وردنا من المرصد الإعلامي بلندن هذا البيان الذي وجّهه “أبو حفص محمد عبد الوهاب بن أحمد رفيقي” (خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ومدرس وخطيب بمدينة فاس) من سجن عين قادوس بمدينة فاس المغربية. وهو بعنوان “نداء من أبي حفص إلى شباب الأمة”.
مناسبة البيان هو: “الحادث الأليم الذي وقع بحي سيدي مومن بالدار البيضاء ليلة الاثنين 23/02/1428هـ ،الموافق 12 مارس 2007م ، والذي راح ضحيته منفذ العملية ، وجرح بعض الأبرياء من المسلمين”.
1 النصح لله ورسوله، عملا بقوله عليه الصلاة والسلام: (النصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
2 الشفقة على شباب الأمة والحرص عليها، والخوف من أن تستغلها جهات مشبوهة، داخلية أو خارجية، تهدف إلى زعزعة الاستقرار، واستغلال أوقات الاضطراب والفتنة، لتحقيق مآرب خاصة وأغراض شخصية.
3 القيام بواجب البيان وعدم الكتمان ، الذي أوجبه الله تعالى على أهل العلم وطلبته ، وما يتطلب ذلك من صراحة ووضوح ، وجرأة في قول الحق ، بعيدا عن أسلوب المجاملات والمداراة والمهادنة ، وتحررا من سطوة الأنصار وسلطان المحبين ، فأهل العلم والفكر والرأي هم من يوجه الأتباع وليس العكس ، وهم من يقودون ولا ينقادون.
4 الصدع بكلمة الحق والجهر بها وعدم الخشية في الله تعالى لومة لائم ، لأن هذا الواجب ليس محصورا في مواجهة الظلم والطغيان ، بل هو واجب أيضا في مواجهة الأنصار والأتباع والمحبين.
5 إزالة كل فهم خاطئ أو لبس أو ضبابية قد تقع في أذهان البعض ، ممن يظن أن نصرتنا لقضايا المسلمين المستضعفين في فلسطين أو العراق أو أفغانستان ، تعني التشجيع على القيام بمثل هذه الأعمال المرفوضة والمدانة ، فما اعتقدنا هذا أبدا ولا آمنا به ، لا قبل السجن ولا بعده ، ولا دعونا إليه ، ولا حرضنا عليه ، لا سرا ولا علنا ، بل كل فهم خاطئ من هذا القبيل نحن منه براء براءة الذئب من دم يوسف.
وعليه فإني أدعو الشباب إلى الاستجابة لهذا النداء، فهو نداء محب مخلص مشفق ، يرسله من ردهات الزنازين ، لا بغية له سوى ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين ، وأنبههم إلى ما يلي:
1 رفض مثل هذه الأعمال وإدانتها ، أيا كان جهتها أو مصدرها ، لما تنطوي عليه من مخالفات شرعية صريحة ، ولما فيها من استهتار بأرواح المعصومين ، وعدم مراعاة النصوص الشرعية القطعية والمتواترة ، التي تحرم الاعتداء على الأنفس والأموال بغير حق ، فالمسلم لا يزال في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما.
2 أنبههم إلى أن مثل هذه الأعمال التخريبية لا تحقق مصلحة ولا تدرأ مفسدة ، بل الواقع أنها لا تجلب سوى المفاسد ، ولا تحقق سوى مزيد من هيمنة الاستكبار العالمي على بلاد المسلمين ، كما أنها تقدم الذرائع والمسوغات لكثير من خصوم المد الإسلامي ليحققوا مزيدا من أهدافهم.
3 إذا كان الدافع لمثل هذه الأعمال هو الحماس والغيرة ، والرغبة في نصرة قضايا الأمة في فلسطين أو العراق أو أفغانستان ، فليعلم الشباب أن هذه الأعمال تسيء إلى هذه القضايا ، وتجعل من كل مجاهد ومقاوم للاحتلال إرهابيا مفسدا في الأرض.
4 إن ارتكاب مثل هذه الأعمال يؤدي إلى خنق أنفاس الدعاة إلى الله عز وجل ، ويضيق مجالات الدعوة ، ويحاصر العلماء وطلبة العلم ، ويضعف مواقفهم ومواقعهم ، والأمة أحوج ما تكون إلى دعاة ربانيين صالحين ينقذونها من براثن الجهل والغلو ، ويتسلقون بها درجات الوعي والعلم.
5 لقد كانت هذه الأعمال ونظائرها سببا في إبطاء تحرك ملف المعتقلين على خلفية أحداث 16 ماي ، إذ في الوقت الذي استبشرنا فيه بسلسلة من الانفراجات ، جاءت مثل هذه الأحداث لتغلق هذا الباب ، ولتقدم هدية على طبق من ذهب لبعض الجهات التي تريد إقبارنا في سجوننا ، وتريد أن تخرس صوتنا الذي يشع اعتدالا ووسطية واتزانا.
ورغم يقيننا بأن الفرج من الله ، والأمل فيه عز وجل عظيم ، إلا أنه يجب على كل من سولت له نفسه القيام بمثل هذه الأعمال، أن يتذكر آهات الأمهات ، وتنهدات الآباء ، وعبرات الزوجات ، وألم الأطفال والصبيان ، فمآسيهم وآلامهم ليست لعبة ولا أمرا ثانويا ، يتجاوز بتأويلات وشبهات مرفوضة شرعا وعقلا.
6 أدعو الشباب إلى التفقه في الدين ، ومعرفة أحكامه ومقاصده وغاياته ، وذلك بالالتفات حول العلماء الربانيين الصادقين ، ولن تعدم هذه الأمة أمثال هؤلاء ، والبعد عن الاستعجال والتهور ، وإلقاء التهم ، فهؤلاء العلماء الربانيون هم الأقدر على تبصير الشباب بحقيقة صفاء دينهم وسلامة منهجهم ، ومركبهم هو المركب الذي يصل بصاحبه إلى بر السلامة والأمان.
7 أنبه إلى أن معالجة مثل هذه الأعمال لا يتوقف على السياسات الأمنية، بل لا بد من فتح أبواب الحوار ، وإنصاف المظلومين ، والحد من ظاهرة التطرف بنوعيه وشكليه، أي التطرف الديني والتطرف العلماني.
8 لا بد أن أنبه إلى أنني بهذا النداء لا أغازل الجلادين ، ولا أتواطأ مع من انتهك حقا من حقوق أي مظلوم ، كما قد يتوهم البعض ، بل إنني كما أدين مثل هذه الأعمال ، فإني أدين الظلم الذي مورس على كثير من المعتقلين ، وأدعو إلى التحقيق في ذلك ، ومساءلة كل من ثبتت مسئوليته عن ذلك ، إلا إن هذا كله ليس بمبرر لأحد ليتخوض في الدماء المعصومة ، وليجلب على الأمة من المفاسد والشرور ما الله به عليم.
هذا وإني أؤكد مرة أخرى أنني لا أروم بهذا البيان إلا النصيحة الخالصة ، وليس له من دافع إلا المحبة والشفقة البالغة، صونا للدماء ، وحماية للأمة ، وحرصا على شبابها ، لعله يجد آذانا صاغية ، وقلوبا واعية ، وعلى كل حال ، فإني أبرأت ذمتي أمام الله تعالى ، وأدعو كل المشايخ والدعاة الذين لهم محبة في قلوب الشباب إلى إبراء ذممهم ، والقيام بواجبهم ، هذا ما أشهد الله تعالى عليه ، وهو على كل شيء شهيد.
كتبه : أبو حفص محمد عبد الوهاب بن أحمد رفيقي
بالسجن المحلي عين قادوس بفاس