حظي الحديث عن وضع المرأة في الإسلام بجدل مستفيض منذ بداية القرن العشرين.. حتى أضحى موضوعاً شائكاً لكون الوقوف على حقائق ونصوص ووقائع التصقت بموضوع المرأة في الإسلام وضعت القائمين والمهتمين بأمر المرأة يتساءلون عن حقيقة الثقافة التي كرّست العداء للمرأة والنظرة إليها كعورة يتوب الناظرون إليها ويستغفرون (!) ليس من رؤية مفاتنها الواجب سترها ولكن حتى من مجرد سماع صوتها (!) أو رؤية سواد حجابها (!).
ولمحة خاطفة إلى ما نقله الرواة والمؤرخون وثبت في القرآن الكريم والسنة عن حقيقة وضع المرأة في الإسلام.. نجد أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – تعلّم الناس حديث نبيهم – صلى الله عليه وسلم – ويختلف إليها الرجال من كل حدب وصوب ليجدوا عندها فصل الجواب عما يسألون من أمور دينهم (!) .. ونجد أم المؤمنين أم سلمة – رضي الله عنها – قد أثبتت صواب رأيها وسداد مشورتها يوم الحديبية بعد أن كاد الصحابة يعصون أمر رسول الله – ص – بالحلق والتقصير وفسخ العمرة ! فأشارت عليه صلى الله عليه وسلم بأن يبدأ بنفسه فيحلق رأسه ويخرج إلى أصحابه فإذا رأوه حالقاً حلقوا جميعاً .. فكان الأمر كما أشارت رضي الله عنها.
ونجد المرأة كذلك تصلي مع الرجل في مسجد واحد هو مسجد الرسول – ص – خلف الرجال (!) دون أن يكون بينهما ساتر ولو من جريد النخل (!!) ودون أن يدعي أحد أن ذلك سيفتح باب استراق النظر إلى ما ظهر من ثيابهن وأبدانهن كالوجه والكفين والقدمين (!!!).
ونجد طابوراً طويلاً لا يقف عند حد من نساء عظيمات تبوأن مكانة خالدة في عتبات التاريخ لن تفي بذكرهن أجزاء كبيرة من الكتب ! فما الذي ساهم إذن في طمس هذه الحقائق؟ وتحويل المرأة إلى مصدر عظيم للشر والفساد ولم يفقهوا من أمرها غير الشهوة والفتن (!) .. إن الذي تسبب في ذلك هي الثقافة الجاهلية التي سحبت نفسها إلى مجتمع الإسلام ووجدت من المفسرين وعشاق الماضي من يجرها بقوة إلى ساحة الإسلام ويجتهدون في تفسير النصوص المضيئة بعبث واضح ويجعل من ظلمها أساساً صالحاً ووضعاً طبيعياً ويجعل من حريتها وكرامتها دعوة علمانية تحارب الله ورسوله !! ولا بأس – بعد ذلك – بنثر بعض الرماد على العيون بذكر شئ من التلاطف معها كسنة وليس فرضاً (؟!!).. ولا بأس من التبسم لها ولكن مع تعليق السوط لتأديبها في أي لحظة (!!).
واستحكمت هذه الثقافة بالبيئة العربية بضغط الظروف والعادات المتأخرة التي وقفت على امتداد التاريخ عائقاً أمام تغيير الإسلام لواقع حياة الناس نحو الأفضل وساعدت في تحويله إلى طقوس ووصايا وخرافات وقشور من التنمية الاجتماعية والبشرية فسارت كل عوامل التخلف سير السحاب وبقيت كل الإضاءات حبيسة الكهوف لا تجد عوناً لها على الظهور في الأرض!! وساعدت هذه الثقافة على إنشاء حزب واسع استطاع أن يحتضن الخلفاء والفقهاء والمحدثين والعوام .. فكان جراء ذلك، أن على الإسلام السلام !!.
واليوم ونحن بصدد ما سمعناه من إقرار الحكومة الموقرة تعديلات على جملة من القوانين التي تخص المرأة، ومنها قانون الأحوال الشخصية ” سيئ الصيت ” وتعديلاته.. وهو القانون رقم ( 20 ) لعام 92 م وتعديلاته.. هذا القانون تضمن إيجابيات لا بأس بها أول صدوره عام 92 م.. ثم بفعل واقع الحال الذي أفرزته حرب 94 م سيئة الصيت ، وظهور القوى الرجعية المتخلفة المتسترة بالإسلام وصاحبة شعار الخوارج قاتلهم الله : (( لا حكم إلا لله )) كشريك من شركاء النصر (!).. سارعت هذه القوى المتخلفة إلى تعديل الدستور وقانون الأحوال الشخصية ليتحول إلى قانون إسلامي مائة بالمائة من وجهة نظرهم – ما شاء الله -. فكان من جملة هذه التعديلات إلغاء سن الزواج للبنت من 15 سنة إلى ثانية من الزمان (!!!!).
نعم في القرن الحادي والعشرين عصر الطاقة النووية، ينتصر الإخوان المسلمون في اليمن بإلغاء “السن العلماني” لزواج البنت من 15 سنة ليصبح بمقدور الأب تزويج ابنته لحظة ولادتها ممن يشاء (!) ولكنهم، ايضاً، لم ينسوا أن يدهنواهذا التعديل سيئ النية والضمير بدهان الكرامة وحفظ الاحترام للمرأة فقد جعلوا على الزوج ألا يتم تمكينه منها حتى تكون صالحة للوطء (!) الله اكبر!! ثم ماذا! بل إن أرادت فسخ هذا النكاح لها ذلك! وكيف يكون لها فسخ هذا النكاح! انه عبر المحاكم والقضاء والشكوى بأبيها لعدم اختيار الزوج الصالح لها .. و”طلعة وراء نزلة” في مجتمع لم يزل يحظر على المرأة الخروج إلى التعليم فضلاً عن الخروج من البيت الى المحاكم لمقاضاة أبيها وأهلها الذين من ظلموها وهي في زهرة العمر ! .
يتم كل هذا الهراء باسم الإسلام ! ومستندهم تزويج عائشة –رضي الله عنها – مع أنهم متفقون على أن زواج النبي (ص) من الخصوصية حتى في الزيادة على الأربع ؟ لكن في مسألة السن فلا (!) وسوف يقولون هذا كلام لا نعرف له خلافاً بين أهل العلم (!) في منأى وانحراف صريح عن تطور العصر والظروف والأحوال التي تتغير بمقتضاها الفتاوى والأحكام وهذا تفصيل فقهي يطول بحثه ولست بصدده الآن؟ .
وأغرب ما في القانون المذكور أن المرأة التي حكم القضاء والقدر عليها باليتم بفقد أبيها وأوليائها فلا يمكنها الزواج إلا بحضور ابن ابن ابن عمها القاطن في بلاد الواق واق لكونه الولي الشرعي لها .. ولابد من الاتصال به بأي حال وان تعذر وحتى في حالة اللجوء إلى القضاء فهات يا مماطلة ويا تسويف بسبب الثقافة القائلة إن أي زواج يتم من دون رضا هذا الولي فانه باطل.. مع العلم بأن حديث بطلان النكاح بغير ولي إنما هو بتوافر وجود الأولياء بدليل قوله – صلى الله عليه وسلم – فان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له .. ولكن يتم طمس كل الجواهر المضيئة في الإسلام وتعميم التأخر والرجعية باسم الإسلام (!!).. وأعرف نساء استخرجن إذن القضاء بالتزويج وهو ما يعرف بـ(الإنابة) بعد شهور من تقديم طلب الإذن بالزواج على باب القاضي .. وظللن يتسولن هذه الإنابة بعد أن خسرن المال والوقت الكثير (!) بل وربما غادر العريس بعد ما مل الانتظار !! .. وأعرف أخريات انتهى المطاف بهن إلى العجز عن الحصول على هذه الإنابة بسبب وجود ابن ابن ابن عم لها في بلاد الواق واق بل وربما لا تعرف هي صورته ولا يعرفها فما عليها إلا اللجوء إليه للعقد لها وإلا فالنكاح من غيره باطل (!) .
بالله هل هذه هي كرامة المرأة التي نتشدد بها باسم الإسلام ؟.. وهل هذه هي المكانة التي حفظها الإسلام للمرأة؟ مع أن النبي –ص- لما تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية جعلت أمرها إلى العباس صهرها زوج أختها فزوجها من رسول الله –ص- فأين هذا اليسر من عسر دعاة الإسلام السياسي وأدعياء الحاكمية لله – ولا حول ولا قوة إلا بالله – ؟.
إن ما ذكرته هو ( غيض ) فقط لا يساوي عشر العشر مما هو موجود في قانون الأحوال الشخصية اليمني وغيره مما يخص معاملات المرأة. الأمر الذي – كما أظن – هو الذي دفع بالرئيس /علي عبدالله صالح إلى توجيه الحكومة بضرورة تعديل القوانين التي تتضمن تمييزا ظالما ً ضد المرأة ، بعد ان طالتها أيادي العبث باسم الإسلام إبان نفوذهم وتسلطهم في فترة من الزمان ، حين تمكنوا من خلال الشراكة في الحكم بعد حرب 1994 من أن يرسموا ليس لنا فحسب بل للعالم أجمع صورة العصور الحجرية، زاعمين إنها من صميم مطالب الدين وإعلاء كلمة الله وتطبيقاً لشعار ” لا حكم إلا لله ” ولا حول ولا قوة إلا بالله !!.
* رجل دين ومدير عام المساجد في عدن ـ الجمهورية اليمنية