أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن عدد من الإجراءات والتدابير بهدف ضبط وتدبير الحقل الديني . ورغم أهميتها ، فإنها لن تحقق الأهداف التي حددها جلالة الملك إلا إذا اقترنت بتدابير وإجراءات أخرى . ذلك أن الأهداف التي حددها الملك يأتي في مقدمتها :
ــ وحدة المجتمع والمذهب .
ــ نشر ثقافة التسامح .
ــ تصحيح صورة الإسلام .
ــ الانفتاح على قضايا وثقافات العصر .
ــ تحصين الأجيال من التيارات الدخيلة والهدامة .
إن تحقيق هذه الأهداف يقتضي أولا إرادة قوية لدى وزير الأوقاف ، ثم اتخاذ إجراءات مضبوطة تقطع مع “زمن التساهل” وحالة “السيبة” التي كرسها الوزير السابق العلوي المدغري الذي ترك الحبل على الغارب للأئمة والخطباء والشيوخ والدعاة يفتون على هواهم ويوجهون الناس تبعا لقناعاتهم الإيديولوجية . وتكفي شهادة عبد الباري الزمزمي التالية للدلالة على حالة الفوضى والتسيب على عهد المدغري الذي ( حتى خطبة الجمعة لا يتدخل فيها ، ولا يشير على الخطباء أن يخطبوا في موضوع معين إلا في المناسبات الوطنية ، كعيد العرش .. وحتى تلك الخطبة كما نص على ذلك الوزير بنفسه غير ملزمة بنصها ولفظها ، وإنما ترسل للخطباء الذين هم عاجزون عن إنشاء خطبة في المناسبة . إذن الوزير لا يتدخل في الخطباء )( الأيام عدد 7 بتاريخ 19 ـ 25 أكتوبر 2001) . وللأسف الشديد لا زالت حالة “السيبة” هذه سائدة ، كما لا زال الشيوخ والفقهاء المتطرفون يعتلون المنابر ، ليس فقط في المساجد الهامشية ، بل وفي المساجد الرسمية والكبيرة بالمدن المغربية . طبعا ليس مطلوبا من وزارة الأوقاف أن تتصدى منفردة لخطر التطرف والإرهاب ، لكن هذا لا يعفيها من مسئوليتها التي تقتضي التالي :
ـ بسط الإشراف والتوجيه على كافة مساجد المملكة .
ـ إخضاع جميع الأئمة والخطباء للتكوين وإعادة التكوين بما يتلاءم مع قيم العصر وثقافته وينسجم مع المشروع المجتمعي الحداثي الذي يطمح إليه المغرب قيادة وشعبا . إذ ليس مقبولا على الإطلاق أن يعتلي أئمة المنابر ليحرموا التعامل مع الغرب ويحرضوا على كراهية الحضارة الغربية ومناهضة مكتسباتها بحجة أن التعامل مع الغرب هو من “الولاء” المحرَّم .
ـ منع ومعاقبة كل إمام امتنع أو أصرّ على الخروج عن المذهب وترويج ثقافة التكفير والتطرف .
ـ إصلاح المناهج الدراسية في كل المؤسسات والشعب الدينية .
ـ المراقبة الشديدة لكل الكتب والمنشورات والأشرطة والأقراص المدمجة التي تباع في المكتبات والمعارض والأكشاك وبأبواب المساجد .
ـ تفعيل دور المجالس العلمية الإقليمية في نشر الوعي الديني وإشاعة ثقافة التسامح والانفتاح على قيم العصر ، وتنحية العناصر المتطرفة منها .
ـ مراقبة المؤسسات التعليمية غير الحكومية ، خاصة مؤسسات التعليم الأولي والابتدائي التي أصبحت مجالا يركز عليه الإسلاميون بغرض التحكم في تشكيل الأجيال على المقاس المحدد سلفا .
ـ تكثيف البرامج الدينية التي تتناول الإسلام كثقافة وليس فقط كأحكام وفرائض وبثها على أمواج الإذاعة وشاشة التلفزة ، مع مناقشة القضايا التي تهم كل مناحي الحياة حتى لا يبقى فراغ يستغله المتطرفون .
ـ دعم النشر في مجال العقيدة والثقافة الإسلامية المستنيرة .
ـ الإشراف على إنتاج اجتهادات متجددة في النصوص الدينية تستوعب الواقع في حركيته وتراعي مصالح الناس .
بالتأكيد أن تحقيق الوحدة على مستوى المذهب والعقيدة أمر مستحيل . لكن هذا لا يمنع من العمل على إيجاد قاعدة مشتركة تضمن اتفاق الأغلبية . في هذه الحالة يصبح الخروج عن الاتفاق محدودا ومحصورا وهامشيا . بينما اليوم نعيش النقيض ، بحيث أصبح الخروج عن الاتفاق والوحدة هو القاعدة . وهكذا مثلا باتت حتى البوادي تعاني من اعتراض المتطرفين على مراسيم تشييع الجنازة حيث يمنعون الناس من قراءة القرآن أو ترديد لا إله إلا الله محمد رسول الله خلف الميت أو غيرها من الطقوس والممارسات التي اعتادها الناس في عباداتهم ومناسباتهم الدينية والاجتماعية . لقد أصبح الغلو والتطرف يغزو العقول والعبادات والمعاملات ، وإذا لم تتصد الدولة بمختلف قطاعاتها ومعها المجتمع بهيئاته السياسية والمدنية والإعلامية ، فإن المنع والتحريم سيصبح هو القاعدة . ومن ثم سيصبح ما يوحد الشعب المغربي في خبر كان . إن الإسلاميين عموما ، والجماعات المتطرفة على وجه الخصوص ، يعملون على نشر عقائد لم يألفها المجتمع . ومن شأن هذه العقائد الدخيلة أن تدمر هذا المشترك بين المغاربة . وحتى يظل الغلو والتطرف هو الاستثناء المبغوض والمرفوض لا بد من العمل على تقوية عناصر الوحدة والمناعة بكل الوسائل ، وضمنها إمارة المؤمنين ، المذهب المالكي ، المجلس العلمي الأعلى للإفتاء ، يسر الدين وسماحته. والمجتمع هو كالجسم في مواجهة الخطر الخارجي الذي يتهدده بتقوية دفاعاته . ومجتمعنا هو في حالة الدفاع عن وحدته وأمنه واستقراره . لهذا لا نبخس أية وسيلة أو إجراء أهميته . لنفترض جدلا أن هؤلاء المتطرفين صاروا أغلبية أو تمكنوا من السلطة ماذا سيكون عليه الأمر فيما يخص الحريات العامة والفردية وحقوق المرأة وغيرها من المكتسبات الحضارية ؟ إن الإسلاميين على عقيدة واحدة هي التحريم والمنع كمقدمة لشرعنة القتل . وإذا كانت حركة “طالبان” بالبشاعة والهمجية التي جعلتها تحطم تمثال بوذا وتمنع النساء من التعلم والعمل والعلاج على أيدي الأطباء الذكور ، فإن حركة “حماس” ، رغم البدلات العصرية وربطات العنق الأنيقة ، بل ورغم المأساة التي يعانيها الشعب الفلسطيني من جراء القتل والحصار ، لم تتردد حماس في منع المهرجانات الفنية ومصادرة كتاب “قول ياطير” وهو كتاب تعليمي يتناول التراث الشعبي الفلسطيني . إننا أمام خطر ماحق بشقين :
ـ الأول يعمل على بَدْوَنة ( أي نشر قيم البداوة ) المجتمع والرجوع به إلى ما قبل المدنية . وهذا تتولاه التنظيمات الإسلامية التي تسمى “معتدلة” . وما يجري الآن في الكويت من رفض يَمِين وزيرة ، بل رفض حضورها إلى البرلمان بدون حجاب ، بعد أن فشلوا في منع النساء من المشاركة في الانتخابات ، إلا دليل قاطع على خطر “البدونة” الذي يتهدد مجتمعاتنا .
ـ الثاني يعمل على قتل الفكر والروح وتدمير الحضارة . وتقوم به الجماعات التكفيرية المتطرفة التي تكره الحياة وترفض المدنية وتناهض القيم الإنسانية . لهذا تلجأ إلى التفجير والانتحار .
إذن كل تراجع أو تباطؤ في مواجهة خطر التطرف سيجعل المجتمع بكامله ضحية العنف والإرهاب الديني الأعمى .
selakhal@yahoo.fr