ما زلت أتذكرها قبل عدة سنوات، شابة في المرحلة الثانوية، جميلة ومتألقة، هكذا بدت لي وهي تتهم الرئيس الأمريكي جورج بوش بالعدوانية وإشعال الحروب وتطالبه بعدم زيارة وطنها “الشيك” تقف أمام الكاميرا بقوة وبسالة قائلة: “أنا أقول لجورج بوش نحن سنتظاهر ضدك فهذا حقنا كبشر ومواطنين ونحن هنا موجودون لنقول لك لا “، تحمل حقيبتها المدرسية وتلتحق بالمظاهرة!
أتذكر هذه الفتاة الغريبة وأقارنها بفتياتنا البائسات في مجتمعنا المحافظ جدا والمتدين جدا. فلا يكاد يمضي يوم إلا والمح فتيات يقفن على أبواب المطاعم والبقالات وكافيهات الانترنت أيضا، يطلبن حاجتهن من العامل، فهن غير قادرات على دخول مطعم فضلا عن تناول الوجبة بداخله لأنهن نساء! أي إناث وليست الأنثى كالذكر!
إن هي إلا امرأة!
حدثني أحد الأصدقاء بأنه اضطر للمشي بد أن تعطلت به سيارته، فتوقفت له سيارة عمه. قال له: تفضل يا ابن أخي بالركوب. قال: أين؟ هل تريدني أن احتل المقعد الخلفي؟ أجابه: نعم، ولم لا؟ . قال:أنا الرجل! أكون في الخلف وزوجتك وهي امرأة تبقى في المقعد الأمامي! هذا لا يجوز إنها امرأة وأنا رجل، أليس عندك نظر يا عمي!
عقدة الحقارة في الاجتماع الديني
تسود عقدة الحقارة في المجتمعات الدينية كافة على حد سواء، فيستقل الفرد ويصبح الإنسان في آخر الدرك، لتركز السلطة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو دينية في يد فئة قليلة محدودة ويتمتع أفرادها بالاحترام والتقدير والتقديس والتبجيل. أتذكر أن الطاغية الراحل صدام عندما التقى بالسفيرة الأمريكية في بغداد قبل غزوة للكويت وقال أن العراق يستطيع تقديم 10000 ضحية في اليوم، من اجل مبادئه وفي سبيل أهدافه إلا أن أمريكا لا يمكنها التضحية بمثل هذا الرقم! عندما يشيع الاستبداد وتتركز السلطة بيد مجموعة قليلة ونفر محدود تغلب عليهم العنجهية والغرور والدكتاتورية، فيتصورن أنفسهم كل شي وان غيرهم لا شي.
مكانة الإنسان في الغرب
في الغرب يقف الفرد في البداية والنهاية. المذهب الفردي الليبرالي يضع الإنسان في سلم الأولويات ووسطها ونهايتها. انه المحور الذي تدور حوله المنظومة الدستورية والقانونية. بينما في المجتمعات الدينية الشرقية ليس للإنسان قيمة أو وزن، إلا أن يكون من أهل السلطة الحاكمة أو أتباعها ومريديها.
أنت لا شي!
احد أصدقائي يقول لي: برغم انجازاتي ومهارتي في مجال عملي إلا أن مديري المباشر يقول لي علانية أنت لا شي ولا تساوي شي، ومهاراتك هذه ليس لها اثر أو قيمة أو معنى!
من أنتِ؟
كنت قد اطلعت على مجموعة من الأعمال الفكرية والكتابية. أشير لي على بحث كتبته فتاة جامعية يتناول موضوعا رائعا وقد قدمت حوله تحليل مبدع، قيل لي أن محيطها الاجتماعي عاتبها عندما نشرته ورقيا، متسائلين عن من تكون ولماذا تكتب وما هو هدفها ومن أجاز لها الكتابة؟ هل استأذنت أحد الشيوخ؟ أم إحدى الكاتبات المرموقات؟ أو على الأقل إحدى أستاذات الجامعة التي تدرس فيها!!
من أنت لتقدم مثل هذا التفسير؟
احد الأصدقاء الأعزاء من رجال الدين ألف كتاب قدم فيه تفسيرات غير مأثورة عن ثورة ألطف فجاءه وفدا من التقليديين قائلين له “من أنت لتسطر مثل هذا التفسير؟ هل تستند على رأي مرجع يعتد به؟ أو على الأقل باحثا أو أستاذاَ في الحوزة معترف به؟ فان كان غير ذلك فمن أنت لتقدم مثل هذه التفسيرات والتأويلات والتحليلات؟!
من أنت لأضع مؤلفاتك إلى جانب كبار العلماء والكتاب ؟
حدثني احد الأصدقاء بأن صديقه العزيز لديه مكتبة يمارس من خلالها بيع المطبوعات، قال له قريبا سوف أطبع كتابيين جديدين من مؤلفاتي وسوف احضر لك عدداُ من النسخ لتبيعها. التفت إليه متعجبا! ماذا!! هل يعقل ما تقول؟ هل تريد أن أضع كتبك إلى جانب آية الله وصاحب السماحة والفضيلة وحجة الإسلام والدكتور فلان وفلان؟ هل جننت؟ اعرف حجمك، من أنت لأضع مؤلفاتك إلى جانب كبار العلماء والكتاب؟
الاحتقار نظام شامل
لا يقتص الأمر على تحقير الفرد وإذلاله في المجتمع الديني، وتحطيمه الشخصي وتسقيطه الذاتي، بل يتجاوز الأمر إلى أبعاد مأساوية. فالرجل يحتقر المرأة وينظر لها بدونية وتهميش، والحاكم يحتقر المحكوم، فأهل السلطة يوسمون قاعدتهم بالعوام، والرعاع، والسني ينظر بعين الاحتقار للشيعي والشيعي يبادله نفس المشاعر، ويتعامل المتدينون المتنازعون مع بعضهم البعض باحتقار وعداء وتعالي، وينظر الدينيون إلى الآخر من خارج المنظومة الدينية بنظرة سلبية قاتمة تصل إلى حد القول بالنجاسة المادية علاوة على المعنوية.
لا مكان لنظرة الاحتقار في الغرب
في الغرب يصل المسئول إلى مركزه بناء على ترشيح الجماهير له، وليس له شغل منصبه لأكثر من فترتين أو ثلاث. وللجماهير منظمات ومؤسسات ينخرطون فيها، ترعى مصالحهم وتدافع عن حقوقهم. والمسئول لا بد له أن يراعي الجماهير ويحترمها اشد الاحترام، ويجب عليه الوفاء بوعوده الانتخابية وإلا لن يعود لكرسيه مرة أخرى مع انقضاء مدة ولايته وسينعكس ذلك بالسلب على الحزب الذي ينتمي إليه على المدى القصير.
استفحال نظرة الاحتقار في المجتمع الإسلامي
في مجتمعاتنا الدينية الإسلامية ليس للجمهور قيمة أو وزن في اغلب الأحيان، لانعدام ثقافة الحقوق وشيوع الاستبداد. وتنعكس هذه الثقافة على الأفراد لتتحول إلى ثقافة شائعة وقيم متحركة. عندما اقرأ نقدا من قبل الأفراد لبعض الشئون العامة فأنهم يكتبونه أو يتفوهونه على سبيل الرجاء والولاء لا المطالبة والثقة. قرأت لأحد الشبان على الانترنت مقالا ينتقد فيه تمزق رجال الدين وعدم اجتماع كلمتهم. في بداية أمره قال انه لا يمكن أن يكون في مستوى هؤلاء المشايخ وانه ليس يحمل عقلا كعقلهم وعلم كعلمهم فهو من العوام والمشايخ أهل علم وتقوى وفهم غزير ولكنه يتمنى منهم أن توحد كلمتهم!
امتهان الفرد في الاجتماع الديني
في عدد ليس بالقليل من المقالات والمواقف التي أعاينها لا أجد نبرة الوثوق والقوة والثقة في شخصية الكاتب أو المتحدث وإنما أعاين أقلاما وأفواها يغلب عليها الضعف واستحكام عقدة الحقارة في داخلها. قرأت عن شاب طلب من مشايخ بلدته أن يتركوا خلافاتهم الجانبية لمصلحة المجتمع فأجابه احدهم قائلا: ما دمنا راضين بهذا الوضع فلا دخل للعوام بيننا!
دائما ما أتابع الردود على المقالات المنشورة في شبكة الانترنت فأجد فيها تسقيطا لشخصية الكاتب وذما لذاته، أن اغلبها لا تتطرق لما يطرحه المقال ولا تجيب على الإشكاليات التي يحملها وإنما تهاجم شخصية الكاتب وتركز عليها وتحاول النيل منها وتحطيمها. أما الآراء الواردة في المقال فغير مهمة وليست بذات قيمة، وان ذلك لدليل على استحكام عقدة الحقارة في مثل هذه المجتمعات برغم أن منها خرج المثل القديم الذي يقول “انظر إلى ما قيل لا إلى من قال” وينقل عن الرسول (ص) ” إنما الحكمة ضالة المؤمن فيتلقها ولو من صدر المنافق ”
جورج بوش محدود الذكاء !
بعد الحرب على العراق خرجت مظاهرة صاخبة في الولايات المتحدة، وقفت امرأة قائلة لمحطة الجزيرة ” أنا متعجبة! كيف أن دولة قوية وعظيمة كأمريكا يحكمها رجل محدود الذكاء كجورج بوش!! لن انتخبه في المرة القادمة!” هل يستطيع احدنا أن ينتقد رئيسه في العمل! أو ينتقد الشيخ الذي يصلي وراءه! كنت قد تقدمت ببعض الاقتراحات لتطوير الوضع في بيئة المؤسسة التي اعمل فيها، فقال لي زميلي على جري العادة: من أنت لتقترح؟ أنت مجرد موظف وستبقى كذلك وان الأمر لهم يقررون ما يشاءون!! أن المرأة الأمريكية في المثال الأول ومن هم على شاكلتها في المجتمعات المتقدمة تتكلم من موقف قوة وثقة بكونها إنسانة وامرأة ومواطنة لها الحق في التعبير عما يجيش في عقلها وضميرها، بينما ينشا الإنسان في المجتمعات الدينية وكل شي مفروض عليه!! عاداته وتقاليده وقيمه وفتاواه، في المدرسة والعمل والأسرة والمجتمع، ولا يحق له المساهمة في التنمية،بل أن مفهوم التنمية بمعناه الواقعي والديناميكي غائب ومحظور. فكل شي صحيح وليس هناك ادني احتمال لفقدان الصواب في أنظمتنا الحاكمة، دينية كانت أو ثقافية أو فكرية أو اجتماعية. فأي معنى للتنمية يا ترى؟ وأهل السلطة أدرى بصالح المجتمع وإنهم أهل اختصاص والفرد ليس كذلك فاعرف أيها الإنسان حجمك ووزنك ولا تلفت إلى قول الشاعر” وتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر!
منشأ عقدة الحقارة
تنشا عقدة الحقارة من تهميش المجتمع، والتهميش عائدا إلى الاستبداد واستحكام الديكتاتورية والمركزية في المجتمعات الدينية، ابتداء بمؤسسة الأسرة وانتهاء بالمؤسسات الكبرى الحاكمة، وانعدام المشاركة الشعبية في الإدارة وحظر حرية الرأي والفكر والبحث والتعبير والضمير، مما يجعل الإنسان غير قادرا على استغلال مواهبه وإمكانياته واستثمار طاقاته. وعندما يحاول بوعي أو بدون وعي استغلالها فانه يواجه بسيل جارف من حملات التسقيط والإذلال، وذلك لانعدام المؤسسات التي تحتضن الطاقات الإنسانية الفاعلة التي توجهها نحو التنمية والبناء. فلا يكون للنشاط الفردي أي اثر فعلي بل انه يوضع في خانة مواجهة النظام الحاكم سواء كان سياسيا أو دينيا أو اجتماعيا، فيرتدع الإنسان، فتنشا عنده هذه العقدة، وتتناقلها الأجيال وتستشري بين الطبقات والشرائح والفئات الاجتماعية وتصبح جزء من الثقافة العامة ومناهج التفكير الجمعي والنظام الاجتماعي السائد.
مجتمعات متحجرة
لا ثقة في النفس في المجتمعات الدينية،بل رضوخ واستلام لكل شي، لذلك فإنها مجتمعات جامدة، خاملة، تعلب عليها الوحشة والكئابة، احد الأصدقاء من رجال الدين لديه الكثير مما يخالف فيه ما هو مألوف، ولكنه يخشى من أن يحتقر ويسفه وينفض عنه الناس ! قلت له والآية التي قول ” الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احد إلا الله” طأطأ رأسه إلى الأرض وقال: هذه الآية لم اقرأها من قبل!
الإنسان بين الشرق والغرب
في الغرب لا يسال المرء من أنت حتى تتظاهر وتحتج و تدلي بهذا الرأي، لان ذلك ببساطة من حقوقه المشروعة المعروفة بالبداهة،ولكن بالمقابل يمارس المرتبطين بالسلطة بمختلف مستوياتهم في المجتمعات الدينية التعالي والغطرسة على من دونهم، فقط لأنهم يمتلكون شي من السلطة أو النفوذ فما بالك بأهل السلطة أنفسهم!
السلطة في الغرب مؤسسة في نطاق دستور محكم، ورجل السلطة عبارة عن موظف، المنصب مهمة وليس امتياز، ولكنها في المجتمعات الدينية تشريف وهبة من الله.
عندما تسود الحرية وقيم الكرامة ستتلاشى عقدة الحقارة، حينها سوف تتمكن المرأة من أن تحيى كباقي أفراد المجتمع،إنسان يتمتع بالحقوق والمساواة والكرامة، سيحترم الشيعي السني والسني الشيعي،وسيصبح عباد الرحمن طاهرين باعتبارهم بشر مكرمين، وستغدو للفرد قيمة عظيمة تتفق مع إنسانيته وعظيم خلقته، وسيكون كل شي مسخرا من اجله وفي خدمته، مصداقا للحديث القدسي ” خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي” حينها فقط ستكتمل إنسانيتنا، ونحقق أهداف وجودنا، في ظل العبودية لله سبحانه وتعالى.
raedqassem@hotmail.com
* السعودية