لي صديق سوري مغترب يعمل في إحدى الشركات الكبيرة في الخليج، وكما هي حالة معظم الفارين من بطش نظام البعث، كان الرجل كفؤاً جداً وفي غاية التميز في أداء عمله فحصل على ترقيات سريعة أهلته ليصبح في السادسة والعشرين من عمره واحداً من عشرة مدراء يخططون أعمال الشركة التي توظف ما يزيد على ألف موظف.
هذا الصديق كان موضع تندر زملائه في العمل ومنهم زميل مصري يكبره بعشرة أعوام على الأقل لكنه كان متأخراً عنه وظيفياً وكان عندما يطلب منه مراجعة صاحبنا السوري يعلق ضاحكاً: الآن الموضوع بين يدي الطفل المعجزة بتاع الشركة.
تذكرت قصة الطفل المعجزة وأنا أشاهد الحملات التي تقوم بها أجهزة الأمن السورية لسوق المواطنين إلى التعبير عن رأيهم بحرية والتصويت بـ (نعم) على إعادة انتخاب السيد الرئيس الدكتور الفريق الرفيق بشار حافظ الأسد لولاية (دستورية) ثانية مدتها سبع سنوات.
طبعاً هم الآن ينادون بولاية دستورية لأنها لا تخالف الدستور من ناحية كونها الثانية، كما أن فخامته الآن ينطبق عليه الدستور (الأصلي) الذي يشترط أن يكون عمر رئيس الجمهورية أربعين عاماً على الأقل، وهو ما لم يتوفر في الولاية الأولى فتم تعديل الدستور حينها ليفصل على مقاس الطفل المعجزة الذي لم يوجد في سورية كلها شخص غيره يصلح لرئاستها.
اليوم، بعد سبع سنوات من الوعود الزائفة، والخطب الرنانة الجوفاء، لا يزال الطفل المعجزة يمثل الأمل الوحيد لسورية في التقدم والتطور، وهو الوحيد الذي يفهم في كل شيء بدءاً من الطب وانتهاء بالسمكرة، وهو الذي أدار المواجهات (مع الولايات المتحدة الاميركية و اسرائيل ومن معهما غربيا و عربيا في كل من فلسطين و العراق و لبنان و التي انتهت بانتصارات مدوية لسورية و لبشار الأسد باعتراف الجميع مما أعاد سورية و رئيس سوريا للعب دور أساسي و محوري في هذه المنطقة الهامة من العالم بعد أن كدنا نعتقد أن سوريا في طريق عودتها الى مرحلة ما قبل حافظ الأسد كرة تتقاذفها أقدام اللاعبين الكبار في المنطقة والعالم) على حد قول د. ماهر ياسين في نشرة (كلنا شركاء في الوطن) التي يصدرها في دمشق من يسمون بالبعثيين الإصلاحيين، ولم يقف د. ياسين عن حد التأكيد على أنه سيصوت بنعم لسيادة رئيسه الذي سيرشحه مجلس شعب انتخبه خمسة بالمائة فقط من الشعب السوري، بل ختم مقاله بقوله: (ومبروك مقدما لسوريا وللسوريين وللرئيس ولاية رئاسية ثانية مليئة بالنجاحات و الانتصارات و الانجازات إن شاء الله.
والنصر للأمة) هكذا يقرر الرفاق في دمشق أن التصويت سيكون (نعم) وسيفوز الرئيس بولاية ثانية مليئة بالانتصارات بدءاً من انتصاره التاريخي في 26 نيسان 2005 الذي انسحبت فيه مخابراته الإجرامية من لبنان، مروراً بتسل المفاوضات مع الإسرائيليين عبر أي وسيط كان، وانتهاء بتعذيب من تشتبه بهم المبحث الأمريكية نيابة عن (أعدائه الإمبرياليين) الذين يهاجمهم صباح مساء ولا يتوانى عن تقبيل أقدامهم سراً ويرجو أن يطلعوه على ما يرضيهم كي ينفذه كما صرح سفيره السابق في الأمم المتحدة ونائب وزير الخارجية الحالي د. فيصل مقداد.
نشرة كلنا شركاء نفسها، خصصت ملفاً لمتابعة الاحتفالات (العفوية) في أنحاء سورية وما يخص عملية الاستفتاء الكوميدية وقد حمل الملف عنواناً مضحكاً مبكياً في آن، وهو (ملف تجديد البيعة: بلد عصري لرئيس عصري) .. نعم .. البلد هو الذي يجب أن يتغير ليتلاءم مع رئيسه العصري الذي يعتقل معارضيه المسالمين الذين يتجرؤون على إبداء رأي يخالف رأيه ويحكم بسجنهم سنوات بتهم أكثر إضحاكاً وإبكاءً (كنشر أخبار كاذبة) و (إضعاف الشعور القومي).
هذا هو الطفل المعجزة الذي عقمت النساء أن يلدن مثله، بعد أن نجح في عزل سورية عن محيطها العربي، وأفسد علاقات تاريخية مع أهم أشقائها العرب ممن دافعوا عنه وساعدوه يريد المنتفعون من حزبه الجاثم على أنفاس البلاد منذ أربعين عاماً أن يصوروه لنا المنقذ والأمل الوحيد لسورية ويصور لهم خيالهم المريض أن هناك من يصدق كلامهم من الشعب.
ما دمنا بدأنا بطرفة من إخواننا المصريين، فلنختم بأخرى، فبعد زيارة لسورية عام 2002، اتصل الزائر المصري بصديقه السوري المغترب ليعاتبه على تقبل الشعارات المرفوعة في دمشق، قائلاً باستغراب: كيف تكتبون إلى الأبد يا حافظ الأسد؟ وإن كانت نفاقاً فلماذا لم تزيلوها وقد مات منذ سنتين؟ لم يجب صاحبنا السوري واكتفى بالتنهد. بعد أشهر عاد المصري للاتصال بصاحبه السوري معتذراً عن توجيه السؤال إليه، ومؤكداً أنه يعرف الآن أن الشعب السوري يعرف ما سيكون، لأن بشار الأسد سمى ابنه (وهو سيكون خليفته في الحكم) حافظاً.
الآن فقط يصح شعار (إلى الأبد يا حافظ الأسد).
كاتب سوري
mahmoud@ceoexpress.com