نشرت جريدة النور في عددها رقم /302/ الصادر في يوم الأربعاء الواقع في 1/8/2007 نص الحوار الذي أجرته جريدة سيريا نيوزمع السيد يوسف فيصل رئيس الحزب الشيوعي السوري عضو القيادة المركزية لجبهة الوطنية التقدمية، وأضافت أنها تعيد نشر الحوار بنصه الكامل نظراً لأهميته …
قرأت نص الحوار بتمعنٍ رغم إن المرء لا يحتاج إلى قراءة ما بين السطور ليكشف المغالطات والأخطاء الواردة في أجوبة يوسف فيصل على أسئلة (سيريا نيوز)، لم استغرب ذلك لأنني عشت تجربة طويلة في الحزب الشيوعي السوري، عرفت فيها يوسف فيصل ومواقفه السياسية عن كثب .
ترددت كثيراً في التعليق على المقال والكتابة حوله، وعبرّت عن مشاعري هذه أمام عدد من الأصدقاء منهم مَن شجعني على الكتابة نظراً للأمور الحساسة التي أثارها رئيس الحزب الشيوعي السوري في أجوبته والآراء الغريبة التي أبداها، والتي يجب ألا تنطلي على أبناء شعبنا .
طبعاً ما أثاره الأستاذ يوسف فيصل في مقاله ليس ببعيد عن تفكيره ورؤيته لما يجري في سورية في هذه المرحلة من تاريخها، ومع ذلك استوقفني في الأجوبة ثلاث نقاط أساسية لا بد من التعليق عليها وإبداء الرأي فيها من منطلق المبدأ الديمقراطي احترام الرأي والرأي الآخر:
قال (الرفيق يوسف) في أحد أجوبته على الأسئلة الموجهة إليه: “نحن لا نرى إن قضية تداول السلطة تمس المادة (8) من الدستور” وتابع رئيس الحزب الشيوعي السوري قوله: ( أن تداول السلطة يجب أن يبنى على قضية الديمقراطية، والحزب الذي ينال تصويتاً أوسع هو الحزب الذي يحق له استلام السلطة )…
ونحن هنا نسأل الأمين العام السابق للحزب الشيوعي السوري، كيف يمكن أن تركّب معه مثل هذه المعادلة .
– حزب البعث، حسب المادة /8/ من دستور 1973، هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع ويقود جبهة وطنية تقدمية الخ …
فإذا جرى تداول للسلطة مبني على قضية الديمقراطية والحزب الذي ينال تصويتاً أوسع هو الحزب الذي يحق له استلام السلطة كما يقول السيد فيصل، ومرة أخرى هنا نسأله… فيما إذا جرت انتخابات ديمقراطية فعلاً في سورية في ظل الدستور الحالي، ونال حزب آخر غير حزب البعث تصويتاً أوسع يجعله الحزب الذي يحق له استلام السلطة بنتيجة صناديق الاقتراع، في هذه الحالة كيف يمكن أن نوفق بين المادة /8/ من الدستور ووجود حزب آخر غير الحزب “القائد في الدولة والمجتمع” في دفة الحكم ؟ ألا يصبح وجود حزب آخر في السلطة مخالفاً للدستور، أليس من الأجدر بالسيد فيصل أن يطالب بتعديل الدستور وإلغاء المادة الثامنة منه بدلاً من أن يزعم بأن قضية تداول السلطة لا تمس المادة /8/ من الدستور؟؟
نحن نرى في هذه ( الأفكار الفيصلية ) قمة التناقض وعدم الانسجام، فالسيد يوسف فيصل بطرحه هذا يريد أن يتجنب المطالبة علناً وبصراحة بإلغاء المادة الثامنة من الدستور مع أن هذه المادة لا تهمش الجبهة فقط بل تنسف وجودها من أساسه، تجعل ما يسمى بالتعددية السياسية في سورية مجرد حبر على ورق، إن أفكاره هنا لا تختلف عن أفكار جريدة البعث عندما كتبت مقالاً افتتاحياً بعد انتهاء ما يسمى انتخابات مجلس الشعب تحت عنوان “”وفازت الديمقراطية””؟! ما هكذا تورد الإبل ( يا رفيق يوسف)!!
نقطة أخرى تتعلق بموقف رئيس الحزب الشيوعي السوري من المعارضة فيقول : رداً على أسئلة “سيريا نيوز” (( إن يكون هناك معارضة وطنية هو جزء من الديمقراطية) !!
نحن معه في ذلك ونظيف بأنه لا ديمقراطية في أي بلد في العالم إذا لم يكن هناك معارضة محمية دستورياً وقانونياً، وهنا يقع الأستاذ فيصل مرة أخرى في خطأ كبير… يدل على عدم اطلاعه على ما يصدر عن المعارضة من وثائق، فهو يقول ((إن المعارضة السورية تهتم بالسياسة بالدرجة الأولى ولا تهتم بالاقتصاد والحياة الاجتماعية…؟!)) فهو يفصل هنا بين السياسة والاقتصاد مع أنه يدّعي بأنه (ماركسي – لينيني) من الطراز الرفيع، لقد نسي أو تناسى ما قاله لينين بأن السياسة اقتصاد مكثّف. كيف فهم السيد يوسف فيصل عمل المعارضة الوطنية في سورية من أجل التغيير الوطني الديمقراطي في سورية ؟ أود أن أذكّره هنا ببعض فقرات من إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، لاأدري فيما إذا كان قد قرأه فعلاً؟
جاء في الفقرة الأولى من الإعلان :
– فاحتكار السلطة لكل شيء خلال أكثر من ثلاثين عاماً، أسّس نظاماً تسلطياً شمولياً فئوياً، أدى إلى انعدام السياسة في المجتمع وخروج الناس من دائرة الاهتمام بالشأن العام، مما أورث البلاد هذا الحجم من الدمار المتمثل بتهتك النسيج الاجتماعي الوطني للشعب السوري والانهيار الاقتصادي الذي يهدد البلاد، والأزمات المتفاقمة من كل نوع .
وجاء في الفقرة الثانية :
إن التحولات المطلوبة تطال مختلف جوانب الحياة وتشمل الدولة والسلطة والمجتمع وتؤدي إلى تغيير السياسات السورية في الداخل والخارج .
وفي الأسس التي توافقت عليها إرادة قوى إعلان دمشق جاء ما يلي :
– تشكيل اللجان والمجالس والمنتديات والهيئات المختلفة محلياً وعلى مستوى البلاد لتنظيم الحراك العام الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي .
– رفض التغيير الذي يأتي محمولاً من الخارج مع إدراكنا التام لحقيقة وموضوعية الارتباط بين الداخلي والخارجي في مختلف التطورات السياسة التي يشهدها عالمنا المعاصر، دون دفع البلاد إلى العزلة والمغامرة والمواقف غير المسؤولة والحرص على استقلالها ووحدة أراضيها .
هذه الفقرة تأتي رداً على ما زعمه الأمين العام السابق للحزب الشيوعي السوري عندما قال :
(( إن بعض المعارضة الداخلية يتطلع إلى الأجنبي لحل المشاكل الداخلية وهذه جريمة)) . لا أود الاسترسال بالتذكير بفقرات الإعلان،وما أريد قوله : إن (الرفيق) إذا كان قد قرأ الإعلان فهو لم يقرأ ما بين سطوره ففي سياق حديثه عن المعارضة السورية، وضع جميع المعارضات السورية في الخارج في سلة واحدة متهماً إياها بالخيانة؟!
وأريد هنا أن أذكره بعهد الوحدة السورية – المصرية وقيام الجمهورية العربية المتحدة، عندما كان الحزب الشيوعي السوري معارضاً، والعديد من كوادره وقادته في الخارج بما فيهم الأمين العام المرحوم خالد بكداش، فهل كان جميع المعارضين لنظام الوحدة خارج الوطن خونه ؟!
لا يجوز أيها (الرفيق) المحترم إطلاق الأحكام جزافاً، فأنت تعرف إن جميع الأحزاب الشيوعية المضطهدة كانت تطلب الدعم من الاتحاد السوفياتي السابق في نضالها ضد الأنظمة التي تحظر نشاطها وتقمعها وكان أعداء الشيوعية يتهمونها بالخيانة والعمالة لموسكو …
كان من المفروض بدلاً من إطلاق هذه الأحكام المرتجلة على الآخرين ووضعهم جميعاً في نفس الخانة دون تفريق بين الأبيض والأسود، أن يتحدث يوسف فيصل عن أسباب حالة الخمود والركود الجماهيري في سورية، وضعف الحركة الشعبية، إن الجماهير تعتب على حزب عمره /83/ عاماً وعلى شخص قضى ثلثي عمره فيه وشغل أعلى المراكز القيادية ولا يتكلم بشفافية ووضوح عن السبب الأساسي لضعف الحياة الحزبية والسياسية في سورية واللامبالاة والقرف عند الناس، هذا السبب لا يستطيع احد نكرانه وهو سياسة القمع والاضطهاد التي مارسها النظام خلال عقود من الزمن، فرض فيها حالة الطوارئ والأحكام العرفية في طول البلاد وعرضها لمدة تقارب نصف قرن تقريباً، مما غيّب السياسة عن المجتمع وجعل الخوف نعشاً للحرية كما ورد في أحد مقالات جريدة النور نفسها، فأصبح العمل ل! إنهاض الجماهير المقموعة ودفعها للاهتمام بالشأن العام يتطلب جهوداً جبّارة ومضنية .
وأخيراً يقول محاور “سيريا نيوز ” ” نحن نلتقي مع المعارضة التي تناضل ضد السلبيات الداخلية وضد النظام الشمولي وضد استبداد بعض الأجهزة، وهذا شيء طبيعي” .
انتهى كلام المحاور، ومرة أخرى نسأله كيف يمكن أن يوفق بين وجود حزبه في الجبهة (جبهة الموافقة لا المشاركة) وبين التقائه مع المعارضة في النضال ضد السلبيات الداخلية وضد النظام الشمولي، فهل النظام السوري في نظره نظاماً ديمقراطياً أم شمولياً؟؟ وضد أي نظام شمولي يلتقي مع المعارضة السورية؟؟ والأغرب من ذلك أنه يلتقي مع المعارضة ضد استبداد بعض الأجهزة، فيفهم من كلامه أن في سورية أجهزة استبدادية يلتقي يوسف فيصل مع المعارضة في النضال ضدها وأجهزة أخرى ديمقراطية تحترم الدستور والقانون والمؤسسات ..؟!!! والظاهر أنها تعجبه… كان من الأفضل له أن يذكر أي جهاز من أجهزة النظام استبدادي وأيّه ديمقراطي ؟ أنه لأمر غريب وفظيع حقاً أن يجري خلط الأوراق بهذا الشكل!!
من أجل أن يتجنب الكلام بصراحة ويسمّي الأمور بمسمياتها، إن النظام في سورية نظام شمولي استبدادي بكل المعايير، فمن الأفضل يا أبا خلدون أن يكون حوارك صريحاً ومبدئياً فلم يبق من العمر أكثر مما مضى .
سوريا – السويداء / في 13/8/2007