دفنَ “النصر الإلهي” لغرض سياسي وأسقط تهمة الاغتيالات حتى عن “الأصولية” لغرض مكمّل
إنطوى خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مساء الجمعة الفائت على عدد وافر من المفارقات التي تناولتها الردود السياسية والتعليقات الإعلامية عليه. بيدَ أن ثمة عدداً آخر منها لم يجرِ تسليط الضوء عليها.
المشروع الأميركي مندفع فأين “النصر الإلهي”؟
بعد ما يزيد قليلاً عن العام، عرض السيد نصرالله الأوضاع في المنطقة، فتحدّث عن “المشروع الأميركي” بطريقة مختلفة عن الفترة السابقة. ظهر واضحاً أن الخطاب ليس مبنيّاً على نظرية فشل أميركا وهزيمتها في المنطقة، بل على العكس أبرز نصرالله الاندفاعة المتجدّدة لما يسمّيه “مشروع الشرق الأوسط الجديد”.
شرح الاندفاعة التقسيمية للمشروع الأميركي في العراق. وشرح الحصار الأميركي ـ الدولي ـ العربيّ في فلسطين. ووضع المؤتمر الدولي الذي دعت الولايات المتحدة إليه في تشرين الثاني المقبل، في خانة الاندفاعة الأميركية أيضاً، بما أنه رأى في المؤتمر نُذر اتساع لقاعدة التطبيع العربي مع إسرائيل. وتحدث عن مناورات حربية إسرائيلية حيال سوريا معلناً أن إسرائيل تعدّ لحرب على سوريّا. وإذا كان لم يتناول المسألة الإيراينة في خطابه ـ لسبب أو لأسباب ـ فإنه لا يجهل أن إيران تواجه هي أيضاً حصاراً وخطراً عسكرياً.
إذاً، إن الصورة التي رسمها نصرالله عن حال المنطقة أو “الأمة”، تتناقض بشكل كامل مع مقولة “الانتصار الإلهي التاريخي الاستراتيجي” الذي حقّقته المقاومة في لبنان بهزيمة إسرائيل في حرب تموز ـ آب 2006. في أيلول 2006 أقام نصرالله “مهرجان الانتصار”. وبين 12 تموز و14 آب 2007، تحدّث نصرالله مرات عدة في “الذكرى” مؤكداً مقولة “الانتصار” ومقدّماً خلاصات تفيد أن أميركا تبحث عن سبيل للخلاص من مأزقها. فإذا به في خطابه مساء الجمعة يدفن “الانتصار الإلهي” وتحلّ مكانه صورةٌ قاتمة.
هذه المفارقة ليست أمراً تفصيلياً في “بنية” الخطاب السياسي ـ “الثقافي” الحزب اللّهي، الذي يحرص دائماً على أن يبدأ من “العام” أي قضايا المنطقة لينتقل بعد ذلك الى “الخاص” أي الى الوضع اللبناني في مرآة الوضع الإقليمي.
“نصرالله الإقليمي”
طبعاً، ليس الهدف من هذه المقدمة “تذكير” السيد بتناقض المقاربات ولا “مساءلته” في هذا الشأن. إن الهدف هو تسجيل حقيقة أن “تفكير” نصرالله إقليمي، وأن مشروع “حزب الله” إقليمي، وأن ما يعلنه الأمين العام للحزب بالفعل هو أنه جزء لا يتجزأ من “مواجهة” المشروع الأميركي وأن لبنان إحدى ساحات هذه “المواجهة”. وعليه، فإن نصرالله الذي يريد التشديد على “التعبئة”، استحضر إندفاعة المشروع الأميركي لهذا “الغرض” ولو “كلّفه” ذلك التضحية بـ”الانتصار الإلهي” الما بعدَه إنتصار.
الداخل الضحية مرّتين
تلك هي نقطة انطلاق الاختلاف: “حزب الله الإقليمي”.
ولعل المفارقة الأخرى في خطاب نصرالله الأخير، أنه إذ رسم صورة الأخطار التي تواجه “الأمة” وصولاً الى تأكيد أن ثمة حرباً آتية على المنطقة، من صنع أميركا وإسرائيل “هذه المرّة”، لم يجد ما يدعوه الى مخاطبة الداخل بـ”لغة التسوية”، التسوية التي تقي لبنان “ما أمكن” من الأخطار، والتي تحقّق تماسكاً داخلياً بما يسمح للبنان باجتياز المرحلة الإقليمية الخطيرة بـ”أقل الخسائر”. وهكذا تميّز خطابه بإملاء الشروط على الداخل وبنسبة من “العدائية” تجاه فريق من اللبنانيين، فبنى على المقدّمات الخطيرة نتائج لبنانية لا تقلّ خطورة.
لكأن “المكتوب” على لبنان ـ الداخل أن يواجه أخطاراً كبرى في حالة “الانتصار الإلهي” عندما يعلن “حزب الله” نفسه منتصراً ويحاول ملاءمة الظروف الداخلية مع هذا “الانتصار”، أو في حالة “الإحباط” و”الخوف” عندما يضع نصرالله “الانتصار” على الرفّ ويحاول ضبط الوضع اللبناني على إيقاعه وإيقاع الحلف الإقليمي الذي ينتسب إليه.
لماذا إسقاط التهمة عن “الأصولية”؟
ومن المفارقات أيضاً ما توقّفت أمامه الردود السياسية، في ما يتعلق بمقاربة نصرالله لموضوع الاغتيالات ضمن فريق 14 آذار.
قيل الكثير مما هو صحيحٌ تماماً، عن “رخصة القتل” التي أعطاها الأمين العام لـ”حزب الله” لأعداء الفريق الاستقلالي اللبناني، عبر وضعه الاغتيالات في الخانة الإسرائيلية، إذ صار النظام المخابراتي السوري يقتل وشهادة البراءة جاهزة عند الحزب. وقيل الكثير أيضاً في معرض سؤال السيد نصرالله عن سبب تعطيل المحكمة الدولية إذا كانت إسرائيل هي القاتل.
غير أن المفارقة، في ما يتجاوز “إجازة القتل” وتهديد المحكمة الدولية، تتجلى في حقيقة أن نصرالله قال في الموضوع ما لم يقله النظام السوري نفسُه دفاعاً عن نفسِه.
لاحظ الذين تابعوا خطاب نصرالله ان الأمين العام لـ”حزب الله” تأخر حتى اليوم ليوجه الاتهام الى اسرائيل، في ثلاث جرائم إغتيال، إثنتان منها حصلتا قبل عامين (جريمة اغتيال الشهيد جبران تويني) وقبل عام (جريمة إغتيال الشهيد بيار الجميل)، وتساءلوا عن سر هذا التوقيت في الاتهام، وعن “تعميم” الاتهام على سائر جرائم الاغتيال الأخرى بدءاً من “الجريمة الأم” أي إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
على أن المتابعين لاحظوا إسقاط نصرالله لمقولة “الأصولية” التي اعتمدها النظام السوري وأتباعه منذ البداية في الحديث عن جرائم الاغتيال. وهنا تساءلوا ما إذا كانت “مقتضيات” المرحلة من وجهة نظر “حزب الله” تستدعي إسقاط التهمة عن “الأصولية” الحليفة للنظام المخابراتي، وما إذا كان ثمة “تحالف” ما قائم أو قيد التكوّن في المرحلة السياسية ـ الأمنية الآتية.
مرة أخرى، ان المفارقات في خطاب نصرالله أكثر من أن تحصى بل “لا يشبع المرء من تعدادها” كما قال أحد السياسيين. لكن ما يتطلب تركيزاً، هو ما يتصل بالاستنتاجات السياسية الرئيسية التي “تفرضها” قراءة متمعّنة في الخطاب ودلالاته.
“حزب الله” وأسر الاستحقاق
في هذا المجال، ثمة استنتاجان “كبيران”
الأول، هو أن الخطاب أتى يحيط “مفاوضات التوافق” المعقّدة أصلاً بأجواء توتّر شديد. وأتى يقول أن لا مكان لـ”خطف الاستحقاق” بحسب ما كان الرئيس نبيه بري “يفترض”. والأهم في هذا السياق، أن خطاب نصرالله أتى يذكّر بأن “الكلمة الفصل” هي لـ”حزب الله” وليست لأحد غيره في “المعارضة”. وهو يذكّر بما هو معروف، من أن “حزب الله” يواكب أي تحرّك لبري عادة بـ”قصف” بالمواقف وبرسم لـ”الحدود”. وإذا كان “حزب الله” منذ أن أطلق الرئيس بري “مبادرته” اعتمد سياسة “السير وراءه”، فإن الخطاب الأخير يفيد أن الحزب قرّر “العودة” الى تقدّم الصفوف.
“الانقلاب الثاني”
وإذا كان الاستنتاج الأول يعني ما يعنيه على صعيد “مصير” الاستحقاق، فإن الاستنتاج الثاني هو أن نصرالله في خطابه أعطى إشارة الانطلاق لـ”الانقلاب الثاني”.
“الانقلاب الأول” كان على خلفية “الانتصار الإلهي” في حرب تموز ـ آب 2006 لـ”تأديب” فريق 14 آذار “المتحالف مع أميركا وإسرائيل” كما ادعى الحزب، ولتغيير السلطة. و”الانقلاب الثاني” في موازاة المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي، هو على خلفية ربط لبنان بالنظامين السوري والإيراني ضد اندفاعة المشروع الأميركي وحماية للنظام السوريّ. وهنا، بين هلالين، تجدر ملاحظة انّ نصرالله اعتبر أن المحكمة الدولية هي أداة إسقاط النظام السوري “الممانع” في حين كان قبل لحظات يذرف الدمع على شهداء الاغتيالات الذين يريد ذووهم معرفة الحقيقة، حقيقة الدور الإسرائيلي في الجرائم!
“الانقلاب الأول” كان معداً أمنياً بحيث يُنجز بـ”ضربة قاضية” سريعة. و”الانقلاب الثاني” المقرّر في الفترة المقبلة معدّ أمنياً، وبحسب المعلومات فإنه يتضمن سيناريوات عنفية بحيث يتشابه في جوانب كثيرة مع “الانقلاب الغزّاوي” في حزيران الماضي.
دور “المخيّم”ليس أمراً بسيطاً أن يتمسك “حزب الله” بالمخيم الأمني في وسط بيروت. ليس أمراً بسيطاً أن يتولى “حزب الله” بنفسه الردّ على مطالبة مجلس المطارنة الموارنة بإنهاء إحتلال وسط العاصمة. ولا هو أمرٌ بسيط أن ينبري “مسؤول ديني رسمي” الى اعتبار مطالبة مجلس المطارنة “تأنيباً للشيعة”. ولا هو أمرٌ بسيط أن يعلن مسؤولون في “التيار العوني” أن “المخيم” لم يعد ذا جدوى، وأن يقرّر “حزب الله” إبقاءه.. رغماً عنهم.
إن لـ”المخيم” دوراً في “الانقلاب الثاني” المعدّ. إنه مرتكز العملية الانقلابية في “مسرحها” الرئيسي في العاصمة.
بخطاب نصرالله، انتقل الوضع الى مرحلة سياسية ـ أمنية تستدعي يقظةً أكبر. “كل شيء” تقريباً بات مكشوفاً.
“الانقلاب الأول” لم يحقّق نتائج وهذا ما اعترف به “حزب الله” الذي قاده. و”الانقلاب الثاني” لن يحقّق نتائج أيضاً، وإن كان يفرض على الوضع اللبناني “ممراً عسيراً”.
و”الانقلاب” أشدّ من “الفتنة” التي قال نصرالله أنه سيتجنّبها.
المستقبل
نصرالله يعطي إشارة انطلاق “انقلاب غزّاوي” جديدلقد أثبت حزب الله إتزامه بالموقف السوري الإيراني المشترك دائما وهو يتفاخر بهذا الإلتزام دوما . ولكن على الشعب اللبناني وخاصه مؤيدي التيار العوني أن يتفهموا جيدا كلام ألسيد نصرالله وخاصه عند موقفه من المعسكر المنصوب في وسط بيروت ، إن هذا المعسكر لو لعمل أمني مرتقب قد يتهور هذا الحزب ويقوم به وعندها أعتقد سيندم الكثيرون ممن إرتادوا هذا المعسكر ,اخذوا يصيحون على مزبلتهم نقول إن غدا لناظره قريب وهذا الغد أكيد هو نصر للقوي الوطنيه على القوى الطائفيه المذهبيه التي تسحضر الدين ومقولات النصر الإلهي المزعوم ضد بقيه الشركاء في الوطن .… قراءة المزيد ..