بعد أن انقشعت الأتربة، وتطايرت الأشلاء، وتلاشى البرجان الشاهقان لمنظمة التجارة العالمية في نيويرك في لمح البصر، ذعر العالم وذُهل من دقة منفذي تلك المذبحة المروعة ومن وحشيتهم. تبين من التحريات أن ثمة خمسة عشر شاباً سعودياً من بين التسعة عشر انتحارياً ممن لاقوا حتفهم في تلك العملية، وأن منظمة القاعدة التي أسسها ويرأسها البليونيير السعودي أسامة بن لادن، هي المخططة والمشرفة على ذاك المشروع الإجرامي وبأموال سعودية. حينها تزاحمت الأسئلة في الأذهان بتعجب لماذا؟ ومن أين؟ وكيـف تشكلت تلك الأرواح الشريرة السعودية التي تقتل بدم بارد أناساً ابرياء، وتبرر الجريمة بأسباب واهية؟؟ كيف ينجب شعب يُظهر على أنه محافظ ومتدين ومسالم ذاك الغول الكاسر الذي يُطلق عليه منظمة القاعدة؟؟
بالرغم من أن مقاتلي منظمة القاعدة تدربوا وتمترسوا ودعِموا عسكرياً ولوجستكياً من قبل جهاز المخابرات الأمريكية “السي آي أيه” وبمباركة كثير من الدول المعادية للمد الشيوعي في العالم، إلا أن أصابع اللوم توجهت ناحية السعوديين وحدهم، فتفتحت أعينهم على حقيقة مُرة تبناها العالم بأسره، حيث أدانوا السعوديين بتهمة أنهم شعب يفرّخ الإرهاب ويربيه ويرعاه ثم يصدّره، أصبح السعوديون منبوذيين حتى من قبل الدول الصديقة بعد أن كانت جميع أبواب الدنيا مفتوحة لهم. صاروا مطاردين ووضِعوا على اللوائح السوداء في معظم منافذ الدول خاصة الغربية منها، حيث أصبحت تحركات السعوديين محسوبة عليهم، فالكل صار يمارس عليهم مهنة الرقيب والمحاسب والمشكك في النوايا.
انقسمت آراء السعوديين حول تلك الأزمة التي تورط فيها أفراد منهم. تفاقمت الشكوك وتعالت أصوات الاستنكار والغضب من الحال المزري المشين الذي وجدوا أنفسهم عليه. منهم من أصّر على أنها جريمة ملفقة، أراد مدبروها إلحاق الضرر بالإسلام وأتباعه، وأنهم لم يرتكبوا ذاك العمل بالرغم من اعتراف بن لادن به. قاموا بتحليل الحدَث بذهنية المتآمَر عليه من أجل أن يبرِّئوا ساحتهم ويريحوا ضمائرهم المرتبكة. آخرون اعترفوا بها وحاولوا ان يقوموا بدور الضحايا المغرر بهم. بينما قلة جدا منهم أدركوا تلك الفعلة الشنيعة وتعاملوا معها على أنها واقع بشع، وبدؤوا يبحثون عن أسبابه الحقيقية وكيفية تدارك تبعاته. ترى لماذا السعوديون بالذات كانت لهم اليد الطولى في تلك الكارثة كما كانت في محاربة الشيوعيين في أفغانستان وفي الشيشان؟؟ ما الذي يدفع بالشاب السعودي أكثر من غيره الى خوض تلك المعارك والموت فيها؟؟
قبل أن يتوصل أحد إلى أية إجابة بدأت أمريكا تلوح بنوايا الانتقام من منظمة القاعدة ومن طالبان قادة افغانستان المتواطئين معها. شعر بالخطر جميع السعوديين المتطوعيين بالدفاع عن الإسلام في أفغانستان، حيث كان كثير منهم أفراداً نشيطين في القاعدة. وخوفاً من انتهاء المنظمة ورغبة في توسيع ساحة القتال، شدّ السعوديون رحالهم عودة لوطن لم يهتموا قط به ولا باحتياجاته. الكل شمت وقال: ها هي بضاعة السعوديين رُدت إليهم وسيذوقوا المرارة التي تجرعها الآخرون بسببهم وبدون ذنب. وبالفعل حالما حطّت أقدام السعوديين الوافدين من افغانستان في المملكة، بدأوا يخططون للقيام بأعمال تخريبية وإرهاب الناس الآمنين وقتل الأبرياء من السعوديين والجنسيات الأخرى، بزعم مناصرة الإسلام وتطهير جزيرة العرب من الكفار. إذن حتى في حركتهم الداخلية، وضع السعوديون الإسلام هدفاً مهماً وتجاهلوا في أجندتهم الوطن وأغفلوا ما كان يجب عليهم أن يفعلوه من أجل الارتقاء بأرضهم التي تدنى حالها في جميع المجالات الانسانية والعلمية والاجتماعية والخدماتية. مرة أخرى أثبتوا أن انتماءاتهم مغربة عن وطنهم.. فهم لا يكنون أية مشاعر وطنية لبلدهم ولا يحسون بمسؤليتهم تجاهه… لماذا..؟؟
حطّت رحى حرب أمريكا الانتقامية في أرض أفغانستان. دارت معارك ضروس بين الأمريكيين وفرقة طالبان والمحاربين الأجانب. سقطت دولة طالبان الراديكالية وتخلخلت أعمدة منظمة القاعدة. تم بيع المحاربين الأجانب الذين كان غالبيتهم من السعوديين بأبخس الأثمان للأمريكيين. مرات وصل سعر الرأس السعودي إلى عشرين دولارا فقط، كان يباع ككبش فداء هزيل في سوق النخاسة. جمعتهم أمريكا وزجّت بهم في أقفاص معتقل “غوانتانامو”. بعدها بشهور تبين أن أكثر من نصف سجناء ذاك المعتقل سيء الصيت هم من السعوديين!! فطرح السؤال نفسه مرة اخرى.. لماذا السعوديون وليس غيرهم؟؟ لماذا لم يكونوا أفغانيين والحرب كانت في بلدهم؟؟
في عام 2003 اجتاحت قوات التحالف العراق بقيادة امريكا وبريطانيا واحتلتها بمزاعم امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل والتي لم يجد أحد لها أثراً على الإطلاق. سقطت بغداد، وتهيجت مشاعر العرب، فزحف المقاتلون الى العراق ممن ينتمون للقاعدة أو إلى فكرها ونهجها لتصفية حسابهم مع الغرب بشكل عام وأمريكا بشكل خاص. بين عام 2004 – 2005 بيـّنت الاحصائيات أن 70% من المقاتليين العرب الانتحاريين في العراق هم سعوديو الجنسية. هنا عاد السؤال يحوم في الأذهان: لماذا السعوديون تحولوا الى قنابل بشرية وصاروا يضحون بأنفسهم ويتفجرون ويُفجرون في بغداد وفي بلدان أخرى؟؟ هل لأنهم سلعة سهلة التحكم بها لتحقيق مصالح للجماعات المسلحة والأنظمة المتواطئة معها؟؟ أم لأنهم شعب بلا انتماء لوطن لذلك يصبح من السهل التعامل معهم كبطاقات قمار رخيصة وغبية تُستخدم بحنكة هنا وهناك في لعبتي العروبة والإسلام؟؟ لماذا أصبحوا كعاهرات الطبقات المخملية يستعملون في الاتفاقيات السرية لرجال السلطة..؟؟
وللحديث بقية!
salamhatim2002@yahoo.com