النهاية المأسويّة للخطف بين خطّة النظام السوري للفتنة
وبين تمسّك 14 آذار بالدولة.. ومخاطرة جنبلاط بنفسه لإحباط الاستفزاز
عملية استخباراتية سورية لاستعجال الفوضى على أبواب المحكمة والرئاسة
المستقبل – الجمعة 27 نيسان 2007 – العدد 2598 – شؤون لبنانية – صفحة 2
نصير الأسعد
من نافل القول انّ النهاية المأسويّة لعمليّة خطف الشاب زياد قبلان والفتى زياد غندور، تشكّل عنواناً لمرحلة أمنية “نوعية” جديدة، وتُظهر بوضوح انّ ثمة من يستعجل التفجير في لبنان.
“الجهة” الخاطفة القاتلة: محترفة ومتمكّنة
بداية، ومع تجهيل الفاعل للحظات، لا مناص من القول انّ “الجهة” الخاطفة والقاتلة هي على قدر عالٍ من الاحتراف.. والإمكانيات. ويستدلّ على ذلك من “الهدف” أولاً، ذلك انّ المخطوفَين الشهيدَين سنّيان من جهة، ومن أسرتين تنتميان سياسياً إلى “الحزب التقدمي الاشتراكي” من جهة أخرى. ويستدل على ذلك من “الموقع” ثانياً، على اعتبار انّ العاصمة بيروت هي مكان إقامة وسكن الأسرتين وهي المستهدفة بـ”الترويع”. كما يستدل على الأمر ثالثاً من “القدرة”، سواء ما يتعلّق بالقدرة على المطاردة والملاحقة والقتل في مناطق وأحياء مختلفة أو ما يتعلّق بالقدرة على قيادة “أوركسترا” كاملة لتوزيع الشائعات المتنافية والمتعارضة الهادفة إلى “التلاعب” بأعصاب البلد وإلى تحضيره لـ”الأسوأ”.
مع تجهيل الفاعل، يقفُ التحليل عند هذه الحدود، أي حدود إثبات انّ الجهة الخاطفة القاتلة محترفة ومتمكّنة. بيد أنّ فكّ اللغز يقتضي الإجابة عن السؤال “التقليدي” الذي يُطرح في هذه الحالات: من المستفيد؟
الجريمة بـ”مقاييس” سورية: الشروط الموصوفة
جواباً عن هذا السؤال، لا تتردّد الأوساط السياسية المتابعة عن كثب للوضع اللبناني ومعطياته، في التذكير بأهمية إعتماد “قاعدة” المواقف المعلنة من أجل تبيّن من هو المرتكب المحتمل.
وفي هذا السياق، من الواضح انّ اعتماد هذه “القاعدة” يقود الى توجيه أصابع الاتهام باتجاه النظام السوري. فقد سبق لهذا النظام على أعلى مستوياته أن هدّد بـ”تكسير” البلد إذا دُفع باتجاه الخروج من لبنان. وسبق له أن تورّط في جرائم الاغتيال، وهذا ما أثبتته تقارير التحقيق الدولي، لا سيما في مجال حديثها عن “المناخ السياسي” لجريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وسبق للتحقيقات القضائية اللبنانية أن كشفت انّ تفجيرَي عين علق من “صنع سوري”، وان من قتل المواطن عدنان شمص في وطى المصيطبة في 25 كانون الثاني الماضي، سوري اعترف أمام التحقيق بجريمته ومثّلها في حضور قاضي التحقيق العسكري. وسبق لنظام الأسد أن هدّد لبنان بـ”القاعدة”.. وأن هدّده بالفوضى.
والحال انّ جريمة خطف المواطنَين قبلان وغندور وقتلهما تنطبق عليها الشروط “الموصوفة” لإحداث الفتنة و”تحقيق” الفوضى. فمن شأنها أن تشكّل استفزازاً للسنّة، وأن تدفعهم، في “المناخ” القائم في البلاد أي في “مناخ” الصراع السياسي الذي يستخدمُ بعض أطراف “المعارضة” التحريض الطائفي والمذهبي في إطاره، إلى الاستنفار ضدّ الشيعة. ومن شأنها أن تدفع باتجاه استنفار درزي ـ شيعي بما ان أسرتَي المخطوفَين تنتميان سياسياً إلى حزب وليد جنبلاط.
ولا شكّ أن توقيت عملية القتل يساعد على تنسيبها إلى النظام في سوريا. فهي عملية تحصل بعد أن بات واضحاً انّ المحكمة الدولية في طريقها إلى الإقرار في مجلس الأمن. وتحصل في مناخ التهديد بتعطيل الاستحقاق الرئاسي اللبناني وبإغراق لبنان في الفوضى مقدّمة لتعطيل هذا الاستحقاق. والأخطر انّها تحصلُ في وقت تتكاثر المعلومات عن بحث بين دمشق وبيروت، أي بين النظام السوري وحلفائه عن بدائل مِن هذا الاستحقاق الرئاسي.
السياق السياسي: محاولة إقامة حكومة عسكرية
وهنا، ثمّة معلومات أفادت انّ الجنرال ميشال عون زار دمشق سرّاً بالفعل. وتناول البحثُ بينه وبين المسؤولين السوريين الذين التقاهم، إمكان تشكيل حكومة عسكرية بالتزامن مع انتهاء ولاية إميل لحود، بحسب هذه المعلومات التي تضيف انّ البحث تناول أيضاً إمكان قيام هذه الحكومة العسكرية إذا تشكّلت باستدعاء تدخّل عسكري سوري. والمعلومات المشار إليها تعني انّ النظام السوري يسعى إلى إنجاز إنقلاب كامل في لبنان يمهّد له خلال الشهور المقبلة بفوضى. واللافت انّ “التيار العوني” الذي ردّ أول من أمس على كشف الزميل فيصل سلمان لمعلومة زيارة عون السريّة إلى سوريا، اعتبر المعلومة فكاهة لا تستحق النفي، ولم ينفِها تالياً.
ومع ذلك، ليست هذه المعلومات إلا من باب لفت الإنتباه إلى طبيعة ما يخطّطه النظام السوري للبنان في الفترة المقبلة. وبهذا المعنى، فإن عملية الخطف تقع تماماً في هذا السياق السياسي.
إذاً، في القراءة “السياسية” لعملية القتل، لا يخطئ التقدير بأن المخابرات السورية، أي جهة مخابراتية سورية، هي من قام بها ونفّذها.
محاولة توريط “حزب الله”
على انّ في هذا التقدير جانباً خطيراً لا يجوز إغفالهُ.
انّ الجريمة الإرهابيّة نفّذت في توقيت وفي ظروف بحيثُ يتمّ “تلبيسها” الى “حزب الله”. وهنا الخطورة بالفعل.
فمن الواضح انّ من خطط لهذه العمليّة استغل الى اقصى الحدود “الاشتباك” الحالي لحزب الله مع الجميع بدون استثناء. إستغل “اشتباك” الحزب مع “تيار المستقبل” في ضوء الاتهامات المتصاعدة التي يطلقها “حزب الله” في وجه التيار ورئيسه سعد الحريري. وإستغل “اشتباك” الحزب المتصاعد مع وليد جنبلاط. وإستغل “الاشتباك” الحزب اللهي مع “القوات اللبنانية” ورئيسها سمير جعجع، وهو “الاشتباك” الذي يستحضر “حزب الله” في إطاره أجواء الحرب الأهلية.
لذلك، لا تردد في القول ان الجريمة، بصرف النظر عن أدوات التنفيذ أو بعضها أو بعض “لوجستياتها”، انما تهدف الى توريط “حزب الله” في مشكلة كبيرة والإساءة إليه. ولا يمكن منطقياً افتراض غير انّ ثمة محاولة مخابراتية سورية لتوريط الحزب كي تأخذ الفتنة مداها. وعلى هذا الأساس لا يمكن منطقياً الا إعتبار انّ للحزب مصلحة حقيقية في المساهمة في كشف المجرمين.
الحريري ورفض الفتنة
حيالَ هذه الجريمة، كيف أدّى فريق 14 آذار؟.
لم يخرج أداء زعيم “المستقبل” سعد الحريري عن سياق المواقف السياسية والعملية التي اتخذها يومَي الثلاثاء والخميس الأسودين في 23 و25 كانون الثاني الماضي. أدرك ان ثمة من يستعجل الفتنة ويريد تفجيرها. أعلن ان هناك متضرراً ومتضررين من مسيرة استكمال الاستقلال اللبناني. دعا الى ضبط النفس والهدوء، وأكد ان لا بديل من الدولة ومؤسساتها لحماية اللبنانيين. وكان الحريري قرَن في كانون الثاني الماضي القول بالفعل، فكثيرون من أنصار “المستقبل” أوقفوا في أحداث ذلك الشهر، واستمر عدد كبير منهم موقوفاً أسابيع، ولا يزال بعضهم موقوفاً. وبقي هو ملتزماً بالدولة، داعياً المناصرين الى عدم الانزلاق الى الفتنة مهما كان حجم الاستفزازات.
جنبلاط يحبط محاولات الاستدراج
كذلك كان موقف زعيم “الاشتراكي” وليد جنبلاط. ففي 23 كانون الثاني الماضي سلّم جنبلاط مطلق النار في صوفر الى الاجهزة الامنية ولا يزال موقوفاً. وفي 25 من الشهر نفسه تم توقيف عدد من مناصري “التقدمي” واستمر توقيفهم أسابيع… الى ان تم الكشف عن مرتكب جريمة قتل عدنان شمص.
وفي الفترة الماضية، تنفيذاً لتهديدات رأس النظام السوري بان “لهذا النظام دروزاً يمكنهم ان يحرقوا الجبل على رأس جنبلاط”، وهي التهديدات التي أبلغت الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الاجتماع المعروف بينه وبين بشار الاسد في آب 2004، شهدت مناطق عدة من الجبل حوادث تخريبية من جماعات النظام في دمشق. ردّ وليد جنبلاط بالدعوة الي ضبط النفس وعدم الانجرار الى الاستفزاز. وأكثر من ذلك خاطر جنبلاط بجولات ميدانية ثلاث حتى الان على بلدات الجبل وقراه متمسكاً بالدولة. وفعل الشيء نفسه في وطى المصيطبة أول من امس، إذ توجه “على الأرض” مخاطراً مرة أخرى من أجل التهدئة.
وليس خافياً ان جنبلاط يتعرّض منذ مدة غير قصيرة الى محاولات استدراج لادخاله في فتنة اهلية. الأحداث المتنقلة في الجبل محاولة استدراج والتسليح في بعض الجبل ايضاً وشراء الأراضي كذلك. لكنه أحبط كل محاولات الاستدراج حتى الان ويتمسّك بالدولة. ولعل هذا بالضبط ما “يغيظ” أصحاب “مشروع الفتنة”.
يريد هؤلاء من جنبلاط ان يُستفزّ. كما يريدون من الحريري ان يُستفزّ ومن جعجع ايضاً. يريدون من حركة 14 اذار ان تطلّق الدولة وأن يذهب أطرافها الى “الأمن الذاتي” ليسقطوا الدولة فيؤدي ذلك الى تبرير “الدولة” غير الشرعية.
لكن قادة 14 اذار يعون تماماً ما يخطّط سورياً. وأهم ما يعونه هو ان الشجاعة ليست بالذهاب الى الحرب الأهلية، بل الشجاعة في رفضها وفي منعها… والاّ فإن المتاريس سهلة.
ولذلك، فإن الموقف الذي التزمه قادة 14 اذار حيال عملية الخطف هو موقف صعب لكنه الموقف الصحيح. وسيكون أصعب بعد النهاية المأساويّة للخطف، لكنه سيكون الموقف الصحيح. وسيبقى هذا الموقف صحيحاً الى أن ييأس أصحاب مشروع الفتنة مِن حصولها.
الخطوط الحمر
اذاً، تأسيساً على ما تقدم، لا بد من التأكيد على عدد من العناوين الرئيسية:
اذا كان مما لا شك فيه ان الأجهزة الأمنية والقضائية عملت ليل نهار بحثاً عن الشاب والفتى المخطوفَين قبل أن يوجدا مقتولين مما يجب التنويه به، فان الأمن في البلاد بعد هذه الجريمة يمثّل التحدّي الأبرز، لا بل الأوّل من نوعه أمام هذه الأجهزة.
كذلك، إذا كان مما لا شك فيه أن المؤسسة العسكرية لعبت خلال المرحلة الانتقالية التي يجتازها لبنان منذ استشهاد الرئيس الحريري وحتى اليوم دوراً كبيراً في حماية لبنان و”حماية” الصراع السياسي، فإن الواجب لا يقتضي فقط تعزيزها وتطوير قدراتها، بل يقتضي التحذير من محاولات البعض إستدراجها الى الصراع السياسي وإدخالها في مشاريعه غير الوفاقية وغير الدستورية.
وعلى صعيد آخر، إذا كان قادة 14 آذار رفضوا الدخول حتى الآن في اتهامات وتسميات بشأن عملية الخطف والقتل، وذلك من أجل تهدئة النفوس والخواطر وتمسكاً بالدولة ودورها، فإن بيان حركة 14 آذار أول من أمس لم يخطئ في دعوته الأطراف “القادرة” أو “المؤثّرة” الى ممارسة دور بنّاء لإنهاء هذه العملية وعودة المخطوفَين سالمَين.
وهذه مناسبة للتوجه الى “حزب الله” للقول له إن خطابه السياسي ـ الإعلامي في الفترة الماضية يتنافى مع الخط الأحمر الذي أكد التزامه به مرات عدة، إذ ينطوي على تحريض لا يخدُم صراعه السياسي، بل يفيد المستعجلين للفتنة، مما يوجب عليه إعادة النظر فيه بسرعة.
حمَى الله لبنان في أحرج مرحلة يمرّ بها على الإطلاق.