أحتفظ بأرشيف خاص للفتاوى التي أجدها استثنائية. فلدي فتاوى بتحريم قراءة جريدة الشرق الأوسط، وتحريم بيع وشراء وإهداء الزهور للمرضى، وتحريم تركيب «الدش»، وتحريم مشاهدة قناة الجزيرة، وتحريم أكل ذبائح الأخوة الشيعة، وتحريم تصوير المشايخ بالفيديو، وتحريم التصفيق، وغيرها.
وأضفت إلى الأرشيف مؤخراً فتوى «جواز الزواج بنية الطلاق». وهذه الفتوى أدلى بها عالم سلفي فاضل أمام مجموعة من الطلبة الذين يستعدون للسفر خارج السعودية لإكمال تعليمهم حيث قال بجواز الزواج بنية الطلاق «إذا خشي المبتعث على نفسه الفتنة، وعلى أن لا يخبر الزوجة بنيته، وأن تتوافر فيه شروط الزواج الصحيحة». والجدير بالذكر أن هناك انقسام حول هذه الفتوى بين العلماء السلفيين السعوديين. فأكثرهم قال بها، وقليل منهم رفضها.
ويا لها من فتوى! ففي رأيي إن القول بجواز هذا الزواج لا يختلف في «النوع» عن زواج المتعة الذي ننتقد الأخوة الشيعة بسببه. ولكن زواج المتعة أفضل في «الدرجة» لأنه أكثر احتراماً للمرأة حيث يكون كلا الطرفين على علم بنية الآخر. أما الزواج بنية الطلاق فيحوي على قدر لا يستهان به من التدليس والغدر الذكوري.
وهذه الفتوى تبين بوضوح ما يعاني منه العقل الفقهي السلفي من تناقض واضح. فهو – مثلاً – يحرم قيادة المرأة للسيارة من باب «سد الذرائع» أي حتى لا تقع المرأة في مفاسد مثل الخلوة والاختلاط وغيرهما من الأمور التي يرى أنها غير جائزة. وفي الناحية الأخرى يفتي بجواز الزواج بنية الطلاق رغم ما يؤدي إليه مثل هذا الزواج من «فتح الذرائع» للمفاسد. سبحان الله: كيف نسد الذرائع هناك في تحريم قيادة المرأة للسيارة رغم الفائدة العظمى المتحققة من قيادة المرأة للسيارة بنفسها والاستغناء عن السائق، وفي المقابل نفتح الذرائع للنفس البشرية ذات الغريزة الجنسية المستعرة التي ستنزع – بدون شك – نحو الاستغلال السيئ لمثل هذه الرخصة؟! ثم دعونا نفرض أن هذا العالم السلفي الفاضل كان هو والد الفتاة في بلاد الغربة، فهل يرضى لابنته أن تتزوج بشاب سعودي يضمر مثل هذه النية؟
مشكلتنا الأساسية هي في الالتزام الحرفي الظاهري لبعض النصوص بدون فقه للواقع. نحن بحاجة لعقول عمليّة وجريئة مثل عقل عمر رضي الله عنه الذي أوقف حد السرقة في وقت المجاعة المعروف بعام الرمادة. ولكنني – بصراحة – متشائم كعادتي وأعتقد أن أرشيفي سوف يزداد حجمه مع مرور الوقت!
hamadalisa@yahoo.com