في “يوم ضحايا النظام البعثي”، وجّهت منظمة هيومان رايتس ووتش رسالة إلى الرئيس الأسد تطالبه فيها بـ”توجيه الاستخبارات العسكرية أو غيرها من السلطات الأمنية المعنية، لأن تقوم بإطلاع أسرة السيد علي البرازي بمكانه وأسباب احتجازه، وكذلك السماح لأسرته بزيارته”. مشكلة المواطن البرازي، ربما أنه “مترجم”، مع أن منظمة “هيومان رايتس ووتش” طمأنت الرئيس الأسد بأن المركز الذي يعمل به “لا يترجم.. أية وثائق تصدرها هيومن رايتس ووتش عن سورية”!!
27 أغسطس/آب 2007
سعادة الرئيس بشّار الأسد
رئيس جمهورية سورية العربية
قصر الرئاسة
دمشق
جمهورية سورية العربية
بالفاكس: + 963 11 332 3410
سعادة الرئيس،
نكتب إليكم للتعبير عن عميق اهتمامنا إزاء مكان وحالة السيد علي البرازي، وهو رجل يبلغ الخامسة والأربعين من العمر ويسكن بضاحية جديدة عرطوز السورية. وقد تم استدعاء السيد علي البرازي – الذي يعمل مترجماً – للتحقيق معه من قبل الاستخبارات العسكرية في 28 يوليو/تموز 2007. وقد خرج علي البرازي من بيته وحده ذلك اليوم ذاهباً إلى فرع المنطقة التابع للاستخبارات العسكرية. ولم تتم رؤيته منذ ذلك الحين، ونخشى أنه ربما قد وقع ضحية للاختفاء القسري، وهي جريمة جد خطيرة في نظر القانون الدولي.
ولا تعرف أسرة علي البرازي شيئاً عن سبب استدعاءه للتحقيق من قبل الاستخبارات العسكرية. ولم تتلقَ أسرته أية معلومات عنه منذ 28 يوليو/تموز. وقد أخبر حراس فرع المنطقة التابع للاستخبارات العسكرية أفراد أسرته أن علي البرازي ليس رهن احتجازهم ورفضوا منح أية معلومات عنه.
ويعمل السيد علي البرازي مترجماً في مركز التوثيق السوري الأوروبي، وهو شركة خاصة مقرها دمشق. ومن بين خدماته لعملاء كثيرين؛ يقوم المركز بترجمة بعض الوثائق التي تصدرها هيومن رايتس ووتش باللغة العربية بغرض نشرها على موقع المنظمة باللغة العربية. ولا يترجم مركز التوثيق السوري الأوروبي أية وثائق تصدرها هيومن رايتس ووتش عن سورية.
وتناشدكم هيومن رايتس ووتش توجيه الاستخبارات العسكرية أو غيرها من السلطات الأمنية المعنية، لأن تقوم بإطلاع أسرة السيد علي البرازي بمكانه وأسباب احتجازه، وكذلك السماح لأسرته بزيارته. كما نناشدكم الترتيب لإطلاق سراحه الفوري من الاحتجاز ما لم يكن محتجزاً على ذمة جريمة. وإذا كان الحال كذلك، فعلى الحكومة إحالة قضيته إلى المدعي العام ومنحه حقوقه الخاصة بالمحاكمة العادلة، بما في ذلك الحق في مشاورة محامي على الفور والفحص الطبي وضمان أنه يتمتع بالمحاكمة أمام هيئة قضائية مستقلة ومخولة نظر قضيته، على أن تقوم بتحديد مشروعية الاستمرار في احتجازه القائم.
نشكركم مقدماً على اهتمامكم بهذا الأمر. وبما أنه أمر عاجل؛ فإننا نتطلع قدماً لرد سيادتكم السريع.
مع فائق الاحترام،
سارة ليا ويتسن
المديرة التنفيذية
قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
هيومن رايتس ووتش
نسخة إلى: الدكتور عماد مصطفى، سفير سورية في الولايات المتحدة
*
يوم ضحايا النظام البعثي
عمر حرقوص
يوم المفقودين العالمي كان يوم المفقودين اللبنانيين السوريين في السجون السورية. يوم الأمهات والآباء والأخوة الجالسين خلف أبواب البيوت بانتظار ابتسامة بعيدة تصلهم عبر رسالة مخفية أو معتقل خرج من السجن بعد سنوات طويلة من الاعتقال. أهالي المفقودين في السجون السورية من لبنانيين وسوريين اجتمعوا أمس في وسط بيروت أمام خيمة أهالي المعتقلين في حديقة “الاسكوا”. جمعتهم مصائب فقدان الأبناء في السجون السورية ونظام مجرم يخفي أبناءهم في عتمة سجونه. في اللقاء طغى الحضور المدني السوري المطالب بحرية المعتقلين السوريين واللبنانيين. صور ميشال كيلو وعارف دليلة وكمال اللبواني وأنور البني وغيرهم امتزجت بصور المفقودين من شبان لبنان داخل سجون “البعث” السوري. تقارب الحزن وتوحد القهر تحت الشمس القاسية. التقوا في الوقت الذي تتم فيه محاكمة فائق المير لعلاقته بالمناضلين اللبنانيين ليقولوا للظالم ان حياة المعتقلين والمفقودين هي ملك لأصحابها وليست ملكاً لسجانين يهوون رائحة الدماء.
جميعهم ينتظرون خبراً صغيراً يعيد فرحة ما إلى قلوبهم. أو خبراً قاسياً يضع حداً لانتظاراتهم الطويلة والصعبة. فقضية المفقودين اللبنانيين في السجون السورية بدأت في العام 1976 منذ 31 عاماً، حين دخل النظام السوري بجيشه لاحتلال لبنان. دخلوا بدعوة “انقاذ” اللبنانيين من الحرب فأداروها 15 عاماً ومارسوا وصايتهم 15 عاماً أخرى. تتنوع انتماءات المفقودين إلى قوى حزبية ودينية مختلفة. لم يبق مكان من لبنان إلا وعانى قهراً من اختفاء أحد أبنائه لدى فروع المخابرات السورية.
بعض الأهالي ملّ الانتظار بحكم الوقت الذي ضاع وعدم وجود معلومات ترفع الأمل وتجدد الحلم برؤية المفقودين. وبعض هؤلاء الأهالي كره الحياة وخبأ قصته في قلبه حيث تكبر المصيبة في الداخل لتملأ مكانها الحقيقي. آخرون رحلوا من الحياة ألماً وانفجاراً على أمل رؤية الأحبة في عالم آخر. الخسارة بالنسبة لأم فقدت ابنها ليست في الانتظار انما في عدم معرفة أي خبر وفقدان الصلة برائحة الثياب التي تحولت إلى قطع أثرية من حجم الوقت الذي مر. الصور التي تملأ جدران البيوت هي الصلة الوحيدة مع الإبن أو الزوج أو الأخ. يبقى جامداً مكانه يستمع إلى آهات الأمهات وتهرب الأخوة من الحديث عن المفقود حتى لا يزداد الألم الخارج مع كل حرف يُنطق به.
بالنسبة للأمهات الجالسات على الكراسي في حديقة جبران خليل جبران لا فرق إن حملوا صوراً لمفقود آخر غير ابنهم. فالمصيبة تجمع. وهذه المصيبة جمعتهم منذ عقود فلا فرق بين مفقود في العام 1986 ومفقود في العام 1989. وتغيب الهوية بين أهالي اللبنانيين والفلسطينيين والمصريين المختفين في سجون البعث. فالأبناء يصيرون واحداً في سجن جلاده لا ينتشي بألم المعذبين في الأرض.
الحديقة المقابلة لمبنى الأمم المتحدة ضرب عشبها الأخضر يباس والسبب هو مخيم الاعتصام الممتد من العام الماضي والذي يمنع ري المزروعات وتخفيف حرارة الطقس عن أهالي المعتقلين الموجودين هناك منذ عامين ونصف. المخيم الذي غطى على خيمة اعتصام الأهالي فصاروا ينتظرون الزيارات النادرة للناس المتضامنين بسبب تحول المنطقة إلى مربع أمني لجماعة “الأمن المضاد”. تختبئ قصص أهالي المعتقلين خلف أسوار من الممنوعات. فبعد الحاجز الأمني الأول يأتي حاجز حديدي داخل الحديقة يمنع المرور أو يسمح به لمن يشاء كأن خيمة الأهالي معتقلة مع الأبناء في سجون النظام السوري وسجون أتباعه.
البكاء ينتهي بعد فترة من خسارة حبيب. ولكن أهالي المعتقلين في السجون السورية تطول معاناتهم وتتجمع دموعهم لتؤلف نهراً يجرف الحزن ويجرف السجانين من حول العالم ليرميهم في أبعد مكان عن حياة الناس.
ارتفاع الحرارة وحدّة الشمس لم يمنعا الأهالي اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين والمصريين أمس من التجمع وتوجيه رسالة للأمم المتحدة والدولة اللبنانية لإنشاء لجنة تحقيق دولية تمنح المعتقلين أملاً ونوراً في الظلمة التي يعيشونها.
(المستقبل)