يقول كامل النجار في مقال له في موقع الحوار المتمدن تحت عنوان “عماد مغنية وأبومصعب الزرقاوي شهداء”: “عندما انتشرت أشلاء اللبناني عماد مغنية في أحد شوارع عاصمة الصمود العربي المتخيّل، انقسم العالم الإسلامي إلى معسكرين: الشيعة والإخوان المسلمين وغالبية الفلسطينيين وجزء لا يستهان به من أهل السنة، اعتبروه شهيدا، بينما اعتبرته دول الخليج (باستثناء البحرين) وخاصة دولة الكويت، إرهابيا. وفي استطلاع أجرته صحيفة إيلاف على ما يقرب من عشرة آلاف من القراء، قال أربعون بالمائة منهم أنه شهيد، وخمسون بالمائة اعتبروه إرهابيا. وعندما بعثرت القذيفة الأمريكية ببغداد أشلاء الأردني السني أبو مصعب الزرقاوي، انقسم العالم العربي كذلك إلى معسكرين متناحرين: أهله في الأردن وسنة العراق وشيوخ السنة القرضاوية اعتبروه شهيدا، بينما لعنه الشيعة واعتبروه إرهابيا فطيسا. فلماذا كل هذا الغضب والثورة التي تنفجر في عالمنا العربي كلما قُتل شخص نذر نفسه لقتل الآخرين؟”.
باعتقادي أن الإجابة على السؤال ترتبط بالبنية الثقافية الدينية السائدة في العالمين العربي والإسلامي، التي هي في الواقع بنية فقهية تاريخية سعت لشرعنة الحياة السياسية والاجتماعية وفق رؤية ماضوية أنتجت الطائفيات الدينية السياسية العنيفة، حيث يمكن إلقاء مسؤولية ذلك الغضب والثورة عليها. فميزان الفرز الديني عادة ما يميل نحو الجانب الديني السياسي أو الجانب الديني الطائفي ليحسم جميع الأمور والقضايا.
في تجربة الزرقاوي كان الفرز طائفيا بحتا، فيما الفرز الطائفي الممزوج بالمصلحة السياسية كان هو الغالب في موضوع مغنية. ورغم أن الإثنين، الزرقاوي ومغنية، لم يشتهرا إلا بالقتل، أو على أقل تقدير بالجهاد العنيف، نجد أن تجليلهما من قبل السنة والشيعة يعكس انتشار الفهم الديني الفقهي المتساهل في قضايا القتل والعنف والمنتج للهوية الدينية الطائفية. فمعظم التأييد الذي حصل عليه كل منهما كان طائفيا في أغلب الأحيان، لكنه مُزج بالسياسة في أحيان أخرى بحيث وجدنا المصلحة السياسية الدينية تطغى على الطائفية، لكن ما أن تهدأ عاصفة السياسة حتى تطل أفعى الطائفية برأسها. لذلك كانت نتائج التأييد تصب في جهة محددة، إذ كان من المستحيل أن يصف الشيعة الزرقاوي بالشهيد بسبب قتله الكثير من شيعة العراق، رغم أنه، وبحسب فقه الجهاد الذي يستند إليه، مارس نفس الفعل الديني الجهادي الذي مارسه مغنية ضد المحتلين من المسلمين وغير المسلمين. في حين نجد أن هناك من السنّة من وصف مغنية بالشهيد وهناك من رفض ذلك، وكان سبب الرفض طائفيا بحتا أيضا، لإنه شيعي فحسب ودافع عن قضايا تصب في مصلحة المشروع الديني السياسي الشيعي، في حين كان رفض وصفه “شهيدا” في الكويت لأسباب طائفية ووطنية.
إن الزرقاوي ومغنية ينهلان من منهل فقهي جهادي واحد ويسعيان إلى “خدمة” الإسلام و”محاربة” أعدائه ويسعيان للفوز بـ”الشهادة” ونيل “جنة الشهيد”، رغم أن كل واحد منهما يرفض الآخر ويلغيه وقد يقتله إذا سنحت له أو لأنصارهما الفرصة. وحسب الجامع الصغير للسيوطي ج4 (كما جاء في مقال النجار) عن النبي الأكرم أن “الشهداء أربعة: رجل مؤمن جيد الإيمان، لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذاك الذي يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة. ورجل مؤمن جيد الإيمان، لقي العدو فكأنما ضرب جلده بشوك طلح من الجبن، أتاه سهم غرب فقتله، فهو في الدرجة الثانية. ورجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا، لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذاك في الدرجة الثالثة. ورجل مؤمن أسرف على نفسه، لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذاك في الدرجة الرابعة”.
في وصف الشهيدين “الأعداء”، لا أعتقد أن أنصار مغنية والزرقاوي يرضون لهما درجة غير الأولى، بل هم واثقون إلى حد اليقين أنهما حصلا على هذه الدرجة. كذلك لا أعتقد أن الطرفين ينكران الحديث عن “كرامات” لهما في أرض المقاومة، أو الحديث عن “كرامات” ظهرت للشهيد قبل استشهاده. إذن ما الفرق بين الأثنين.. ولماذا يلغي أحدهما الآخر ويعتبره عدوا للدين.. ولماذا هذا التمييز الطائفي في وصف “الشهيد”؟ لا أظن أن عامة الناس في العالمين العربي والإسلامي يرضون أن يطرح فقهاء المسلمين، السنة والشيعة، الشهادة بصورة طائفية. وقد تدحرجت كرة الثلج الدينية الطائفية حتى تضخمت بصورة مفزعة، فهل يعي المسلمون ضررها على مستقبل أبنائهم؟ هل يعون أن الإسلام السياسي الجهادي الحركي ليس إلا إسلاما طائفيا عنيفا؟ هل يعون أن بعض التحالف الموجود في الاسلام السياسي السني والشيعي هو “تحالف مرحلي” سوف يزول بمجرد انتهاء مرحلته لتظهر بعد ذلك الخلافات الدينية المستندة إلى الحق المطلق لكل طرف والإلغاء المطلق للطرف الآخر؟ إن التجربة الدينية السياسية الجهادية الأفغانية قبل وأثناء وبعد الاحتلال السوفييتي دليل مؤكد على ذلك، كذلك أفضت تجربة الدولة الدينية في إيران إلى نتائج صبت في إطار إلغاء ليس الآخر الطائفي فحسب بل أيضا الآخر من نفس الطائفة.
إن حادث تأبين مغنية جعل سؤال الطائفية يبرز بقوة على سطح المجتمع الكويتي. فبدلا من تأكيد الأطراف المختلفة على ضرورة نبذ العنف والإرهاب، وبالذات الديني، نجد أن أطرافا دينية سنية معروفة بنصرتها للعنف الديني قد نددت بحادث التأبين الشيعي على اعتبار انه يمثل تأييدا للإرهاب ويجسد الولاء للخارج، في حين أنها مارست نفس الفعل حينما تعلق الأمر بمقتل إرهابيين إسلاميين سنة غير كويتيين في العراق وأفغانستان وغيرها. كذلك نجد أن أطرافا شيعية سعت باستمرار لتأكيد وطنيتها ونبذها للعنف الديني، لكنها لم تستطع أن تثبت ادعاءاتها تلك، وبدلا من إدانة مغنية واستنكار تأبينه ركزت على مواجهة ما أسمته “الهجوم على الطائفة الشيعية”. لذلك تحولت قضية تأبين مغنية من قضية يجب التأكيد على استنكارها من قبل جميع فئات الشعب الكويتي، إلى إخفاق بتحولها لمواجهة سنية شيعية طائفية. ويبدو أن جميع تلك الفئات تتعمد إبعاد مسؤولية ذلك الإخفاق عنها وإلقاء كامل تبعاتها على الحكومة. إن مسؤولية الإخفاق تقع بالدرجة الأولى على عاتق الشعب الكويتي بأفراده وطوائفه ومؤسساته وجماعاته وتنظيماته وعائلاته. فحادث التأبين أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن البنية الثقافية الدينية في المجتمع الكويتي والقائمة على الطائفية، هي السبب الرئيسي في وصول قضية التأبين إلى هذا المستوى من الطرح الطائفي البغيض في الجانبين السني والشيعي. فبدلا من معالجة القضية التي استند إليها التأبين وتوضيح خطورتها على أمن الكويت الاجتماعي، وهي نبذ العنف السياسي الديني والطائفي ومواجهة “ثقافة المقاومة المسلحة” التي يحاول الإسلام السياسي السني والشيعي فرضها على مجتمعنا، وقع أفراد المجتمع في أتون نتيجة التأبين ألا وهي محاولة كل طرف طائفي إثبات أن الطرف الطائفي الآخر عنيف ومرتبط بولاء خارجي، فيما لم تتم معالجة المشكلة الرئيسية وهي العنف الديني النابع من الإسلام السياسي الطائفي المؤدي إلى ولاءات خارجية، وهي مشكلة يشترك فيها غالبية الشيعة والسنة. إنه سؤال الطائفية الذي بات مهملا، لأن التأبين تحول إلى صراع طائفي بدلا من أن يتحول إلى قضية تعالج سلبيات الإسلام السياسي والعنف الديني وخطورته على أمن البلاد وعلى تماسك المجتمع من أجل استشراف مستقبل أفضل للكويت.
إن المختصين يصفون جميع التنظيمات الحركية التابعة للإسلام السياسي بأنها عنيفة وتتبنى أو تساند خيار “المقاومة المسلحة”، ويقسمونها الى تنظيمات متطرفة ومعتدلة. كما يصف هؤلاء تنظيم القاعدة للزرقاوي بالمتطرف فيما يصفون تنظيم حزب الله لمغنية بالمعتدل، غير أنهم لا يبرئون الاثنين – المتطرفة والمعتدلة – من مسؤولية تفشي ظاهرة الارهاب والعمليات الارهابية الهادفة الى تحقيق مآرب سياسية تصب في النهاية في إطار الهدف الطائفي الديني. ورغم ان الحركات المتطرفة تؤكد علنا ان العنف هو أحد وسائلها الرئيسية في تحقيق مآربها، نجد ان معظم الحركات المعتدلة أثبتت في أكثر من موقع وظرف ان فكرها وأسلوبها يساهم في نشر العنف، وأن بعضا من فصائلها يمارس العنف ضد المدنيين الآمنين بحجة مقاومة الظلم والمعتدي والمحتل. كذلك نرى ان الكثير من رجال الدين والفقهاء المنعوتين بالاعتدال عبروا عن وجهة نظر مؤيدة للعنف تحت حجج لا ترتبط بتاتا بالفكر المعتدل بل ترتبط بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية خاصة، وهو ما جعلهم يعيشون تناقضا ما بين الفكر الذي يحملونه وبين الممارسات التي يدعون إليها. في ضوء ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال إبعاد تنظيم مغنية وتنظيم الزرقاوي عن هذه القاعدة، فالإثنان عنيفان ويمارسان القتل والإرهاب ويسعيان لمشروع ديني طائفي حتى لو كان على حساب أمن الكويت، والتجربة التاريخية تدلل على ذلك، وعلى الكويتيين الذين يخوضون صراعا حول تأبين مغنية، وهو ليس بصراعهم بل صراع غيرهم، أن يعوا أنهم حادوا عن القضية الرئيسية واتجهوا إلى نتيجة الصراع التي من شأنها أن تغرق المجتمع في أتون قضايا طائفية أعمق.
ssultann@hotmail.com
كاتب كويتي
الزرقاوي ومغنية.. وسؤال الطائفيةاذا عرف السبب بطل العجب. كيف يزور نجاد ايران العراق ويسب امريكا ليلا نهارا ويبدأ من مطار بغداد وهو تحت حماية امريكية 100 في المائة؟ونجاد مسرور لانه دمر العراق وشعبه بمليشياته الطائفية الارهابية قتلت اكثر من مليون عراقي بريء من مليشيات دعمت ماديا وتدريبا وسلاحا من ملالي ايران خلال 40 سنة؟ افهموها مسرحيات النظامين الايراني المليشي والسوري المخابراتي قبل القمة وذلك بدفع الشعب الفلسطيني الثمن كدروع لمخطط طائفي بزعماء مليشيا فاشلة وتغيير مجرى القمة من ازمة لبنان الى فلسطين. نتمنى ان نوقف استعمال الدم الفلسطيني ولو مرة واحدة من قبل النظامين الفاسدين الايراني والسوري للاهداف الخبيثة .العاقل… قراءة المزيد ..