(الصورة الاخيرة للرئيس رفيق الحريري خارجاً من البرلمان، قبل دقائق من إغتياله)
منذ ألف يوم ظن القتلة أن اللبنانيين سيوافونك إلى آخر مواعيدهم معك، مكتفين بإضافة اسمك على لائحة شهدائهم الطويلة ومن ثم يستسلمون لذل الوصاية ويسلمون قدرهم لاعتباطية مجرم قصر المهاجرين وتبعية مغتصب قصر بعبدا. غير انه، ومنذ ألف يوم، يتجدد الموعد معك كل يوم.
كنت معنا يوم أسقطنا حكومة الإذعان ومحرري التقارير. كنت معنا في ساحة الحرية شامخا كعادتك معتزا بشباب لبنان ونسوته ورجاله وكهوله، يتقاطرون صوبك بمئات الآلاف و يهمسون لك: بعد اليوم لا تقلق على لبنان. خذ قسطك من الراحة واتكل على اللبنانيين. كنت معنا يوم عانقنا بالورود إخوتنا و أبناءنا في الجيش اللبناني، فقابلونا بالابتسامة و رفضوا الخضوع لأوامر الاحتلال والدخول في مواجهة مع أبناء وطنهم. كنت معنا في 14 آذار يوم وافيناك، وكنا أكثر من نصف الشعب اللبناني، لنطالب بالحقيقة و العدالة ولنصرخ في وجه النظام السوري: ارحل عنا مع مخابراتك وعسكرك. كنت معنا تراقب ذعر هذا النظام و تشهد على حلول ذلك اليوم، الذي طالما انتظرناه، عندما انزاحت عن كواهلنا أثقال الوصاية ومذلاتها. كنت معنا يوم صرنا نتنشق هواء الحرية و عندما أقمنا عرسا متنقلا للديمقراطية في أرجاء الوطن ونال سياديو لبنان الأكثرية في مجلس النواب. كنت معنا يوم وقف المجتمع الدولي الى جانبنا وشكل لجنة التحقيق في اغتيالك وعندما بدأت بعملها الشاق والطويل على درب الحقيقة لانتزاع ما تبقى للنظام السوري من أنياب أمنية داخل مؤسساتنا عبر المحكمة الدولية، التي لا بد لها من أن تشرع قريبا في إنصافنا.
نعرف أن فرحتك لم تكتمل، والخيبة كبيرة، فالذين لم تدخر جهدا لدعمهم و تغطيتهم بشبكة من الحماية السياسية الدولية، يجاهرون بشكر قتلتك، والذي كان يفاخر بصداقتك، يقفل أبواب مجلس النواب في وجه ممثلي الأمة لمنع التصديق على إنشاء المحكمة الدولية لمحاسبة مجرمي العصر، في حين استدعى التفرد والاستخفاف بالوطن عدوانا إسرائيليا قاتلا ومدمرا، أجهز على الكثير مما أنجزت و كاد أن يعيدنا إلى السنوات السود التي جاهدت لإخراجنا من مآسيها.
منذ إلف يوم تنكشف، أمام اللبنانيين والعرب والعالم، حقائق كانت تسترها الأجهزة و الإعلام الموجه. تعرّى، أمام أعين من انخدع طويلا ببريق الشعارات الفارغة، ذلك النظام القبلي المتخلف الذي انغلق عن قيم العصر وتمادى في ممارسة أسوأ ما تركته العصور البائدة. فخنق الحريات ورفع سيف القمع واستعدى الفكر وكرس طقوس عبادة الشخص. منذ ألف يوم، يفتضح أمر هذا النظام الذي يرفع كاذبا شعار الأخوة، فيما هو يتلذذ في طعنها. هكذا وبالتستر طويلا خلف هذا الشعار حاول النظام السوري الانقضاض على اللبنانيين و سلب ثرواتهم و زرع الفتن فيما بينهم والمتاجرة بدمائهم والاختباء وراء تضحياتهم ومنع الأصدقاء عنهم، تمهيدا لإحلال نموذجه البائد عليهم والإطباق النهائي على مصيرهم. وهو لم يرتدع بعد عن مواصلة هذه المحاولات، فمنذ ألف يوم يمارس يستمر في ممارسة شروره على الأقل بوجهه البشع المكشوف.
منذ ألف يوم، يتضح لنا مدى ارتباط وجود هذا النظام بإرادة إسرائيل الفعلية، رغم ادعاءات المواجهة الوهمية باسم المبادئ القومية التي تخلى عنها منذ زمن طويل فيما هو يمارس المؤامرات والعدوان الفعلي على أحرار بلاده، خانقا كل أمل في استنهاض طاقات شعبه و تطويرها. أما في لبنان فيترجم هذا النظام مواجهة العدو عبر الاستقواء على اللبنانيين وممارسة الإرهاب الأعمى ضد قادتهم و مفكريهم وضد كل من عمل بحق في سبيل منح لبنان والعرب أسباب القوة الحقيقية وأدوات المواجهة الفعالة.
منذ الف يوم و تنفضح اكثر فاكثر مكائد هذا النظام و مؤامراته في التقاط كل الفرص للمتاجرة بقضايا العرب، فنراه يؤجج الفتن في هذا البلد و ينشر الرعب في ذاك و لا يجد سبيلا لخدمة القضية الفلسطينية سوى تشجيع الشعب الفلسطيني على الانقسام و الاستغلال المتواصل لمآسيه.
منذ ألف يوم، تعددت مناسبات لقائنا بك. لكننا نعترف أن ما انجزناه حتى الآن لا يزال دون طموحاتك و لا يرقى لما عملت في سبيله، الاستقلال لم يُحصّن؛ سنواصل حمايته. السيادة لم تنجز؛ سنعمل على استكمالها. الاستقرار لم يستتب؛ سنحول لبنان إلى واحة أمان، متسلحين بالحرية والفكر والطموح والعزم والانفتاح والتسامح، سنجعل لبنان مختبرا للتجارب الإنسانية الرائدة، وطن الطاقات المتفجرة والمبدعة، ليأخذ موقعه في قلب هذا العصر ويقدم للعالم المزيد من المساهمات الحضارية.
كما ترى كنت معنا يا أبا بهاء في كل محطة و ما زال بيننا آلاف الايام.
العدالة لك و لرفاقك شهداء انتفاضة الاستقلال. دماؤك فتحت لنا دروب الاستقلال والمستقبل…سنستمر في السير عليها وسننتصر.