ليس تفصيلاً أن تسلَّم المنطقة العربية، أو أي من بلدانها، إلى حركات الإسلام السياسي. فالبرقعة ليست نزهة، ومهما كانت المآخذ على قيم التنوير ووعوده فإن الظلام يبقى ظلاماً.
ليس تفصيلاً كذلك الأمر أن تكون هذه الحركات قد عجزت أو تلكأت، منذ عقود وحتى تاريخه، عن الوصول إلى السلطة في أي بلد عربي، اذا ما تجاوزنا التباسات الحال السودانية، التي وضعت نفسها ذات يوم في خدمة الأممية الاسلاموية، وفي خدمة مظاهر التعشيق القومي – الاسلامي، على حد سواء، واذا ما تجاوزنا أيضاً وأيضاً مفارقات الاحتلال الأميركي للعراق، اذ جاء هذا الاحتلال بحركات اسلامية من مثل «حزب الدعوة»، و«المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق» و«الحزب الجمهوري الاسلامي»، وسلّمها جزءاً لا يُستهان به من أجهزة الدولة ومقاليد الحُكم.
يتأتى من الخلط بين هاتين الملاحظتين، أن عجز الحركات الاسلامية عن
الوصول الى الحكم في بلد عربي ليس قدراً، وأنه يمكن بالفعل أن نشهد انتقالاً نوعياً في هذا الاتجاه، خصوصاً في البلدان التي أضحت فيها هذه الحركات تمثل هيمنة ثقافية، هي بالضد من كلمة ثقافة لأنها تقوم على المعادلة التامة بين ما للهوية وما للوسواس. يتأتى أيضاً، أن من مصلحة العناصر الديموقراطية المتفرّقة في البلدان العربية تفضيل كل ما يحول دون وصول هذه الحركات الى الحكم عن كل ما من شأنه أن يغلّف ذلك تحت شعار «لم لا»، ولنجرّب، ولنحكم من ثمّ، أو بموجب تخريجة من نوع أن كل أصابع اليد ليست مثل بعضها، وثمة من ضمن الحركية الاسلامية ما هو صالح ومتزن. وكي نقطع سلفاً على مثل هذا المنطق يمكن أن نقول إن كل الحركات الاسلامية فيها الخير، لكن التمييز بينها له حدوده في نهاية المطاف، حيث إن كل هذه الحركات متفق على أنه لا مخرج لأزمة الشرعية التي تعاني منها النظم السياسية في العالمين العربي والاسلامي الا بالعودة الى أحكام «السياسة الشرعية»، وهي الاسم الجامع المانع لتاريخ من الفقه السياسي. لأجل ذلك ترانا نقول إنه، ان كان يمكن تجريب اختبارات في أسلمة الرموز أو حتى الأحوال الشخصية، فإن اعادة استسلام مجتمعاتنا لمفهوم «السياسة الشرعية» انما يعد خطاً أحمر ينبغي على العناصر الديموقراطية أن ترفضه بحزم، ولو أدى بها ذلك عملياً، الى مشاطرة الموقف المعلن لأكثر الحكومات العربية فساداً وركوداً. بمعنى آخر، لا يمكن اخضاع مفهوم «السياسة الشرعية» لمبدأ التجريب، كما لا سبيل لأي مواءمة أو خلط بين هذا المفهوم وبين المنظومة الدستورية، الا إن أريد بذلك تفريغ المنظومة الدستورية من فحواها أو جدواها، بقصد ذرّ الرماد في العيون.
وكي يكون كلامنا أوضح من ذلك، لا بأس لو عدنا الى محاكاة نمط الأسئلة «الجذرية» التي يطرحها العرب والمسلمون على أنفسهم أو تطرح عليهم، والتي جلها تنويعات على سؤال أين الخطأ، أو أين العطب، أو أين المشكلة. هذا يقول لك إن المشكلة في التخلف الثقافي وذلك في التأخر الاقتصادي وذاك في الاستبداد السياسي. ويتسابقون جميعاً الى تبرئة «الاسلام» بما هو اسلام، على اعتبار أن المشكلة ليست «في الاسلام»، وانما في اسلام ما، هو عند السلفيين اسلام التقليد والقياس الذي ينبغي تجاوزه بالعودة الى «ذاك الجيل»، جيل الصحابة والتابعين، وفي حد أقصى تابعي التابعين، أي الجيل الذي يقترن فيه دين الوحي بدين الفطرة، وهو عند القوميين اسلام الموالي والشعوبيات ويكون التطهّر منه بالعودة الى اسلام الخيول والفتوحات، وهو عند اليساريين اسلام الخراج والآتاوات وينبغي مواجهته باسلام آخر، قُدّ على النمط «السبارتاكي»، ويمكن أن يستدل به بالافتتان اللفظي لليساريين بالقرامطة أو بثورة الزنج، وثمة أيضاً من يوجه التهم الى اسلام الاستبداد، باسم اسلام الفرق والصوفية. وبعد كل شي ء ثمة من يجد أن المشكلة في الاسلام السني، والبديل يكون اما في الاسلام الشيعي واما في تشييع التسنن.
المشكلة هي في هذا النوع من الأحكام التعسفية، التي تؤسس في النهاية لمزيد من الهيمنة «الثقافية» للحركات الاسلامية ولمظاهر الوسوسة والتزمّت على مجتمعاتنا العربية. يكون الاقلاع عن هذا الكم من الأحكام الفاصلة بين اسلام حقيقي وبين اسلام زائف، أو بين اسلام خيّر وبين اسلام باطل، بأن لا نعود نرى المشكلة في اسلام ما، انما المشكلة هي في مكان ما من الاسلام، وفي مكان ما من التوحيد، وفي مكان ما من التديّن، وفي مكان ما من القدرة التخيلية عند الانسان، وفي مكان ما من اعادة اصطدام هذه القدرة التخيلية بحركة الواقع.
وبهذا المعنى المحدّد يمكن أن يقرّ بأن المشكلة هي فعلاً «في» الاسلام، في حين أن الحل لهذه المشكلة ليس يوجد «في» الاسلام، وليس يتوفّر أيضاً بالاقلاع عن الاسلام، نظراً لاستحالة طرح مثل هذا الأمر اليوم أو غداً أو بعد ألف عام. المشكلة هي في كل الفقه السياسي للاسلام، وتحديداً في استمرار هيمنة مفهوم «السياسة الشرعية» على كل تناول لمسألة شرعية النظم السياسية في العالم العربي، بما هي نظم تتراوح درجة تخليطها بين ما ورثته من نموذج «الدولة السلطانية»، وبين ما تعلمته من نموذج «الدولة الكولونيالية».
لأجل ذلك بالتحديد، ليس وصول أي حركة اسلامية الى الحكم بتفصيل يمكن التساهل معه. بل يخال كاتب هذا السطور أننا، اذا ما أخذنا الحالة الجزائرية بكل تعقيداتها، فان الحؤول دون وصول «الجبهة الاسلامية للانقاذ» الى الحكم، كان أفضل من تجريب حظها في اقامة حكم الانصاف والعدل والكفاية.
السفير
السياسة الشرعية ليست تفصيلاً الحمد لله على هذه النعمة!! المشهد: داخل محل بقالة عربية في كاليفورنيا. كانت متسربلة بالسواد من رأسها إلى أخمص قدميها، لا يظهر من وجهها سوى بعضُ خدّيها، أما عيناها فقد غطّتهما نظاراتٌ كبيرةٌ إذا أنتَ تجرّأتَ فوجّهتَ نظرك إليهما، فإنك لن ترى سوى صورة وجهك في عدستيهما الداكنتين. كانت تنتظر دورها مع زبائن آخرين وهي تحمل كيسين مملوءين بالخضار والفواكه، بينما كان حَرَمُها منتصباً قربها بكرشه الكبير يحمل محفظته بيده استعداداً لدفع قيمة المشتريات. التفتت إليها امرأة كانت أمامها لم تختلف في لباسها عنها كثيراً، ما عدا أن وجهها كان أكثر سفورا، وباشرتها بالكلام بقولها، “كيفك… قراءة المزيد ..
السياسة الشرعية ليست تفصيلاً سيدتي : إستشرافات جيدة وتحديد دقيق وإحاطة متمكن , لي رأي متواضع آمل أن تسمحي لي بطرحه: 1-الإسلام ليس دولة ,الإسلام دعوة تتمم مكارم الأخلاق . 2-الفقة صنعة بشرية ألبس لباسا إلاهيا , 3-تشعب الفقة حسب مصالح الفئات وفسرت الآيات بما يتناسب والرغبات . 4- وضعت الأحاديث بما يقوي رأي واضعها 5-علم الجرح والتعديل إخترع لتضعيف شيء وتقوية شيء . 6-وإن كان القرآن علي لسان الرسول عليه السلام قال(اليوم أكملت لكم دينكم ) وإن كان رسول الله منع كتابة الحديث وجاء في القرآن على لسانه (قل إنما بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلاهكم إلاه واحد )… قراءة المزيد ..