توافقت مجموعة من الأحزاب الكردية: التحالف الديمقراطي الكردي، والجبهة الديمقراطية الكردية في سوريا، و حزبا آزادي والديمقراطي الكردي، على مقاطعة الانتخابات القادمة، نيسان 2007.
بررت الأحزاب الكردية هذه، مقاطعتها بجملة من العوامل والتبريرات التالية:
“- استمرار مأساة مئات الألوف من أبناء شعبنا الكردي ضحايا الإحصاء العنصري الذين جردوا من جنسيتهم السورية وحرموا من كافة حقوقهم بما فيها حقهم في الترشيح والتصويت، رغم كونهم مواطنين سوريين أباً عن جد.
– إن الناخب الكردي في سوريا، بدلاً من أن تخصص له من المقاعد في البرلمان ما توازي تمثيله السكاني، فقد كانت نسبة المقاعد البرلمانية العامة في المناطق الكردية أقلّ بكثير من محافظات أخرى أقلّ سكاناً من محافظاتهم.
– كانت إجراءات التدخل في عملية الاقتراع والفرز وتزوير إرادة الناخب عبر الضغوط المختلفة أكثر قسوة وشدة في المناطق الكردية.
– ناهيك عن التعامل مع أهم القضايا مساساً بالوحدة الوطنية والسلم الأهلي في البلاد باستخفاف، فعلى الرغم من مرور ثلاثة سنوات على أحداث آذار الدامية التي راح ضحيتها /27/ شهيداً ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين، لا تزال السلطات تستمر في التعامل مع شعبنا الكردي بنفس العقلية الشوفينية ولا يزال ملف آذار بعيداً عن المعالجة حيث تتم محاكمة الضحية بدلاً من محاكمة الجناة.”
وضمنتها خلاصة تحالفية سياسية موجبة، ” ليلتقي موقفنا مع مواقف معظم القوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية الأخرى في البلاد”.
إذا كنا نوافق القوى الحزبية الكردية على أهمية النقاط الواردة أعلاه كمآخذ على سلوك السلطة وممارساتها الاستبدادية والتعسفية بحق الشعب السوري عامة والشعب الكردي في سوريا تخصيصا، فأننا لم نقتنع بهذه المآخذ كي تتحول إلى معاذير و موجبات يبنى عليها موقف سياسي تتجاوز آثاره الحدود الحزبية العربية والكردية معا، فالانتخابات بمعزل عن استحقاقها الدستوري، هي في الوقت عينه معركة سياسية بين السلطة والمعارضة وساحة صراع وحشد سياسي على الكتلة الشعبية مصدر السلطات الحقيقية ومشروعية التمثيل الشعبي.
إذا كانت للأحزاب العربية المنضوية في أطار “إعلان دمشق”مبرراتها لمقاطعة الانتخابات، فلأنها أحزاب لا تمثل غير جسدها الحزبي وبرامجها العقائدية أي أعضائها وقدراتهم وجماهيرهم المحدودة لأكثر من سبب وسبب لا مجال هنا لمناقشته وإن كنت قد ناقشت ذلك سابقا في أكثر من مقال. إلا أن الوضع يختلف في حال الأحزاب الكردية،
لأن الانتخابات الإشتراعية ـ ولو شكلا ـ تتجاوز الحدود والبرامج الحزبية، لاتساع سقفها وحدودها إلى المجال الوطني العام، وهي ليست استحقاقا يحسم أمره في حدود الهموم الحزبية الميكانيكية الضيقة، بقدر ما هو استحقاق سياسي ميداني يرتقي بشطآنه إلى مستويات الصراع الوطني الاستراتيجي على مستقبل الشعب في معركة الحشد للزخم الوطني بمعايير تتجاوز الأفراد والأحزاب إلى الشعب والوطن والهوية. وهي، الانتخابات، على المستوى الوطني، منازلة وطنية بكل المعايير لا يجوز ابتسارها في أطر التعليل الوظيفي لا بحجم طربوش السلطة ومضايقاتها الاستبدادية ولا في سقف القدرات المعدومة لقوى المعارضة الحزبية العربية، التي أثبتت أحداث الاعتصام استنكارا لقانون الطواريء، فشلها في التعبير عن نفسها في هذا الحجم المحدود، حين أدى اعتقال 37 شخصا، استوعبتهم شاحنة نقل السجناء، على فحش هذا العمل الاستبدادي المقرف يستقيم وسلوك سلطة همجية، إلا أنه أوضح للعيان هشاشة وضعف وقلة حيلة قوى “إعلان دمشق” الذي تبدى في ركاب الشاحنة، التي ألغت اعتصاما سياسيا حضر له طويلا كمعركة مع السلطة. فكيف بقدرتها على إنجاز تغيير وطني ديمقراطي، باعتباره عملية، “… بدأت منذ فترة ” حسب تعبير إعلان دمشق.
لا يجوز للأحزاب الكردية، سواء تلك المنضوية في إطار إعلان دمشق، أو التي بقيت خارج أطرها، أن تخضع معركتها الوطنية لمعايير أحزاب وأفراد إعلان دمشق وهي تستند إلى حيوية الكتلة الشعبية الكردية المتقدمة سياسيا. لأن “إعلان دمشق” يتألف من أفراد وتشكيلات حزبية عربية، بمعزل عن تلك الكردية، لا تتجاوز حجمها عشرات ومئات الأفراد هذا دون أن نغمط حق بعض رموزها الوطنية، الذين يتجاوز حضورهم الوطني والسياسي عشرات أضعاف حجم جماهير الأحزاب.
لقد أوضحت أحداث الشهر الفائت، آذار 2007 حجم الحيوية الجماهيرية التي حضرت بها الكتلة الشعبية الكردية في مناسبة انتفاضة آذار، وذكرى جريمة حلبجة، وأعياد النوروز، حيوية لا يجوز التفريط بها بمقاييس سقف قدرات إعلان دمشق ولا بسقف هموم ومزاج القوى الحزبية الكردية التي تغرف من حركة جماهيرها دون أن تضيف إلى حركتها حيوية سياسية يستقيم وتضحياتها تحت أية حجة مهما بدت مقنعة شكلا.
فالانتخابات ذات البعد الجماهيري، لا تسعر بالحريرات التي يستفاد منها وظيفيا في صورة بضاعة عينية وهي لا تقاس بحجم وحدود المقاعد النيابية التي يسال لها اللعاب ولا بفاعلية النواب الذين سيتم إيصالهم إلى الندوة البرلمانية السورية المهترئة، بقدر ما تقاس انتخابات من هذا النوع بدلالتها السياسية التي تتبدى في الصراع على الكتلة الشعبية في منازلة السلطة الاستبدادية، كممثل لقضية شعب لا يترك يتيما، على مائدة الاستبداد وهي مناسبة للتثقيف في الاتجاهين، الكتلة الشعبية بمفاهيم نضالية وحقوقية ونضالية ترتقي بأدائها إلى حجم عسف الاستبداد وتضحيات الكرد الذين لم يبق لهم ما يخسرونه غير قيود الاستبداد و السياسات العنصرية، وهي، الانتخابات، في الوقت عينه دورة تدريبية للكادر الحزبي إلى الاحتكاك بالناس والتعرف عليهم وجس النبض الذاتي والشعبي لإعادة صياغة برامجها وتنغيم شعاراتها على إيقاع درجة الضغط والغليان والحساسية الشعبية لبرامج وشعارات الأحزاب خارج التكلس والتقوقع في برادات حفظ الموتى.
كان لإعلان دمشق أن يصبح فضاء وطنيا ومعراجا سياسيا للحضور الكردي
إذا كان لقوى إعلان دمشق الحزبية مبرراتها وعجزها عن التنطح لهذا الاستحقاق الجماهيري، إلا أنه يبقى من المستغرب في أن يتحول شخصية وطنية جماهيرية مثل رياض سيف إلى أسير سقف قدرات إعلان دمشق الحزبية في حين أنه أخذ موقعه لدوره الجماهيري الذي تشكل أصلا، في هكذا برلمان سلطوي استبدادي. إذا كان هذا ينطبق على شخص فرد، فكيف بكتلة شعبية كردية بعددها الملاييني وحيويتها الميدانية التي هزت ولا زالت منذ سنوات، ليس ركود الحياة السياسية السورية وحسب، لا بل شحنت الحزبية الكردية بضخ بالغ الحيوية أحضرته بقوة مفاعيلها الميدانية، الساحة الوطنية السورية لأول مرة في تاريخ البلد، وجرت إلى ساحتها القوى الحزبية العربية بالاستماع إلى الصوت الكردي الذي تم تجاهله طويلا.
أننا نرى أن الانتخابات فرصة تاريخية، لا يجوز التسبب بإهمالها في تغييب الحراك السياسي الوحيد في مواجهة الاستبداد مهما كانت المبررات واقعية ومقنعة، على القوى الحزبية الكردية إذا طمحت أن تكون ممثلة لقضية شعبها باعتباره مسألة وطنية، وحقيقة قومية، في ألا تتخلى عنه في معركة فرصة، فريسة لقوى السلطة القادرة على أن تخلخلها في هكذا هيجان جماهيري سواء برموز متعاونة مع السلطة أو ذوات طموحات محدودة، أمعات عشائرية ضحلة، تحقق في غياب القوى الجديرة ما عجزت عنه السلطة بقمعها، إذ لا يجوز ترك الملايين الكرد في مهب حمى انتخابية وكأنها أرقام مهملة في الأجندة السورية وجغرافيتها الوطنية هذه الملايين المهددة في هويتها القومية ومصالحها الوطنية وفي حياتهم اليومية، لا يجوز وليس من حق الحزبية الكردية تركهم في عزلة عن الأحداث وهم الذين صنعوا جل أحداث السنوات الأخيرة والعالم من حولهم يتحرك.
على القوى الحزبية الكردية أن تقطع مرة والى الأبد مع سياسة استرهان مصالح شعبها لصفقات حزبية مؤقتة، مثلما فعلت سابقا، حين أخضعت طويلا، مصالح شعبها لصداقات وكرامات، وتبويس لحى الأصدقاء في الأجهزة الأمنية المحلية، هاهي تعود وترهن سياساتها ومصالح شعبها لصداقات عاجزة وفرتها لها القدرات المحدودة لإعلان دمشق. فبدلا من أن تجعل من إعلان دمشق فضاء وطنيا ومعراجا سياسيا للقضية الكردية في سوريا لتصبح قضية وطنية وسياسية بامتياز. هاهو إعلان دمشق، يجعل من القضية الكردية أسيرة عجزه وانعزاله بعدما غدا مصيدة للقوى الحزبية الكردية وخلافاتها.
على الأحزاب الكردية ألا تنفصل عن جماهيرها كما على رموز العمل الوطني السوري أن يسندوا ظهورهم إلى الجدار الوطني الكردي بدل جره إلى شاحنة سجنهم، إلى خارج التاريخ والسياسة والحدث، لا يجوز للراعي ترك القطيع في تيه الذئاب المتربصة بحجة البحث عن حماره وزوادته وجرسه ومرياعه. أن تحصن الحركة الحزبية الكردية ومعها المعارضة الوطنية العربية في الكتلة الشعبية الكردية يخلق حوافز سياسية لتحريك الكتلة الشعبية العربية، ويحصن البيت الداخلي الوطني ويصون الوحدة الوطنية و يقطع الطريق على السلطة وساياساتها الاتهامية بالتخوين والتفريق، وحبذا لو تبدى الحراك الوطني المعارضي السوري في إعلان دمشق وخارجه، في صيغة نضالية متقدمة، قد تكون، كأن يترشح رموز المعارضة العربية ذوي المصداقية الشعبية على القوائم الكردية وتحت شعارات الشراكة الوطنية الكردية/ العربية السورية.
bachar_alissa@hotmail.com