الفلسطينيون أيضاً وقعوا في محظور الانقسام الوطني الدموي الحاد. لم تسعفهم شراسة عدوهم الواحد، وتصميمه على تركيعهم وتحويلهم الى فئران تجارب لصناعة السلاح المزدهرة عنده منذ 11 سبتمبر… هم ايضاً التحقوا بالوتيرة الجهنمية التي سبقهم اليها العراقيون واللبنانيون.
ولئن «تفهّم» المرء قليلا «المكوّن» الطائفي التاريخي للبنان؛ والذي كان ينقسم على نفسه لأسباب ابسط من الصراع الاقليمي-الدولي الدائر الآن على ارضه… ولئن خُذل الظانّ بأن العراقيين عراقيون، واذا بهم مذاهب وعشائر… فهو يحار امام الفلسطينيين. كل الصلف الاسرائيلي لم يصدّ انقسامهم الدموي الحاد. وحدتهم شرط من شروط نيل دولتهم. مطلبهم الآن. شطروه بالسيف وادخلوا بذلك عدوا ثانيا الى عدوهم الاول. ايران. العراقيون سبقوهم. وهم الآن ايضا، بدلا من عدو واحد، الجيش الاميركي، صار لهم عدوان. هذا فضلا عن الانقسام اللبناني بين اثنين ايضا: إما سورية وايران، وإما اسرائيل واميركا….
الشعوب العربية الاخرى لا تضمر الأفضل. ترزح تحت جمرة من الانقسامات. المصريون مُعْفون من الانقسام الدموي الحاد. ولكنهم معرّضون لأقوى موجة طائفية عرفها تاريخهم الحديث حيث التنازع الآن بين: «الاقلوي»، أي القبطي، و»الطائفي»، أي المسلم. (بحسب بيان لنخبة من المثقفين المصريين الاقباط. «مواطنون في وطن واحد»- 6-9-2007). في مناخ من التراجع العام للعلاقات الاسلامية المسيحية، و»تأثر الجسور التي بنيت بينهم»، الامر الذي ينذر «بالخطر».
زاوية نظر اخرى: في ظل نفس الهجمة على المنطقة العربية، والتي يفترض ان توحد دولها وشعوبها… ماذا ترى العرب يفعلون؟ ينقسمون، ينفردون، يتباغضون، يشنون الحملات على بعضهم، يتنافسون على كسب الادوار الثانوية. وبين شعوبهم الوضع لا يختلف. اللبناني-السوري. المصري-السعودي. السوري-العراقي. الفلسطيني-اللبناني… والى ما هنالك. وما بينهم من شوفينية وعنصرية وكيمياء مضطربة (يمكن التسلّي بهكذا نوع من التنافر في المجلات المسماة مخملية. في احداها يتساءل عنوان مقال فيها «من قال ان الجمال حكر على اللبنانيين فقط؟». مع صورة لعشرة نجوم مصريين تعتبرهم المجلة «أحلى من اللبنانيين»…).
زاوية نظر ثالثة. الهوية الاسلامية الجامعة والواحدة. ألم يكن دعاة الاسلامية اصحاب الاعتقاد بأن ما يسمونه «هوية اسلامية واحدة» هو سلاحهم الأمضى ضد المعتدين؟ هل نجح هؤلاء في توحيد المسلمين؟
كما ترى على الساحة، الجواب طبعا لا. فقبل ان يبلغ دعاة الهوية الاسلامية السلطة الرسمية، كانت هيمنتهم الفكرية ادت قسطها من دفع الانقسام الطائفي الى العلى. الانقسام البدائي، الاولي، الذي يزيح اولا المسيحي، وطبعا اليهودي، من منظومة «هويته»: غير مسلم؟ اذاً «جزية». باختصار، ومن غير لفّ او دَوَران، من دون تذويقات إعلامية، هي «جزية»: إن لم تكن مالية وصاغرة وبحسب الطقوس التقليدية، فجزية ضمنية، ملفّقة، وصغيرة. فأينما حلّ دعاة الهوية الدينية، حلّت القسمة بين مسيحي ومسلم.
الطبقة الثانية من الانقسام داخل الاسلاميين انفسهم، ودعاة «المرجعية»… رافعي الهوية الواحدة كسلاح ضد العدو: الانقسام السني-الشيعي الكبير وتفرعاته… الانقسام الشيعي-الشيعي في العراق؛ ولاحقا في لبنان رغم وحدة المرجعية. فيما اشد الانقسامات الاسلامية ضراوة، اكثرها توليداً للمزيد من الانقسامات تلك الانقسامات السنية، شبه الفوضوية، والتي قد تجد لها «أميراً» في ابعد بقاع السنة، كما تجد لها منبرا في اقدم الجمهوريات المدنية… انظر الى آخر صيحات أيمن الظواهري، الرجل الرقم اثنين في «القاعدة». يدين ويصرخ ضد بيان «الجماعة الاسلامية» المصرية الداعي الى التخلّي عن العنف. إنشقاق جديد من بين انشقاقات تتناسل بين اسلاميي مصر ولبنان وفلسطين والعراق…
يكفيك ما اختلفت عليه فصائل فلسطينية «اسلامية»، إرهابية أو»مقاومة»… تتبرّك كلها بالقضية الفلسطينية. من «حماس» الى «الجهاد الاسلامي» الى «الجيش الاسلامي» الى «فتح الاسلام» الى «جند الشام» الى «عصبة الانصار»… وايضاً… «القاعدة». وآخر مفارقات هذا التذرّر: ان «عصبة الانصار» الفلسطينية الاسلامية، الفارة من العدالة بعد اتهامها باغتيال اربعة قضاة لبنانيين من على منابرهم، مكلّفة الآن بصدّ «جند الشام»، الاسلامية الفلسطينية ايضاً، عن الجيش اللبناني…
هل نكرر بأن هذه انما هي من أفعال «مؤامرة امبريالية صهيونية»؟ تطيمنا لضمائرنا المرتاحة اصلا، والتي لا تحب ما يعكر صفوها؟
كل امرىء يعرف في قرارة نفسه ان البغضاء التي يكنّها للطرف الآخر اقوى من اية «ارادة خارجية». لكنه لا يريد ان يبوح. فلو باح تحمّل مسؤولية بَوحه. والمسؤولية تحديداً هي ما يتم تجنّبه… بالامعان في الانقسام.
وبهذا تتوالد العداوات. لا عداوة «الخارج»، وقد ضوعف عددها، بل عداوة «الداخل». لكل منا على الاقل اربعة او خمسة اعداء محليين. ولكل منا بالتالي «مكوّنات» هوية سلبية، قائمة على النفي. والطبقات فوق بعضها. مهما طالها الشفاء من «شوائبها»، من «تغرّبها»، من تعكّر «صفائها»… انها من طبيعة العداوة التي انبنتْ عليها. تذرّرية وطائشة.
في العراق، فلسطين، لبنان… انفجار الهوية الوطنية امام العدو الخارجي المباشر. تضاعف عدد الاعداء. تنكر للهوية الجامعة. صياغة «الهويات» المبعثرة بدماء العنف. كل هذا فيه شيء من الانتحار الإلتحامي… الملحمي ربما. انفجار في اقصى لحظات الحاجة الى التعاضد والتكامل والتضامن. شيء يشبه الانتحار. كأن المنطقة تقول جماعةً «بما اننا عاجزون، حتى عن حقن دماء بعضنا… فلنكن قادرين على الموت»… ونكون بذلك قد تجاوزنا الدونكيشوتية. فالمسكين دون كيشوت كان يهلْوس بالاعداء والاعتدآءت. اما نحن فنهلوس بالاعداء وبالإنتصار عليهم. وعبر موت حتمي… لا مجرد أذيّة دونكيشوتية، تقتصر على بضعة رضّات في انحاء الجسم!
dalal_el_bizri@hotmail.com
الحياة
انقسامات وطنية-قومية-دينية: بؤس هويات الانتحار…
لقد ادرك نبينا العظيم محمد عليه الصلاة ما ستؤول اليه هذه الامه عندما قال “ويل لامتي من بعدي .لانها انحس امة اخرجت للناس .واصبحت اتمنى لو كنت من قبائل الامازون الذين لايعرفون شيئا .
انقسامات وطنية-قومية-دينية: بؤس هويات الانتحار…
لقد قالها النبي العظيم سيدنا محمد عليه السلام ” ويل لامتي من بعدي ” لقد ادرك بما ستؤول اليه هذه الامه .للحقيقه انها انحس امة اخرجت للناس.