احتملوا كلماتي القادمة عزيزاتي وأعزائي.
لا تتملموا منها لأنها قد قد تبدو بعيدة عنكم.
بل تأملوا.
قارنوا.
ثم قرروا!
*
*
لعل افضل نظام مواصلات عام عرفته في دولة ما هو ذاك النظام القائم في سويسرا.
خطوط مواصلات عامة تبدأ من الباصات والترامات، وتنتهي بالقطارات، وتربط بين المدن والقرى، لا تتأخر دقيقة عن موعدها. كأنها القدر. قادمة شئت ام ابيت.
في مدينة برن حيث اسكن، استخدم وسائل المواصلات العامة في تنقلاتي، لأن سكني وأسرتي في قلب العاصمة، يجعل من اقتناء سيارة مع وجود ذلك النظام جريمة في حق البيئة. وعندما نحتاج، أنا أو زوجي إلى سيارة، نلجأ إلى نظام موبيلتي. والنظام ببساطة يوفر للمشاركين فيه أمكانية استخدام سيارة عندما يحتاجون إليها. عليهم فقط ان يدفعوا مبلغاً سنويا، ان يتحملوا تكاليف البنزين لفترة الأستخدام، وأن يدفعوا مبلغا محددا عن كل كليومتر تمشيه السيارة. نظام غير مكلف لمستخدميه، يقلل من استخدام البنزين، ويوفر لنا السيارة في رحلاتنا الطويلة، ويحمي البيئة في الوقت ذاته من خلال تقليل عدد مالكي السيارات.
عدا ذلك أركب الأوتوبيس أو امشي.
في برن، واسمعوني هنا جيداً، يركب الإنسان الباص او الأوتوبيس “على ذمته”.
ماذا يعني ذلك؟
لا يوجد من يفتش عليك داخل الأتوبيس، ويسألك “هل اشتريت تذكرة الأتوبيس؟”.
لا يوجد!
يعتمد النظام على “أمانة الأنسان”.
“مادمت تستخدم هذه الخدمة، فعليك تأدية ثمنها”.
“وأنت انسان مسؤول. عاقل. قادر على تحمل المسؤولية. لذا لن نجري وراءك نسألك هل اشتريت تذكرة الأتوبيس!”
تخيلواَ!
فقط كل شهر وأخر، تجري عملية تدقيق مفاجأة. براءة ذمة ربما.
والغريب. أنه في كل مرة أكون فيها في الأتوبيس خلال مثل هذه العملية على مر السنوات الاربع عشرة الماضية، نادراً ما “اكُتشف” وجود شخص لم يشتر تذكرة الأتوبيس.
كنت دوما أندهش لمدى إلتزام الإنسان هنا.
اندهش،
ثم أفرح.
أما الخزي الأكبر، أنه في حالة وجود من “لم يحترم الأمانة”، من “خانها”، فإن الشخص الذي لم يشتر تذكرة الأتوبيس يكون عادة “اجنبياً”.
لم يعتد أن يكون مسؤولا.
لم يعتد أن يكون أمينا.
لم يعتد أن يكون إنساناً.
وفي هذه الحالة، فإن التذكرة التي تكلف فرنكا وثمانين رابين، تتضاعف إلى ثمانين، على المخترق أن يدفعها فوراً، أو ان يتحول إلى القضاء، لتدخل في سجله. ثم تصبح وصمة عار.
*
*
بنفس النسق.
في أشهر الصيف، عندما نتجول، أنا وزوجي وأبنتي، بدراجاتنا في الحقول خارج العاصمة، تلفت نظري دوماً لافتات صغيرة، توجد قرب حقول زهور عباد الشمس، أو بالقرب من صندوق كبير في مزرعة، تحدد سعر ثمن زهرة عباد الشمس، أو ثمن نوع من أنواع الجبنة أو لحمة مجففة، دون وجود صاحب الحقل أو أي بائع، وتأمن رغم ذلك أن الذي سيقطف الزهور، أو سيأخذ الجبنة واللحمة المجففة من الصندوق، سيدفع ثمنها ويضع المال اللازم في حصالة مالية صغيرة قرب اللافتة.
لايوجد من يراقب هذا الإنسان.
ذاك الذي سيقطف الزهور، أو يأخذ الجبنة أو اللحوم المجففة.
لا يوجد من يصر عليه أن يكون أمينا.
لكنه عادة ما يدفع الثمن.
“مادمت سأخذ الزهرة أو البضاعة، يجب أن ادفع ثمنها”.
ولان النظام ناجح، ما دام الناس يدفعون رغم عدم وجود الفلاح أو البائع، ظل مستمرا!
*
*
أظل ادق على نفس الوتيرة.
هذه الأيام تمر سويسرا بأزمة سياسية.
أتعرفون سببها؟
الصحافة كشفت أن قائد الجيش السويسري تم تعيينه رغم وجود قضية مرفوعة ضدة من شريكته في الحياة (صديقته). وزير الجيش كان على علم بالقضية، لكنه لم يُعلم اعضاء المجلس الفيدرالي ولا البرلمان السويسري بالمسألة حين تعيين القائد. كان الأتفاق بين قائد الجيش والوزير الفيدرالي أن القضية سيتم “حلها ودياً” بين القائد وشريكته في الحياة قبل أن يتولى منصبه. وهذا ما حدث بالفعل.
ورغم أن القضية تم حلها ودياً، فأن القيامة قائمة في سويسرا هذه الأيام، لأن الوزير الفدرالي لم يكن شفافاً بما فيه الكفاية، ولأن (ولعل هذا هو المحك في الموضوع) ملابسات القضية أظهرت، أوعلى الأقل هذا ما تقوله الصحافة السويسرية، أن قائد الجيش تصرف بطريقة غير مسؤولة، وبطريقة جرحت كرامة شريكته في الحياة.
التيارات السياسية بتعدد اطيافها تطالب بأستقالة قائد الجيش، لأن القضية “جرحت مصداقيته”، وبعضها لأسبابها السياسية الخاصة بها، تطالب بأستقالة الوزير الفدرالي معه.
“لا تكذب.
“كن شفافاً.
“ثم تحمل مسؤوليتك.
وإذا تجاوزت الأمانة، فتخلى عنها. أتركها لمن هو اجدر بها.”
*
*
هل بدأت ملامح الموضوع تتبلور أمامكما، عزيزتي القارئة، عزيزي القاريء.
اتحدث عن سويسرا وعيني على اليمن.
عن وطنين، وجدت في الأول الأمان، ويظل الثاني جرحي النازف. جلدي الذي لا اقدر على سلخه عن لحمي.
النظام القائم هنا في سويسرا ناجح، بكل المقاييس.
لأنه ببساطة تمكن من خلق الأنسان.
إنسان قادر أن يتحمل مسؤوليته ومسؤولية غيره.
إنسان أمين.
لا يسرق.
لا ينهب.
وعندما تُحّمله الأمانة، يكون على قدرها. يركب الباص ومعه التذكرة رغم أنه يدري أنه في 99% من الحالات لن يأتي إليه من يسأله “أين التذكرة؟”!
يدفع ثمن الجبنة والزهور، ويضعها في الحصالة، رغم أن السماء وحدها والطيور هي من تراقبه.
ويفعل ذلك!
ثم يفترض فيه أن يكون على قدر أمانة العمل.
“ما دمت لم تكن شفافاً معنا، ما دمت قد تصرفت بطريقة “غير مسؤولة” تجاه شريكتك في الحياة، كيف يمكننا أن نثق بقدرتك على قيادة الجيش”؟
تظام تمكن من خلق الإنسان. وعندما فعل ذلك لم يلجأ إلى إبتكار “هيئة الفضيلة”، كما تريد الدولة اليمنية اليوم أن تفعل.
هيئة “فضيلة” لا أعرف عن أية “فضيلة” تتحدث. كل هم “رجالها” التلصص على عباد الله، وخنق كرامتهم، ثم تطبيق تفسير للدين لا هم له سوى هدم الأضرحة وقتل وجود النساء. وقد بدأت الهيئة بالفعل بالمرأة. هل لاحظتم أول “فتوى” تصدرها الهيئة عن الكووتا النسائية السياسية؟
ويوماً ما ستجدونها تجري وراء النساء، تقول لهن إن “عباءتهن” ليست “سوداء” بما فيه الكفاية، وأن حياتهن ليست “سوداء” بما فيه الكفاية، وأن “الموت” في الحياة هو الأسلم لهن ضماناً للجنة.
هيئة “فضيحة”، لا “فضيلة”، عزيزاتي، لأنها فضحت للعالم، الذي يراقب ويتابع، مدى ضعف الدولة، وحاجتها إلى تيار سلفي، يدعمها في مواجهة أزمة سياسية طاحنة.
ولأنها كذلك، فأنها لن تعثر على “الفضيلة”، على فرض انها تبحث عنها فعلاً، بل ستتسبب في أزمة طائفية، ولعلها ستنجح في إلهاء الناس عن واقع الظلم والفقر والفساد القائم.. إلى حين.
لا. لم يلجأ النظام السويسري إلى هيئة “للفضيلة”.
لجأ إلى التعليم.
أراه في الأسلوب الذي يتم فيه تعليم ابنتي في المدرسة، كيف تكون مسؤولة عن بيئتها، جزء من حصة يتم تخصيصة لتنظيف فصلهم، والخروج إلى مزرعة قريبة والعمل فيها.
كيف تتعلم وهي في الثامنة كيف تجلس مع زميلاتها وزملائها، تتفاوض وتتناقش، وتصل معهم إلى تسوية في أختيار “مواضيع للدراسة ألأسبوعية”. وكان حديثها قبل شهر هو عن الكيفية التي اختلفت فيها التلميذات مع التلاميذ حول موضوع الأسبوع.
التلاميذ الذين كانوا يتابعون بشغف كأس أوروبا لكرة القدم، أرادوا أن يكون موضوع الأسبوع “كرة القدم وتاريخها”، أما التلميذات فقد أكتفين من الكرة، وان حافظن على شكل الدائرة، فكان اختيارهن لذلك “الكون والمجرات”! والنتيجة أن المدّرسة التي ادركت أهمية “الكرة”، وضعت طاولتان في الصف، احدها يضم الكتب والنماذج التعليمية الخاصة بالكرة، والأخرى خُصصت للكون ومجراته.
ثم تتعلم كيف تفكر!
عندما تتحدث المدرسة عن الكون والمجرات، فإنها لا “تلقن” تلميذاتها وتلاميذها “الموضوع”.
بل تسألهن اولاً، “برأيكن كيف تكْون الكون؟”
ولأن كل طفلة وطفل تدلو بدلوها، فإن خيوط “اكتشاف الكون” تتشابك، إلى أن تصل إلى مرحلة، تبدأ فيه المدرسة في شرح الموضوع، ولكن مع تجارب عملية، يصنعنها بأيديهن، وقبلها بعقولهن، حتى يتحولن مع الوقت إلى مخلوقات قادرة على التفكير.
إنسان،
مسؤول،
مفكر،
عاقل،
ثم أمين.
ولأن النظام في هذا البلد يحترم الإنسان، ادميته، كيانه، عقله، ثم إرادته، يرد الإنسان عليه بأن يكون إنساناً في خلقه وتعامله.
هكذا تخُلق “الفضيلة” بمعناها الإنساني.
أما أن تتشكل “هيئة فضيلة” يمنية، فالسؤال الذي طرحه غيري كثيرون: “عن أية فضيلة تتحدثون عنها؟”، خاصة ونحن نعرف وشيخنا الزنداني يعرف قبلنا أن فضائح نظامنا اليمني معروفة.
وصلت إلى مدى جعل البنك الدولي يصرخ همساً في أروقته أنه “حتى الفساد له حد، إلا في اليمن”!
تمنيت على شيخنا الزنداني أن يرد على سؤالنا إذن، “أية فضيلة ستحارب من أجلها هيئتكم؟”
فلو كانت الفضيلة التي يعنيها تتعلق بأمانة الحكم، بمحاربة الفساد المالي والإداري، برفع الظلم عن البشر، بمنع نهب الأموال والأراضي، فليته يصدر لنا فتوى، تبدأ به اولاً، ثم بقمة الهرم.
وكل “فضيلة” وأنتم بخير!
elham.thomas@hispeed.ch
* كاتبة يمنية
أية فضيلة؟ الاحتساب (البعبع الكبير) بقلم: أحمد عبد العزيز القايدي | 2/8/1429 تم إعلان النفير العام وأطلقت أبواق الحرب وارتفع مؤشر الخطر إلى اللون البنفسجي واستجلبت القوات من المعسكرات وأمر الجنود بإطلاق النار على كل جسم يتحرك وشحذت المدافع بالذخيرة وصدرت التوجيهات للرعايا باستخدام كل ما يمكن للدفاع عن النفس فلقد استعاد الخصم قواها وغير استراتجياته فبعد أن كان داخل حصونه يتلقى الضربة وراء الضربة وسنوات قضاها أسيرا لردود الفعل أصبح هو من يشن الهجوم وهو الذي يختار مكان وزمان المواجهة. هكذا كان الحال في المعسكر الغربي ودعاته إبان الإعلان عن هيئة الفضيلة في اليمن فالحرة الأمريكية لم تنقطع عن… قراءة المزيد ..
رؤية أخرى بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم نَظَروا بِعَينِ عَداوَةٍ لَو أَنَّها عَينُ الرِضى لَاِستَحسَنوا ما اِستَقبَحوا ما تحكيه الكاتبة هو وضع استثنائي ، لا نسمع عنه إلا في نطاق ضيق جيداً وحالات فردية ، وحين تنظر للمجتمعات الغربية .. ( مجتمعات الفضيلة ) .. تجد أخبار المافيا في كل مكان ، وتجد السرقات والسطو المسلح ( وخاصة في أمريكا ) ، وتجد التفكك الأسرى ، وتجد نصف المواليد غير شرعيين ، وتجد المرأة مسكينة تكد يومها كي تعيش بين الناس ، وتجد الأم تبكي من هجران ابنها . وأصحاب ( الفضيلة )… قراءة المزيد ..
أية فضيلة؟ تعليق د. خالص جلبي جدير بان يرى النور كمقالة , لا كتعليق على مقالة ممتازة اخرى لانه وضع النقاط على الحروف وشرح سبب هوان شعوبنا وتأخرها في كل المجالات ما عدا ” تقدم “الحكومات في مجالات “الامن” و”تربّع ” الحكام ابا عن جد فوق رقاب العباد واسئثارهم بموارد البلاد وحرمان الشعب من ادنى حقوقه : الحرية , التعليم والمساواة. وللاسف الشديد, كثيرا ما يستغل الحكام الدينَ وبعضَ رجال الدين لمساعدتهم على الاستمرار في التحكم بأرزاق العباد وبمصائرهم, والدين براء من الكثير من الخزعبلات التي يبتكرونها لارضاء سادتهم او انحرافاتهم الجنسية. نعم, كثيرون ممن “تمشيخوا” وبدأوا يحققون مع الرجال… قراءة المزيد ..
أية فضيلة؟
http://www.youtube.com/watch?v=VqOV6FBaBt4&feature=related
أية فضيلة؟
مقال حكيم. الاسلام ينادي وباعلى صوت لا اكراه في الدين لا اكراه في السياسة لا اكراه في الزواج ان هيئة الفضيلة= العنترية واستخدام القوة وتدمير المجتمع باسم الفضلة اي الاكراه
أية فضيلة؟ مقال رائع . يفتح المواطن العربي عينيه على الحياة وهو في المعتقل. فقبل أن يأخذ الثانوية العامة يجب أن يحظى بزيارة فرع أمني ويتلقى كفاً أو كفين فهذا أدعى لحسن التربية والانضباط الحسن وإجباره على كتابة التقارير ولو في حق أمه التي أرضعته. ويموت المواطن وعمره تسعون عاماً يحمل على النعش وبحقه قرار أمني بعدم مغادرة الوطن. وفي مطارات الوطن أدراج شاهقة مثل الأهرامات الصغيرة غاصة بأسماء عشرات الآلاف من المطلوبين والممنوعين من السفر ولو في درجة القرابة سبعة ولأكثر من جهاز أمني. وبين المهد واللحد يجب أن يكون أي مواطن معتقلا مرة أو مرات. أو يعرف في… قراءة المزيد ..