السلطة شئ مبهر وأحيانا تعمى العيون والقلوب والأفئدة، وفى العصور الحديثة فإن الفرق بين البلاد المتقدمة والمتخلفة هو في طبيعة العلاقة بين السلطة والشعب، في كيفية تداول السلطة، كيفية الفصل بين السلطات المختلفة (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وكيفية إختيار السلطة.
والشعوب تنتظر وتتوقع الكثير ممن هم في السلطة سواء في البلاد المتقدمة أو المتخلفة، وأيضا يلقون باللوم على تلك السلطة عن أي فشل في أي ناحية من نواحي الحياة إبتداء من مشكلة المرور ونهاية بالهزائم العسكرية ومرورا بسوء أنظمة التعليم، وكلما زاد تركيز السلطة في أيدي معدودة كلما زادت مسئولياتهم وكلما زادت أخطاؤهم أيضا وكلما ازدادت فرص الفساد، لذلك قيل أن السلطة المطقة تسبب فسادا مطلقا، وأي سلطة مهما كانت ليست فوق مستوى النقد والمراقبة لأن الكمال لله وحده، وهنا يأتي دور المثقف كضمير للأمة في التنبيه ودق أجراس الخطر كلما لاحظ إنحرافا وفسادا في أي من السلطات، وحديثا أضيفت إلى السلطات الثلاث سلطة رابعة هي سلطة الصحافة والإعلام وأحيانا تبدو أخطر وأهم من أي سلطة من السلطات التقليدية المعروفة لصوتها العالي، ولأنها كما يبدو سلطة فوق المحاسبة في كثير من الأحيان، وظهرت في السنوات القليلة الماضية سلطة سوف تكون أخطر السلطات جميعا وهى نوع من السلطة الشعبية وذلك عن طريق الإنترنت، فهذا الإختراع العظيم أتاح لمن لا صوت لهم أن يكون لهم صوت عن طريق مواقع الإنترنت والمدونات والبريد الإلكتروني، وهذه السلطة الشعبية الجديدة تحتاج أيضا إلى ضوابط وروابط وإلا تعرضت كأى سلطة لا رقيب عليها إلى الإنحراف والفساد، لذلك نرى فى كثير من مواقع الإنترنت وقد تحولت إلى مجرد مجلات حائط لتوزيع الشتائم والإتهامات على الجميع، وهنا أيضا يظهر دور المثقف فى توجيه النشء وفى مراقبة السلطة الجديدة.
وفى البلاد المتخلفة يحاول الحاكم أن يجمع كل السلطات بين يديه، فهو الذين يعين القضاه ووكلاء النيابة وهو الذين يعين أعضاء السلطة التشريعية فى بعض الأحيان وهو الذى يعين رؤساء تحرير بعض الجرائد والمجلات، وهو الذى يعين رؤساء بعض المحطات التليفزيونية، والحاكم بهذا يتحول سواء بقصد أم بدون قصد إلى نصف إله، فهو الآمر والناهى، والعاطى والمانع، والمستبد والرحيم، والقاضى والسجان والمحامى والجلاد، والكل في الكل.
لذلك فإن دور المثقف فى البلاد المتخلفة أخطر كثيرا من دور المثقف فى البلاد المتقدمة والتى إستقر نظامها السياسى من سنين طويلة، فالمثقف إذا إراد حقا أن يكون ضمير الأمة عليه أن يقترب أكثر من شعبه، فمعظم المثقفون فى البلاد المتخلفة يعيشون فى بروج عاجية بعيدة عن شعوبهم ويتكلمون بلغة مخالفة للغة شعوبهم والكثير (وأنا واحد منهم) قد يأس وهاجر ولا يزال يتكلم من برج عاج “مستورد” هذه المرة، وعلاقة المثقف بالسلطة فى البلاد المتخلفة أقوى كثيرا من علاقته بشعبه وهى علاقة أشبه بالحب والكراهية فى آن واحد، والمثقف يدعى فى معظم الأحيان كراهيته للسلطة وفى نفس الوقت ينام ويحلم أن يكون جزأ من تلك السلطة، ويهرول إذا نادته السلطة التى كان يهاجمها بالأمس، ويقول :”أنه لا يتأخر عن تلبية نداء الوطن”، وعلاقة المثقف بالسلطة تترواح بين التصادم فى بعض الأحيان وهذا قديم قدم هجاء المتنبى لكافور الأخشيد وقطع ألسنة بعض الشعراء طويلى الألسن فى الزمن القديم، وفى المقابل هناك المثقف الممالئ للسلطة والذى يفطر ويتغدى ويتعشى مع السلطة وهذا أيضا قديم قدم مديح المتنبى لسيف الدولة و “أعطاه ألف دينار ومائة بعير”، ووجدنا بعض المثقفين وقد أكلوا وشربوا على كل الموائد، ولم يهمهم من صاحب المائدة طالما أن هناك أكل وهبر لحم على المائدة، والسلطة من جانبها تحاول دائما أن تستخدم إسلوب سيف المعز وذهبه فى التعامل مع المثقف، فالمثقف في نظر السلطة (غلبان) ممكن شراؤه أو أن (غلبان) دماغه ناشفة وممكن تكسير تلك الدماغ الناشفة عن طريق السجن أو عن طريق قطع الأرزاق أو المنصب أو تشكيلة وتوليفة من كل هذا.
وتصورت أن القصة التالية قد حدثت فى كل زمان ومكان فى شرقنا العزيز:
…..
رن جرس التليفون فى ساعة متأخرة من الليل فى منزل الدكتور المثقف (جدا) فهمى الزعبلاوى:
– آلو الدكتور فهمى الزعبلاوى.
– أيوة أنا، مين معايا؟
– دقيقة واحدة خليك معايا على الخط.
….
ويسمع صوت آخر حريمى يقول:
– الدكتور فهمى الزعبلاوى؟
– أيوه أنا، إيه الحكاية وإنتو مين بالضبط ؟
– دقيقة واحدة ياأفندم القائد الملهم على الخط معاك، دقيقة واحدة.
وهب الدكتور فهمى واقفا على حيله وأرتدى الروب فوق بيجامته ‘ فلا يصح أن يراه الريس الكبير بالبيجاما!!
ويسمع الصوت الجهورى الفخم والذى سمعه فى التليفزيون مرات ومرات.
– أيوه يادكتور إزيك، وإزى الأولاد؟
لم يصدق الدكتور فهمى أنه يتحدث مع الذات الرئاسية مرة واحدة، ولأول مرة قدر رهبة سيدنا موسى عندما تكلم إلى الله فى طور سيناء، وتلعثم قليلا ثم قال:
– الحمد لله ياأفندم الأولاد وأبو الأولاد بيبوسوا إيديك.
– أنا عاوزك تعدى علىّ فى المكتب بكرة الصبح شوية.
– المكتب فين يا أفندم؟
– المكتب بتاعى يا أخى، أنا على العموم ح أديك السكرتيرة وهى تشرح لك كل حاجة، وأشوفك بكرة، وبدون أن يقول له حاضر يا أفندم أو شئ من هذا القبيل سمع الصوت الحريمى مرة أخرى، وأعطته التعليمات عن كيفية لقاء القائد الملهم.
ووقف الدكتور فهمى للحظات ممسكا بسماعة التليفون على إذنه ولا يريد أن يضعها مكانها خشية أن يكون القائد الملهم ما زال على الخط، ويكون بذلك يقفل السكة فى وشه والذى من شأنه أن يقفل كل السكك فى وجه الدكتور فهمى وعائلته.
وبعد دقائق وضع سماعة التليفون بجوار التليفون وتوجه إلى غرفة النوم فوجد زوجته نائمة، فهزها بشدة فقامت مذعورة تتلفت حولها وتحاول أن تجد نظارتها حتى تتعرف لمن أيقظها بهذا العنف فى منتصف الليل، وقالت له:
– إيه خير يافهمى، حد من الولاد جرى له حاجة؟
– لأ.. مش حتصدقى إيه إللى حصل؟
– إيه خير؟
– أنا لسه دلوقت مكلم الريس فى التليفون.
– ريس مين، رئيس الجامعة؟
– جامعة إيه إنت رخرة، الريس الكبير، القائد الملهم.
– قصدك الريس… الريس..؟
– أيوه وسمعت صوته فى التليفون، وطلب إنه يقابلنى بكرة الصبح.
– خير يافهمى أحسن يكون ناوى يعمل فيك حاجة، أصلك دائما بتكتب عن ضرورة تبادل السلطة، وأنه لا تقدم بدون ديموقراطية، ولا ديموقراطية بدون تبادل للسلطة ولا تبادل للسلطة بدون إنتخابات حرة، ولا إنتخابات حرة بدون رقابة دولية.
– لأ.. لو الريس كان ناوى يعمل فىً حاجة كان بعت البوليس يقبض علىّ.
– وتفتكر يكون عاوزك ليه دلوقت؟
– مش عارف؟
– أنا سمعت إن فيه تعديل وزارى جديد، أكيد عاوزك عشان الوزارة.
– يسمع من بقك ربنا يا سهير.
– طيب وكلامك وكتبك عن الديموقراطية وتبادل السلطة؟
– ما فيش مشكلة، أنا حأحاول أعمل التغيير المنشود من الداخل، وإذا أنا بقيت فى قمة السلطة يبقى ما فيش داعى لتبادل السلطة خالص!!
– والله عندك حق يا فهمى
– وبعدين أنا عارف مصلحة الشعب، والشعب لم ينضج بعد لفهم وإستيعاب الديموقراطية، فما زلنا نعيش فى عصر القبلية والعائلات والعشائر.
– والله كلامك بينقط سكر يافهمى رغم إنى مش فاهمه نصه.
….
ولم ينم الدكتور فهمى ساعة على بعضها، وفى الصباح أرتدى أفضل الثياب وتعطر بأطيب العطر وحلق ذقنه بالموس الجديد، وأرتدى كرافتة كان يدخرها لمناسبة سعيدة، وفوجئ زوجته تقول له وهى تحاول أن تختار ألفاظها:
– أنا رأئى إن أنت مزودها حبتين يا فهمى.
– مزودها فى إيه مش فاهم؟
– يعنى مش ضرورى الشياكة إللى زيادة عن اللزوم دى.
– قصدك إيه؟
– الريس ضرورى يظهر أنه أكثر الناس أناقة وأكثرهم شبابا وصحة، ما فيش داعى للشياكة الزيادة عن اللزوم دى.
– إنتى والله لعبتى الفار فى عبى.
وقام بإرتداء بدلة أقدم ولكنها تليق ما زالت تليق بلقاء الريس، بدون أن تجرح “شياكته” أو تنافسها، وقبل أن يخرج قال لزوجته:
– إدعى لى يا سهير.
– ربنا يوفقك يا فهمى، والنبى ماتناس تكلمه عن الواد عمر إبننا إللى ما جابش مجموع عشان يدخله كلية الطب !!
….
samybehiri@aol.com
* كاتب مصري- الولايات المتحدة
المصدر إيلاف،
أعطوه ألف دينار ومائة بعير أو مائة جلدةWell, I’m one of your fans no doubt about that, but you really believe on the western free press? Is that really true that they can say whatever they want to? I do know that they enjoy greater part of free press but not absolute, would you agree? and the writer who benefit from writing it is not only Arab dictatorship invention, otherwise please tell me how many writers and media network talked about the huge failures of the US Administration on spending $$$ killing of US solders and how many millions Iraqi… قراءة المزيد ..