساطات الليبية والسعودية والسنغالية في إعادة المياه إلى مجاريها، لأن الأزمة متولدة عن أزمة دارفور، المؤثرة بشكل جلي على تشاد.
الكارثة أن بعض المسؤولين الرسميين في الخرطوم، وفي ردات فعل متسرعة على هجوم حركة “العدل والمساواة” على العاصمة السودانية، قبل نحو ثلاثة أشهر، ألمحوا إلى إمكان الإطاحة بالرئيس التشادي إدريس دبي !!
وهنا، يجب ألا ننسى أن أنبوب نفط أمريكي يمتد من تشاد إلى سواحل الأطلسي، كواحد من البدائل التي تسعى الولايات المتحدة لتكريسها، عن نفط الشرق الأوسط !
تغيير النظام في تشاد، بواسطة الخرطوم، يعني ببساطة إشراك بكين في اللعبة الإقليمية المتعلقة بالنفط على نحو فاجع للأمريكيين الذين لا يخفون توجسهم من الوجود والتمدد الصيني في إفريقيا. ولئن بدا أن الأمريكيين حريصون على إنشاء قواعد عسكرية في إفريقيا، لصيانة مصالحهم الاقتصادية في المنطقة، خاصة في مواجهة التهديدات الإرهابية، فإنهم لا يمكن أن يتجاهلوا المنافسة الصينية على الاستحواذ على قطعة كبيرة من الكيكة الإفريقية.
إذن لماذا لجأ بعض المسؤولين السودانيين إلى إرسال إشارات خاطئة تماما؟
على المستوى الداخلي، كانت عين حزب المؤتمر الوطني الحاكم على الاستمرار في السلطة فحسب، من خلال التعويل على خطط تكتيكية وإستراتيجية أعدت للانتخابات المقبلة.وإلى جانب ذلك استمر الحزب في سياسة المناورة وإفراغ الاتفاقيات من مضامينها، ومن بينها اتفاق نيفاشا – بشأن الجنوب – وأبوجا – بشأن دارفور – والقاهرة – مع تجمع المعارضة.
فالدستور، الذي يجب أن يحترم، كأول علامة على حرص الحكومة على اتفاقياتها، لم ينفّذ كما ينبغي.أجهزة الأمن بقيت على صلاحياتها “العملية” السابقة، وفُرض على الصحافة رقابة مدمرة حتى لمصداقيتها.واتسع نطاق الانتهاكات، ليشمل إلى جانب دارفور، الشرق والشمال أيضا.
لم تحسّن الحكومة سجلاتها في شأن “حقوق الإنسان”، بل ازدادت الأمور سوءا بعد الهجوم على أمدرمان، واهتمت الصحافة العالمية – غير الخاضعة لرقابة الأجهزة الأمنية السودانية – بالمعاملة السيئة التي لقيها معتقلو حركة العدل والمساواة.
وهكذا أكدت الخرطوم مرة أخرى على عدم كفاءة أجهزتها العدلية. وهو الأمر الذي أشار إليه صراحة، رئيس الوزراء السوداني السابق، الصادق المهدي، حين طالبت المحكمة الجنائية الدولية بتسليم وزير الدولة للشؤون الإنسانية – وزير الدولة للداخلية سابقا -، أحمد هارون والقائد المفترض في مليشيا الجنجويد، علي كوشيب، بتأكيداته أن القضاء السوداني جرت فيه عمليات “تطهير” واسعة، وحُشد فيه “الموالون” !
كلّ ذلك كان يشير إلى أن الأمور تتجه نحو الأسوأ. وحين تسرب نبأ عن نية المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، اتهامات جديدة إلى “مسؤول سوداني رفيع”، كان العالم كلّه – إلا الخرطوم – يتوقع أن يعمد القانوني الأرجنتيني المتمرس إلى اتهام واحد من الكبار !
الخرطوم بدت متفاجئة تماما. وكما حدث في خصوص حادثة طائرة الركاب السودانية، تأخرت سيارات الإطفاء كثيرا لمحاصرة الحريق.والحق، إنه يمكن وصف الأمر كلّه بسوء تقدير بالغ، وخلل بالغ في إدارة الأزمة.
حسنا.الآن، وقد وُجهت الاتهامات إلى رئيس الجمهورية، وهو أمر ينطوي على خطورة بالغة على الصعيدين السياسي والأمني، كيف تعاملت الخرطوم مع الأزمة؟
كان واضحا من الساعات الأولى، أن ثمة اتجاهين يتحكمان في مجريات الأمور.الأول، سطحي، مال إلى التقليل من شأن المخاطر التي يمكن أن تنجم من “الاتهامات”. جرى على نحو سريع، الاستعانة بالمسيرات، واللجوء إلى اتهامات وصلت إلى حد الشتم بحق أوكامبو، والتعويل على عدم اختصاص المحكمة، التي – للطرافة، يعلم المسؤولون أنها مكلفة من قبل مجلس الأمن -، وتوسل هؤلاء بقصاصات الصحف البريطانية وغيرها لكيل اتهامات أخلاقية بحق أوكامبو، لن تردع قضاة المحكمة على الأرجح، عن متابعة القضية، هذا إن لم يتضح لاحقا أنها “طعم” كالذي استخدمه وزير الخارجية الأمريكي، هنري كيسينجر، بداية السبعينيات، ليخدع الرئيسين الراحلين، المصري، أنور السادات، والسوري حافظ الأسد، في ما يتعلق بفصل القوات، بعد حرب 73، واستعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 67.
مثل هذه المزاعم، حتى لو صحّت، عن أوكامبو، هي مدعاة لصرف الانتباه عن المأزق الحقيقي الذي تواجهه الحكومة السودانية. ولجأت هذه المجموعة ذاتها إلى اتباع الأساليب “التقليدية” ذاتها في مواجهة الأزمة، بالدعوة إلى مسيرات تجوب شوارع العاصمة السودانية، وما إلى ذلك من مظاهر لا تستدعي أيّ جهد عقلي، يشرع في دراسة وفحص المسألة من جوانبها كلّها.
غير أن فريقا حكوميا آخر، على ما يبدو، بدأ تحركات “مدروسة” للتقليل من الخسائر، واتبع نهجا “جديدا” في إدارة الأزمات، لعل أبرز ملامحه، إحالة ملف إدارة هذه الأزمة إلى النائب الأول للرئيس السوداني، الفريق سيلفا كير ميارديت.
وهي إشارة تبعث على الارتياح، لكون حزب المؤتمر الوطني، أدرك أخيرا، أن الإقصاء المستمر للقوى السياسية السودانية، عن المشاركة الحقيقية في حلّ الأزمات، كان من أسوأ أخطائه الكارثية، وأن احتكار التصدي لمسائل كهذه، مهد الطريق، سابقا، للوصول إلى هذه المرحلة الخطيرة.
لم يسمح، على ما يبدو، للرئيس البشير، بالإدلاء بأي تعليق، خلال الأيام الأولى.وتحرك المسؤولون باتجاه الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، للحصول على دعم إقليمي، والدعوة إلى إحالة هذا الملف إلى مجلس الأمن، على أمل الدخول في تسوية لم تتضح معالمها، ما بين المقترحات الفرنسية بتسليم متهمين مفترضين سابقين إلى المحكمة، ومقترحات أخرى، بضرورة محاكمتهما سابقا، وثالثة من رئيس حزب الأمة، الصادق المهدي، بوضع معادلة ما بين تطبيق العدالة، وبين الحرص على استقرار السودان وإحلال السلام الشامل والعادل.
الاتحاد الأوروبي سارع إلى دعم المحكمة، أما الأمريكيون فقد اكتفوا إلى غاية الآن بتصريحات “مموهة”، في مقابل موقف صيني داع إلى تأجيل البتّ في اتهامات أوكامبو، مدة عام. الأمم المتحدة من ناحيتها قالت إن أعمال المحكمة مستقلة، وأنها لا تستطيع التدخل !
إذن الموقف معقد للغاية، ولا يبدو المخرج سهلا على الإطلاق.المقترح الصيني هو الأنسب للحكومة، لكنه يستدعي حراكا واسعا في الاتجاهات كلّها، كما يستلزم تضحيات هائلة يقدمها المؤتمر الوطني على الصعيدين الداخلي والخارجي.
فمن الصعوبة بمكان، الالتفاف على الأزمة، والمراهنة على حلّها بإبقاء الأوضاع السياسية والأمنية على ما هي عليه الآن.ومطلوب من المؤتمر الوطني خاصة الاقدام على تنازلات شجاعة:
أولا: الاستجابة “الذهنية” السريعة للحاجة المتزايدة لتغيير هائل في المفاهيم في أوساط النخبة الحاكمة. فإدارة الأزمات على النحو السابق، لم يعد أمرا مجديا، بل على العكس، هو أمر سيكلف غاليا جدا.والتغيير المفاهيمي الذي نعنيه، هو مراجعة واسعة وشاملة للأخطاء الكارثية التي أوصلت الخرطوم إلى طريق مسدود، وعرّضت قادتها إلى ملاحقات دولية.كما نعني الاستعداد لطرح مبادرات جادة تحوي تنازلات “مؤلمة” في الداخل
.
ثانيا: الدعوة والترتيب لعقد مؤتمر سوداني جامع، والتحرك من خلال أطراف داخلية مؤثرة لإقناع الحركات المسلحة في دارفور، بالمشاركة في وضع حلول “عملية”، تلزم تنازلات من الجانبين، لكنها لا تقفز على الواقع المرّ في دارفور.يجب التفكير جديا في إرساء السلام، والسعي لعقد مصالحات اجتماعية واسعة، ونزع السلاح في الإقليم كلّه، بإشراف الأمم المتحدة، وتعويض الضحايا، وتشكيل هيئة قانونية “مستقلة” للنظر في الجرائم التي حدثت ومعاقبة مرتكبيها، على أن يتم ذلك في إطار “لجان الحقيقة والمصالحة” شأن جنوب إفريقيا، للتغلب على نزعات الثأر والانتقام والكراهية.
يجب أن يسبق ذلك، مؤتمر دارفوري – دارفوري، ليقرر أهل دارفور ما يريدون.المكان الأنسب، ربما، لعقد مؤتمر جامع، هو جنوب إفريقيا، وبإسناد الرئاسة الفخرية، للرئيس السابق، نيلسون مانديلا، لوزنه الأخلاقي والسياسي الدولي، ولاستلهام تجربته في العبور ببلاده من نفق الاضطرابات والكراهية إلى أفق السلام. ويجب أن تشارك أطراف مؤثرة في هذا المؤتمر:
الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، الجامعة العربية، الاتحاد الأوروبي، منظمة المؤتمر الإسلامي، تشاد، نيجيريا، جنوب إفريقيا، كينيا، إثيوبيا، مصر، ليبيا، السعودية، قطر، سوريا، الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا.
ثالثا: تبدو دعوة حركة “العدل والمساواة” بتشكيل حكومة قومية، في الفترة المقبلة، اقتراحا منطقيا، على أن تتجنب “الاستئصال”، وتسعى لمشاركة واسعة من قبل الأطراف كلّها، وأن يكون هدفا من أهدافها الرئيسة، إعادة النظر في جهاز الدولة المدني، والأمني، لإفساح المجال أمام تغيير حقيقي، يفتح الباب أمام تسويات حقيقية مرضية للجميع.
رابعا: السعي لتشكيل هيئة قانونية “مستقلة” للتحضير ولتعاطي والتداول مع المحكمة الجنائية الدولية، ومجلس الأمن.على أن تكوّن هيئة استشارية من القوى السياسية والدبلوماسيين، لاستمزاج الآراء.
خامسا: على حزب المؤتمر الوطني – أخيرا، ومتأخرا جدا – أن يدرك أنه ما من سبيل لتجاوز هذه الأزمة، إلا بإصلاحات جوهرية في الداخل، تشمل القانوني والسياسي والإعلامي، وبتغليب النزعة العقلانية على حراكه، وطرح الثقة الزائدة جانبا.فالبلاد الآن في حاجة ماسة للشروع في تحديث هيكلي ومفاهيمي جذري، يتكئ على الديمقراطية، وإشاعة الحريات، والحرص على حقوق الإنسان.وربما يستدعي ذلك، الاستعانة بطاقات سودانية مؤهلة في الخارج والداخل، لإدخال مثل هذه الإصلاحات الضرورية على جهاز الدولة.كما هي الحاجة تماما بالنسبة لجهاز الأمن، والشرطة، والقوات المسلحة.
الموقف الصحيح، يستدعي من الفاعليات السياسية والمدنية، مناشدة، والضغط على الحركات المسلحة، أيضا، تليين مواقفها قليلا، إذا ما بادرت الحكومة بقبول المؤتمر الجامع، والمؤتمر الدارفوري – الدارفوري.
فالوعي هنا مطلوب، بأن تصلّب الحكومة، أو تصلّب الحركات المسلحة، لن يؤدي إلى مواجهة بين الخرطوم والمجتمع الدولي فحسب، وإنما أيضا سيلحق أضرارا لا يمكن تصورها بمواطني دارفور، وسيزيد الانقسامات السودانية – السودانية، وسيجر البلاد إلى كارثة أكبر من الحاصلة حاليا.
صحيح، أن العدالة الدولية، ليست عادلة مئة بالمئة.فبالنظر إلى تاريخ عريض، يبدأ من محاكمات نورمبيرغ وطوكيو، التي تجاهلت قصف الحلفاء مدنا ألمانية بكاملها، واستخدام أسلحة دمار شامل في ناغازاكي وهيروشيما، مرورا بجرائم الحرب الفظيعة التي ارتكبت في فيتنام وكمبوديا والجزائر، ونهاية بالعراق وأفغانستان وفلسطين والشيشان، إلا أن التوسل بهذا البعد، يبدو مضرا جدا.
فموازين القوى الدولية هي التي مكنّت إدارات أيزنهاور ونيكسون وكنيدي وجورج بوش، وشارل ديغول و ونستون تشرشل إضافة إلى القادة الإسرائيليين والروس، من الإفلات من العقوبات.لكن ذلك لم يمنع، في المقابل، محاكمة القادة الألمان – مثلا – وهم مسيحيون، شأنهم شأن الرئيس اليوغسلافي السابق، سلوبودان ميلوسوفيتش، والليبيري، تشارلز تايلور.
كما أن الدول العظمى، بل وحتى إسرائيل، تتحايل على القوانين، بإنشاء محاكم وطنية تنظر في التجاوزات، وتعاقب بعض المتسببين في وقوع أضرار جسيمة.هذا ما تفعله، ولو نظريا، إسرائيل، التي عاقبت، بعد مجازر صبرا وشاتيلا، الجنرال أرييل شارون، ونحته عن المناصب الرسمية، طيلة 18 عاما.وقد يبدو هذا الإجراء نظريا وعديم الجدوى بنظر البعض، إلا أنه يرسخ مفاهيم عدلية في نظر العدالة الدولية، التي سعت لمحاكمته، لولا عملية اغتيال الشاهد الرئيس، اللبناني، إيلي حبيقة، قبل مغادرته بيروت.
وفي تقديري، فإن المراهنة على هذا البعد، بعد ازدواجية المعايير، لن يؤدي إلى أيّ نتيجة.فبمجرد صدور مذكرة توقيف من قبل قضاة المحكمة، سيتعين على 104 دولة موقعة على إنشاء الجنائية الدولية، تسليم الرئيس السوداني، متى وطأ أراضيها.
وسيوضع اسمه وصورته، شأنه شأن أحمد هارون، وعلي كوشيب، على صفحة البوليس الدولي “انتربول” على الانترنت.وحتى ما يكتبه ويدلي به بعض دهاقنة القانون الدولي، والخبراء، بشأن القضية، لن يكون مؤثرا.فميلوسوفيتش، سيق إلى لاهاي، على الرغم من أن بعض كبار المثقفين، كنعوم تشومسكي، اعتبر تدخل حلف الأطلسي في كوسوفو، غير قانوني، بل ومؤذ جدا.تشومسكي لم يكن وحده في هذا الموقف.ومن الضروري التذكير بالموقف الروسي، الذي وصل حدّ محاولة إنزال عسكرية فاشلة، هناك، في حدود عام 1999.
وأخيرا، في هذا الصدد، إفلات بعض القادة السياسيين من الولايات المتحدة أو إسرائيل، من العقوبات القضائية، لا يقلل أبدا من أهمية الإجراءات العدلية بشأن جرائم أخرى.فالضحايا في دارفور، لا يهمهم، لا من قريب، ولا من بعيد، ما جرى في كوسوفو، أو فيتنام.
والمأساة المستمرة هناك، منذ أبريل 2003، تفرض سعيا حثيثا نحو السلام، والاستقرار، والعدالة.ولا يمكن وضع حل، فيما يتعلق بالانصاف والعدل، يتجاوزهم، إما من خلال معاقبة الذين ارتكبوا جرائم، أو من خلال لجان خاصة بـ”الحقيقة والمصالحة”، يمكن أن تشمل، دارفور أولا، ثم تستعرض تاريخنا كلّه، من صبيحة الاستقلال، وحتى الآن.
ولنأت إلى نقطة أخيرة، تتعلق بلويس مورينو أوكامبو ذاته.فالرجل، خصم لا يمكن الاستهانة به.يتمتع بذكاء بالغ، صلب وعنيد ومثابر، ولا يمكن الضغط عليه بسهولة.متحدر من خلفية يجب قراءتها بعناية.
يعزى له الفضل في ملاحقة الزمرة العسكرية التي حكمت بلاده – الأرجنتين – في السبعينيات والثمانينيات، حتى الفارين منهم إلى بلدان أخرى، ووضعهم في السجون. ثم استعانت به حكومة تشيلي، لفعل الشيء ذاته مع النخب التي حكمت البلاد في أيام الديكتاتور، أوغستو بينوشيه.
ولا يمكن التغافل عن المحيط الذي جاء منه.فأمريكا الجنوبية، ظلت لعقود ترزح تحت وطأة قسوة الديكتاتوريات العسكرية المتواطئة مع وكالة المخابرات الأمريكية والشركات الأمريكية الكبرى.والعمل العدلي في بيئة كهذه يعد ضربا من المجازفة.وأوكامبو، ينتمي إلى نخب عريضة، تقوم بإصلاحات سياسية وقانونية واقتصادية هائلة في أمريكا الجنوبية، مستلهمة تجربة العذاب السابقة، وفلسفة “لاهوت التحرير” على الأرجح، إلى جانب أفكار عريضة، يمكن تصنيفها ضمن “اليسار الديمقراطي الاجتماعي”.
رجل بهذه المواصفات، لا شك أنه مؤمن إلى درجة كبيرة بما يقوم به، وحريص على مستقبله المهني، وربما، عينه على جائزة نوبل للسلام هذا العام.وإذا ما حصل عليها، فسيكون هذا المأزق الذي لا تستطيع الخرطوم تجنبه بسهولة
khalidowais@hotmail.com
* كاتب وصحافي سوداني
السودان ومسألة لاهاي: العقدة أم الحل؟نزار قباني … السيرة الذاتية لسياف عربي -1- أيّها الناسُ : لقد أصبحتُ سُلطاناً عليكمْ فاكسروا أصنامكم بعدَ ضلالٍ ، واعبدوني .. إنّني لا أتجلّى دائماً فاجلسوا فوقَ رصيفِ الصبرِ ، حتّى تبصروني . أتركوا أطفالكم من غيرِ خُبزٍ .. واتركوا نِسوانَكم من غيرِ بعلٍ واتبعوني .. إحمدوا اللهَ على نعمتهِ فلقد أرسلني كي أكتبَ التاريخَ ، والتاريخُ لا يُكتَبُ دوني . إنّني يوسفُ في الحُسنِ ، ولم يخلقِ الخالقُ شعراً ذهبيّاً مثلَ شعري وجبيناً نبويّاً كجبيني .. وعيوني .. غابةٌ من شجرِ الزيتونِ واللّوزِ ، فصلّوا دائماً .. كي يحفظَ اللهُ عيوني . أيّها… قراءة المزيد ..
السودان ومسألة لاهاي: العقدة أم الحل؟العدالة الأرضية… مهزلة خالص جلبي في مدينة القامشلي حيث نشأت اشتهر عندنا رجل باسم “حسن مصروع”، وقد أخذ الرجل بعجيب تصرفاته، لقب المصروع، أي من به صرع أو مس من جنون! كان الرجل عصابياً، صعب المزاج، شرساً في التعامل، تقدح عيناه بالذكاء والعدوانية، إن تكلم شتم بقذاعة، وإن تحدث منع غيره من المشاركة، وخلف باب بيته أدوات الطعان والنزال جاهزة، وكثيراً ما رأيناه يهرع، وهو يجر “مساعده” في العمليات، ابنه محمد الجبار، ليخوض المعارك معه، وكانت الأدوات تشمل عصياً و”كفكيراً” (وعاء غرف الماء باللغة المحلية)، وأشياء أخرى متفرقة حسب لون وحجم المعركة. رحمه الله رحمة… قراءة المزيد ..
السودان ومسألة لاهاي: العقدة أم الحل؟ المسلمون فقدوا الرشد بعد الخلفاء الراشدين وارادوا اعادة الرشد بالقوة والسيف وليس باستخدام الرشد اي العلم والعدل وانهاء الفساد والرشوة.ان بشير واحد من الديكتاتوريات الثورية العسكرية التي ابتليت بها المنطقة. والخلاصة من الذي سيحاسب الذي يؤمنون بالحروب اللانسانية والتي تعتمد على الكذب وايضا من الذي سيحاسب الذين يدعمون ويغذون المليشيات الطائفية والعرقية والتي قتلت في العراق مثلا حوالي مليون انسان بريء وهجرت 4 ملايين من الذي سيحاسب من دمر مدن للحفاظ على انظمته وان سجونه كلها سجناء الراي نعم من الذي سيحاسب الذي يعيث بمخابراته الفساد والافساد لبلده وللجوار…؟ نتمنى وقفة عالمية ضد ظلم… قراءة المزيد ..
السودان ومسألة لاهاي: العقدة أم الحل؟
كيف يتحمل شعب السودان أن يحكم بواسطة البشير وأمثاله و فيه مفكرين مثل كاتب هذا المقال الثاقب ؟؟