في أيام السعد والرخاء كان الشاعر يقول:
تكاثرت الظباء علي خراش فما يدري خراش ما يصيد
أما في عهد البؤس والتعاسة والشقاء فإن البلاوي تتوالى وتنزل كالقضاء المستعجل على الكاتب المسكين فلا يدري عن أي بلوى يكتب، وأين يجد الجريدة التي تتسع صفحاتها، وهي تملأ كتابًا.
* * *
أكتب عن التعذيب، وصمة العصر، الذي أدمنته حفنة منحرفة من ضباط البوليس، وأشير إلى ما جاء عن «العمرانية» سبعة قتلى خلال ست سنوات و ٢٠ عذبوا بينهم طفل سنه ٣ سنوات ركلوه في عضوه التناسلي، التعذيب بالكرابيج والصعق بالكهرباء والتعليق من الأيدي والأرجل، وانتهاك حرمة المنازل والتصفية الجسدية.. الخ، «القتل» على طريقة الإلقاء من الأدوار العليا جريمة متكررة في القسم، والدليل سباك العمرانية والمواطنة رضا أحمد.
وجاء بالدستور في (٢٧/١٠/٢٠٠٧م) تحت مانشيت: «حركة مصريون ضد التعذيب»، تضع قائمة سوداء لضباط الشرطة والمخبرين مرتكبي جرائم التعذيب وهم: ضابط بقسم شرطة مينا البصل بسبب تعذيبه لأسرة بأكملها والتحرش الجنسي بإحدى سيدات الأسرة. وثلاثة مخبرين بقسم شرطة الدخيلة لتعذيبهم مواطناً دون وجه حق.
ولواء وثلاثة ضباط بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات بمديرية أمن الإسكندرية لتعذيبهم أسرة بأكملها والتحرش بإحدى السيدات أكثر من مرة والقبض عليها هي وأولادها والاعتداء عليهم بالضرب المبرح، وهتك عرض أحد المواطنين. وضابط في قسم شرطة إمبابة لاستخدامه القسوة ضد أحد المواطنين وتصويره بالهاتف المحمول.
وضابط بمركز كفر الدوار لإلقائه القبض على إحدى السيدات وإجبارها على الإرشاد عن ابنها المتهم في إحدى القضايا وتعذيبها بشكل وحشي وضربها بالأيدي والأقدام وجلدها بالسوط بعد اغتصابها. وضابط بمركز كفر الدوار لنفس الواقعة. وضابط بقسم شرطة البساتين لتعذيبه سيدة وتهديدها هي وابنتها بالاغتصاب.
وضابط بقسم أول الزقازيق لتعذيبه أسرة بأكملها وإتلاف محتويات منزلهم مجاملة لأحد أطراف إحدى القضايا. ومقدم بقسم شرطة الشرابية لتعذيبه مواطنين اثنين والاعتداء علي أحد المحامين وإلقائه من شرفة القسم. وضابطان ومخبر لتعذيبهم مواطناً ثم إشعال النار فيه، وضابط بمركز شرطة المنصورة لوفاة مواطن نتيجة تعرضه للتعذيب المبرح منه، وضابط بقسم شرطة مركز الإسماعيلية لتعذيبه مواطناً،
وضابط بمباحث مديرية أمن القليوبية بقسم الترحيلات لتعذيبه مواطناً بالضرب بالأيدي على الوجه وفي مناطق متفرقة من الجسم رغم معاناته من إصابة بعجز نسبته ٩٠ % بالساقين، وضابط بكمين شرطة أمام شارع البنوك بشرم الشيخ بسبب تعديه مع أربعة من معاونيه بالسب والقذف والضرب لمواطن، وضابطان بقسم شرطة الزقازيق لتعذيبهما مواطناً ونجله، وضابط بقسم شرطة مينا البصل لتعذيبه مواطناً والجارية محاكمته الآن في محكمة محرم بك لتعذيبه مواطناً وسحله في القسم وتجريده من كامل ملابسه.
المثير في هذه القائمة أن عدد النساء من زوجات أو أمهات أو أخوات المطلوبين يفوق عدد المطلوبين، وأن أنوثتهن لم تشفع لهن، فضلاً عن براءتهن الأصلية، وأن فنون التعذيب التي ألحقت بهن تنم عن فقد الحياء والفضيلة والإحساس.
وجاء في الدستور (١٢/١١/٢٠٠٧م) أن سائق الشرطة المتهم بقتل فتاة المطرية قال للنيابة: «الضابط أمرني بالتحرك بسرعة»، وقال: «دوس اللي يقف في طريقك»، «وأنا لا أستطيع تكسير أوامره»، وأكد بعض الشهود أن الضابط سب ووبخ السائق، وأن أحد الأمناء المصاحبين له ضرب السائق بظهر الطبنجة على رأسه مما دفع السائق للتحرك بسرعة والفتاة واقفة أمامه على «اكصدام» السيارة وممسكة بـ «المراية والمساحة» وأن السيارة ظلت تدهس الفتاة طول الشارع وهي ممسكة بـ «الاكصدام» حتي لفظت أنفاسها بعد أن مزقتها عجلات السيارة، وقال شاهد آخر إن الضابط ظل يصرخ ويطلب من السائق الاستمرار في السير رغم وجود الفتاة أسفل السيارة.
وبالإضافة إلى الوحشية وتعمد القتل، في هذه القضية فقد اتهم بلاغ من لجنة الحريات بنقابة المحامين نائب مأمور قسم المطرية بالافتئات على حق النيابة في التحقيق إذ تولاه هو قاصدًا تغيير وجه الرأي فيها واتهام السائق بالقتل الخطأ، كما طالب بالتحقيق مع رائد القسم بشأن المعلومات الكاذبة التي أوردها بالمحضر، وطالب البلاغ بحماية أسرة المجني عليها.
وفي المصري اليوم (١٩/١١/٢٠٠٧م) أن الشرطة حاولت حمل ثلاثة مساجين على الاعتراف بأنهم أصابوا قتيل العمرانية أحمد صابر بكدمات وأنهم وضعوا رأسه في داخل صندوق قمامة مما أدى إلى وفاته ولكن هؤلاء الثلاثة كشفوا السر وأكدوا مسئولية الضباط عن قتل صابر.
وقالت جريدة المصري اليوم في (١٢/١١/٢٠٠٧م) «قضية عماد الكبير تتكرر في القليوبية»، مسجل خطر يتهم ضابطاً ومخبرين بهتك عرضه وتعذيبه، وتقرير الطب الشرعي يؤكد أن الاعتداء تم بشومة وحزام وأظافر.
وأخيرًا جاء في البديل (١٥/١١/٢٠٠٧م) «نقل مدير أمن كفر الشيخ ونائبه ومدير المباحث» أمر حبيب العادلي وزير الداخلية بنقل مدير أمن كفر الشيخ اللواء عبد الله الفرماوي إلى قطاع التخطيط والبحوث وتعيين اللواء محمد الفخراني مديرًا للأمن بدلاً منه، كما أمر بنقل نائب مدير الأمن اللواء مرسى عياد وتعيين اللواء محمود محمد أحمد بدلاً منه، وكذلك نقل مدير مباحث كفر الشيخ العميد رضا الصايم وتعيين العميد حسام الصيرفي بدلاً منه، وذلك بعد أن أشارت التحقيقات الأولية التي يجريها قطاع التفتيش بالوزارة إلى تقاعس وتقصير كل القيادات الأمنية الثلاثة في مساءلة مرؤوسيهم ومتابعة أعمالهم مما شجعهم على التجاوز وارتكاب مخالفات للقيم والتقاليد ورسالة الشرطة ودور ضباطها وأفرادها في صون وحماية أبناء الشعب.
وقد كشف مصدر خاص لــ«البديل» أن هذا القرار المفاجئ لوزير الداخلية جاء بعد قيام أحد ضباط مباحث كفر الشيخ بإجبار طفلين قاصرين من الأحداث على ممارسة الشذوذ علناً أمام باقي المساجين وعلى مرأى من الضباط وأمناء الشرطة فضلاً عن قيام البعض بتصويرهما بكاميرات التليفون المحمول.
إن هذا البلاء الذي أصاب عددًا من الضباط بالسادية بحيث يجبرون أحداثاً على ممارسة الشذوذ علناً، وأمام باقي المساجين، وعلى مرأى من الضباط وأمناء الشرطة، فضلاً عن تصويرهم، ليؤكد أن هذا الداء الوبيل قد سيطر تمامًا على هؤلاء الضباط، ولم يعد كافيا أن ينقلوا إلى وظائف إدارية، وكان يجب أن يرفتوا من الخدمة وأن ينالوا عقابهم الجنائي بما يحقق العدالة حتى لا يصيبوا بقية الضباط بهذه الانحرافات النفسية.
لقد استبشرت دوائر حقوق الإنسان بالحكم على الضابط إسلام نبيه بالسجن ثلاث سنوات، ولا جدال في أنها سابقة حسنة، وإن كنا نؤمن بأن هذه الحالات تتطلب حكمًا يتناسب ــ أو حتى يتقارب ــ مع جريمة التعذيب المنكرة التي هي أشد بشاعة من أي جريمة أخرى، فضلاً عن أنها أدت إلى الموت، فهل عقاب الذي يؤدي تعذيبه إلى موت إنسان يكون أقل من عذاب القاتل المتعمد الذي يكون عادة الإعدام أو السجن المؤبد.
* * *
أكتب عن المفتي وما أصدره أخيرًا عن التعساء الذين هاجروا، وقد أمر القرآن الذين يتعرضون لحكم الظالمين أن يهاجروا، «أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا» (النساء: ٩٧)، ولم يقبل منهم أن يكونوا مستضعفين، ولم يكتف المفتي بأن يرفض أن يكونوا شهداء، بل قذفهم بأنهم «طماعين» لأن الواحد منهم تحصل على ٢٥ ألف جنيه، وقد أدانهم خلال حديثه، يأتي الواحد منهم يطلب عملاً فيسأله «تعرف تسوق»: لا، بتعرف لغة: لا، بتعرف كمبيوتر: لا.. طيب بتعرف أي حاجة في أي حاجة: لا، طيب أشغلك إيه؟، فهل فات فضيلة المفتي أن هذا الجهل ليس ذنبهم، ولكن ذنب التعليم الذي اهتم بأن يحشي فكرهم بمعلومات وتاريخ مزيف ولا يعلمهم المهارات!!، فهم «شهداء عقم التعليم»، وهل من معه ٢٥ ألف جنيه يستطيع أن يؤسس مشروعًا في عالم يترصد فيه الهلابون بكل قرش؟، إنه لا يستطيع أن يقيم «كشك».. ألف مانع قانوني وروتيني يمنعه، ولو أقامه لجاءت البلدية واقتلعته، في عالم الرشوة والنهب والفوضي لا أمان لشيء، فهلا قلت يا فضيلة المفتي إنهم شهداء التعليم العقيم، وأنهم أرادوا الفرار من عالم النهب والسلب والرشوة والقبض العشوائي، فلا أمان ولا استقرار، فهم في الحقيقة شهداء النظام والفساد، ولو قلت ذلك لأبرأت ذمتك، وربما نبهت غافلاً.
وأغرب، وأشد نكرًا، فتوى المفتي عن الذي يتسلق عربة أو يقف أمامها فتدهسه أنه ليس ضحية، ولكنه جبان، ويمكن للسائق القاتل أن يطالب بالتعويض من القتيل، ووقائع الحالة أن فتاة تعلقت بسيارة البوليس لتمنع القبض علي قريبة لها وبدلاً من أن يقف السائق ويهدئ السرعة، قام بزيادة السرعة مع الانحراف الحاد لتسقط الفتاة تحت العجلات وتلقي مصرعها، اعتبر المفتي أن الفتاة تعمدت الانتحار، وقد صدرت هذه الفتوي بسرعة، وفي أعقاب مقتل فتاة المطرية التي تنطبق عليها هذه الحالة.
نقول «لا فض فوك» يا فضيلة المفتي، لو علم بفتواك قائد الجرار الإسرائيلي الذي دهس الفدائية الأمريكية راشيل كوري التي جاءت من أمريكا لتشارك الفلسطينيين كفاحهم ووقفت في طريق الجرار حتي لا يهدم بيتاً، معتقدة أن الإجرام والوحشية لن يصلا بسائقها إلي أن يدهسها، ولم تخف أو تتردد حتى مزقها الجرار إلى أشلاء، نقول طبقاً لفتوى المفتي إن من حق السائق الذي دهسها أن يرفع قضية على أهلها ليطالب بتعويض!!!
إن هذه الفتاوى، وما سبقها، وما لحقها، إنما تعرض «أزمة الفتوى»، فالذين يفتون يعتمدون على فقه سلفي ويطبقون حد من يقذف «الغافلات المحصنات» على من يثير الشائعات على الحكومة، ومن يتعمد الانتحار على من يتصدى لباطل فيقتل.
***
أكتب عن مشروعنا النووي الذي ظهر أنه «فرقعة» ذكرتنا بفرقعة «أحمد سعيد وطائراته التي أسقطها جيشنا الهمام وهو في طريقه إلى تل أبيب»، فصدع بها الابن وجاء الأب ليعلنها مدوية، كأنما تحقق الإنجاز في حين أن الألفاظ – والسياق الذي جاءت به – تنم عن استخزاء، وتوحي بطريق طويل وإجراءات معقدة، ولم تشر إلى أن المكان الذي سيقوم عليه المشروع جاهز، وهو «الضبعة».
إن كل من يعرف حرفاً في هذا المجال يعلم أننا إذا تركنا الضبعة فسيكون علينا أن نمضي ثماني أو عشر سنوات للبحث عن بديل، ثم إعداده، وستكون التكلفة عندئذ أضعاف التكلفة، فعدم ذكر الضبعة دليل لا يدحض على أن العملية كلها دعاية، كلها تخدير، كلها تزييف، ككل بيانات الحزب الوطني، ولو كانت حقاً لما تردد في أن يقول «إننا سنبدأ فورًا، أمامنا المكان المعد، ولدينا العلماء، وسنوفر التمويل، ولو من لقمة العيش»، لو قال هذا لصدقه الناس ولاعتبروا ذلك عملاً يستحق الشكر عليه.
ولكن كيف يمكن للمشروع أن يقوم ونحن نفضل أن تكون الضبعة «كباريه» بدلاً من أن تكون قاعدة لمشروع نووي عظيم، إن ساستنا هم أكبر دليل على أنه لا يهم القائمين إلا أنفسهم، أما ما بعد ذلك فليأت الطوفان، وليأت الوقت الذي يكون علينا أن نشتري فيه البترول بأغلى الأثمان.
وقد يدل على أن الحكومة هازلة فيما قالت، أننا قرأنا حديثاً في المصري اليوم (١٣/١١/٢٠٠٧م) عن استخراج الطاقة من الطاقة الشمسية، وأن مصر يمكن أن تصدرها إلى أوروبا! وأن الطاقة النووية لا تصدر وتكلفتها مرتفعة، أما الشمسية فإنها رخيصة وقليلة المخاطر، وأنا أعتبر هذا نوعًا من بالون اختبار أو هو مقدمة للانسحاب من كلام لم يمض عليه يومان!!!
إذا كانت عواقب هذه السياسة الجاهلة، الغبية، الشريرة لن تطول الأب، فهل فات الأب الحريص على التوريث أنها ستدرك ابنه وستجعله يتحمل أوزار عهد أبيه وعهده الذي سيكون أسوأ من عهد أبيه، من يخلصه من غضب الجماهير في الدنيا وغضب الله في الآخرة.
لقد فتحت لنا المصري اليوم صفحاتها لأن نناشد المسئولين في أربع مقالات متتالية تحت العناوين «خيانة.. خيانة.. خيانة»، «الضبعة.. الضبعة.. الضبعة»، «أدركوا الضبعة قبل أن تتحول إلى كباريه» حتي آمنا ألا حياة لمن تنادي، وأن المسئولين يفضلون بكل بجاحة أن تكون الضبعة «كباريه» في أحد منتجعات سيدي عبد الرحمن على أن تكون قاعدة لمشروع يمد مصر بالطاقة النووية ويؤمنها من أن تشتري البترول بأغلى الأسعار، فختمنا المقالات الثلاث برابعة «يحيا المستثمرون.. ويسقط الوطنيون»، وفيما أرى فإن هذا هو شعار الحكومة.
المصري اليوم
أكتب عن إيه.. ولا إيه..!
متى نتعلم و تكون لنا قيمة انسانية تحفظنا من الإحتقار والظلم؟