لست بحاجة لأبحث عن جذور سوائب فتح الاسلام. فالمكتوب يقرأ من عنوانه، وكل تطورات أزمة الفتنة الأخيرة (تنفيذ تهديد تفجير لبنان) كشفت الكثير من الأوراق، وستكشف المزيد مع الأيام، وقد تكون أحد الأدلة الدامغة على التلاعب بالمصير اللبناني، عبر تحويل لبنان الى ضلع استراتيجي متقدم للنظامين الفارسي والسوري.
انا على ثقة أن الشعب اللبناني سيصون شرعية دولته.. اليوم بقمع سوائب فتح الاسلام.. وبعدها بمحاسبة كل من تطاول على شرعية لبنان، من شخصيات ومنظمات ودول.
ان اقحام اللاجئين الفلسطينيين، عبر منظمة اصولية ارهابية.. هو جريمة أخرى تضاف لحساب المتطاولين على مصير لبنان ومصير الشعب الفلسطيني.
وفعل بحكمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حين أعلن بوضوح وبشكل لا يفسر على وجهين، ان الفلسطينيين مع الشعب اللبناني في مواجهة واحدة مع المنظمة الارهابية التي اعتدت على الشعب اللبناني. وهذا ما يجب أن يكون !!
حقا الارهاب الأصولي لفتح الاسلام يلحق الأذى أولا بالشعب اللبناني، والوطن اللبناني والشرعية اللبنانية. واقحام اللاجئين الفلسطينيين والاحتفاظ بهم كرهائن ودروع بشرية، هو جريمة أخرى لاتغفتر للسوائب الارهابية، ومن يقف ورائهم.
يجب ان لا يكون أي مبرر يمنع قمع هذه الحثالات البشرية. ومقياس الوطنية اللبنانية ووطنية كل واحد منا، لبنانيا كان أو عربيا، والمقياس لكل انسان عاقل ومتزن، هو بمدى الاستعداد لدعم الشرعية اللبنانية في هذه المواجهة المصيرية، لأن المخفي وراءها أشد رعبا كما يبدو.. ومن هنا أهمية الحسم !!
لفت انتباهي المنتصر اللألهي ، شيخنا الذي أشبعنا ثرثرة وطنية، عن تحرير التراب الوطني اللبناني حتى آخر شبر. هذه الغيرة الوطنية توقعت أن أراها في صيانة حرمة أرض لبنان من الرعاع الارهابيين، الذين يشكلون خطرا يتجاوز خطر الأحتلال.
الاحتلال مؤقت وسيندثر عاجلا أم آجلا، اما الارهاب الاصولي المنفلت بلا قيود، قتلا وذبحا للأبرياء بلا حساب، فهو حالة تقتضي اليقظة والعمل السريع لتنظيف لبنان وطنا ومجتمعا. توقعت من المنتصر الذي “هزم ” اسرائيل، أن يعطي الأوامر لرجاله بمساعدة ” دولتهم ” اللبنانية على صيانة حرمة الوطن وكرامته، وأمن المواطنين. لم أستهجن اطلاقا ان يتلعثم شيخ المنتصرين.. ثم ينطق كفرا. أن رفض الشيخ نصرالله استعمال القوة لاجتثاث جماعة فتح الإسلام الإرهابية من مخيم نهر البارد، واعتبار الدخول عنوة إلى المخيم بمثابة خط أحمر، في مقابل تأكيده على أن الجيش اللبناني هو خط أحمر كذلك، هي مساواة واضحة بين هذه المجموعة الإرهابية والجيش، هو موقف كاريكاتيري. هل يريد سيادته صيانة أرواح من ذبحوا الجنود اللبنانيين وهم نيام ؟ أين تلاشت حماسته القتالية ضد المعتدين على تراب لبنان ؟! هل صواريخه لها اتجاه واحد في خدمة أطراف لا ترى عدساتها المكبرة الا شمال فلسطين ؟ يجب عدم السماح بتحويل المصير الفلسطيني الى تجارة للمارقين. ان مستقبل لبنان يا شيخ ليس أقل أهمية من مزارع شبعا. ما قيمة مزارع شبعا بلا لبنان، المنارة الحضارية في ليل العالم العربي الدامس.. أعرف انك تريده نظاما ملاليا، تماما كما كنت تفعل بالجنوب قبل تحريره ودخول جيش الشرعية اللبنانية اليه.
ان حرصك على سلامة “فتح الاسلام” مثيرة للشكوك. ما الذي تخفيه ايها “السيد” من أسرار عن فتح الاسلام، تجعلك ترفض تنظيف لبنان من عناصرها، زمرة القتلة والمتطاولين على شرعيته؟!
اليست طرابلس أرضا لبنانية يعيث بها بعض الارهابيين فسادا وقتلا وتدميرا ؟ بماذا تختلف، يا شيخنا، جرائم القتل التي ارتكبها جنود اسرائيل في لبنان عن جرائم القتل التي يرتكبها سوائب فتح الاسلام في النهر البارد ؟ اني ارى جرائمهم أكثر بشاعة لانهم جاءوا لذبحع أهل لبنان من داخل لبنان ( او من عند جيرانه – لا فرق ) والأهم ما الذي يؤلمك من القضاء على مجموعة هناك اجماع لبناني (ما عداك) على كونها مجوعة ارهابية بلا قيم ؟!
الم تنتصر على اسرائيل انتصارا الهيا ؟ هل تعجز سيادتك عن لجم مجموعة مارقة… لا تريد للجيش أن يقمعها.. ؟ ما هو دور الجيش اذن ؟ ربما تريد للجيش أن يعود الى ثكناته وانعزاله.. لتسرح وتمرح؟!
لم أشعر بفخر بجيش عربي كما أشعر اليوم وانا أرى الجيش اللبناني يهب لصيانة وحدة لبنان وشرعيته.. ولا يتردد في تنظيف المجتمع اللبناني من الأعشاب الضارة، أعشاب كان يجب قلعها يا سيد قبل أن يجرؤ احد على التصرف بشرعية الوطن اللبناني. والمثل العبري يقول “أفضل بتاخير من عدم القيام بالشيء” .. وهذا يا سيد ما يخيفك.
ان لبنان منارة دمقراطية في واقع عربي استبدادي.. ليست محكمة الحريري فقط.. انما النموذج اللبناني هو المخيف أيضا.. مع كل نواقصه.
ان دعم الولايات المتحدة للبنان، هو ضمن التصرفات الأمريكية السليمة. حقا نحن نكرة السياسة الأمريكية، ومن مثلنا نحن الفلسطينيون يعرف موبقات السياسة الآمريكية، ونعرف موبقاتها في العراق، ونعرف تحالفها الدنس مع الأنظمة العربية الاستبدادية، ولكن عندما تتصرف بمنطق سنقول رأينا بصراحة.. ان دعم لبنان ونظامه الدمقراطي يشكل فاتحة خير للقوى الدمقراطية نرجو أن نرى استمراريتها. واذا لم يعجب هذا الأمر، بعض اصحاب الظواهر الصوتية، وما أكثرهم بين عربنا.. فليمدوا أيديهم بدعم لبنان وانقاذه من المؤمرات المتلاحقة، ربما يهدف المنتصر الألهي من خطوطه الحمراء نوسطالجيا تاريخية – اعادة لبنان لوضع شبية بحالة الانهيار التي جعلت العالم يستنجد بسوريا.. وكلنا نعرف نتائج الانقاذ الذي لم ينته الا بانتفاضة لبنانية عارمة و بتدخل وضغط دولي غير مسبوق لم يكن بالامكان تجاهله.
قلبنا مع هذه الدولة الصغيرة التي يشع نورها الحضاري في كل المشرق العربي، والتي كانت وستبقى الحاضنة الفكرية والثقافية لأبرز المفكرين والأدباء العرب، حتى ينجلي الظلام الفكري من دنيا العرب…
أجل.. نخاف على هذه المساحة الصغيرة من العقلانية والحرية والتنور.. خوفنا على بؤبؤ العين، في عصر امة تنشغل برضاعة الكبار، وارحام النساء وذكورية الحيطان وحرث الأرحام في الجنة !!
هل بالصدفة يا ” سيد ” ان تلفزيون القرضاوي (الجزيرة) كان الوسيلة الاعلامية الوحيدة، التي شاطرك القلق على عصابات فتح الاسلام ؟!
nabiloudeh@gmail.com
نبيل عودة – كاتب، ناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة