باريس تختبر جدية سورية عبر حلفائها وروسيا تنضم الى الضغوط عليها لتفادي الفراغ
بيروت – وليد شقير الحياة
مدّدت الجهود الدولية والعربية الضاغطة من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية وتفادي الفراغ في الرئاسة، محاولات إخراج لبنان من عين العاصفة، حتى 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، تاريخ الجلسة النيابية التي دعا اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بعد توافقه مع زعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري في اجتماعهما ليل أول من أمس على تأجيل الجلسة التي كانت مقررة غداً الاثنين، إفساحاً في المجال أمام مساعي التوصل الى توافق عبر الآلية التي سعت اليها الرئاسة الفرنسية لدى دمشق والفرقاء اللبنانيين والقاضية بصدور لائحة مرشحين توافقيين عن البطريرك الماروني نصر الله صفير يتم اختيار اثنين أو واحد منهم لانتخابه في الجلسة المقبلة التي جاء موعدها قبل 48 ساعة من انتهاء ولاية الرئيس الحالي الممددة ولايته اميل لحود.
وجاء هذا التمديد – التأجيل نتيجة طبيعية للجهود المدعومة دولياً وعربياً التي تقودها فرنسا، غداة مهمة موفدي الرئيس نيكولا ساركوزي، الذين تقدمهم الأمين العام للرئاسة كلود غيان، أول من أمس وأفضت الى مخارج موقتة لمطالبة الفرقاء المعنيين بترجمة تنفيذ آلية اختيار الرئيس العتيد.
وفيما رأت مصادر سياسية شاركت في اللقاءات مع الوفد الفرنسي ومصادر أخرى ان باريس سعت عبر الوفد الى التأكد من التزام دمشق بالآلية عبر حلفائها في لبنان وخصوصاً موقف الرئيس بري.
وفي حين لم يتمكن الوفد الفرنسي من الحصول على ضمانة التزام بري بأن صدور لائحة مرشحين توافقيين عن صفير سيقابله نزوله وكتلته ونواب المعارضة الى البرلمان لانتخاب رئيس جديد، ولم يحصل على تعهد من صفير بإصدار لائحة المرشحين كي يختار منها بري والحريري مرشحاً أو مرشحين لانتخاب الرئيس في البرلمان، قبل حصوله على ضمانة حصول الانتخاب، فقد لجأ الى فكرة صدور بيان عن بري يعلن اتفاقه والحريري على «التمني» على صفير «ان يجمع القادة الموارنة الأساسيين لوضع لائحة أسماء مرشحين توافقيين للرئاسة… ونحن ندعم بقوة هذه المبادرة لنتمكن جميعاً من اختيار رئيس توافقي من بينها».
وإذ استعيض عن طلب صفير وفرنسا الضمانة من بري بحصول جلسة الانتخاب وانعقادها بهذه المناشدة المشتركة من رئيس البرلمان والحريري للبطريرك، علمت «الحياة» ان غيان طرح الفكرة قبل مغادرته وأخذ موافقة صفير عليها في اجتماعه الثاني معه مساء أول من أمس، وقبول كل من بري والحريري بها، على أن تساعد في إطلاق مبادرة البطريركية المارونية.
«لنلتزم ولنتمكن»
ورأت مصادر معنية ببيان بري هذا الذي جاء بعد إعلانه تأجيل جلسة الغد، انه محطة من محطات خريطة الطريق الفرنسية التي وضعت نتيجة المباحثات الفرنسية – السورية، وأن تنفيذ البيان سيكون موضوع اختبار في الأيام الفاصلة عن جلسة 21 الجاري. وقالت المصادر ان الحريري اتصل بعد صدور البيان عن بري بالأخير وأبلغه انه كان يفترض اعتماد كلمة «لنلتزم جميعاً باختيار رئيس…» بدلاً من عبارة «لنتمكن» التي استخدمها بري وان الالتزام أقوى لكن بري أبلغه ان كلمة لنتمكن المقصود بها التزام باختيار الرئيس خصوصاً ان البيان ينص على دعم قوي لصفير. وجاء اتصال الحريري هذا بعد ان كان البحث جرى بين الجانبين بوجوب التأكيد لصفير نية الالتزام بمبادرته، بناء لطلب الجانب الفرنسي.
وذكرت مصادر ديبلوماسية لـ «الحياة» انه يفترض ان يؤدي البيان الى تشجيع صفير على إطلاق آلية تسمية مرشحين توافقيين، إلا أنه لم يعرف ما اذا كان البطريرك سيدعو الأقطاب المسيحيين الى اجتماع أم انه سيتشاور معهم إفرادياً. وأوضحت من جهة ثانية ان صدور البيان والتحركات التي ستليه خلال الأيام المقبلة ستظهر ما اذا كان تصرف بري سيشكل دليلاً الى استجابة دمشق العملية كما وعدت به الجانب الفرنسي، وسط توقع تعاظم الضغوط الدولية خلال هذا الاسبوع لضمان الانتخابات الرئاسية في موعدها. وأكدت المصادر ان مجيء وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الى بيروت الثلثاء يندرج في هذا السياق ولتجديد محاولة الحصول على التزام من المعارضة بعقد الجلسة الانتخابية وتأمين نصاب الثلثين اذا اصدر صفير لائحة المرشحين التوافقيين.
تدخل روسي
وقالت مصادر ديبلوماسية لـ «الحياة» إن الضغوط شملت في الأيام الأخيرة دخول روسيا على خط الجهود لدفع سورية الى تسهيل حصول الانتخابات الرئاسية اللبنانية، إذ بعث الرئيس فلاديمير بوتين برسائل عدة الى القيادة السورية بعيداً من الأضواء، آخرها علناً حين أوفد يفغيني بريماكوف الى دمشق. وأوضحت المصادر ان الرسائل الروسية شددت على وجوب «تسهيل إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وعلى ان أمن لبنان واستقراره اساسيان بالنسبة الى موسكو وأن حصول الفراغ الرئاسي سيضع دمشق في مواجهة مع المجتمع الدولي كله».
وقالت مصادر قريبة من قوى 14 آذار في بيروت ان عدم إعطاء بري ضمانة والتزاماً بتأمين نصاب جلسة انتخاب الرئيس في حال أصدر صفير لائحة توافقية حتى لو لم يتفق على اسم من الأسماء التي تتضمنها مع الحريري، قد يكون دافعاً للجانب الفرنسي الى السعي للحصول على هذه الضمانة والالتزام من دمشق مباشرة، ما يعني احتمال حصول اتصال جديد فرنسي – سوري خلال الأيام القليلة المقبلة.
وإذ اجتمع الحريري أمس مع السفير السعودي عبدالعزيز خوجة الذي تتابع بلاده الجهود الفرنسية بتفاصيلها، تحدثت مصادر في الأكثرية عن ان بموازاة الحراك الديبلوماسي الفرنسي هناك تحركات ورسائل أمنية كثيرة على الساحة اللبنانية، حيث تعود الهواجس من افتعال أحداث أمنية الى الواجهة.
وتوقف مجلس الوزراء اللبناني الذي عقد أمس برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أمام تصريحات أدلى بها الأمين العام للجبهة الشعبية – القيادة العامة أحمد جبريل بثها تلفزيون «نيو تي في» مساء أمس تحدث فيها عن مخاوف من تفجير معركة شبيهة بمعركة مخيم نهر البارد في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا في محيط بيروت قبل الاستحقاق الرئاسي. وقال جبريل ان الهدف إدخال «حزب الله» في فتنة فلسطينية – لبنانية أو قيام فتنة فلسطينية – فلسطينية تدخل الجيش في حرب جديدة. وقال جبريل ان زعيم تنظيم «فتح الإسلام» الذي فر من مخيم نهر البارد موجود في أحد مخيمات الجنوب. وسألت مصادر الأكثرية: هل هذا رسالة الى اللبنانيين أم الى المجتمع الدولي؟
وفي انتظار معرفة رد فعل البطريرك صفير على تمني بري والحريري عليه إطلاق مبادرته وآلية تسمية مرشحين توافقيين في عظته الاسبوعية اليوم، قالت مصادر مقربة من زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ان صفير كان ينوي الدعوة الى اجتماع ماروني رباعي للتشاور يضم الى عون الوزير السابق سليمان فرنجية، الرئيس السابق أمين الجميل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، الا ان الاخير يريد توسيع الدعوة. وسألت المصادر: ما هي مقاييس تسمية المرشحين التوافقيين في اجتماع كهذا؟
وفي المقابل قالت مصادر قيادية في «القوات اللبنانية» لـ «الحياة» ان صفير لا يريد الدخول في لعبة تسمية المرشحين الذين على البرلمان ان يبت بهم لأنه لا يريد إقصاء مرشحين من دون ان تأخذ اللعبة الديموقراطية مجراها.
وانتقدت المصادر تأجيل بري جلسة انتخاب الرئيس الى 21 الجاري، في وقت يدخل البرلمان في 14 الجاري مهلة العشرة أيام الأخيرة التي يوجب الدستور فيها التئامه حكماً لانتخاب الرئيس.
(الحياة)