(قبل نشر موضوع الصديقة أمل زاهد، عثرنا على كليب فيديو ألصقناه في آخر المقال لفيلم The Kite Runner)
استطاعت رواية الطبيب الأفغاني الشاب الأولى خالد حسيني (عداء الطائرة الورقية ) The Kite Runner والتي صدرت في 2003 أن تكون في قائمة أفضل مبيعات الكتب لمدة سنتين في أمريكا، بل احتلت الرواية قائمة أفضل المبيعات في أربعين دولة ووصل عدد النسخ المطبوعة إلى أربعين مليون نسخة حتى الآن.
في تقديري أن نجاح رواية حسيني الأولى لا يأتي فقط من كونها تتحدث عن الحياة في أفغانستان، واستثمارها للولع الغربي لمعرفة تفاصيل ودقائق ثقافة مجهولة ومحاطة بهالات من الغموض والأسرار بالنسبة للإنسان الغربي خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر العاصفة ! ولكن يأتي ذلك النجاح ثمرة لموهبة خالد الحسيني وتمكنه من تقنيات السرد وأدواته ، ومن تمرسه في معرفة الطرق التي يُخترق بها العقل الغربي وما يجتذبه من قضايا اجتماعية وثقافية . فزاوج بمهارة ورشاقة ما بين كشف المخبوء من أسرار الثقافة الأفغانية للقارئ الغربي ، وما بين الرصد التاريخي للأحداث التي مرت بها بلاده في سياق سردي مشوق ، وما بين أيضا إثارة الكثير من الأسئلة المتعلقة بالأسرة والعلاقات الشائكة بين الآباء والأبناء، والحب المشروط الذي يدفع الأبناء غالبا ثمنه الفادح. وغار بعيدا في العلاقات الإنسانية وفي مفاهيم الحب وعلاقة الرجل بالمرأة والصداقة والوفاء والخيانة والتكفير عن الذنب والذي كان بطل الرواية (أمير) مسكونا به منذ بداية الرواية ، وظل يلاحقه ويتناهشه حتى استجاب لذلك النداء الكامن في أعماقه للتكفير عن خطيئة الطفولة والتطهر من ذنب حاكته له الأقدار فأوقعته في مصيدتها، وظل رهينا له أسيرا لعذاباته حتى تمكن من الخلاص والتطهر.
خالد حسيني الذي حصلت أسرته القادمة من خلفية دبلوماسية على اللجوء السياسي عام 1980في الولايات المتحدة الأمريكية ، وحصل أخيرا على الجنسية الأمريكية ودرس في مدارسها ثم تخصص في الطب .. خبُر جيدا المجتمع الأمريكي ووعى جيدا سوق العرض والطلب فيما يتعلق بالمتلقي الأمريكي . فتمكن بمهارة من الإمساك بمفاتيح النجاح ، وذلك بقدرته على إثارة الكثير من الأسئلة السسيوثقافية عبر روايته بالإضافة بالطبع إلى توصيفه لمفردات ثقافة مجهولة يتطلع المتلقي الغربي لسبر أغوارها .
تمكن حسيني من العزف بحذق ومهارة على أوتار سؤال الأسرة الذي يشغل المجتمع الأمريكي في وقتنا الحالي في زمن ما بعد الحداثة ، الذي تفككت فيه الأسرة الأمريكية وانتشرت فيه ثقافة الجسد وحجبت معها حاجات الإنسان الروحية والنفسية . كما أجاد الكاتب الولوج إلى عمق العلاقات الإنسانية ليحول خصوصية حالات أبطاله إلى حالات إنسانية عامة نشاهدها في كل مكان ، ونعايشها في كل ثقافة .
تثير الرواية العديد من الأسئلة أيضا عن علاقة الشرق بالغرب، وعن تصادم الثقافات وعن الصدمة الحضارية التي يواجهها الشرقي المسلم عندما يعيش في الغرب المسيحي، وعن أزمة المغترب والحنين للأوطان .. فالكاتب يغور عميقا حيث جراحه كأفغاني مغترب ، يحفر عميقا حيث انتهاك الأوطان وتعاقب المعتديين الخارجيين والداخليين عليها، فيكتب بلغة انجليزية سهلة ممتنعة محملة بالشجن .. يكتب بحزن شفيف عن الحنين والشوق لوطن يتمزق ولبيت ينهار ، يكتب محاولا إحياء ذاكرة تحاول الاحتفاظ بأدق التفاصيل عن مكان تتوجس خيفة أن تمحيه قسوة الأحداث السياسية من الخارطة، فتروح تستجدي وتستدعي أدق الصور وأصغر الخيوط لتحتفظ به حيا متوهجا في دواخلها، فيحضر المكان في الرواية بعبقه الشرقي وخصوصيته المتفردة بقوة وعنفوان .
والكاتب أيضا يذهب إلى حيث يكمن سؤال الخطاب الإسلامي الأهم وهو اكتساح التدين الشكلاني للمسلم على حساب التدين الجوهري العميق وطغيان الطقوس على الأسباب التي شُرعت لأجلها، وعن القيم الحقيقة والأساسية التي جاء الإسلام ليبثها . يتحدث أيضا عن العصبية والانقسامات المذهبية كما يتحدث عن التطرف والأصولية والتي باتت الشبح المخيف المهدد للإنسانية اليوم، وعما فعلته تلك الأصولية في وطن تركه جنة ليعود فيجده خرائب ينعق فيها البوم! وكيف قضت الأصولية الطالبانية على تمظهرات الحياة وأهازيج الفرح .
تحتشد القضايا في الرواية فتزدحم وتتقاطع مع بعضها البعض وكأن الكاتب يريد أن أن يفرغ ما في جعبته و يقول كل ما يريد قوله في رواية واحدة، وفي تقديري أن احتشاد القضايا في الرواية أضعف الطرح وخفف من التكثيف الذي كان من الممكن أن يخدم الرواية تقنيا. وفي تقديري أيضا أن عداء الطائرة الورقية كان من الممكن أن تكتب أفضل كثيرا مما كتبت لو ركز الكاتب على الغوص في الأسئلة الشائكة التي تشترك فيها البشرية بأسرها بعمق أكبر. ولكن هذا لا ينفي أن الرواية جيدة وتتمكن من الاستحواذ على اهتمام القارئ وتركيزه حتى آخر سطر فيلهث وراء كلماتها ويقفز فوق أسطرها تشوقا ورغبة في معرفة أحداثها ، ولعلها تمكنت من تحقيق المعادلة الصعبة في المزواجة بين المتعة والجودة ، وأكدت أنه من الممكن كتابة رواية مشوقة ومثيرة في ذات الوقت الذي تحتفظ فيه بعمق الطرح وجدية الهدف . ولولا بعض الهنات أيضا في السرد في بعض فقرات الرواية ، واللجوء إلى التوصيف الفج لبعض المشاهد الدامية والقاسية ، ولولا أيضا عدم قدرته على الاحتفاظ بمنطقية الأحداث في بعض الفقرات الأخرى لأتت الرواية أفضل بكثير مما ظهرت عليه .
كان التحدي الأكبر للطبيب خالد حسيني أن يكتب راوية ثانية يمسك فيها بأسباب النجاح كما فعل في روايته الأولى وليثبت أنها لم تكن بيضة ديك ، ويبدو أن خالد حسيني صمم على تحدى نفسه ليكتب عمله الثاني محاولا المحافظة على نفس المستوى الذي كتب به الرواية الأولى . صدرت رواية حسيني الثانية هذا العام بعد أربعة أعوام من صدور الأولى بعنوان (ألف شموس ساطعة)A thousand Splendid Suns ، وهي تحتل أيضا مكانة مرموقة في قائمة أفضل مبيعات الكتب في أمريكا حاليا ، والسؤال الأهم هل تبيع الرواية الجديدة بناءا على سمعة رواية الكاتب الأولى؟
سؤال لابد أن تجيب عنه الأيام القادمة !!
Amal_zahid@hotmail.com