وصلتني يوم 24/9/2007 وما بعده عدة رسائل على بريدي الإلكتروني:
الرسالة الأولى:
حدث اليوم بالأقصر
حدث في يوم افتتاح المدارس وكان ثالث يوم في شهر رمضان دخل مدرس اللغة العربية الأستاذ/ محمد إسماعيل فصل أولى أول / إعدادي وطلب من الطلبة المسيحيين أن يقفوا وقال بالنص للطلبة المسلمين اجمعوا من كل واحد ربع جنية وهاتوا جاز واحرقوا الولاد المسيحيين.
أسم المدرسة ‘مدرسة الأقباط بالأقصر’
ولا تعليق بل للقارئ أن يعلق بما يحلوا له ولكنى أرسل رسالة لقداسة البابا ومجمعة الكريم
افعل ما شئت في أيام حبريتك الميمونة ، واترك الأيبارشيات بلا راع ، أقيم حفلات
إفطار يتحدث العالم عنها ،واسقط حق الأقباط كيفما شئت ،ولكن لا تنسى أن التاريخ
لن ينسى وسيصرخ في وجه كل من يحاول أن يزوره بالحقيقة ،حينئذ سيخزى المدعون
بالدفاع عن الحق ، لأن التاريخ لا يعرف الخداع .
سعيد هو الإنسان الذي يكون الغد في صالحه.
نشأت عدلي
الرسالة الثانية:
أخوتى الأعزاء بالمصريون ضد التمييز لقد علمت بالخبر فأردت التأكد منه فذهبت إلى المدرس نفسه والذي ذهل تماما مما أتحدث وأخبرني أن هناك خلاف بينه وبين زميل له مسيحي بعدما قرر المدير سحب بعض الاختصاصات من المدرس المسيحي لصالح هذا المدرس المسلم فأبسط طريقة للانتقام منه في ظل هذه الظروف المتوترة بين المسلمين والمسيحيين هو استخدام هذا الأسلوب كما أنني فوجئت أن اليوم الذي يتحدثون عنه هو أول يوم في الدراسة فكيف يحدث ذلك في هذا أول يوم دراسة وهو اليوم الذي لا يفعل فيه المدرس شيئا سوى التعرف على الطلاب وقد أكد لي مدير المدرسة نفس الموضوع بجانب أنني سئلت المدرس فهو يعمل داخل المدرسة منذ ما يقرب من عشر سنوات لم تظهر عليه أي بوادر تعصب و زملائه أكدوا ذلك أما الغريب في الأمر أن معظم الذين يذهبون اليه لأخذ دروس خاصة مسيحيين وحينما سئلت الأستاذ نشأت عن مصدر الخبر قال لي أنه شخص يدعى كذا وهذا الشخص أن أعرفه تماما فهو مثير للمشاكل ويريد أن يلعب أي دور بمدينة الأقصر ولا يجد سوى هذه النوعية من المشاكل ليظهر بها فأرجو الأشخاص أن يتحروا الدقة
الغريب أن المدرس وضح لي معلومة أيضا أن فصل أولى أول خير مثال لما يحدث داخل مصر فالفصل به تكتلات من المسيحيين وتكتلات من المسلمين وأن لا أحب العمل بداخل هذا الفصل وسوف أطلب نقلى من هذا الفصل
نصر القوصي
الرسالة الثالثة:
انتهاء حدث اليوم بالأقصر
بناء على تقرير الأستاذ عادل نسيم بحقوق الإنسان بالأقصر أنه قد اجتمع الأستاذ/ محمد سليمان مدرس اللغة العربية بمدرسة الأقباط بالأقصر بأولياء أمور الطلبة مقدما اعتذار لهم وبناء عليه تنازل أولياء الأمور عن شكواهم وقد صرح الأستاذ عادل نسيم الذي أبلغنا بخبر الحدث في المدرسة أن الأمور مستقرة الآن.
نشأت عدلي
الرسالة الرابعة:
الأخوة العلمانيين
توضيحا للخبر الذي نشرته لحضراتكم أتشرف بالآتي :-
أنه في يوم الاثنين الموافق 24/9/2007 الساعة الحادية عشر تقريبا اتصل بي الأخ عادل نسيم بحقوق الإنسان وهو في انفعال صوتي واضح وقال لي( أنه في مدرسة الأقباط بالأقصر مدرس اسمه محمد إسماعيل مدرس لغة عربية قال الطلبة المسيحيين يرفعوا أيديهم وقال الطلبة المسلمين أن يرفعوا أيديهم أيضا ثم أضاف للطلبة المسلمين أن يجمعوا من كل فرد ربع جنية لشراء جاز وحرق المسيحيين ) والطلبة في حالة زعر من المدرسة بأكملها، ولابد من نشر هذا الحدث بسرعة لئلا تحدث مشاكل نحن في غنى عنها وأن أنشره على كل المواقع وكان منفعل جدا لدرجة أنه نقل هذا التوتر والانفعال لي أنا شخصيا ، وسألته هل أنت متأكد من هذا الخبر فأكد لي أنه جلس مع بعض الطلبة وأولياء أمورهم وأكدوا له هذه الواقعة وسألته لماذا لم يقدموا شكوى للإدارة التعليمية ورئيس مجلس مدينة الأقصر فأجاب بأنهم خائفين والأولاد لسه صغيرين ومرعوبين وبعد رد الفعل على المواقع اتصلت به لإعطائي أسم ولى أمر من هؤلاء للتحدث معه فأجاب بأن المدرس قد أعتذر لهم وفى يوم الثلاثاء 25/9/2007 الساعة الثامنة والنصف تقريبا قد ذهبت إلى الأقصر وتقابلت معه وكان معي الأستاذ نصر القوصي حتى يسمع ما سيقوله هذا الأخ وإذ بي أجد منحنى خطير في الكلام والأخ نصر اتصل بالأستاذ أمامنا وفتح الإسبيكر وسأله هل أنت ذهبت إلى أولياء الأمور وقدمت اعتذارا لهم ؟ فحلف الرجل بالمصحف بأن ذلك لم يحدث وقد سمعنا كلنا ما قاله … هذه هي القصة التي حدثت وأنا لا أعفى نفسي من المسئولية لأنني لست ناقل أخبار أو باحث عن حدث أنشره ولكن الأمر كان بالنسبة لي أنني لم أعرف إلا الصدق والثقة في كل المحيطين بي لهذا لم تدخل في نفسي ذرة شك في مصداقيته من نقل لي الخبر …
نشأت عدلي
النتيجة النهائية التي تشير إليها تلك الرسائل ظاهرياً أن الأمر كان مجرد إشاعة أو كذبة سوداء، وهي نتيجة تبدو مريحة للجميع، وفيما سحبت بعض المواقع الإلكترونية القبطية الموضوع من على صفحاتها، أصرت أخرى على الاستمرار، مؤكدة حدوث الواقعة، مدعية التأكد من صحتها، متهمة مجموعة على الإنترنت بالعمالة والتضليل، لأنها نشرت ما وصلها من رسائل حتى النهاية التي تحوي تكذيباً للرواية، رغم أن هذه المجموعة وهي مجموعة “مصريون ضد التمييز الديني”، المكونة من صفوة من مثقفي مصر المسلمين والمسيحيين، بمثابة قبس من نور في سماء مصر الملبدة بالغيوم والظلمات.
آثرت شخصياً خلال توارد الرسائل السابقة وغيرها مما لم أذكره هنا اختصاراً للمقاربة، أن أركز على نهج المعالجة للموضوع، وعلى ضرورة توثيقه لدى جهات الدولة الرسمية، ذلك أن الموضوع بحجمه المحدود ودلالاته الخطيرة في آن، يجعل الأولى بالتركيز هو كيفية المعالجة، فيما الساحة المصرية الآن تكاد تكون مسرحاً لحالة احتقان طائفي يأخذ منحى التصاعد، بفضل أساليب المعالجة الخاطئة وغير المخلصة معاً، بما يؤدي لتراجع أهمية حقيقة الروايات إلى الدرجة الثانية، فالحادثة محل التأكيد والتكذيب يحدث أقسى وأمر منها هنا وهنا وهناك، حتى تكاد تصبح تلك الظواهر جزءاً من حياتنا، ورغم ذلك ولأنه ينبغي لنا أن نمسك بجميع خيوط تلك الحالة من البلبلة، فقد قمت بعمل اتصالات تليفونية بالمكذبين منذ البداية فأصروا على التكذيب، وبالمؤكدين أولاً ثم مكذبين أخيراً، فوجدت لديهم ما تحسبت منه، فهم لا يستطيعون تأكيد حادثة يرفض أطرافها الأساسيين وهم التلاميذ المسيحيين وأولياء أمورهم توثيقها إيثاراً للسلامة، ولا أستطيع أنا شخصياً بهذا أن أخرج بنتيجة تؤكد الرواية، لكنني أستطيع أن أخلص إلى رفض الاقتناع بتأكيد كذبها، هي إذن فوضى مصرية بجدارة، رأيت قبل ضمها إلى كومة الفوضى والقلاقل المصرية، أن نستخلص منها ما تفصح عنه من ملاحظات أظنها جديرة بالاهتمام:
1. مدرسة الأقباط الإعدادية بمدينة الأقصر بصعيد مصر تعيش حالة من الاحتقان والانقسام الطائفي، وهو كما أكده الفرقاء انعكاس لحالة المدينة التي أتى الطلبة والمدرسون من أنحائها.
2. المدرسة إعدادية، أي أن تلاميذها لم يكادوا يغادروا مرحلة الطفولة، مرحلة اللهو واللعب البريء، وليس مرحلة العداء على أسس طائفية، ويشير هذا إلى أن المشكلة الحقيقية ليست في هؤلاء الزهور التي لم تتفتح بعد، وإنما في أولياء أمورهم ومدرسيهم بما يشمل وزارة (عدم) التربية المسئولة عن الجميع.
3. الأخ الفاضل الذي أثار القضية منذ البداية لم يتوجه بها إلى جهات الدولة الرسمية، كما لم يركز على هيئات المجتمع المدني، وعلى رأسها المجلس القومي الموقر لحقوق الإنسان، والذي نعرف جميعاً منذ البداية قدراته والغرض التجميلي الذي أنشئ من أجله، لكنه توجه بها إلى البابا معاتباً مؤنباً، ونستطيع هنا أن نرى موطن الداء في مصر، وهو تعاظم الانتماء إلى الطائفة، على حساب الانتماء للوطن، بما يشير إلى فشل الدولة بجميع مؤسساتها في أن تقدم نفسها لشعبها -وبالتحديد للأقليات- على أنها الملجأ المحايد والملاذ، ليكون علينا أن نبحث عن أسباب هذا الفشل، فقد يرجع للترهل والتسيب في أجهزة الدولة، وقد يرجع لاختراقها من الجماعات والأفكار المتعصبة، المفترض أن تعمل الدولة بأقصى طاقتها على محاربتها، هي أسباب عديدة تحتاج منا للبحث والعمل الجاد، إن شئنا لدولتنا العتيدة وشعبنا العريق ألا يتبددا.
4. عدم التمكن من حسم تكذيب أو تصديق الرواية يشير إلى أن الشعب المصري الذي طالت به عهود القهر -وبالأخص الأقباط الأكثر معاناة من القهر- غير قادر بل وغير راغب في الشكوى أو حتى رفع الصوت بالصراخ من الألم، غير قادر خوفاً من تبعات هو غير مستعد لتحملها، وغير راغب لفقدانه الأمل في أن الأمور برفع الصوت يمكن أن تسير نحو الأفضل، وحين يفتقد شعب أو قطاع منه للقدرة على الصراخ، وللأمل في غد أفضل، نكون قد وصلنا إلى الهاوية.
5. كافة المسؤولين في مدينة الأقصر، الذي علموا بالرواية وما أحدثته من بلبلة، لم يشذوا عن النهج المصري الرسمي، وهو استبعاد المعالجة الجذرية للأمور، وتركيز الجهد على الإنكار وتهديد المجني عليهم، وعقد جلسات صلح أشبه برش بعض التراب على سطح مياه تغلي.
6. من الواضح أن المدرسين بهذه المدرسة –وربما كل مدرسة في مصر- ليسوا فوق شبهات التعصب الديني، وهذا يجعلنا نتساءل عن سياسة قديمة لوزارة التربية، لاستبعاد المدرسين المشكوك في توجهاتهم الفكرية من العملية التعليمية، ونقلهم إلى وظائف إدارية، هل مازالت هذه السياسة فاعلة، أم أن العكس هو ما يحدث، ويتم تسريب عناصر الإخوان المسلمين إلى المؤسسة التعليمية، لتصير مؤسسة طالبانية؟!!
7. لن نيأس من مناشدة الدولة الانتباه إلى ما يحدث في القرى وفي المدن الصغيرة، وأن لا تنتظر حتى تشتعل الحرائق وتقام المذابح، لكي تواريها بعد ذلك بأوراق الشجر، فتعود وتشتعل من جديد، فنحن نريد لمسئولينا حين يرفضون ويشجبون أي تدخلات خارجية في حقوق الإنسان، أن يجدوا من مستمعيهم إصغاء واقتناعاً، وليس ابتسامات سخرية واستهجان!!
kghobrial@yahoo.com
* الإسكندرية