مذكرة مقدمة من
المحـامـي أنــور البنــي
إلى محكمة الجنايات الأولى بدمشق
إن الأساس القانوني للتهمة الموجهة لي منعدم وباطل. فالمادة 286 من قانون العقوبات المعطوفة على المادة 285 تعاقب على نقل الأخبار الكاذبة أو المبالغ فيها في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها والتي من شأنها أن توهن نفسية الأمة :
اولاً – لسنا في زمن الحرب، فقد حدد القانون زمن الحرب بأنه المدة التي تقع فيها اشتباكات مسلحة بين الجمهورية العربية السورية والعدو ويحدد بدؤها وانتهاؤها بمرسوم، وسوريا لم تشهد أي عمليات أو اشتباكات مسلحة مع العدو منذ فترة طويلة، علماً أنه تم في العام 1974 توقيع اتفاق الهدنة والقبول بقوات الفصل الدولية وقانون اتفاق الهدنة يوقف الاشتباك المسلح ولم يصدر أي مرسوم يعلن حالة الحرب في سوريا بعد ذلك التاريخ، مما يعدم الأساس القانوني للتهمة من هذه الناحية. كما أن جميع تصريحات المسؤولين السوريين تؤكد على أن خيار سوريا الاستراتيجي هو السلام وان ليس هناك أي توقع أو احتمال لنشوب حرب جديدة وكذلك تصريحات المسؤولين الإسرائيليين .
ثانيا- لم تقدم لا النيابة ولا أي جهة أخرى ما يثبت أن الخبر حول وفاة المعتقل محمد شاهر حيصه هو كاذب، ولم تثبت انه لم يكن سجيناً أبداً، كما لم تثبت انه لم يزل على قيد الحياة ، كما لم تبرز ما يؤكد أن ما ذكره أهله حول وجود آ ثار تعذيب على جسده هو عار عن الصحة مما ينفي الأساس الثاني للتهمة المنسوبة لي.
ثالثاً : انصح بالرجوع لمداولات مجلس النواب عند مناقشة قانون العقوبات وكذلك اجتهادات محكمة النقض الثابتة والمستقرة حول هذه المادة القانونية والتي تؤكد جميعها أن المشرع قصد من أن الأخبار الكاذبة هي الأخبار التي تتناول الجيش وقوته وبناءه وتموينه وحالته المعنوية ومواقعه أثناء المعارك وقوة العدو ومواقعه وقدرته والحالة التموينية للبلاد وقدرتها على النصر وليس خبر وفاة معتقل في السجن! مما ينسف التهمة من أساسها ويقوض أركانها القانونية المادية والمعنوية.
وبعد، هل تصدقون، أو هل توقع من فبرك هذه التهمة إن عقول الناس ساذجة لحد تصديق أن هذه المحاكمة وتوقيفي لأكثر من عشرة اشهر حتى الآن بسبب هذه التهمة. انتم تعرفون وأنا اعرف والناس يعرفون إن لهذا الاعتقال وهذه المحاكمة أسباب أخرى يعرفها الجميع.
أنا ابن عائلة حرة رفضت التدجين والخنوع ودفعت اكثر من ستين عاماً من عمر أبنائها في السجون والمعتقلات دفاعاً عن العدالة والحق وحرية الرأي والتعبير. لقد أمضيت اكثر من عشرين عاماً من عمري كمحام أدافع عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير أمام المحاكم العادية والاستثنائية والعسكرية وبينت عدم نزاهة وحيادية وعدالة هذه المحاكمات، وأوضحت الهيمنة والسيطرة على السلطة القضائية واستخدامها كأداة لتصفية الحسابات مع المعارضة السياسية ونشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني، دافعت عن استقلال القضاء والقضاة الشرفاء الذين تعرضوا للتهديد والتهميش والإقصاء، كما أظهرت عدم دستورية القوانين الاستثنائية وعلى رأسها فرض حالة الطوارئ والمرسوم 49 عام 1980 ومخالفتهما للدستور ومبادئ العدالة والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والموقعة عليها سوريا. كما كشفت أساليب وطرق التعذيب الوحشية والأوضاع اللاإنسانية التي يتعرض لها السجناء في السجون والمعتقلات. ونددت بالاعتقال السياسي أو بسبب الرأي، ودافعت عن حرية الصحافة والصحافيين والكتاب والمفكرين بل واعتقالهم أحيانا بسبب مقال أو مقال أو تحقيق أو كتاب أو لقاء إعلامي. كما أدانت منع سفر النشطاء والمعارضين خارج البلاد، وتسريحهم من العمل للضغط عليهم اقتصادياً وبلقمة العيش، ودافعت عن حقوق الأكراد المجردين من الجنسية وحقهم بالتمتع بالمواطنة الكاملة والمساواة وممارسة جميع حقوقهم الثقافية من لغة وتراث وتقاليد.
كما ترأست مركز تدريب المجتمع المدني الذي أنشأته المفوضية الأوربية في إطار دعم المجتمع المدني والذي كان سيشكل نواة لبناء كادر يتبنى ثقافة حقوق الانسان والحوار والتسامح وحل النزاعات بالطرق السلمية، وقدمت دراسة قانونية حول آلية الهيمنة والسيطرة في القوانين السورية تظهر فقدان العدالة والمساواة والحرية في هذه القوانين وتمكن فئة من السيطرة والهيمنة على كل المجتمع السوري بكل جوانبه السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وأنجزت مشروع دستور جديد لسوريا الذي أتمناه لجميع السوريين يعتمد حقوق الإنسان والحرية والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات لجميع السوريين ويصون مبدأ فصل السلطات والمحاسبة بشكل حقيقي.
لأنني وبقية معتقلي الرأي أصواتنا عالية لها مصداقيتها أمام الرأي العام المحلي والعالمي، واضحة شفافة بسيطة ومقنعة بدون أهداف شخصية أو دوافع أنانية، وكان يتوجب إسكاننا من اجل إرهاب وتخويف المجتمع وخوفا من انتقال عدوى الحرية للآخرين. أننا كأصحاب رأي وفكر ونشطاء حقوق أنسان ومجتمع مدني نحاكم الآن بسبب ما نكون ومن نكون، وإن قراركم سيكون بحجم ما نكون ومن نكون وليس بحجم هذه التهم الباطلة .
أنا وبقية معتقلي الرأي والضمير هنا لأننا مارسنا حقنا بالرأي والتعبير الذي كفله الدستور، والدستور الذي أقسم رئيس الجمهورية على احترامه وتطبيقه وضمنه بخطاب القسم وضمنته القوانين التي أقسمتم على احترامها وتطبيقها عندما دخلتم سلك القضاء .
أني صاحب رأي قد يوافق رأيكم أو رأي آخرين وقد يخالفه، لكم دينكم ولي دين وللآخرين دينهم، ولكن هذا لا يعني أن أكون مقتولاً أو قاتلا من اجل خلاف رأي أو دين، أنا لا أريد أن أكون قاتلاً أو مقتولاً . أريد كما يريد جميع السوريين أن أعيش برأيي الذي كونته حسب قناعاتي وأفكاري، وان اعبر عن هذا الرأي بحرية في بلدي وهم يرون ذلك جريمة في “بلدهم “.
أنا صاحب رسالة لحق الإنسان وكرامته وحريته في مواجهة رسالة الظلم والقهر والقمع والتعذيب والتمييز. الناس عرفوا رسالتي وسمعوها. أما رسالتكم فأملي أن تكون رسالة ضمير حي تشهد على نقطة تحول في مسيرة القضاء السوري نحو حياد القضاء واستقلاله فيما يتعلق بالمحاكمات السياسية، ويبقى شعبنا هو الحكم الأخير، وإن غداً لناظره قريب .
سجن عدرا 20/3/2007
رئيس المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية
المحامي أنــور البنــي