سعداء الحظ يحصلون علي تأشيرة دخول إلي أي دولة أوروبية، فمجرد وطأ أقدامهم لأي بقعة بها يصبحوا قادرين دون عوائق للتجوال بمعظم القارة الأوروبية طالما ضمها الاتحاد الأوروبي الذي يتحدث بحوالي ثلاثين لغة. ترجمة هذا الأمر أن من دخل أوروبا فهو آمن لدخول باقي الدول، وباقي الدول أيضا تأمنه طالما أقرت إحداها ووافقت علي دخول الزائر أراضيها. فالشروط واحده ومقاييس القبول موحده رغم تعدد اللغات والثقافات والأعراق والأجناس. ويقابلها في المعاملات وحده النقد اليورو، القابلة للتداول حيثما حل حاملها. ويمكن للزائر أن يطالب بحقه في اللغة التي يختارها للتعامل، ومن حقه الزواج أو التعليم أو العلاج بشروط واحده ولو وقع مكروه فالقوانين وحق التقاضي ضمن توحدهم. ومع كل هذه المزايا والتسهيلات فلم تجد أوروبا شاعرا مثل فؤاد حداد ومطرب مثل سيد مكاوي فيغني عندهم كما غنوا عندنا بان الأرض بتتكلم عربي.
وحد شاعر العامية الأرض في شرقنا الأوسطي لتتحدث الفصحى، وبالمعني السياسي، فانه أممها لصالح الثقافة العربية رغم أن تراثها الاعمق والأغزر ليس عربيا. وكانت غبطة السياسي بهذا الإنشاد عظيمة، رغم اضطهاده للشاعر والمغنواتي، فهي صك مقبول الدفع لكنه مؤجل حتى يضم كل زعيم قومي باقي الشعوب إلي الحرملك الخاص به. فالوحدة العربية هي حلم الدكتاتوريين بضم باقي الشعوب إليهم كما فعلها هتلر بغزوه بولندا مستهلا مشروعه. التأميم قديما تم باسم أمة الإسلام رغم أن الإسلام لم يدخل النفوس إلا بعد قرون طويلة من احتلال الأرض. ولم تتحقق أية حريات بعدها اللهم إلا بقاء الشعوب كرعايا يأتي الحاكم لتأديبهم وليس لأخذ مشورتهم مثلما فعل المأمون العباسي وسليم الأول العثماني وجلبهم الجواري والغلمان لمقار الخلافة بعد غزواتهم الميمونة ومعها ثروات من عرق الشعوب لصرفها علي الحرملك والسياف مسرور ومشايخ التبرير الفقهي.
أما زمننا الحالي فيشهد العكس مع تلاوة نفس الآيات وإقامة نفس الطقوس من حج وصلاه. حدود ونقاط عبور وجوازات سفر ومراكز تفتيش وعوائق مرور وحواجز من كل صنف مدججة بالسلاح والبصاصيين. فالشاعر فؤاد حداد الذي وحد الأرض أملا في توحيد الشعوب خانته الأحداث ولا نعرف ما كان ممكنا كتابته لو لم توافيه المنية وشاهد الأرض التي وحدها تتحدث امازيغيا في المغرب العربي. وفي سوريا ولبنان بلده ومسقط رأسه يستعيد الناس فيها اللغة الفينيقية وتضع الكردية نفسها بجانب العراقية في برلمانهم والمؤتمرات. والجنوب السوداني غادر العربية بلا رجعة إلي الإنجليزية. وتكمل النظم العربية الأصل عرقا وجنسا أمر تقسيم الأرض بإقامة حوائط وجدران عازلة. كانت الفكرة في أصلها إسرائيلية المصدر لعزل الفلسطينيين من التسلل إلي ارض إسرائيل التي تتكلم العبرية. فبدأت السعودية حاليا في بناء جدران عازلة بينها وبين العراق، رغم الامتدادات الهائلة للحدود بينهما. أما الحدود بين الأردن والسعودية فحفرت السعودية خندقا عميقا ألقت برمال الحفر علي جانبه كساتر ترابي مرتفع يمنع العبور رغم عروبة البلدين واشتراك حكامهم إما من سلالة الحسين شريف مكة والحجاز وإما من سلالة آل سعود النجدية. فالخندق هنا كاستعادة للخندق القديم بين عدوين من جذر واحد.
الجدار الفاصل للعراق عن السعودية حاليا سيصل طوله أكثر من ألف كيلومتر وتصل كلفته إلي ما يزيد عن المليار دولار. فهناك ثروة مطلوب تبديدها لصالح شركات المقاولين والسماسرة ونخاسة العمالة والبشر ونظام الكفيل. واقترح البعض لزيادة الربحية تزويده بصفين من الأسلاك الشائكة المزدوجة والمكهربة وكاميرات ودوائر تليفزيونية للمراقبة. وطرحت المواصفات وقدمت العروض بأحدث تكنولوجيا. وصرح مسئولون بان الأمر سيكون مقتصرا علي شركات بعينها ربما لأسباب لا تخفي علي لبيب كما حدث في فضيحة صفقة اليمامة مع انجلترا والتي فتح فيها البرلمان البريطاني التحقيق.
خبراء الجدران في إسرائيل والسعودية يبررون كل هذه التكاليف. فإسرائيل صاحبة العقل اليهودي تريد حماية نفسها ممن يريدون حقهم!! وحجج السعودية التي كانت حدودها مفتوحة ولا خوف عليها ولا هم يحزنون زمن صدام هي الإرهاب من مسلمين مثلهم!! فالجدار سوف يمنع البشر من العبور لكن الجميع يعلم أن الأفكار تنفذ مهما علت الأسوار وزادت نقاط التفتيش، فالفضائيات لا موانع أمامها والمشايخ ينفذون رغم انف السلطان والأمير والملك والزعيم. وأسواق الجهالة عامرة بالمستمعين والمنصتين فهي تجارة لن تبور أبدا. ألا تكفي تلك التكلفة الباهظة للأسوار لعمل تنمية في بلاد عانت من حديث أرضها بالعربية ثم أصبحت تتحدث أرضها إرهابا وتفجيرا وقتلي واشلاءا فيما يسمي جهادا؟!! فالجدران يعتقد أصحابها أنها ستقوم بدورها بعد فشل تصدير مشروعات التطرف خوفا من ارتدادات عكسية بنفس القدر لصحوة التطرف والإرهاب خاصة بعد فشل آخر المحاولات في نهر البارد والفشل المستمر في دارفور و قطاع غزة.
وهناك ادوار ووظائف أخري ينتظرها أصحابها من تلك الجدران بعد فشل مشروعات تصدير الإرهاب إذا ما قامت نظم ديموقراطية أو فيدرالية أو علمانية أو جري التقسيم في أسوا الأحوال لإقامة دويلات كما جري في أوروبا بعد انهيار الكتلة الاشتراكية. فالخوف من انتشار الديموقراطية لن تمنعها حوائط ولنا في جدار برلين أسوة حسنه. والفضائيات التي تعمل اليوم لنشر الفاشية والقومية العربية والأصولية الدينية والتخلف الحضاري بأموال وهابية نفطية هي ذاتها ستكون معبرا للديموقراطية بعد إفلاس المنطقة وهوانها علي نفسها.
ومن المتوقع أيضا، بعد إفلاس وفشل مشروع الأصولية في جعل الأرض تتحدث إرهاب أن تتهدم جدران وحوائط من نوع آخر، أشد عزلة، زرعها العرب أينما حلوا بحجة نشر الدين الحنيف. فنظم الزواج التي تفرق بين مواطني الدولة الواحدة بحجة الأديان، كذلك خانة الديانة، والاعتراف بحق المواطن في اختيار عقيدته، أي صورة الكون في عقلة، وتبديد العوائد والمدخرات لصالح أماكن للعبادة، وليس للإنتاج والرخاء ومحاربة الفقر، بعد تحولها لأوكار لنشر التطرف. الانهيارات ستنتهي معها ثنائية الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية لصالح الأخيرة بالقطع. كان توظيف الدين في الحياة اليومية كما تفعل الأصولية و جماعة “الأخوان المسلمين” و “شباب محمد” وتعبئة المواطن بالعقيدة بحجة الصراع السياسي ستجعل المواطن يوجه طاقة الحشد المهزومة إلي أخاه في الوطن داخليا بعد هزيمته المؤكدة خارجيا. واستخدام الدين كأحد مصادر الشرعية السياسية يؤدي دوما للإخلال بالتوازن السياسي مع المختلفين دينيا بالاستبعاد من المشاركة كما حدث للشعب المصري طوال تاريخه مع الإسلام. ولم يمكنه حتى اللحظة من سد الفجوة بين مشاركة الأقباط والبهائيين واليهود علي قدم المساواة بالمسلمين مما يعطي انطباعا مغلوطا بين أبناء الأمة الواحدة بان المسلم له أفضلية، رغم أن المصريون جميعا كان لهم الفضل في بقاء وحده الوطن في مواجهه كل الغزاة عرقيا ودينيا مهما حملوا معهم من فلسفات التقسيم والتمييز بين أفراد الشعب الواحد.
فالعرب قديما كذبوا علي أنفسهم بأن الخصومة الدينية هي خصومة سياسية فاستبعدوا المخالفين في الدين عن المشاركة في الحكم، ومثالها الحالي في انفصال باكستان عن الوطن الأم – الهند. لكن المصريين، لو أننا نمتلك شجاعة التقدم بإدخال علم الأديان المقارن وبحث ما جري علي الأرض المصرية عبر كل الديانات المصرية القديمة والمسيحية والإسلامية، فان الخيار المصري من كل دين كان لصالح المزاج الشعبي المصري الذي لا يعرف تطرفا ولا يعرف تمييزا وحوائج وجدران إلا بما يزرعه السياسي والحاكم الأجنبي تبريرا لوجوده علي ارض ليس من حقه حكم أهلها. لهذا ظلت مصر بدون أسوار تنفتح علي كل مكونات العالم وإبداعاته فكرا وثقافة ودينا وعقائد وتقوم هي بالتصفية لما لا يتفق ومزاجها الشعبي مهما كان الدخيل والغازي. ولهذا كان الانفصال قائما دائما بين السلطة وبين الشعب ومعها سبب آخر ربما أكثر أهمية في أن الشعب ظل يمد السلطة بالمال والثروة باعتبارها مسلمة رغم أن دين الحاكم ألتمييزي يخالف دين الشعب المتسامح وبدون تطرف. لهذا ظلت الأسئلة الشعبية المطلوب الإفتاء حولها تجري حول خليط من الفولكلوريات وظواهر التدين الشعبي وممارسة الطقوس والعبادات. ولم يسأل احد عن الجانب السياسي في الدين لان مجرد السؤال سيواجهه الحاكم بالتكفير وبالعنف الكامن في صلب العقيدة وهو ما يعف عنه المصري بطبيعة تكوينه. تلك كانت بعضا من الأسوار الداخلية في كل مجتمع أتاه العرب بينما هم الآن يقيمون أسوارا إسمنتية بعد أن فشل مشروعهم القديم بجعل منطقة الشرق الأوسط برمتها مفتوحة كمرعي ابل واسع وممتد يتحدث العربية، ثم فشل المشروع القومي وانهياره، ثم انهيار مشروع الأصولية المدعومة بأموال النفط في توحيدها مرة أخري علي قاعدة من الاستبعاد اللاديموقراطي عبر ولاية أولي الأمر ويقابلها الشعب كرعية. الفشل المستديم من كل الوجوه يرتد علي الداخل فسارعوا بإقامة حوائط جديدة لمن لا يريد الديموقراطية أو خوفا من ارتدادات انعاكسية لأعمال الإرهاب. عجز العقل العربي لرؤية مشكلاته الداخلية والخارجية ويصاحبها الفزع والرعب من العلمانية والليبرالية والديموقراطية خوفا علي الإسلام رغم قبوله لكل جديد يجعلنا نشك كثيرا في قدرة ذلك العقل علي فهمه للعالم وكيفية تعامله معه إما بالخوف والفزع أو بالجدران والحوائط.
elbadryk@gmail.com
بين عالم الأسوار والحواجز وعالم الاتصال والتواصل
الكاتب دائما يقف موقفا عدائيا ضد السعودية
يتهمها بتصدير الإرهابيين إلى العراق !!!!
ثم حين أرادت بناء سور لمنع التسلل بحث عن تهمة أخرى !!!!!!
ودائما يظل العقل غائبا إذا حضرت الكراهية
بين عالم الأسوار والحواجز وعالم الاتصال والتواصل بسم الله الرحمن الرحيم بيدو ان السيد المحصي للأسوار نسى سور الصين العظيم ان عجز العقل العربي بيدو جليا فى مقال السيد العاجز عقليا عن فهم الليبرالية و( الدمقراطية هي وجها السياسي و العلمانية هي شقها الفقهي و التشريعي ) ان عجز العقول عن سبر غور المجهول لايمنع من المعرفة و التعلم و الأستبصار بعيدا عن ترديد الشعارات الطنانة الجوفاء كالبلهاء بعيدا عن فهم تلك الشعارات الغربية النشوء و الشيوع ان الأسلام لا يخاف من تلك الصرخات المجنونة المدوية كما اسماها نوسترادموس ان الأسلام الذي خرج من من جنبات الصحراء العربية الجرداء ووحد… قراءة المزيد ..