لماذا تأخير انعقاد اجتماع الجمعية العامة لمجلس الجالية المغربية بالخارج؟ وهل سيغير وجود المجلس من طبيعة المشهد المؤسساتي المرتبط بقضايا الهجرة؟ وكيف يفسر تغاضي مسؤولي المجلس عن طرح مسألة المشاركة السياسية في شقها المرتبط بالمشاركة في الانتخابات التشريعية انطلاقا من دول المهجر؟ هذه الأسئلة وغيرها تشكل محاور اللقاء الذي جمعنا بالأستاذ عبد الكريم بلكندوز أحد الوجوه المعروفة في مجال الاهتمام بقضايا الهجرة، وفي ما يلي نص الحوار.
ـ عبد الكريم بلكندوز، باحث جامعي متخصص في مجال الهجرة
مجلس الجالية تنطبق عليه مقولة”.. خرج من الخيمة أعوج”
حاوره مصطفى عنترة
أثيرت مسألة عدم اكتمال عدد أعضاء مجلس الجالية المغربية في الخارج حسب ما ينص عليه الظهير المنظم للمجلس، ما هو رأيكم في هذه المسألة؟
المسألة لا ترتبط بالنصاب القانوني كما قيل، بل ما تطرح بقوة هي مسألة عدم اكتمال عدد أعضاء المجلس قبيل انعقاد الجمعية العامة لمجلس الجالية المغربية بالخارج، فالسؤال يجب أن يثار بشكل آخر، بمعنى لماذا انعقد اجتماع المجلس وتشكيلته لم تكتمل بعد (أي بحضور 37 عضوا دون 13 الآخرين)؟
في نظري هذا الأمر ناتج عن صعوبات إعداد لائحة أعضاء المجلس. فالنواقص والانتقادات الموجهة إلى عملية تكوين المجلس كثيرة، هناك عدة بلدان لم تشملها كليا ونفس الأمر بالنسبة لأخرى لها وزن بشري داخل رقعة جغرافية صغيرة.. وما يلاحظ في هذا السياق أننا لا نجد ضمن 37 عضوا إلا أصحاب الشواهد والكفاءات في حين يغيب عنه العمال.
صحيح، أن حقل الجالية عرف تحولات جذرية، لكن أعتقد أن البعد العمالي لا زال حاضرا في عدة بلدان. إضافة إلى غياب تواجد الجيل الأول والتكافؤ بين الجنسين، فضلا عن غياب الجمعيات المدنية التاريخية التي اهتمت بالهجرة وراكمت نضالات كبيرة وتجربة هامة..، فالمسؤولون ما فتئوا يتحدثون عن وجود جاليات وليس جالية واحدة، في حين أن هذا المفهوم لم تتم ترجمته على أرض الواقع. أكثر من ذلك أن قضية الهجرة تهم المغاربة في الداخل والخارج، ومن هذا المنطلق لم أفهم لماذا تم استثناء تمثيلية مغاربة الداخل، أي الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية ومنظمات المجتمع المدني.
ـ ألا تعتقدون أن الأعضاء المتبقين(13 عضو) سيمثلون الفعاليات المحلية؟
هناك ضرورة لإعادة التوازن وأخذ بعين الإعتبار النواقص التي تحدثنا عنها. وهنا أطرح سؤالا: هل العدد الذي تحدثت عنه في سؤالك( 13 عضوا) كافيا؟
ـ كيف تفسرون عبارة “الأقلية لا تأثير لها” التي صدرت في رد إدريس اليازمي عن الانتقادات الشديدة التي وجهت إلى طبيعة تشكيلة مجلس الجالية المغربية بالخارج؟
النواقص التي اعترت المنهجية المعتمدة والأسلوب المتبع في طريقة إعداد لائحة مجلس الجالية المغربية بالخارج.. خلفت، كما هو معلوم، ردود فعل مختلفة في بلدان عديدة. وهي ردود لا يمكن أن نقول أنها صادرة عن أقلية لا تأثير لها. فهذا استخفاف لا يحترم الرأي الآخر.
المسؤولون يدعون أن الرأي الإستشاري الخاص بمجلس الجالية والمرفوع من طرف المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان والمتمثل في اختيار التعيينات المحضة ومرحلة انتقالية لأربع سنوات هو نتيجة موضوعية وشفافة للاستشارات الواسعة التي نظمت، وهذا غير صحيح بل يعد تغليطا. ثم هل تعتبر الانتقادات اللاذعة الآتية من أحزاب كالعدالة والتنمية والإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والحزب الاشتراكي الموحد.. تكون أقلية لا تأثير لها؟ ثم ما هي أسباب تأخر انعقاد الجمعية العامة للمجلس؟ وألا تأتي من المشاكل التي تحدثنا عنها؟
ـ كيف تفسرون تأخير انعقاد أول اجتماع للجمعية العامة للمجلس؟
التأخير ليس مرتبطا، كما قيل، بالأجندة الملكية خاصة وأنه كان قد تم تحديد تاريخ شهر مارس كموعد لانعقاد الجمعية العامة للمجلس، إلا أنها تأخرت شهرين ولم يتم أي استقبال ملكي. كما أن المجلس الذي أكد الخطاب الملكي السامي بتاريخ 6 نوفمبر 2005 أنه مجلس أعلى لم يعد كذلك. وفي نفس السياق يجب التساؤل: ألا يعبر العاملان عن وجود إشارة تفيد وجود مسافة مع المجلس؟ ثم كيف يمكن ايجاد حل موضوعي لتكميل اللائحة؟
إن مجلس الجالية المغربية بالخارج تنطبق عليه مقولة “.. خرج من الخيمة أعوج”. فالمسؤولون يكررون نفس الأسطوانة، إذ نجدهم لا يعترفون بأخطائهم، حيث يحاولون من خلال الإعلام تبرير ما وقع.. فهم لا زالوا يصرون على أن الرأي الاستشاري الذي تم رفعه هو نتاج مشاورات واسعة وموضوعية وعادلة نظمها فريق عمل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وهذا غير صحيح، فالنقاش داخل الجالية ودرود الفعل.. أكدتا أن ما حصل هو أمر يتجاوز بكثير النواقص والأخطاء التقنية.. إن الأمر ببساطة يعود إلى طبيعة غياب المنهجية الديمقراطية ووجود تصور واحد ووحيد هو التعيين.
وما استغرب له هو استمرار مسؤولي المجلس في الحديث عن الحوار والمقاربة التشاركية وما شابه ذلك من المفاهيم، مع العلم أن هذه الأمور لم يكن لها أي وجود من قبل.
ـ اطلعتم، بدون شك، على برنامج العمل الذي أصدره المجلس، ما هي ملاحظاتكم على أهم ما جاء في البرنامج المذكور؟
اعتقد أن برنامج العمل المنشور في جريدة “العلم” مجرد أفكار عامة، فليس هناك تصور مضبوط يتضمن أولويات مركزة وأجندة مضبوطة زمنيا، ثم أتساءل عن سبب وضع هذا البرنامج لمدة سنتين وليس أربع سنوات؟ ربما أن الأمر مرتبط بالمدة الزمنية المخصصة لهذه التجربة.
إن الشفافية كانت تقتضي نشر الرأي الاستشـاري المرفوع إلى صاحب الجلالة والتقرير المصاحب له قصد تمكين أعضاء مجلس الجالية المغربية بالخارج بالخصوص والرأي العام على العموم من معرفة التوجهات الكبرى المرسومة لهذه التجربة.
ـ هل تعتقدون أن إحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج سيغير من طبيعة المشهد المؤسساتي المرتبط بقضايا الهجرة؟
كان من المفروض مع إنشاء المجلس أن تكون إعادة النظر في المشهد المؤسساتي المرتبط بالهجرة. مازلنا نشتكي من تعدد المتدخلين، والآن نضيف مؤسسة جديدة.
ـ كيف تفسرون تغاضي مسؤولي المجلس عن طرح مسألة المشاركة السياسية في شقها المرتبط بالمشاركة في الانتخابات التشريعية انطلاقا من دول المهجر؟
إن المسؤولين في المجلس يصرحون أنه ليست هناك الانتظارات السياسية فقط، فهناك انتظارات قوية وملحة مرتبطة بالمسألة الثقافية والهوياتية والدينية..، لكن هذا لا يمنع من الأخذ بعين الاعتبار بالبعد السياسي والمواطنة داخل المغرب. ويظهر أن تهميش هذا البعد والدفع بآراء شخصية عوض الالتزام بموقف المؤسسة خطأ سياسي وغير مقبول.. وفي هذا السياق نذكر بالقرار الملكي السامي في 6 نونبر 2005 الذي أقر فيه صاحب الجلالة حق التصويت والترشح بالنسبة للتمثيل في مجلس النواب انطلاقا من بلاد المهجر. ونكر أيضا بالموقف الحكومي لـ 16 يوليوز 2006 لإتباع المنهجية التدريجية. وأعتقد أنه إذا كان هناك تفكير فيجب أن ينصب على هذا الإطار. فليس هذا الأمر هو الذي يفسر مشكل الرئاسة ومقرر فريق اللجنة الخاصة بهذا الموضوع. ومن هنا أتساءل: لماذا لم يطبق الظهير؟ وكان من الضروري تطبيق ما سمي بـ” المنهجية التدريجية” بخصوص رئيس ومقرر اللجنة المذكورة؟
لا يجب تكرار نفس الأخطاء التي وقع فيها فريق العمل داخل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وهذا ما يفسر، في رأيي، عدم اختيار عناصر تلح على المشاركة السياسية داخل المغرب مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة الاندماج.
ـ احتجت العديد من الفعاليات المدنية والسياسية المهتمة بقضايا الهجرة على إدريس اليازمي الذي يرأس مجلس الجالية المغربية بالخارج بوصفه مؤسسة رسمية ويتواجد في الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وقد ذهبت بعض الفعاليات إلى حد مراسلة مسؤولي الفيدرالية للحسم في هذا الموضوع، في رأيكم ألا تطرح هذه الازدواجية مشكلة سياسية وحقوقية؟
لايمكنني إلا أن أكون مع تواجد مغاربة بقوة في المنظمات الدولية، إلا أن العمل في المؤسستين يتطلب جهدا كبيرا يصعب معهما الملاءمة، وقد يترتب عن ذلك تأثير سياسي يثير في بعض الأحيان إحراجا.. وبصفة عامة فتعدد المهام تطرح الكثير من المشاكل، وكنت قد أوردت مسألة تعدد المهام في لجنة الخبراء.
ـ هل تعتقدون أن التركيبة الحالية للمجلس في ظل النواقص التي اعترت محطة التأسيس.. قادرة على تحقيق الأهداف المسطرة للمجلس؟
إن فكرة تأسيس مجلس الجالية المغربية بالخارج جد إيجابية وقرار ملكي حكيم لـ 6 نوفمبر 2005 يستجيب لتطلعات الجالية منذ زمان وينصهر في بناء دولة الحق والقانون وإشراك مغاربة الخارج في بناء دولة القانون والمؤسسات، إلا أن المنهجية التي اتبعت لم تكن صالحة.
ومن المحبذ أن يتم تقليص الفترة الانتقالية وتركيز المجهود على خلق شروط مجلس ديمقراطي شفاف في أقرب الآجال..فالفترة الزمنية 2008 -2009 لبرنامج المجلس كافية جدا لتوفير شروط اتخاذ قرار خلق مجلس جديد ديمقراطي، شفاف، ذو تمثيلية حقيقية ونجاعة. وهذا غير متناقض تماما مع قصاصة وكالة المغرب العربي للأنباء التي أكدت في 21 ديسمبر 2007 أن المدة الزمنية لأعضاء المجلس لا يجب أن تتجاوز أربع سنوات، بمعنى أنها يمكن أن تكون أقل.
mustapha.antra@gmail.com
* المغرب