(الصورة: محمد جعفري، مسؤول “قوة القدس” وعضو مجلس الأمن القومي الإيراني)
قبل أيام، صرّح المرشد الإيراني، خامنئي، بأن الوقت لم يحن بعد للتفاوض مع الولايات المتحدة التي تهدف إلى “تركيع إيران”. من جهته، وجّه الرئيس بوش، الذي يزور إيران حالياً، تهديدات وتحذيرات واضحة لإيران تتعلق بلبنان، والملفّ النووي، وأمن الخليج.
والسؤال الأساسي هو: هل يملك النظام الإيراني قدراً كافياً من “العقلانية” ومن “البراغماتية” للدخول في مسارٍ تفاوضي؟ أم أن الحلّ الوحيد هو الإطاحة بهذا النظام، على الأقل لأسباب عربية بحتة: تدخّله في الشؤون العربية (لبنان والعراق وغزه حالات قصوى) وتهديده لأمن الخليج، وتدخّله لإجهاض المسار السلمي الذي يمكن أن يسفر عن إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل؟
إستناداً إلى عرض “الصفقة الكبرى” الذي قدّمته إيران (مسؤول في البيت الأبيض يؤكّد أنه كانت هنالك “عروض كثيرة أخرى”)، فالأرجح أن النظام الإيراني يملك “العقلانية” و”البراغماتية” الضرورية للتفاوض. والأرجح أنه يشعر فعلاً بأنه “مهدّد”، وأنه يعطي أهمية قصوى لبقاء النظام. ويلفت الإنتباه في العرض الإيراني أن الذين قدّموه لم يتعرضوا لأية عقوبات، وأنه خلا من أي ذكر لـ”ولاية الفقيه”، وأنه شمل التخلّي عن “مقدّسات” الخطاب الإيراني: الحرب للقضاء على إسرائيل، “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، و”سلاح حزب الله“.
هل تغيّرت الأمور مع وصول أحمدي نجاد إلى السلطة؟ ربما، ولكن مراكز القوى الأساسية (التي كانت مطّلعة على “العرض الإيراني”) لم تتغيّر، وهي تمثّل مصالح النظام الحقيقية أكثر من أحمدي نجاد. هذا، عدا أن الإنتخابات النيابية المقبلة خلال أقل من 3 أشهر يمكن أن تطيح بالأغلبية المؤيدة للرئيس نجاد. وأخيراً، فأي مشروع محادثات أميركية-إيرانية سيعزّز، حتماً، مواقع الأصوليين البراغماتيين (تيار رفسنجاني، مثلاً) ومواقع الإصلاحيين في إيران.
لبنانياً، ربما كان قبول الأميركيين للتفاوض مع إيران حول عرض العام 2003 (وما تلاه من عروض) قد وفّر على لبنان وضعه المأساوي الراهن!
*
قبل حوالي أسبوعين، في نهاية شهر ديسمبر الماضي (2007)، عرض برنامج “فرونت لاين” الأميركي حلقة حول قضية العرض الإيراني الذي ذكرت أنباء سابقة أن إيران قدّمته للأميركيين، الذين رفضوه. وكانت مفاجأة الحلقة أن الإيرانيين سمحوا للفريق الصحفي بمقابلة الشخصيات الرئيسية(في معسكر المتشدّدين) المعنية بملفّ العرض الإيراني، الذي أطلقت عليه تسمية “الصفقة الكبرى”. وهم “حسين جعفري”، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، ومسؤول “قوة القدس” (الذي كان، قبل أسابيع من المقابلة، قد نجا من محاولة أميركية لاعتقاله في العراق)، وحسين شريعتمداري، ممثل المرشد خامنئي في جريدة “كيهان” وأحد الناطقين بلسان المرشد، وحامد رضا حاجي بابائي، الذي يُعتَبَر أحد كبار المتشدّدين في البرلمان الإيراني. وقد حظيت هذه المقابلات، بعد انتظار طال أشهراً، بموافقة 3 وزارات: الإستخبارات، والخارجية، والتوجيه الإسلامي. مما قد يعني أن النظام الإيراني لم يطوِ بعد صفحة المفاوضات مع الولايات المتحدة وصفحة عرض “الصفقة الكبرى”. كما قابل الفريق ممثّل الإصلاحيين، نائب الرئيس السابق، محمد علي أبطحي.
*
العرض الإيراني:
وفقاً للوثيقة الإيرانية المنشورة كاملة في نهاية هذا المقال:
باختصار، مطالب إيران هي: “وقف السلوك العدائي” (التوقّف عن محاولات الإطاحة بالنظام) ورفع إيران من “محور الشرّ” (الربط بكوريا الشمالية يثير حنق الإيرانيين إلى أبعد الحدود)، وإبطال العقوبات التجارية الأميركية والدولية والإفراج عن الأصول المالية المجمّدة. كذلك، حق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية والبيولوجية والكيميائية السلمية بدون قيود (إمتلاك التكنولوجيا يعني “القدرة” على بناء أسلحة دمار شامل، ويعني أيضاً “الإمتناع” عن بناء مثل هذه الأسلحة راهناً. إي الإكتفاء بامتلاك “تكنولوجيا رادعة”،بدلاً من بناء “أسلحة رادعة”). في ما يتعلّق بالعراق: “حكومة ديمقراطية تامة الصفة التمثيلية” (أي حكومة تغلب فيها الأحزاب “الشيعية” القريبة من إيران)، ودعم أميركي لمطالبة إيران بتعويضات عن حرب صدام ضد العراق وإبعاد جماعة “مجاهدي خلق” من العراق. وأخيراً، وهذه نقطة مهمّة جداً: “الإعتراف بمصالح إيران الأمنية المشروعة في المنطقة وبحقّها في امتلاك قدرة دفاعية متناسبة مع هذه المصالح” (الخليج، والمنطقة العربية، وربما الجمهوريات السوفياتية السابقة). ويلاحظ أن الوثيقة تشير مجموعة عمل تناقس “نزع التسلّح”، ولكن هذه الإشارة تظل مبهمة.
ماذا تقدّم إيران للأميركيين؟ أولاً، شفافية ثامة للتحقّق من عدم تطوير أسلحة دمار شامل. ثانياً، “عمل حاسم ضد عناصر “القاعدة” الموجودين في إيران. ثالثاً، تنسيق النفوذ الإيراني في العراق مع الأميركيين. رابعاً، وقف دعم “حماس” و”الجهاد” وإقناعها بوقف العمليات ضد المدنيين داخل إسرائيل. رابعاً، “التأثير على حزب الله ليصبح مجرّد تنظيم سياسي” (أي، نزع سلاح حزب الله). خامساً، “قبول إعلان الجامعة العربية (المبادرة السعودية، سياسة الدولتين)”. وهذا القبول بـ”الحل السلمي” في فلسطين هو، كما لا يخفى، ضمانة أخرى لإسرائيل إلى جانب عدم إمتلاك أسلحة نووية. لا يرد ذكر لسوريا في الوثيقة.
*
ما قصة العرض؟
بعد أسابيع قليلة من غزو العراق في العام 2003، تلقّت واشنطن وثيقة مدهشة تضمّنها فاكس مرسل من سفير سويسرا في طهران. لم تحمل الوثيقة إسم الجهة التي أعدّتها، ولكنها عرضت شروط “صفقة كبرى”، تعادل معاهدة سلام بين الولايات المتحدة وإيران. وتضمّنت الوثيقة كل المواضيع: دعم إيران للإرهاب، وبرنامجها النووي، وحتى عداءها لإسرائيل. بالمقابل، طالبت الوثيقة بضمانات أمنية أميركية، وبوضع حدّ للعقوبات، وبتعهّد بعدم السعي لتغيير النظام الإيراني.
كان مغزى الوثيقة أن الإصلاحيين الإيرانيين كانوا يسعون مجدّداً للتواصل مع واشنطن، كما فعلوا بعد عملية 11 سبتمبر مباشرة. ولكن وزارة الخارجية الأميركية اعتبرت أن حكومة خاتمي ضعيفة سياسياً وأنها تقدم وعوداً تفوق قدراتها. كما أن البيت الأبيض، الذي كان يشعر بالنشوة بعد الإنتصار العسكري في العراق، لم يجد داعياً للتفاوض مع إيران. وهكذا ظلّ الفاكس الصادر من طهران بدون جواب.
*
من هي الجهة التي وضعت العرض الإيراني؟
يقول “فلينت ليفيريت” Flynt Leverett، الذي كان “مدير الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي” في 2002-2003، أن الخطاب المرفق عرض كيفية حصول سفير سويسرا على الوثيقة، وحدّد إسم المحاور الإيراني (نائب وزير الخارجية) ونقل عنه أن الوثيقة عُرِضَت في اجتماعات متعددة على كل مراكز القوى الأساسية في إيران- بما فيها المرشد الأعلى، والرئيس محمد خاتمي- وأنها وثيقة مخوّلة من جانب حكومة إيران.
*
ماذا كانت ردود الفعل الأميركية؟
“فلينت ليفريت” يقول أنه اعتبرها “عرضاً إستثنائياً، يوازي في أهميته العروض التي كان رئيس حكومة الصين، شو إن لاي، قد وجّهها عبر باكستان إلى واشنطن في 1971، والتي مهّدت الطريق لرحلة هنري كسينجر السرّية، ولاحقاً لرحلة ريتشارد نيكسون، إلى الصين. وكان رأيه أن الإيرانيين “يعرضون شيئاً لا يقلّ في أهمّيته التاريخية والإستراتيجية عن العرض الصيني”. ويضيف أن تاريخ ورود العرض كان التاريخ الأفضل من زاوية الولايات المتحدة. فأميركا كانت بلغت ذروة قوّتها في المنطقة، وإيران لم تكن بدأت بتشغيل آلات تخصيب اليورانيوم، وكان الرئيس هو محمد خاتمي وليس أحمد نجاد، ولم يكن العراق دخل في مرحلة تفكّك بعد. ويضيف أن التعاون مع إيران منذ ذلك التاريخ كان سيحول دون أسوأ ما حدث في العراق خلال السنوات الأربع الماضية.
*
لماذا لم تقبل الولايات المتحدة العرض الإيراني؟
حسب “فلينت ليفيريت”، فالسبب يعود إلى أن “مراكز قوى أساسية في الإدارة، وخصوصاً نائب الرئيس (ديك تشيني) ووزير الدفاع (رمسفيلد) وحتى الرئيس نفسه في نهاية المطاف، كانت ضد مثل هذا التعامل الديبلوماسي مع إيران”.
من جهته، يقول نائب وزير الخارجية السابق، ريتشارد أرميتاج (الذي ترك الخارجية بعد استقالة باويل) أن “إشارات أخرى وردت من إيران في نفس الفترة، خصوصا ًعبر قنوات إستخبارية على صلة بمسؤولي إستخبارات إيرانيين، ولم تكن تتضمّن ما ينسجم مع ما ورد في الفاكس الإيراني. وبناءً عليه، فلم نعطِ العرض الكثير من الأهمية”.
ولكنه يضيف: ” أنا، ووزير الخارجية باويل، كّنا مهتمّين جدّاً بالعرض.. وكانت وجهة نظرنا أن هنالك حاجة للحديث مع أعدائنا ربما أكثر منه مع أصدقائنا… ولكنني أعتقد أن غيرنا (يقصد تشيني ورامسفيلد) لم يبدِ نفس الإهتمام.”
باتريك كلوسون Patrick Clawson، نائب مدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، يقول أن الإيرانيين أخطأوا لأنهم لم يقوموا بجسّ النبض “حسب الطريقة المألوفة في الشرق الأوسط، أي كما فعل الرئيس السادات.. عبر أجهزة الإستخبارات، وأيضاً لأنهم استخدموا وسطاء غير جديرين بالثقة. فالإيراني الذي كتب الوثيقة تعرّض للعزل من منصبه بتهمة إقامة علاقات غير مصرّح بها مع الأميركيين”. وحول هذه النقطة، يضيف: “ربما كان مخوّلاً القيام بمثل هذه الإتصالات وقد تم تعيينه لاحقاً في منصب رفيع، ولكنه بالتأكيد كان شخصاً يمكن للأميركيين أن يزعموا أنهم لم يكلّفوه بشيء إذا شاؤوا..”.
“غاري سيك” Gary Sick، الذي كان يعمل في الشؤون الإيرانية في البيت الأبيض في إدارتي كارتر وبوش يتحدّث عن “سوء تفاهم متعمّد من الجانبين”. ويشرح أن “هنالك في الولايات المتحدة جماعات تصرّ لأسباب إيديولوجية على تغيير النظام في إيران وتشعر بأنه ليس هنالك ما ينبغي القيام به سوى الإطاحة بالنظام بطريقة أو بأخرى، إما بتشجيع الإنشقاقات والتمرّد أو بعملية عسكرية.. كما أن في إيران جماعات يهمّها بقاء الأوضاع على حالها وتخشى من أن يسفر أي تغيير عن إضعاف مركز ضمن النظام وعن التعرّض للفوائد المالية الهائلة التي تجنيها”.
بعد ذلك يؤكّد “غاري سيك” أن “الصفقة الكبرى” التي عرضتها إيران في العام 2003 كانت عرضاً جدّياً وفرصة تمّت إضاعتها، فيقول: “لقد تحدّثت إلى الأشخاص الذين حرّروا الوثيقة، وليس لدي شكّ في أنها كانت عبارة عن عرض متآنّي ودقيق، فقد تمّ تحرير الوثيقة مرّتين، ثم عُرِضَت على كل المسؤولين الرئيسيين في البلاد للحصول على موافقتهم عليها قبل إرسالها إلى الولايات المتحدة. أعني أن الإيرانيين تعاملوا مع الموضوع بجدّية بالغة”.
ويضيف: “هل كان ذلك العرض الإيراني يمثّل حلاً لكل المشكلات؟ كلا.. كان عرضاً أولياً فحواه هي “هذه هي المسائل التي نرغب في نقاشها جدياً معكم”، والواقع أن هذه المسائل كانت تشمل كل ما يهمّنا. هل يعني ذلك أن الإيرانيين كانوا مستعدين للتنازل في كل الأمور؟ كلا، ولكنهم أخذوا المبادرة.. في الجانب الأميركي، كنا منهمكين بغزو العراق، وكنا على ثقة بأننا لسنا بحاجة لإيران. كان العرض الإيراني، حتماً، واحداً من أهم الفرص الضائعة، ومن المؤكّد أنه كانت هنالك فرص ضائعة أخرى”!!
*
ماذا يقول الإيرانيون عن وثيقة “الصفقة الكبرى”؟
محمد علي أبطحي، نائب الرئيس خاتمي، يقول: “نشرت أنباء حول هذه الوثيقة في صحافة إيران، كذلك. لم تكن سرّاً، ولكنها لم تسفر عن نتيجة. وحينما انكشف الموضوع في إيران، كان ذلك موضوعاً لنزاع حول ما إذا كانت الوثيقة تحظى بموافقة كل مستويات الحكومة الإيرانية. وهذا ما يجعلني أتردّد في بحث هذا الموضوع. لأنه عندما خرجت القضية للعلن، فإن جوانب عدة منها لم تكن واضحة، ولم يكن واضحاً ما إذا كانت كل مستويات القيادة توافق عليها”.
حسين شريعتمداري (ممثل المرشد خامنئي في جريدة “كيهان”) يقول: “أيا كان الشخص الذي كتب تلك الرسالة فلم يكن من حقّه أن يفعل ذلك. مثل هذه القضايا تتسم بأهمية سياسية عليا، ولم يتم بحث مثل هذه المسألة في أعلى المستويات. أنا متأكد أن المرشد أو مجلس الأمن القومي لم يوافق عليها. بل إن لدينا شكوكاً في أن سفير سويسرا هو الذي كتب ذلك الفاكس، ولكننا لسنا متأكدين”.
أي أن الإصلاحي أبطحي والمتشدد شريعتمداري يتّفقان على “غموض” الموضوع، ولكنّ أياً منهما لا يشير إلى تحقيقات أو عقوبات بحقّ واضعي الرسالة!
*
ماذا يقول الإيرانيون الآن؟
ماذا كانت إيران تتوقّع مقابل تعاونها مع العملية الأميركية لإسقاط نظام طالبا، يقول محمد علي أبطحي:
– أقل ما كان يمكن أن نتوقّعه، في ذروة جهودنا لإجراء إصلاح حقيقي في إيران، هو ألا نوصم بأننا عضو في “محور الشر”. سياسياً، كان ذلك تصرّفاً غريباً. لقد ساعدنا في الإطاحة بالطالبان. وبدلاً من أن يفتح ذلك الباب لمزيد من التعاون فقد أطلقوا شعار “محور الشر”. كان ذلك أكبر خطأ سياسي واستراتيجي ارتكبه السيد بوش. والسبب الرئيسي لهذا الخطأ هو أن الأميركيين لا يفهمون الشرق الأوسط. وقد ثبت لنا صحّة إعتقادنا هذا حينما وقعت حرب العراق.. بعد العراق وأفغانستان، كان بوسع الأميركيين أن يعتمدوا منحى يتيح هزيمة الإرهاب في العالم. في منطقتنا…
“بالنسبة للعراق”كان أحد أكبر أخطاء الولايات المتحدة هي أنها ألمحت.. إلى أن الملفّ العراقي لن يكون الملفّ الأخير، في المنطقة وأن هنالك ملفّات أخرى ستوضع على الطاولة. وكان طبيعياً، في هذه الحالة، أن تبذل كل دول المنطقة أقصى جهودها للحؤول دون إيجاد حلّ للوضع العراقي، ولإبقا الملفّ العراقي مفتوحاً. وهذا ما دفع كل دول المنطقة للتدخّل في العراق… لقد لعبت السعودية دوراً في هذا المجال. وكان لسوريا دور خاص. وكان هنالك دور تركي. أما عن إيران فإنها لم تُتّهم بالتدخّل في شؤون العراق حتى فترة طويلة.. ولكن، ابتدأ فصل جديد بعد تدمير ضريح سامرّاء.
ويشدّد أبطحي على أن هدف إيران لم يكن محاربة أميركا في العراق بل إستخدام العراق “لإيجاد حلول وطرق لفتح حوار”، أي “إستخدام العراق لحل مشكلات إيران مع الولايات المتحدة”.
بالنسبة للعلاقات مع الولايات المتحدة:
“كان هنالك دائماً، وليس الآن فقط، عنصر داخلي في العلاقات الإيرانية الأميركية. وهذه العلاقات ليست مجرّد قضية قضايا السياسة الخارجية. كان مهمّاً لإيران، التي شهدت ثورة والتي ترغب في قيادة العالم الإسلامي، أن يكون لها عدو مهم مثل الولايات المتحدة. وهذا هو السبب في أن العديد من المبادرات التي طُرِحَت للتغلب على مشكلات العلاقات بين البلدين كانت تُواجه بعقبات عديدة: لأن هذه المبادرات تعرّض للخطر هدف وجود عدو مثل الولايات المتحدة.
من جهة أخرى، ثابر الأميركيون على القيام بأعمال إستفزازية ضد إيران، وخرقوا حقوق إيران. لعبت إستفزازات الولايات المتحدة دوراً، ولكن السياسات الداخلية الإيرانية كانت دائماً مؤثرة في العلاقات مع أميركا.”
توقعات أبطحي:
أولاً، لن تصل الأمور إلى مجابهة عسكرية بين إيران وأميركا، لأن الطرفين يخشيان العواقب، خصوصاً بعد العراق.
ثانياً، هنالك نقطة سلبية هي أن زعيمي البلدين يعتبران أنفسهما ليس كسياسيين بل كممثّلين للإرادة الإلهية، وهذا امر خطر جداً على العالم.
ثالثا، نظراً للمشكلات الداخلية في إيران وفي الولايات المتحدة، فإن علاقات البلدين لن تتحسّن في فترة قريبة. كلا الطرفين يشجّع ويستفيد من إنقطاع العلاقات مع الطرف الآخر.
الدين والسياسة:
ردّاً على سؤال: ما هي العلاقة التي ينبغي أن تقوم في إيران بين الله والسياسة؟
أبطحي: هذا سؤال صعب جداً، ويشمل جوانب متعددة. هنالك جواب عملي، وجواب فلسفي. لكن، من الواضح أن تسيير شؤون الحكومة يفرض إعتماد المنطق (أو “الحس السليم”) common wisdom، والتشاور، وإلتزام أنماط الحكم المعتمدة في أنحاء العالم. حسناً، نحن نعتبر أن هذا المنطق هو فضيلة يمنحها الله للبشر، وحينما نتمسّك بهذا المنطق، فأننا لا نبتعد عن طريق الله”.
*
محمد علي جعفري (2 أغسطس 2007):
هو نائب رئيس مجلس الأمن القومي وأحد كبار قادة “قوة القدس” المتهمة بتنسيق الهجمات ضد القوات الأميركية في العراق.
– أهداف إيران الإستراتيجية في العراق: أن لا يكون هنالك نظام معادي لإيران في بغداد. وهذا لأن بغداد كلّفت الجمهورية الإسلامية أرواحاً كثيرة وخسائر إقتصادية هائلة خلال فترة 23 عاماً الماضية. هذا كل ما تريده إيران.
يضيف: حدود إيران الأطول هي مع العراق. معظم العراقيون شيعة مثل إيران. الأكراد هم المجموعة الثانية بعد العرب في العراق من حيث الحجم، وهم من أصول إيرانية.
المنطقة العربية: يضم الشرق الأوسط شيعة وسنّة. طبيعي أن يكون الشيعة في السلطة حينما تكون هنالك أغلبية شيعية في أي بلد. هذه عملية طبيعية وديمقراطية. هذا ليس “صحوة شيعية”. والشيعة يعيشون في بلدان أخرى، مثل السعودية، والبحرين، والإمارات، ولبنان. وهم أغليبة في بعضها، وأقلية في البعض الآخر.
– العراق: الخطأ الأول الذي ارتكبه الأميركيون كان إحتلال العراق. الخطأ الثاني كان أنهم دعموا الأغلبية (الشيعية) أولاً ثم توقّفوا.. ليس واضحاً أية فئة من الشعب العراقي تدعمها أميركا الآن.
أفغانستان: في مؤتمر بون، في ديسمبر 2001، أثبتت إيران حسن نيّتها وبذلت جهودا ًشاقة للمساعدة في تنصيب حامد كرزاي رئيساً لأفغانستان.
السعودية: “لسوء الحظ، معظم دول المنطقة لا ترغب في قيام حكومة منتخبة من الشعب العراقي، لأنها هي نفسها غير معنية بعملية الإقتراع وبتدخّل الشعب في شؤون الدولة. وهذه مشكلة على صعيد المنطقة. السبب هو أن هذه الحكومات وصلت إلى السلطة إما عن طريق إنقلاب عسكري أو بقرارات اتخذتها الدول الكبرى بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. لم تشارك شعوب هذه البلدان في تشكيل حكوماتها.” ويضيف: “70 بالمئة من الإرهابيين الذين تم اعتقالهم في العراق جاءوا من السعودية. وأميركا تعترف الآن، بعد سنوات، بأننا لم نكن مسؤولين عن عملية الخُبَر”.
حامد رضا حاجي بابائي: عضو في البرلمان، ومن كبار المتشدّدين:
عن السعودية: أميركا تقول أن إيران ليست نظاماً ديمقراطياً.. ولكنها تدافع عن جارتنا، وهي مملكة، ولا يوجد فيها برلمان. إذا كانت الولايات المتحدة تؤيد الديمقراطية، فلماذا تصادق ذلك البلد؟
حسين شريعتمداري (ممثل خامنئي في جريدة “كيهان”):
السعودية: أنا شخصيا يسعدني أن تبيع أميركا أسلحة للسعودية ولمصر، لأن هذه الأسلحة لن تصل لهاتين الدولتين في نهاية المطاف. ليس مهماً من يبيع السلاح ومن يشتريه. المهم هو من يستخدمه… إذا وقعت حرب، فستنتهي هذه الأسلحة حتماً في أيدي الإسلاميين.
– هل تعني أنه سيكون هنالك تغيير في حكومة السعودية
* وفي فترة قريبة جداً… في عالم اليوم وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، من يقبل في العالم أن تتمتع عائلة واحدة بالسيطرة على كل شيء؟ من قال أنه يحق للعائلة السعودية أن تسيطر عل كل شيء؟
الوثيقة الكاملة: العرض الإيراني الذي تم إرساله للولايات المتحدة بواسطة سفير سويسرا في طهران في العام 2003
الأهداف الإيرانية:
(تقبل الولايات المتحدة حواراً يقوم على “الإحترام المتبادل” وتوافق على أن تضع إيران الأهداف التالية على جدول الأعمال:
* وقف السلوك الأميركي العدائي وتصحيح وضعية إيران في الولايات المتحدة:
(التدخل في العلاقات الداخلية أو الخارجية، “محور الشر”، قائمة الإرهاب.)
* إبطال كل العقوبات: العقوبات التجارية، الأصول المجمّدة، الأحكام (بموجب “قانون الحصانات السيادية الأجنبية FSIA )، العراقيل في التجارة الدولية وفي المؤسسات المالية.
* العراق: حكومة ديمقراطية تامّة الصفة التمثيلية في العراق، وتـأييد الدعاوى الإيرانية بخصوص الحصول على تعويضات حرب من العراقن واحترام مصالح إيران الوطنية في العراق والصلات الدينية مع النجف وكربلاء.
* حق امتلاك التكنولوجيا النووية والبيولوجية والكيميائية السلمية بدون قيود.
* الإعتراف بمصالح إيران الأمنية المشروعة في المنطقة (وبحق إيران في امتلاك) قدرة دفاعية متناسبة مع هذه المصالح.
* الإرهاب: ملاحقة الإرهابيين المناوئين لإيران، وبالدرجة الأولى منظمة “مجاهدي خلق” ومساندة هدف إبعاد أعضائها من العراق، والقيام بعمل حاسم ضد كل الإرهابيين المناوئين لإيران، وخصوصاً منظمة “مجاهدي خلق” والمنظمات التابعة لها في الولايات المتحدة.
الأهداف الأميركية: (تقبل إيران حواراً يقوم على “الإحترام المتبادل” وتوافق على أن تضع الولايات المتحدة الأهداف التالية على جدول الأعمال)
* أسلحة الدمار الشامل: الشفافية التامة للتحقّق من عدم قيام أية هيئة إيرانية بجهود لتطوير أو لامتلاك أسلحة دمار شامل، والتعاون الكامل مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” إستناداً إلى إقرار إيران لكل الأدوات المناسبة لهذا الغرض (93+2 وكل بروتوكولات الوكالة الأخرى).
* الإرهاب: عمل حاسم ضد أي إرهابيين (“القاعدة” بالدرجة الأولى) موجودين ضمن أراضي إيران، وتعاون كامل، وتبادل كل المعلومات المتعلقة بالإرهاب.
* العراق: تنسيق النفوذ الإيراني مع النشاط الهادف إلى تحقيق الإستقرار السياسي وإلى إقامة مؤسسات ديمقراطية وحكومة غير دينية.
* الشرق الأوسط:
1) وقف أي دعم مادي لجماعات المعارضة الفلسطينية (حماس، والجهاد، إلخ) من أراضي إيران، والضغط على هذه المنظمات لوقف عملياتها العسكرية ضد المدنيين ضمن حدود 1967.
2) التأثير على حزب الله ليصبح مجرّد تنظيم سياسي داخل لبنان
3) قبول إعلان الجامعة العربية (المبادرة السعودية، سياسة الدولتين)
الخطوات التنفيذية:
1- الإبلاغ عن موافقة الفريقين على منهج العمل التالي
2- إعلان متزامن من الفريقين “كنا دائماً على إستعداد لإجراء محادثات مباشرة ومخوّلة مع الولايات المتحدة/ مع إيران بنيّة حسنة وبهدف إجراء نقاش – وفقاً لمبدأ “الإحترام المتبادل”- لمصالحنا وهمومنا المتبادلة إستناداً إلى مزاياها وإلى الوقائع الموضوعية، ولكن موقفنا كان على الدوام واضحاً ومفاده أنه، لكي تنعقد مثل هذه المحادثات، فلا بدّ أن يكون ممكناً تحقيق تقدّم حقيقي بانجاه إيجاد حلّ لاهتمامنا”.
3- سيُقعد إجتماع مباشر أوّل على المستوى المناسب (في باريس، مثلا) بناءً على الأهداف المتّفق عليها مسقاً.
أ- حول قرار يتعلّق بالخطوات المتبادلة الأولى
* العراق: إنشاء مجموعة مشتركة، دعم إيراني نشط لتثبت إستقرار العراق، إلتزام أميركي بدعم دعاوى إيران للحصول على تعويضات حرب في إطار النقاشات حول ديون العراق الخارجية.
* الإرهاب: إلتزام أميركي بنزع سلاح “مجاهدي خلق” وإبعادهم من العراق واتخاذ إجراءات تنسجم مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 ضد قيادتها. إلتزام إيراني بتعزيز العمل ضد أعضاء “القاعدة” في إيران، واتفاق حول التعاون وتبادل المعلومات.
* بيان إيراني عام “بتأييد حلّ سلمي في الشرق الأوسط يشارك فيه الفرقاء المعنيون”
* بيان أميركي عام بأن “إيران ليست ضمن محور الشر”
* موافقة الولايات المتحدة على إزالة العراقيل ضد إيران في المؤسسات المالية والتجارية الدولية.
ب- حول إنشاء ثلات مجموعات عمل متوازية حول نزع التسلّح، والأمن الإقليمي، والتعاون الإقتصادي. أهدافها هي الإتفاق على ثلاث خرائط طريق متوازية، وفي ما يتعلق بنقاشات مجموعات العمل هذه فإن كل واحد من الفريقين يوافق على أن أهداف الفريق الأخر (كما وردت أعلاه) ستدرج ضمن جدول الأعمال:
1) نزع السلاح: خريطة طريق، تشمل الأهداف التي تتضمن، من جهة، الشفافية التامة إزاء الإلتزامات الدولية وضمانات بالإمتناع عن أسلحة الدمار الشامل مع، من جهة أخرى، حق الحصول بدون قيود على التكنولوجيا الغربية (في هذه الميادين).
2) الإرهاب والأمن الإقليمي: خريطة طريق للأهداف المذكورة أعلاه في ما يتعلق بالشرق الأوسط والإرهاب.
3) التعاون الإقتصادي: خريطة طريق لإبطال العقوبات، وإلغاء الأحكام القضائية، ورفع التجميد عن الأصول.
ت- حول الإتفاق على جدول زمني للتنفيذ
ث- وحول بيان علني يصدر بعد انتهاء هذا الإجتماع الأول.
بيار عقل